شهدت الأشهر الأخيرة بعد السابع من أكتوبر فورةً في التوجُّه للقضاء، سواء الدولي أو الوطني، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فرأينا توجُّه الأفراد ذوي الصفة وممثليهم من المنظمات الحقوقية إلى محاكم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا والمملكة المتحدة، في تحدٍّ مباشر لسياساتها المتعلقة بتمويل وتسليح ودعم “إسرائيل” غير المشروط، والذي يعني وفقًا للمعطيات الحالية المرتبطة بالمقتلة المستمرة في غزة، ضلوع هذه الحكومات بشكل مباشر وفعّال في حرب إبادية ضد الفلسطينيين في القطاع، وفي سياسة استعمار استيطاني إحلالي في بقية ربوع فلسطين.
فهل من فائدة تُرجى وراء هذه التحركات القضائية؟ وهل تستطيع المحاكم الوطنية أن تغيّر مسار الأمور فعلًا أم أن هذه القضايا مجرد حجر في مستنقع آسن؟ يستعرض هذا المقال الإمكانات التي قد تحملها هذه التحركات القضائية والحدود التي تطوّق أثرها ومداها.
سهام مباشرة
يلعب القضاء في المجتمعات المعاصرة دورًا مهمًّا في تنظيم العلاقات لا بين الأفراد أنفسهم وحسب، لكن أيضًا بينهم وبين حكومات بلدانهم بموجب العقد الاجتماعي الذي يربطهم من ناحية، وبين الحكومات ونظيراتها بموجب مبدأ السيادة من ناحية أخرى. غير أن دور القضاء يضيق كلما اقتربنا من مساحة الحكومة وأعمالها السيادية وفقًا لمبدأ الفصل بين السلطات، وتتسع هذه المساحة وتقلّ الرقابة عليها عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.
هذا لا يعني بحال أن الحكومة بإمكانها أن تنفرد بالعلاقات الدولية، خاصة في عصر العولمة الذي نعيشه، والذي أمست فيه المقولة المستهلكة “العالم قرية صغيرة” أدقّ وأقرب من أي وقت مضى. حيث يعمل القضاء ضمن ثلاثية السلطات كمراقب على عمل السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة وأذرعها، متيحًا قناة للأفراد والجماعات لتحدي تسلُّط الحكومات وسوء استخدامها للسلطة.
تحمل القضايا المرفوعة ضد الحكومات الغربية نتيجة الدعم الذي تقدمه لـ”إسرائيل” جدوى مباشرة حين تتعلق بالحقوق الدستورية لأشخاص بعينهم أو لمؤسسات بعينها، خاصة إن كانت عاملة أو تتواجد في تلك الدول. تتخذ هذه القضايا سمة أكثر مباشرة وتأثيرًا لوقوعها في مجال عمل القضاء، دون التقاطع مع السياسة الخارجية وهامش عمل السلطة التنفيذية.
فالقضايا التي تطرقت لحق التعبير والتجمع وحقوق التقاضي والتظلم، لاقت آذانًا سامعة لدى المحاكم الغربية، وجرى في كثير من الأحيان إنصاف أصحابها. حيث ترتب عليها تعويضات مباشرة وتغييرات في السياسة المتبعة للحكومة.
ففي القضية الشهيرة التي رفعها فلسطينيون ضد ريغان عام 1985: “أبو رزق ضد ريغان”، لرفض حكومة الولايات المتحدة منح الفلسطينيين تأشيرات دخول لحضور مؤتمر سياسي في الولايات المتحدة، أبطلت المحكمة قرار الحكومة الأمريكية واعتبرته انتهاكًا لحق التعبير المكفول في الدستور الأمريكي.
الحكم ذاته تكرر في قضية خير الدين ضد رينو لعام 1998، والتي تحدت سياسة الحكومة بتكميم أفواه من ينتقد السياسة الأمريكية الإسرائيلية والتعاون بين الحكومتَين، وأيّدتها المحكمة بكون هذه الإجراءات انتهاكًا صارخًا للحقوق الدستورية.
