من أبرز ملامح تنوع الحضارات والثقافات وتعاقبها في بلاد شنقيط (موريتانيا)، تنوع الأكلات الشعبية في البلاد، فقد جمع المطبخ الموريتاني عناصر من مطابخ عدة شكلت على مر التاريخ ميزة للبلاد نتعرف بعضها الذي مثل انعكاسًا لنمط حياة الموريتانيين، في التقرير التالي لـ”نون بوست”.
بلغمان.. طعام أهل الصحراء
من بين أبرز الأكلات الموريتانية، أكلة “بلغمان”، التي تميز المجتمع الصحراوي خصوصًا، فلها خصائص التكيف مع عاملي الترحال وخصوصية الأرض الزراعية في الصحراء، ويطلق على هذه الأكلة أيضًا “لوكيل لكحل” (الأكل هو الأسود)، وهو من أشهر الأكلات وأيسرها إعدادًا وتحضيرًا، حيث تعد من طحين الشعير أو ما يعرف محليًا بـ”الدقيق المقلي”.
تتمثل كيفية تحضير هذه الأكلة في قيام الطاهي بوضع دقيق الشعير المجفف والمطحون في إناء الكدحة
وتعتبر أكلة “البلغمان” وجبة مغذية وسريعة التحضير، ينظر إليها على أنها أساس زاد المسافرين، إذ إنها تحفظه من الجوع والعطش لمدة طويلة، وغالبًا ما يحضر البلغمان في وجبة السحور في شهر رمضان الكريم، كما تحضر أيضًا للأشخاص الذين يعانون من تراكم الدهون المضرة في وعاء المعدة، ويحتوي المكون الأساسي لهذه الأكلة “الشعير” على مواد فعالة أهمها النشا والبروتين والأملاح المعدنية ومنها الحديد والفوسفور والكالسيوم والبوتاسيوم.
تتمثل كيفية تحضير هذه الأكلة في قيام الطاهي بوضع دقيق الشعير المجفف والمطحون في إناء الكدحة (التسمية المحلية للقدح وهي أداة أشبه بالمهراز الطويل الذي يستعمل لدق حبات الشعير أو الذقن وهي خاصية مهمة في تحضير أكلة البلغمان)، وبعد ذلك يمزج مسحوق دقيق الشعير المسخن والمجفف بالماء الساخن والسكر والقليل من الملح، ثم يوضع السمن الذي يطلق عليه محليًا اسم الدهن أو الزبدة، وهناك من يفضل “الودك” (شحوم سنام الجمل المذابة والمصفاة جيدًا)، أو زيت الزيتون.
تيبوجن.. عندما يبدع الموريتانيون في طهي السمك
ضمن الأكلات الموريتانية الشعبية المفضلة لدى عموم الشعب في مختلف أنحاء البلاد، نجد أيضًا طبق “تيبوجن” أو الأرز بالسمك، التي يقول مؤرخون إنها تعود في أصلها إلى مدينة سلوي السنغالية قبل أن يتأثر بها المطبخ الموريتاني عندما كان البلدان يخضعان للاحتلال الفرنسي.
تتم عملية الطهي من خلال قطع السمك إلى شرائح مستديرة متوسطة الحجم، ويتم حشوها بالبصل الأخضر والثوم مع البهارات بعد طحنها
يعتمد هذا الطبق الشعبي خصوصًا على سمك “الكربين” الذي يصطاده صيادو موريتانيا من المحيط الأطلسي، وفضلاً عن السمك تتكون هذه الأكلة من الأرز والبصل والبقدونس والجزر والباذنجان والفلفل والثوم ومعجون الطماطم الذي تستمد منه الوجبة لونها المميز.
تتم عملية الطهي من خلال قطع السمك إلى شرائح مستديرة متوسطة الحجم يتم حشوها بالبصل الأخضر والثوم مع البهارات بعد طحنها، وتضفي عليه نكهة إفريقية خالصة، ويحول باقي الخضار إلى قطع كبيرة يتم تحضير الأرز بالبخار قبل أن يضاف إليه المرق ليكتمل نضجه، ثم يتم رص السمك على الأرز لتصبح الوجبة جاهزة للتقديم.
