مع إعلان الحكومة الإيرانية عن فتح باب الترشيح للانتخابات الرئاسية، والتي من المتوقع إجراؤها في 29 يونيو/ حزيران المقبل، من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفًا للرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، الذي قضى في حادثة سقوط طائرته منتصف الشهر الجاري، بدأت الأوساط السياسية الإيرانية تتحدث عن بعض الأسماء المرشحة لخلافة رئيسي.
واللافت أن أبرز هذه الأسماء معروفة بخلفيتها المحافظة أو المتشددة، ما يشير بدوره إلى أن النخبة السياسية المسيطرة على المشهد السياسي في البلاد لا تفكر بخيارات خارج مظلة النظام، ما يعني أننا سنكون مع رئاسة جديدة خارج مظلة التيار الإصلاحي.
ورغم أنه من السابق لأوانه الجزم بخلفية الرئيس الإيراني المقبل، إلّا أنه ممّا لا شكّ فيه أن موقف المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي سيكون مهمًّا في ترجيح حظوظ مرشح على آخر، وممّا يدفع لتداول بعض الأسماء من جهة، والتركيز على الأسماء المقربة من التيار المحافظ أو المتشدد من جهة أخرى.
يعني ذلك أن المرشد الأعلى ومن بعده الحرس الثوري لا يفكران في الدفع بأشخاص من خارج هذه المظلة، بسبب طبيعة النهج السياسي الداخلي والخارجي الذي تمّ اعتماده خلال فترة رئيسي، والأهم الدور الذي لعبه وزير الخارجية الإيراني السابق حسين أمير عبد اللهيان، الذي قُتل هو الآخر رفقة رئيسي.
وللتأكيد على محورية الدور الذي يلعبه خامنئي في ترجيح كفة المرشح الذي يرغب به كرئيس للبلاد، فإنه في عام 2009 ورغم الاحتجاجات الكبيرة التي اجتاحت الشارع الإيراني فيما عُرف آنذاك بـ”الثورة الخضراء”، بسبب الاحتجاج على عملية التزوير التي شابت الانتخابات الرئاسية، والتي تمكّن على إثرها الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد من الفوز بالولاية الثانية، إلّا أن خامنئي أصرّ على المضيّ بنتائج الانتخابات، والتأكيد على فوز نجاد.
وهذا ما فعله مرة أخرى عندما تلاعب بطريقة إدارة الانتخابات عام 2013، من أجل تسهيل فوز الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني رغم معارضة التيار المحافظ، إلّا أن حاجة خامنئي لإتمام الصفقة النووية مع القوى الكبرى، جعلته يفضل البراغماتية على الخلفية الأيديولوجية لروحاني، وهو ما يشير بدوره إلى الطريقة التي يتعامل بها خامنئي مع الانتخابات الرئاسية في إيران.
إن محاولة خامنئي التأكيد على أهمية دوره في الانتخابات هو من أجل تسيير السياسة الداخلية والخارجية وفق التصور الذي يريده، ومن ثم إن دور خامنئي في الانتخابات الرئاسية المقبلة سيتحدد وفق الملفات التي يطمح للتعامل معها، وليس وفق تفضيلات الشارع الإيراني.
إذ تطرح اليوم العديد من الملفات نفسها على أجندة خامنئي، منها داخلية تتعلق بخلافة المرشد الأعلى والأزمة الاقتصادية والتحديات الاجتماعية، أما على الصعيد الخارجي فتطرح العديد من الملفات نفسها على خامنئي أيضًا، ومنها العودة إلى المفاوضات النووية ورفع العقوبات وتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة.
أبرز المرشحين
تُطرح اليوم العديد من الأسماء التي تمتلك حظوظ متباينة للفوز بمنصب الرئاسة، ويأتي في طليعة هذه الأسماء الدبلوماسي الإيراني سعيد جليلي، الذي سبق له الترشح مرتين للانتخابات الرئاسية، والذي أعلن عزمه دخول السباق الانتخابي المقبل، إذ يعتبَر جليلي من المحافظين المتشددين، ومن المقرّبين للمرشد الأعلى والحرس الثوري، وقضى معظم حياته المهنية في وزارة الخارجية الإيرانية، كما كان المفاوض النووي الرئيسي لإيران فترة 2007-2013.
أما ثاني الأسماء فهو الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، الذي نجح بخطابته الشعبوية المنددة بسياسات النظام في جذب مزيد من المؤيدين له، ورغم حرصه على ظهوره المستمر بعد وفاة رئيسي، إلّا أنه لم يعلن حتى اللحظة ترشحه للانتخابات.
ولعلّ ذلك يعود إلى خشيته من أن يمارس خامنئي نفوذه داخل مجلس صيانة الدستور، باعتباره الجهة المعنية بقبول أو رفض الترشيحات، من أجل رفض ترشيح نجاد، كما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية، والتي مُنع نجاد من خوضها بسبب تصاعد الخلافات بينه وبين خامنئي، وهو ما يتوقع حدوثه مرة أخرى إلّا إذا توافقت مصالح خامنئي مع دعمه من جديد.