وقد تأكد هذا المبدأ مرة أخرى في قضية صلاحي ضد أوباما لعام 2010، والتي تحدت سياسة الحكومة الأمريكية بحبس وتعذيب من يتعاون مع مؤسسات إسلامية تقدم الدعم للقضية الفلسطينية ضمن تهم أخرى، فقد وجدت المحكمة أن هذه التهم لا تتيح للحكومة الخروج على القانون وضمانات التقاضي العادلة، وأن في ذلك انتهاكًا للدستور الأمريكي.
من ناحية أخرى، تمخّضت القضايا التي رُفعت في معرض العلاقات الاقتصادية بين الحكومات الغربية و”إسرائيل”، والتي تعلق معظمها بمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، عن جدوى مباشرة. وقد كانت المحاكم الأوروبية مسرحًا بارزًا لعدد من الانتصارات القضائية بهذا الخصوص.
فقد قضت محكمة العدل الأوروبية، أعلى سلطة قضائية في الاتحاد الأوروبي، عام 2010 بعدم قانونية إعفاء المنتجات الإسرائيلية من إجراءات ومحددات التجارة في دول الاتحاد، بموجب اتفاقيات التجارة التي تجمع بين الحكومات الأوروبية ونظيرتها الإسرائيلية، خاصة ما يتعلق بذكر مكان التصنيع. يعتبر هذا القرار القضائي انتصارًا مهمًّا لجهود حركة المقاطعة، والذي أعانها بشكل مباشر بتحديد المنتجات التي يجب مقاطعتها في الأسواق الأوروبية.
كرة الثلج
في المقابل، إن التقاضي في مسائل السياسة الخارجية مثل محاولة منع بيع الأسحلة أو إرسال البعثات العسكرية أو وضع حدّ للدعم المالي للحكومات الخارجية، حتى وإن كانت في جوهرها تنتهك الدستور وما يتفرّع عنه من قوانين فيدرالية أو وطنية، قد أثبت محدودية أثره المباشر. وبالطبع إن أثر القانون الدولي سيكون أخفت في هذه القضايا، نتيجة جدلية موقعيته وإلزامه في الأنظمة الوطنية.
فمثلًا في قضية قديمة بالخصوص اتبعتها المحاكم الأمريكية فيما بعد، رفضت المحكمة نظر قضية كروسبي ضد حكومة الولايات المتحدة لعام 1984، والتي رفعتها مجموعة من دافعي الضرائب الأمريكيين لوقف المساعدات العسكرية لـ”إسرائيل”، ادّعوا فيها انتهاك القانون الأمريكي بتقديم العون العسكري لدول ذات ملفات سيّئة السمعة في مجال حقوق الإنسان وعلى رأسها “إسرائيل”.
الحكم ذاته تكرر في قضية بسيوني ضد نابوليتانو لعام 2010، والتي حاول فيها فلسطينيون من غزة وقف صفقة أسلحة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة بقيمة 555 مليون دولار خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع لعام 2008-2009، بدعوى انتهاكها لقانون فيدرالي أمريكي هو قانون “التحكم بصادرات الأسلحة”. حيث ردّت المحكمة القضية شكلًا لعدم وجود أساس معقول.
عادة ما يواجَه هذا النوع من القضايا بعقبات قانونية وقضائية وأخرى سياسية. حيث عادة ما يتم رفض نظرها وردّها شكلًا، إما لعدم وجود اختصاص شخصي أو أساس معقول وإما لفشلها بتخطي عقبة نظريات، مثل “السؤال السياسي” الذي يحدّ من قدرة القضاء على تتبّع السياسات الخارجية للسلطة التنفيذية، و “امتياز أسرار الدولة” الذي يمكّن الحكومة من التستُّر على بعض الإجراءات والسياسات لتعلقها المباشر بمصالح الأمن القومي، هذا على نطاق الولايات المتحدة. أما الدول الأوروبية فتمتلك أيضًا أساسات ونظريات مشابهة تحدّ بدورها من قدرة القضاء على إطلاق يده في هذه القضايا.
