كانت الخانات فارغة أمامه فحاول أن يملأها باسمه، هكذا يحاول تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” انتهاز أقل الفرص، لتعظيم وجوده بالجزء الهندي من إقليم كشمير، على حساب تنظيم القاعدة الذي يتزعم هيكله المركزي المصري أيمن الظواهري، لتتغير فجأة ودون سابق إنذار الخريطة الجهادية في الإقليم، من ولاية سهلة لـ”القاعدة”، إلى غنيمة محتملة بالقوة، ومنطقة تحرك عملياتي جديدة، ينطلق منها تنظيم البغداداي لتحقيق مشروعه؛ وهو ما قد يجعل من كشمير أرض ميعاد من نوع آخر، بين القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
كيف توطن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة في أرض كشمير؟
قبل عدة أشهر، توج المقاتل الكشميري الجهادي زاكر موسى، مجهود القاعدة الطويل لنشر أفكارها في تلك المنطقة، وأعلن تدشين فرع جديد للتنظيم في كشمير، وقال في بيان نشرته الأذرع الإعلامية للتنظيم، إن المنفذ الجديد لورثة ابن لادن، مهمته الأولى طرد القوات الهندية من المنطقة.
مع اللحظة الأولى لبيان موسى، لم تعره الجهات الأمنية الهندية اهتمامًا مباشرًا، خصوصًا أن المجموعة الصغيرة التي تتبعه، منعتها ظروف السيطرة الأمنية القوية للشرطة الهندية، على الجزء الخاضع لها في الإقليم، من الاستعداد التدريبي، وجلب الأسلحة اللازمة لمثل هذه المهمة القاسية التي أعلنها نيابة عن القاعدة.
على مدار سنوات، كان تنظيم القاعدة يكافح بكد وجهد لإيجاد نفوذ قوي له في جنوب آسيا، لكن الحس النضالي للتنظيم الذي يمتاز به عن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كان يؤخر الخطوة، خاصة أن سيطرة القاعدة في مثل هذا التوقيت الحرج، كان سيعقد جهود الكشميريين في الحصول على مزيد من الدعم الدولي سنوات طويلة.
إلا أن موسى قطع الطريق على القاعدة وأقنعها بالتراجع وإنشاء كيان تابع لها، خوفًا من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يلمس توسعه بحكم خبرتة ودراسته للأحداث عن قرب، إضافة إلى أنه كان على شبه يقين أن تنظيم القاعدة يريد التمدد في شبه القارة الهندية وخاصة كشمير، ولاحقًا في الهند، حيث إن هناك تقاربًا للمصالح بين تنظيم “القاعدة” ومجموعات كشميرية محلية أخرى تدعم قيام الخلافة الإسلامية في كشمير.
أصدر التنظيم في يوليو الماضي، “مدونة سلوك” لأتباعه، وطالب الجماعات الجهادية الموجودة في كشمير، بتقديم يمين الولاء لـ”دولة أفغانستان الإسلامية”
كان موسى قائدًا ميدانيًا بارزًا في حزب المجاهدين المتشدد، وهو أحد أكبر الجماعات الانفصالية المسلحة في كشمير، وتأسس عام 1989 بقيادة سيد صلاح الدين، ويضم إلى الآن نحو عشرة آلاف مسلح، وأهم وأبرز قادته محمد إحسان دار والشيخ عبد الواحد ومحمد أشرف دار وعلي محمد دار.
وسعى زاكر بكل قوة لإيجاد موطئ قدم له داخل الهيكل التنظيمي للقاعدة، وجاءت له حالة الخلاف المتصاعد بشدة بين أقطاب حزب المجاهدين على طبق من ذهب، فالصدامات والانقسامات الأيدلوجية التي ضربت جيوب الحزب، من مرؤوسيه إلى رؤسائه، بسبب رغبة البعض توجيه قدرات المجاهدين لتحقيق حلم التحرر عن الهند، دون أن يكون في مشروعهم أي دعوة إلى تأسيس خلافة إسلامية عالمية، سرع من خطوة زاكر والمجموعة التي تدين له بالولاء وانضموا جميعًا للقاعدة.
بإشراف موسى، أصدر التنظيم بالفعل في يوليو الماضي “مدونة سلوك” لأتباعه، وطالب الجماعات الجهادية الموجودة في كشمير، بتقديم يمين الولاء لـ”دولة أفغانستان الإسلامية”، كبداية للعمل مع الجماعات الجهادية المستقلة عن نفوذ وكالات الاستخبارات في الهند وبنغلاديش وأراكان وبورما، على مجموعة أهداف رئيسية تستهدف ضرب المصالح الأمريكية والمسؤولين العسكريين والشرطة والاستخبارات وحكومة باكستان، ومن يقمعون المسلمين في تلك البقعة.
في مايو من العام المنصرم، بدأ أول نشاط لمجموعة ذاكر مع تنظيم القاعدة، وخلال فيديو جرى بثه على قناة تابعة للتنظيم، هدد فيه قائد جهادي كشمير الجديد، بقتل القادة الانفصاليين في حزبه القديم وتعليق رؤوسهم حال انحرافهم بأهداف أي حرب قادمة في الإقليم، عن المضي قدمًا في طريق تطبيق الشريعة الإسلامية، ورغم محاولة ذاكر إظهار قبضة حديدية له، فإن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لم يعطه الفرصة للتوهج، وسرق منه الأضواء، ليؤكد مزاحمته للتنظيم الأم في ميادين الجهاد المزعومة كافة.