الكسكس.. الطعام المغاربي
كغيرها من دول المغرب العربي، تتميز موريتانيا بطبق الكسكس الذي يرافق مسار المجتمع منذ مدة طويلة من الزمن، وتعود كلمة كسكس إلى الكسكسي أو سيكسو وهي كلمة أمازيغية ذكرها ابن دريد في جمهرة اللغة في القرن العاشر للميلاد.
أما تاريخيًا فقد ذكرها الرحالة شارل أندري جوليان في كتابه تاريخ إفريقيا الشمالية حيث يقول: “كان الكسكس من الوجبات الأساسية اليومية في الكثير من المناطق شمال إفريقيا”، فوجبة الكسكس تدل على مدى الارتباط بين دول المغرب العربي مع أن لكل منها طريقة خاصة في تحضيرها.
من أشهر الخصائص التي يمتاز بها الكسكس الموريتاني هو التجفيف الذي يوازي تمامًا التعليب
ومن الأمور الرئيسية التي يختلف فيها الكسكس في موريتانيا وإقليم الصحراء الغربية عن الكسكس في الدول المغاربية الأخرى، إضافة مسحوق ورق نبات الملوخية الذي يسمي في موريتانيا تقية بغض النظر عن نوع المرقة التي ستضاف عليه، مع العلم أنه يؤكل أحيانًا من دون مرقة، وهناك عدة طرق لإعداد الكسكس الموريتاني من بينها الكسكس بالحليب والكسكس بالتيشطار والكسكس بمرقة اللحم أو الدجاج أو الحوت.
ومن أشهر الخصائص التي يمتاز بها الكسكس الموريتاني التجفيف الذي يوازي تمامًا التعليب، فقد استخدم الموريتانيون هذه الطريقة لتلائم خاصية الترحال التي كان المجتمع يقوم بها، كما تدفع إلى ذلك الزراعة الموسمية، ويسمح التجفيف للمجتمع بالتمتع بالكسكس فترة طويلة ويسمي الكسكس المجفف إن كان صغيرًا باسم صاين أما الكبير فيسمي لبريم اليابس.
مارو الحوت.. البساطة والابتعاد عن التعقيد
تبرز أكلة “مارو الحوت”، كأحد أهم الأطباق التقليدية في موريتانيا البسيطة والبعيدة عن التعقيد، وهو طبق ساحلي من السمك والأرز (مارو)، الذي يعد الطعام الأساس لغالبية السكان، ويقدم مع صلصة بيضاء أو حمراء مصنوعة من الطماطم ومضاف إليها كثير من التوابل، حيث يطهى سمك “الكردي” مع الخضار، ويسلق الأرز جانبًا، أي بوضع السمك والخضار مثل الجزر والقرع (الكوسة) والملفوف والباذنجان فوق الأرز.
البنافة.. الأكلة التي تتربع على عرش الوجبات الموريتانية في شهر الصيام
يتميز المطبخ المورتاني أيضًا، بأكلة “البنافة” الشعبية أو ما يطلق عليها “الطاجين”، وهي أكلة تقليدية اشتهرت في عدد من مناطق البلاد، تتكون من اللحم المقطع أو غير مقطع حسب الرغبة بالإضافة إلى البطاطس المقطعة وكذلك البصل، ويوضع الجميع في مرجل واحد ويطبخ ثم يوضع في إناء التقديم، يغمس الخبز في الصلصة ولا بأس أن يطحن الآكل البطاطس.
يفضل أغلب الموريتانيين لحم ظهر الإبل المعروف محليًا بـ”الفلكة” الذي يطهى مع البصل والقليل من التوابل التي تميز الأكل الموريتاني، بينما يفضل آخرون شواء لحم الغنم لما له من فوائد كثيرة لجسم الإنسان.