ورغم ذلك، عملت قضايا من هذا النوع على زعزعة أساسات متينة ممتدة لعشرات العقود تربط الحكومات الغربية بحكومة الكيان، ففي مثالها الأبرز تعود العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إلى البداية المبكرة لتأسيس الكيان، فقد رعت الولايات المتحدة كخليفة للملكة المتحدة المشروع الاستعماري الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وزوّدته بالدعم المالي والسياسي والدبلوماسي والعسكري.
ومع ذلك، فإن الاصطفاف غير المسبوق للولايات المتحدة إلى جانب “إسرائيل” بعد السابع من أكتوبر، والذي رافقه اتخاذ إجراءات استثنائية من البيت الأبيض لتجاوز الكونغرس في تمرير المساعدات العسكرية مرتين وليس مرة واحدة، هو أمر يشير إلى عمق الأزمة التي تمرّ بها الإدارة الأمريكية في علاقاتها مع “إسرائيل”.
وقد أسهمت التحركات القضائية الداخلية والدولية في رفد هذه الإحراجات، ولعبت دورًا مكملًا في تشكيل التوجه الشعبي الأمريكي العام.
فرغم أن القضية التي رفعها فلسطينيون ومنظمات حقوقية فلسطينية وأمريكية تحت مظلة مركز الحقوق الدستورية الأمريكي أمام محكمة فيدرالية، ضد بايدن ووزير خارجيته ووزير دفاعه بتهمة الفشل في وقف الإبادة الجماعية والمساهمة الفعّالة فيها، في خرق لالتزامات قانونية لا دولية وحسب ولكن أيضًا وطنية، تمنع الحكومة من الانخراط في سياسات إبادية في أي مكان بالعالم؛ وصلت لطريق مسدود حيث ردّها قاضي المحكمة تحت مبرر عدم الاختصاص، كون هذه الادعاءات تقع ضمن السياسة الخارجية للبيت الأبيض، وهي مساحة محفوظة تاريخيًا للسلطة التنفيذية ولا تصمد القرارات القضائية أمامها طويلًا.
إلا أن الدعوى وما زامنها من دعوى جنوب أفريقيا أمام العدل الدولية، اجتذبت اهتمامًا إعلاميًا وشعبيًا وساهمت في تنامي حركة المناصرة في الشوارع الأمريكية، مرورًا بانتفاضة الجامعات التي ما زالت تتكشف آثارها حتى اللحظة، في مثال على الدور التكاملي الذي يلعبه القضاء في تشكيل الرأي العام في المجتمع الأمريكي.
إضافة إلى رفع الوعي بين الأفراد والجماعات الفاعلة والمؤثرة في توجُّه الشارع حول القضايا ذات الأهمية، ما يسهم في تنامي حركة الاحتجاج وما يرافق ذلك من ضغط داخلي على الحكومة لتغيير سياساتها، ولو بشكل تدريجي وهادئ.
الضغط السياسي باتجاه مزيد من الشفافية
تسهم القضايا المنظورة أمام المحاكم بتشكيل وتغيير سياسات البلدان، خاصة إذا ما جرى الفصل في القضايا بصورة نهائية وأضفت إلى قرارات ملزمة للحكومة، تبطل أثر بعض إجراءاتها أو تأمرها بالتخلي عن سياسة ما لانتهاكها للدستور.
لكن حتى في الظروف التي لا يتاح فيها للقضاء بالتوصل إلى أمر نهائي أو يأتي الأمر النهائي بما لا يشتهيه المدعي، فإن عدة آثار جانبية تترتب عن نظر القضية، منها ما يتعلق بتغيير سياسات فرعية أو الكشف عن معلومات سرية، أو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تمنع تكرار القضايا أمام المحاكم.