التحفظات القديمة على إدماج الهند وبالذات كشمير للبقعة الجهادية، كانت نقطة ضوء تحسب للقاعدة في إبعاد هذا الإقليم المشتعل من الأساس، عن خشبة المسرح الجهادي
كانت أصابع داعش بدأت تظهر في الإقليم منذ عام 2014، بشكل محدود، وتحديدًا في أثناء تظاهرات مناهضة للهند، وسط مدينة سريناغار بكشمير، وحمل المتظاهرون أعلام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد يوم واحد من تحذير قائد المنطقة، اللفتنانت جنرال “سوبراتا ساها”، من وجود أنصار التنظيم في إقليم كشمير وما يمثله ذلك من خطورة، مما جسد حقيقة تنامي الظاهرة الداعشية في الإقليم، حتى إن كانت السلطات العسكرية تحاول إعطاء أهمية أقل للتنظيم، بعدم إقّدامها على تفعيل أي مستوى من مستويات القوانين والافتراضات الأمنية المتشددة لوقف الدعم المحتمل للتنظيم من صفوف الجماعات الأخرى في المنطقة.
وتكتفي الشرطة الهندية بلافتة عامة في هذه الشأن، وتتعامل مع كل من يحمل سلاحًا باعتباره إرهابيًا، لا هوادة معه ولا رحمة، ولا قانون إلا قانون المواجهة الميدانية والتصفية المباشرة، وفي ذلك يتساوى جميع الخارجين على القانون، سواء كانوا تابعين للقاعدة أو غيرهم.
عواقب إنبات جذور لـ”داعش والقاعدة” في الإقليم
التحفظات القديمة على إدماج الهند، وبالذات كشمير للبقعة الجهادية، كانت نقطة ضوء تحسب للقاعدة في إبعاد هذا الإقليم المشتعل من الأساس، عن خشبة المسرح الجهادي، ولكن ظهور داعش أدى لإسراع القاعدة في إدخاله داخل منظومته وهياكله بشكل رسمي، وهو الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة بالطبع، لا سيما في ظل التدفق المستمر للأموال من خارج الهند، وهو أمر كفيل بتغيير الحقائق على الأرض، لتصبح قضية “الخلافة الإسلامية في كشمير” محط دعم هستيري من أنصار الجهاد من أنحاء العالم كافة، مما يقوض أي جهود دولية لمساعدة الإقليم في أزمته خصوصًا مع حكومة الهند.
تدعم الجماعات المرتبطة بالقاعدة في كشمير هيئة تحرير الشام، وهي تعارض وجود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا والعراق إلى جانب كشمير
كما كثف تنظيم “القاعدة” في شبه القارة الهندية دعوته، إلى المجموعات المشابهة له للاندماج والعمل معه في جنوب آسيا، وهو ما يشير إلى تصميم القاعدة على الحشد في مواجهة حشد داعش ونشاطه، حتى لو كان استدعاء مثل هذه الجماعات من جنوب آسيا، أمرًا يخالف توجه القاعدة السابق، خصوصًا أنه يعلم جيدًا أن هذه الجماعات قد تتسبب في مشاكل خطيرة ليس فقط في كشمير، بل في أجزاء أخرى من الهند، وهناك بالفعل إشارات مخيفة لما قد يحصل لاحقًا.
في المقابل، هناك تصميم من تنظيم داعش على تحقيق حلمه القديم المتجدد، بإقامة فرع لخلافة البغدادي في كشمير، خصوصًا أن هناك جماعات على الأرض تدعم هذا الاتجاه، ومنهم على سبيل المثال “لاشكاري طيبا” و”جيش محمد”، و”حزب المجاهدين”، مما ينظر بتصعيد دموي، قد تبدأ شرارته من داخل الإقليم أو من خارجه، في أماكن أخرى، خصوصًا في سوريا، وقد تأتي ضربة البداية لزج الكبار في الصراع؛ فالجماعات الصغيرة التي تقف خارج كلتا العبائتين، تتحرش ببعضها البعض وهو ما يحمى الصراع بين التنظيميين.
وتدعم الجماعات المرتبطة بالقاعدة في كشمير هيئة تحرير الشام، وهي تعارض وجود داعش في سوريا والعراق إلى جانب كشمير، كما تعارض سلطات الإقليم في محاولاته تمكين القوميين مقابل إزاحة فكرة الخلافة الإسلامية، كحل لإبعاد الإقليم عن شبح الحرب والدمار، إلا أن هذا الاقتراح يؤدي إلى انشقاقات في مجموعات أكبر، قد تكون أكثر شراسة وعدوانية، كما حدث في العراق وسوريا .
في هذه البقعة من العالم، قد لا يجد تنظيم “القاعدة” إلا تخليص تاره من داعش، ربما لأول مرة، فانتقام القاعدة لن يكون مجرد مخاوف، خصوصًا بعد خسائر داعش الباهظة في الأراضي العراقية والسورية، فكلما ارتفعت عمليات البحث المتزايدة لمقاتلي داعش عن مظلات جغرافية يمكنها استيعاب نشاطهم، عبر تحويلها إلى مناطق مجهولة وحطام وركام، كما فعل التنظيم في الموصل سابقًا، زادت احتمالات الصدام مع القاعدة التي ترى أن هذا الكيان الداعشي يتمدد إلى مناطق نفوذها دون تنسيق أو احترام، أو إذعان لنصائحها.
مما يعني أن كشمير قد تكون أرض الصراع الموعودة لإعادة “القاعدة” لمجدها القديم الذي قفز عليه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، واستحوذ على الأضواء بقوة منذ بداية تكوينه مرورًا بعنفوانه وانتهاءً بأفول نجمه وانهياره في العراق وسوريا وليبيا.