أعلنت السلطات المصرية في وقت مبكر من هذا الشهر تواريخ الانتخابات الرئاسية القادمة. إلا أنه وقبل إطلاق مسدس الانطلاق، يبدو أنه لا يوجد شك حول من سيكون الفائز. من المؤكد تقريبا أن رئيس البلاد الحالي عبد الفتاح السيسي سيكون رئيس البلاد القادم. كانت هناك قائمة من المرشحين المحتملين، إلا أن هؤلاء إما تراجعوا عن الترشح أو حيل بينهم وبينه.
كان أحمد شفيق الرجل الذي يتمتع بأفضل فرصة لاستثمار السخط المنتشر في أكبر الأقطار العربية سكانا، وأحمد شفيق جنرال سابق في سلاح الجو والمرشح الذي خسر بهامش قليل الانتخابات الرئاسية الوحيدة الحرة والنزيهة في البلاد، والتي جرت في عام 2012. لجأ محاميه إلى تويتر ليعلن أن الحكومة أجبرته على سحب ترشيحه.
رغم ما يبعثه هذا الحدث من كآبة، إلا أنه كان متوقعا. والآن بات مصدر التهديد الوحيد من داخل المؤسسة هو رئيس الأركان السابق في القوات المسلحة، مع أن الشكوك ما تزال تحوم حول ما إذا سينتهي به المطاف داخل السباق الانتخابي أم لا. يشاع بأن الجيش يقوم سرا بشراء المجموعات الإعلامية الخاصة لدعم ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية. وكل المؤشرات تدل على أن الانتخابات لن تزيد عن كونها إعادة لتلك التي جرت في عام 2014 عندما فاز السيسي بنسبة 96 بالمئة من الأصوات.
ينبغي على الزعماء السياسيين في الغرب أن يخشوا من تحول مصر إلى دولة فاشلة، ومن الخطأ أن يغمضوا أعينهم عما يرتكبه السيسي من انتهاكات
والمضحك في الأمر أن خصم السيسي في تلك المنافسة الثنائية جاء في المرتبة الثالثة بعد الأوراق الفاسدة. لم يعلن بعد السيسي، وهو قائد الجيش السابق، عن نيته في الترشح، ولكن الجميع يتوقعون أنه سيفعل.
تعدّ مصر الآن ديمقراطية مزيفة، والجيش هو من يمسك بزمام الأمور فيها. ومع أنه يقبع في الظل إلا أنه ما لبث منذ عام 2013 يقمع المعارضين في كثير من الأوقات بشكل عنيف. وقد استولى الجيش على السلطة من خلال الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي وقتل ما يزيد عن ثمانمئة متظاهر في ميدان رابعة داخل القاهرة.
ليس مستغربا أن يغدق دونالد ترامب المديح على حكومة السيسي. إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية وجهت أصابع الاتهام إلى النظام بارتكاب أعمال قتل غير مشروعة وبممارسة التعذيب. وفي الأسبوع الماضي أعدمت السلطات المصرية خمسة سجناء -أربعة منهم على ارتباط بالإخوان المسلمين- وذلك على الرغم من مزاعم تبدو صادقة تفيد بأنهم لم يحصلوا على محاكمات عادلة. ويبدو أن القصد من ذلك توجيه تحذير للمنافسين والخصوم بأن السياسة المصرية قاتلة أكثر مما هي جادة.
عندما يرى الناس أن حياتهم تنطلق في الاتجاه الخطأ، فإنهم يحتاجون لأن يكونوا قادرين على إحداث تغيير، وينبغي على الانتخابات الرئاسية في مصر أن تمنح الناخبين الفرصة لعمل ذلك.
ينبغي على الزعماء السياسيين في الغرب أن يخشوا من تحول مصر إلى دولة فاشلة، ومن الخطأ أن يغمضوا أعينهم عما يرتكبه السيسي من انتهاكات. وما من شك في أن سياساته الفظة هي التي أنجبت المنظمات العنيفة المتشددة، ولا أدل على ذلك من أن الإرهابيين شنوا عدة هجمات على أهداف أمنية ومدنية، مستخدمين المتفجرات والاغتيالات. وفي سيناء نجم عن الحرب التي أشعل فتيلها السيسي نفسه أن خضبت رمالها بالدماء، وتحولت ربوعها إلى ملاذات لمقاتلي الدولة الإسلامية.
شكلت الثورة المصرية في عام 2011 ذروة الربيع العربي، ووفرت الفرصة للدولة المصرية لكي تشرك المواطنين في عملية صناعة القرار من خلال تحرير السياسة من أغلال الاستبداد. ولكن بدلا من ذلك، فرض السيسي إجراءات تقشف مؤلمة على المجتمع. كان يمكن للديمقراطية أن تضمن تقبل الجمهور للدواء المر الذي أجبروا على تجرعه خلال الشهور الأخيرة. إلا أنه نجم عن تخفيض قيمة العملة ارتفاع شديد في أسعار المواد الأساسية، بينما راحت البلاد تغرق في مستنقع من الديون. ولم يكن عجبا إذ ذاك أن تكون مصر واحدة من أربع دول من بين 115 دولة شملها مسح أجرته منظمة غالوب قرر فيها الجمهور أن حياتهم كانت تسير نحو الأسوأ عاما بعد عام منذ 2014.
رغم أنه ينبغي على السيسي أن يشعر بالقلق إزاء ما يجري في بلاده، إلا أنه يبدو مشغولا بإقامة نصب لذاته، ومنها العاصمة الإدارية الجديدة، رغم أنها بالكاد يمكن اعتبارها أكثر مشاكل مصر إلحاحا، إذا ما أخذنا بالاعتبار تجاوز معدلات الفقر لنسبة 25 بالمئة خلال عامين. عندما يرى الناس أن حياتهم تنطلق في الاتجاه الخطأ، فإنهم يحتاجون لأن يكونوا قادرين على إحداث تغيير، وينبغي على الانتخابات الرئاسية في مصر أن تمنح الناخبين الفرصة لعمل ذلك.
المصدر: الغارديان
ترجمة وتحرير: عربي21