فقد أسهمت هذه القضايا في الضغط على الحكومات باتجاه مزيد من الشفافية في تعاملاتها مع “إسرائيل”. فالقضية المرفوعة ضد الحكومة الأسترالية أمام القضاء الوطني الأسترالي بعد السابع من أكتوبر، للكشف عن خبايا التعاملات العسكرية بين الحكومة ونظيرتها الإسرائيلية، مثلت ضغطًا متزايدًا على الحكومة الأسترالية للكشف عن بعض جوانب التجارة العسكرية مع “إسرائيل”، والتي ظلت لعقود تنمو في الظل دون حسيب ولا رقيب.
فقد أشار السيناتور الأسترالي ديفيد شوبريدج، في مداخلة أمام مجلس الشيوخ الأسترالي، إلى أن أستراليا تملك أحد أكثر أنظمة تجارة السلاح سرية وانفلاتًا من الرقابة. وقد جاءت هذه الدعوى لمطالبة الحكومة بالكشف عن رخص بيع أنظمة الدفاع التي منحها وزير الدفاع الأسترالي لـ”إسرائيل” منذ السابع من أكتوبر.
حيث بيّنت روان عرفات، المديرة التنفيذية للمركز الأسترالي للعدالة الدولية، أن هذه الخطوة من شأنها طرح هكذا رخصات للمراجعة القضائية لفحص مدى توافقها مع متطلبات قانونية، من قبيل ضمان عدم استخدامها في انتهاكات حقوقية بصورة تعرّض أستراليا للمساءلة الدولية، نتيجة الإخلال بالتزاماتها الدولية.
وقد أنكر وزير الدفاع الأسترالي ريشارد مارلز وجود أي صفقات أسلحة بين “إسرائيل” وأستراليا، رافضًا التعليق بمزيد من التفاصيل بانتظار حكم المحكمة.
الأمر ذاته تكرر في ألمانيا، فقد رفعت مجموعة من المنظمات الحقوقية في ألمانيا دعوى ضد الحكومة للمطالبة بوقف صادرات الأسلحة إلى الكيان، والتي تستخدم بشكل مباشر في انتهاكات حقوقية خطيرة ترتقي إلى ممارسات إبادية ضد السكان الأصليين في البلاد المحتلة. اتكأ المدّعون في القضية على قانون وطني ألماني يحدَّد من سلطة الحكومة فيما يتعلق بأسلحة الحرب، وهو “قانون التحكم بأسلحة الحرب“.
وقد أحرجت الدعوى الحكومة الألمانية ودفعت المتحدثة باسمها، كريستين هوفمان، إلى التبرير للصحافة بأن الحكومة تختبر كل صفقة أسلحة على حدة، وأنها تضع في عين الاعتبار عددًا من المحددات التي تشمل إمكانية استخدام هكذا أسلحة في انتهاكات إنسانية وحقوقية، رافضة التعليق على إمكانية وقف هكذا صفقات بانتظار حكم المحكمة.
ورغم أن الدعوى قد لا تنجح بوقف صادرات الأسحلة مباشرة، إلا أنها تساهم في خلق ضغط سياسي سيجبر برلين على إعادة النظر في تلك الصفقات، وإمكانية وضع مزيد من الفحص والشروط عليها. إضافة إلى إجبار الحكومة على الشفافية وكشف المحددات المتعلقة بالصفقات، منعًا للإدانة القضائية من ناحية ودرءًا للخصومات السياسية التي ستحاول توظيف هذه التحركات لضرب مشروعية الحكومة ونجاعة سياساتها.
أما فيما يتعلق بالمسؤولية الشخصية للرؤساء والوزراء وصانعي القرار في الحكومات، فعادة ما يرافق مهام هؤلاء السيادية نوع من الحصانة تحول دون مقاضاتهم عن القرارات والإجراءات السيادية التي اتخذوها خلال فترة حكمهم، ما لم يكن فيها انتهاك للقوانين ذات الطبيعة الجنائية، حيث ترفع عنهم الحصانة في ظروف استثنائية قد لا ينطبق عليها الوضع الراهن من اصطفاف مطلق مع “إسرائيل”، ويعتبَر مثل هذا الاصطفاف سياسة عامة في الدولة وليست تصرفًا فرديًا خارجًا عن السرب.
