نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقالا لوزير الاستثمار المصري في عهد الرئيس محمد مرسي والذي أُطيح به مع حكومته في انقلاب عسكري قاده وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في الثالث من يوليو الماضي.
ترجمة عربي 21
تحرير نون بوست
استند الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013 على ثلاث حجج بسيطة مضللة: الأولى هي الزعم بأن العام الذي حكم فيه الرئيس مرسي كان كارثياً، والثانية الزعم بأن الشعب هو الذي طالب بعزله، والثالثة فرضية أن حكم العسكر سيكون أفضل من حكمه.
وبوصفي كنت وزيراً للاستثمار في إدارة الرئيس مرسي لن أزعم بأن أداء حكومتنا كان بلا أخطاء. نعم، عملنا بجد، وأعتقد أن خططنا لتحرير مصر من ماضيها الاستبدادي كانت سليمة ومنطقية، إلا أننا فشلنا في جبهات عديدة. ظن مرسي أن بإمكانه الاعتماد على وطنية المصريين التي تتطلب تقديم مصلحة مصر على مصالحهم الذاتية. إلا أن ذلك لم يُجد مع جماعات المصالح الخاصة، خاصة من العسكر والأجهزة الأمنية والجهاز القضائي للنظام البائد ورجال الأعمال الفاسدين؛ الذين خشوا أن تتآكل امتيازاتهم في مصر الديمقراطية.
ثبت بعد ثمانية أشهر من الانقلاب بطلان الحجج الثلاث التي ارتكز عليها الانقلابيون. لم يتوقف الكثير من المصريين خلال الشهور الثمانية عن الخروج في مظاهرات سلمية تطالب بإعادة الشرعية، وشارك موظفو القطاع العام في إضرابات مفتوحة استمرت لأسابيع احتجاجاً على فشل الحكومة في الوفاء بوعودها بخصوص وضع الحد الأدنى من الأجور لما يزيد عن ستة ملايين موظف. عمال النسيج أضربوا في الوقت الذي أضرب فيه 38 ألف سائق حافلة، ما أدى إلى شلل قطاع النقل العام في القاهرة تماما.
ودونما أي اعتبار للاحتياجات المعيشية لعامة أبناء الشعب المصري بادر نظام السيسي إلى منع استيراد “التوكتوك”، وهي عبارة عن عربة صغيرة يستخدمها المصريون من محدودي الدخل في التنقل، الأمر الذي أدى إلى انخراط الآلاف من سائقي “التوكتوك” في إضراب خاص بهم. ودونما رادع، مضت الحكومة قدماً في مشروع بيع مؤسسة عمر أفندي، التي كانت في يوم من الأيام أكبر شركات مصر لبيع المفرق (قطّاعي)، فانطلق الآلاف من العاملين فيها في احتجاجات. أما نظام الصحة العامة، فقد شله إضراب الأطباء، الذين ما لبث أن انضم إليهم الصيادلة والممرضون وأطباء الأسنان. وكان رد النظام على ذلك الإعلان عن اكتشاف “مذهل!” توصل إليه أحد جنرالات الجيش لعلاج مرض الإيدز، والتهاب الكبد الوبائي والسرطان، في محاولة غريبة لكسب الشعبية وتحويل الانتباه عن الفشل الذريع للنظام.
كان من المفترض أن يكون أداء نظام السيسي جيداً في مجال الطاقة، أخذاً بعين الاعتبار الدعم الهائل الذي قدمته له دول الخليج. إلا أن طوابير الديزل تزداد طولاً بينما تعاني البلاد من نقص حاد في موارد الطاقة يقدر بثلاثين بالمائة من احتياجات البلاد. وبعد أن كانت مصر بلداً مصدراً للغاز ها هي اليوم تبحث في استيراد الغاز من إسرائيل.
غادرت كثير من الشركات الأجنبية مصر منذ الانقلاب، وبلغ التضخم والبطالة أعلى معدلاتهما منذ عقود، بينما انخفضت معدلات السياحة بشكل مريع، ويتوقع أن يصل عجز الميزانية 15% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي محاولة مكشوفة لاستمالة واسترضاء رجال الأعمال الموالين لنظام مبارك أجازت الحكومة المستقيلة “مرسوم الاستثمار” وحولته إلى قانون يتعلق بخصخصة أملاك الدولة ويحمي بيع ممتلكات البلاد للقطاع الخاص بعيداً عن المساءلة والمحاسبة.
