انتبه الاحتلال الإسرائيلي بشكل عاجل لصعود الهند كقوة اقتصادية عالمية جديدة، وحسب تقارير وزارة الاقتصاد التابعة للاحتلال الإسرائيلي فإن الصادرات والواردات باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية تصاعدت بشكل كبير على حساب الشرق، وهو ما دفع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي التوجه لزيارة الهند على رأس وفد من الخبراء التكنولوجيين والاقتصاديين وغيرهم من الدبلوماسيين، وهذه الزيارة الأولى منذ 15 عامًا.
قرار الاحتلال قبل ستة شهور باستثمار 240 مليون شيكل في تطوير العلاقات مع الهند في سلسلة مجالات من بينها السياحة والزراعة والتكنولوجيا والسايبر والسينما والمياه والابتكار، جاء كخطوة مهمة على طريق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الهند.
ورغم تصويت الهند ضد قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، فإن الأوساط السياسية في الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت سياسة القوة الناعمة في التعامل مع الهند، ويولي جميعهم أهمية كبيرة لهذه الزيارة التي تأتي احتفالًا بمرور 25 عامًا على تشكيل علاقات دبلوماسية بين الاحتلال والهند.
طبيعة التصويت الهندي تسببت بإحباط في “إسرائيل”، لكنهم شعروا بالقلق من التعبير عن نقل امتعاضهم على ما حدث لدلهي، ومع ذلك قرر الإسرائيليون عدم خلق أزمة من أجل عدم التأثير على زيارة نتنياهو المتوقعة للهند.
ولم ينتبه العرب إلى كون الهند حليفًا إستراتيجيًا مهمًا على الصعيد السياسي والاقتصادي، فيما بذل الاحتلال الإسرائيلي كل جهده لتعزيز العلاقة مع القوة الاقتصادية القادمة من الشرق بكل قوة.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي استغلال الفجوة العربية في ظل التخبط العربي الحاصل، وغياب مشاريع التعاون المشترك، لتعزيز علاقته بالهند، تلبية للمتطلبات العالمية الجديدة في مجال الطاقة والتكنولوجيا والزراعة، كمجالات حيوية
عبد الحميد صبرة الباحث في الشأن الإسرائيلي قال لـ”نون بوست”: “دولة مثل الهند ليس لها أي علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي قبل 25 عامًا ولا علاقات وطيدة تاريخية مع العرب، لكن العرب ليس لديهم أي مشروع نهضوي وعليه لم تتراكم هذه العلاقة، واليوم لأن الاحتلال صاحب مشروع ويتعامل مع الهند كقوة اقتصادية ودولية صاعدة فيبحث عن علاقات وطيدة تحسبًا لعالم غير أحادي القطبية، وهنا الاختلاف بين صاحب المشروع ممن يعيش الفوضى والديكتاتورية”.
وعن علاقات الهند مع الاحتلال مستقبلًا قال صبرة: “تحتاج الهند لفترة من الزمن لتحويل موقفها التاريخي من الاحتلال الإسرائيلي، لكن في نهاية المطاف يعلم الساسة في الكيان الإسرائيلي جيدًا حتمية تحول موقفها”.
وقد وصل التبادل التجاري بين الاحتلال الإسرائيلي والهند أربعة مليار دولار عام 2016، في حين يرى الاحتلال أنه ما زال قليلًا، في ظل صعود الطرفين الكبير في مجال الاقتصاد التقني، وبعد فترة قطيعة بينهم أيام حكم نهرو وأنديرا غاندي، لأن دلهي كانت الكتلة الأهم في دولة عدم الانحياز، لكن العلاقات ابتدأت بين الطرفين عام 1992، ليصبح الاحتلال الإسرائيلي المصدر الرئيسي لواردات الهند العسكرية.
قال غاندي: فلسطين تنتمي إلى العرب، لكن العرب نيام
قالت الصحفية السياسية مفاز يوسف التي شاركت في مظاهرات اليوم ضد زيارة نتيناهو للهند، لمراسل “نون بوست”: “خرجت اليوم أكثر من مظاهرة في الهند منددة بزيارة نتنياهو، وتضامنًا مع فلسطين، وحضرت الأعلام الفلسطينية بشكل ملحوظ، وصور غاندي مع مقولته الشهيرة: “فلسطين تنتمي إلى العرب”، مشهد أعاد لذاكرتي صورة أنديرا غاندي وياسر عرفات، حينما كانت علاقتهم قوية، وكان لقضية فلسطين حضور قوي في الهند، حيث تعتبر الهند أول دولة غير عربية اعترفت بفلسطين”.
من الممكن التمترس خلف دور الهند التاريخي من دعمها لحقوق المضطهدين كأحد الدول التي عاشت فترة استعمار طويلة وأخرجت أيقونات عالمية كالمهاتما غاندي
وسأل مراسل “نون بوست” مفاز عن تركيز الاحتلال الإسرائيلي للتعاون مع الهند في مجال السينما بالذات؟ قالت: من ضمن جدول نتنياهو سيحضر اُمسية في بوليود، ويحرص على أن يقنعهم بإنتاج أفلام داعمة لـ”إسرائيل”، وبهذه الخطوة سيسدد ضربة موجعه لحركة المقاطعة الاقتصادية الإسرائيلية BDS“.
وأضافت مفاز: “لقد عارض الهنود بشكل صارخ زيارة رئيس وزرائهم سابقًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الهند تسعى لتوازن العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي وفلسطين، حيث إنها صوتت قبل شهر ضد قرار ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبنفس الوقت استقبلت رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي اليوم بالأحضان، ويصف رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي هذه الزيارة بالتاريخية”.
لا مشروع عربي مقابل مشروع الاحتلال مع الهند
ويحاول الاحتلال الإسرائيلي استغلال الفجوة العربية في ظل التخبط العربي الحاصل وغياب مشاريع التعاون المشترك، لتعزيز علاقته بالهند، تلبية للمتطلبات العالمية الجديدة في مجال الطاقة والتكنولوجيا والزراعة، كمجالات حيوية.
ويرى مدير مركز الدراسات الإقليمية الفلسطيني أيمن الرفاتي أن نتنياهو يسعى من خلال هذه الزيارة لإعادة صفقة الأسلحة الضخمة مع الهند التي ألغيت مؤخرًا بقيمة 850 مليون دولار لشراء صواريه “سبايك” الإسرائيلية.
ويقول الرفاتي لـ”نون بوست”: “لا شك أن الهند أرادت حفظ ماء الوجه أمام الدول العربية، ولعدم ظهورها كدولة منحازة للاحتلال الإسرائيلي، بعد تمترسها خلف دول عدم الانحياز لسنوات طويلة، وبهذا تريد الحفاظ على العلاقات مع الدول العربية وذلك بعد مراجعة أكثر من 10 سفراء عرب منها إيضاح موقفها من قضية نقل السفارة قبل التصويت عليه”.
فلسطينيًا من الممكن التمترس خلف دور الهند التاريخي من دعمها لحقوق المضطهدين كإحدى الدول التي عاشت فترة استعمار طويلة وأخرجت أيقونات عالمية كالمهاتما غاندي، لكن العالم اليوم يعرف لغة المصالح كمدخل لأي حقوق، فهل تتأخر الهند خطوة للوراء أخلاقيًا مقابل خطوة للأمام اقتصاديًا على حساب الشعب الفلسطيني، أم تتقدم القيادة الفلسطينية باتجاه الهند لتعزيز علاقتها ووقف مد الاحتلال الإسرائيلي على المستوى الثقافي ووعي الشعب الهندي لقضية فلسطين؟