فعلى سبيل المثال، لم تنضج الشكوى القانونية التي تقدم بها ناشطون فلسطينيون عام 2014 ضد بوش الابن، لفشله في وقف سياسة الاستيطان الإسرائيلية أثناء فترة رئاسته. وبالمثل أُجهض مشروع دعوى قضائية مشابهة ضد توني بلير عام 2012، نتيجة مساهمته في شركات ضالعة ببناء المستوطنات بالضفة الغربية إبّان فترة خدمته كرئيس وزراء لبريطانيا.
وعليه يبقى أثر هذه الدعاوى في التخويف المباشر لشخصيات قيادية ومسؤولة في الحكومات الغربية محدودًا، إلا أن الأثر الأكبر يكون في إمكانية إقصائهم عن الحياة السياسية عبر صناديق الاقتراع، إضافة إلى العار الشخصي الذي يرافقهم أمام جمهورهم الداخلي.
تسليط الضوء على الثغرات القانونية
تسهم بعض القضايا المجهَضة باكرًا بتسليط الضوء على الثغرات القانونية في الدول الغربية، فيما يتعلق بالتعاون مع الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، ما يدفع المشرعين ومؤسسات المجتمع المدني وجماعات الضغط إلى الدفع باتجاه تبنّي إصلاحات قانونية بالخصوص.
ففي قضية رفعتها منظمات فلسطينية عاملة في كندا ضد الحكومة الفيدرالية عام 2009، تتحدى فيها سياستها التي تتيح تقديم تسهيلات وخصومات ضريبية على التبرعات الموجهة للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، اتكأ المدعون مباشرة على السياسة الكندية الرسمية التي تعارض المستوطنات الإسرائيلية وتعتبرها انتهاكًا للقانون الدولي.
ورغم ذلك، قامت المحكمة الكندية بردّ القضية عام 2013 لعدم وجود أساس معقول ولحرية الحكومة بالتصرف فيما يتعلق بسياساتها الخارجية، الأمر الذي يشير إلى وجود فجوة قانونية وقضائية تتيح لهذا التعارض الصارخ بالاستمرار وإيتاء الثمار.
وفي مثال آخر في كندا، تمّ ردّ دعوى رفعها الطبيب الكندي طارق لوباني، بعد إصابته المباشرة برصاص إسرائيلي في قطاع غزة عام 2018، يتحدى فيها دستورية السياسة الكندية بتقديم دعم عسكري غير مشروط لـ”إسرائيل” ما يعتبر انتهاكًا للحقوق المدنية والسياسية الكندية، وذلك بدعوى عدم وجود أساس قانوني معقول لسماع القضية، الأمر الذي يشير مرة أخرى إلى انتصار السياسة ووجود خلل تشريعي واضح في الأنظمة القانونية الغربية، يتيح للانتهاكات الإسرائيلية أن تستمر حتى ضد رعايا هذه الدول ومواطنيها.
ختامًا، يظل القضاء، سواء الوطني أو الدولي، ساحة جدلية فيما يتعلق بـ”إسرائيل”، حيث يظهر تأثير الخط السياسي الذي تتبناه الحكومات الغربية على هذه التوجهات وإن تحت مسمّيات ونظريات أخرى. إلا أن هذا لا يعني وقف الضغط ومواصلة التحدي القانوني للكيان والحكومات التي تسانده.
فقد أثمرت القضية التي رفعتها مجموعة منظمات حقوقية في هولندا بقرار قضائي ملزم للحكومة، بوقف صادراتها من قطع طائرات إف-36 المستخدمة في الهجوم الجوي في قطاع غزة.
ورغم أن الحكومة تعهّدت باستئناف القرار لإيمانها بأن المسألة تعود إلى السياسة الخارجية المعهودة للسلطة التنفيذية، ولا قول للسلطة القضائية فيها، إلا أن القرار كان له صدى مهم في بقية الدول الأوروبية، فقد ألهم مزيدًا من التحركات القضائية المشابهة وأجّج نار الاحتجاجات الشعبية المناصرة للقضية الفلسطينية، ووضع الحكومات في مأزق أمام التزاماتها الوطنية.