لو أن البلاد تمتعت خلال ذلك كله بدرجة من التماسك الاجتماعي رغم اندفاعها نحو كارثة اقتصادية، لربما استطاع نظام السيسي ادعاء إنجاز نصر ما. ولكن البلاد تندفع نحو الهاوية من الناحية الاقتصادية في ظل إجراءات قمعية غير مسبوقة في تاريخ مصر المعاصر، حيث ترتكب أجهزة النظام وبشكل روتيني عمليات القتل والتعذيب والاعتقال التعسفي ومصادرة الممتلكات. يتجاوز عدد المعتقلين بشكل غير قانوني 23 ألف شخص بينهم مئات الأطفال والنساء، وتجاوز عدد القتلى 4 آلاف شخص قضوا نحبهم في مسيرات سلمية.
ومن اللافت أن كثيرين ممن أيدوا الانقلاب العسكري انتهى بهم المطاف وراء القضبان أو تعرضوا للتعذيب أو كممت أفواههم. وبعد التغيير الحكومي الأخير لم يعد لأحد في السلطة اليوم أي علاقة بثورة الخامس والعشرين من يناير.
إلا أن من يمد حبل الحياة للنظام الانقلابي في مصر هي الأنظمة الاستبدادية والقمعية في المنطقة وبشكل خاص من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد خشي هذان النظامان أن يشكل نجاح مصر الديمقراطية بمشاركة الأحزاب الإسلامية الديمقراطية في الحياة السياسية نموذجا يحتذى من قبل شعوبهما وهدفاً يسعون إليه. ولذلك، تآمرت هذه الأنظمة ضد ديمقراطية مصر ودعماً للثورة المضادة مستخدمة أقذر الوسائل.
وفي هذا السياق أتى القرار السعودي الأخير بوضع جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب رغم التزام الجماعة بأساليب الإصلاح السلمية، وهو القرار الذي يعبر عن حالة الإحباط التي يشعر بها صناع القرار في هذه الأنظمة إزاء فشل النظام العسكري في الهيمنة على البلاد وفي شل القوى الثورية الصاعدة. ويتضمن القرار السعودي إجراءات قمعية غير مسبوقة لتجريم ومعاقبة أي نوع من المعارضة أو الاحتجاج سواء في الشارع أو في مواقع التواصل الاجتماعي داخل المملكة العربية السعودية، وذلك مؤشر على الضعف والخوف من أن تنتشر الثورة وتصل بلادهم. إن الشعب المصري لن ينسى ولن يغفر لهذين النظامين مسؤوليتهما عن كل إنسان قتل وعن كل امرأة رملت وعن كل طفل يتم وعن كل ضحية عذب أو سجن من قبل النظام العسكري. هذان النظامان متخلفان عن زمانهما وباتت أيامهما معدودة وكذا أيام النظام العسكري المتهالك الذي يحظى بدعمهما.
كل هذا يحدث والعالم كمن لا يسمع ولا يرى. شهدنا كيف أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية اتخذتا موقفاً قاطعاً ضد النظام الأوكراني البائد بسبب مقتل 80 متظاهراً، وصدرت أوامر بحظر إصدار تأشيرات الزيارة وبتجميد أموال رموز النظام. أما في الحالة المصرية، فقد قبلت كاثرين أشتون دعوة من نظام السيسي لقضاء إجازة في الاقصر بعد أسابيع قليلة من قتل العشرات من المتظاهرين السلميين.
لقد ظن مرسي بعد الثورة بأن المنهج الإصلاحي التدريجي كان الأفضل. ولكن، بات واضحاً الآن بأن ثمة طغمة في مصر تفضل الدفع بالبلاد نحو الكارثة على السماح للديمقراطية بأن تزدهر. لقد تكبدنا ثمناً جسيماً بسبب أخطائنا، إلا أننا تعلمنا الآن أنه لا يجدي مع مصر سوى المنهج الثوري الذي يوحد القوى الثورية من كافة الطيف السياسي والذي يمضي قدماً في مشروع إعادة بناء بلدنا.
نحن الآن أكثر تصميماً من أي وقت مضى على استعادة مصر من قبضة الذين تحول سياستهم بلدنا إلى أرض محروقة، ونحن عازمون على العمل الدؤوب لتحقيق أحلام ثورة الخامس والعشرين من يناير في العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية لكافة المصريين.