ويعتبر رئيس البرلمان الإيراني الحالي، محمد باقر قاليباف، من الأسماء المهمة، والتي تحظى بدعم الحرس الثوري، خصوصًا أنه كان جنرالًا سابقًا في الحرس الثوري، وعمل لفترة طويلة عمدة لطهران، كما أنه يحسب له الانسحاب من الترشح للانتخابات الرئاسية من أجل دعم حظوظ الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، وهو ما قد يعطيه أفضلية نسبية لدى المرشد الأعلى والحرس الثوري للمراهنة عليه في الفترة المقبلة.
أما رابع المرشحين فهو الرئيس المؤقت الحالي محمد مخبر، فرغم كونه شخصية موثوقة من المرشد الأعلى والحرس الثوري، كونها كانت تدير شؤون المرشد الأعلى، فإن شبهات الفساد المحيطة به، وإدخاله لقاحات كوفيد-19 غير فعالة، قد تضرّ بشعبيته لدى الناخب الإيراني العادي، وذلك بسبب دوره في تصاعد معدلات الوفيات داخل إيران، كما أنه ليس لديه كفاءة إدارة سابقة قد تجعل القائمين على النظام السياسي في البلاد يراهنون عليه في المرحلة المقبلة.
ومن الأسماء المهمة التي يتوقع أن تدخل السباق الانتخابي، رئيس مجلس البرلمان الأسبق علي لاريجاني، ورئيس البنك المركزي الإيراني ناصر همتي، ونجل مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني، إلى جانب الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني السابق علي شمخاني.
وتعتبَر حظوظ أغلب هذه الأسماء ضعيفة مقارنة بالأسماء الأربعة التي ذكرهانا أولًا، وذلك بسبب سيطرة التيار المحافظ والمتشدد على مراكز صنع القرار في إيران، ومن ثم من غير المتوقع أن يتم الدفع بشخصية إصلاحية للعمل معها، ما قد يشكّل نقطة فراغ داخل النظام تعقّد كثيرًا من حالة الاستقرار السياسي في البلاد.
داخل إيراني متأزّم
عند النظر إلى طبيعة النظام السياسي الإيراني، نجد أنه يعاني من تحديات كبيرة، أبرزها تحدي الخلافة والقيادة، وتحدي الشرعية التاريخية للحرس الثوري، وهي تحديات كافية لتشكّل مصدر قلق مزمن للمرشد الأعلى.
ورغم نجاح التيار المحافظ في الهيمنة على مجلس الشورى الإيراني في انتخابات فبراير/ شباط 2024، والتغيرات العسكرية التي قام بها خامنئي في الحرس الثوري، إلا أنها ليست كافية لتهدئة الداخل وتحقيق الاستقرار بعد مقتل رئيسي، خصوصًا أن هناك شارعًا إيرانيًا بدا متحمّسًا اليوم للتفاعل مع أي جهد دولي للإطاحة بالنظام الحاكم في طهران.
على هذا النحو، تتطلع إيران إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة بترقب كبير، حيث يمكن القول هنا إن نوعية الرئيس القادم في إيران ستتحدد في ضوء التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد، ورغم أنه من المرجح فوز مرشح التيار المحافظ في الوقت الحالي، إلا أنه لا يزال من الممكن أن تؤثر استحقاقات الانتخابات الأمريكية هذا العام بشكل غير مباشر على الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
حتى اللحظة لم يتمكن خامنئي من تعديل خلل القيادة الذي أصاب المؤسسات السياسية الدينية بعد اغتيال قاسم سليماني
ففي حالة فوز مرشح جمهوري، فإن هذا يعني أن إيران ستكون أمام 4 سنوات قادمة من التصعيد، سواء عبر مزيد من العقوبات الاقتصادية أو مزيد من الضغوط السياسية. أما في حالة فوز مرشح ديمقراطي، فعندها يمكن الحديث عن أرضية جديدة للحوار، وهو ما قد يدفع خامنئي إلى دراسة خياراته الانتخابية جيدًا قبل المضيّ قدمًا بالانتخابات الرئاسية.
قد تكون هوية رئيس إيران المستقبلي مسألة تمثل أهمية كبيرة، وذلك بالنظر إلى المصير غير المؤكد الذي يواجه النظام السياسي الأوسع في إيران، فيمكن القول إن منصب الولي الفقيه ذاته يواجه تحدي البقاء أو الإلغاء بعد وفاة خامنئي، إذا ما استمرت الضغوط الشعبية والإقليمية بالتصاعد، وهل ستكون أمام ولاية الفقهاء أم مجلس قيادة؟ أو سيتم إلغاء المنصب وتحويل صلاحيات المرشد الأعلى إلى رئيس جمهورية متشدد وثوري؟
كلها سيناريوهات صارت مطروحة اليوم في الداخل الإيراني، وحتى اللحظة لم يتمكن خامنئي من تعديل خلل القيادة الذي أصاب المؤسسات السياسية الدينية بعد اغتيال قاسم سليماني، إذ كان من المفترض أن يكون سليماني إما قائدًا للحرس وإما رئيسًا للجمهورية كما كان يطمح خامنئي، إلّا أن عملية الاغتيال بعثرت خيارات خامنئي، ولم يتمكن إسماعيل قآني حتى اللحظة من الفوز بثقة خامنئي المطلقة.