ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيليين وقادة من حماس، أصدر تحذيرا غامضا قال فيه: “أصر على أن جميع المحاولات الرامية إلى إعاقة أو تخويف أو التأثير بشكل غير لائق على مسؤولي هذه المحكمة يجب أن تتوقف في الحال”.
لم يقدم كريم خان تفاصيل محددة عن محاولات التدخل في عمل المحكمة الجنائية الدولية، لكنه أشار إلى بند في المعاهدة التأسيسية للمحكمة يجعل أي تدخل من هذا القبيل جريمة جنائية. وأضاف أنه إذا استمر هذا السلوك فإن “مكتبي لن يتردد في التحرك”. لم يذكر المدعي العام من حاول التدخل في سير العدالة، أو كيف فعلوا ذلك بالضبط.
في الوقت الراهن، يكشف تحقيق أجرته صحيفة “الغارديان” والمجلات الإسرائيلية +972 و”لوكال كول” كيف أدارت “إسرائيل” “حربًا” سرية دامت عقدًا تقريبًا ضد المحكمة الجنائية الدولية. ونشرت البلاد وكالاتها الاستخباراتية للمراقبة والاختراق والضغط وتشويه السمعة وتهديد كبار موظفي المحكمة الجنائية الدولية في محاولة لعرقلة تحقيقات المحكمة.
تجسست المخابرات الإسرائيلية على اتصالات العديد من مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك مكالمات خان وسلفه في منصب المدعي العام، فاتو بنسودا، واعترضت المكالمات الهاتفية والرسائل ورسائل البريد الإلكتروني والوثائق. وكانت المراقبة مستمرة في الأشهر الأخيرة، مما زود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمعرفة مسبقة بنوايا المدعي العام. وقد أشارت رسالة تم اعتراضها مؤخرًا إلى أن خان أراد إصدار أوامر اعتقال ضد إسرائيليين، لكنه كان تحت “ضغوط هائلة من الولايات المتحدة”، وذلك وفقًا لمصدر مطلع على محتوياتها.
بنسودا، التي افتتحت بصفتها المدعي العام تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في سنة 2021، مما مهد الطريق لإعلان الأسبوع الماضي، تعرضت أيضًا للتجسس والتهديد. وقد أبدى نتنياهو اهتماما وثيقا بالعمليات الاستخباراتية ضد المحكمة الجنائية الدولية، ووصفه أحد مصادر الاستخبارات بأنه “مهووس” بالتجسس على كل ما يتعلّق بهذه القضية.
وقد تضمنت الجهود، التي أشرف عليها مستشارو الأمن القومي، مشاركة وكالة التجسس المحلية، الشاباك، بالإضافة إلى مديرية المخابرات العسكرية، أمان، وقسم الاستخبارات الإلكترونية، الوحدة 8200. وقالت المصادر إن المعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها من عمليات الاعتراض تم توزيعها على وزارات العدل والخارجية والشؤون الاستراتيجية.
أشرف حليف نتنياهو المقرّب، يوسي كوهين، الذي كان في ذلك الوقت مديرًا لوكالة المخابرات الخارجية الإسرائيلية “الموساد”، شخصيا على العملية السرية ضد بنسودا، التي كشفت عنها صحيفة الغارديان يوم الثلاثاء. وفي إحدى المراحل، طلب رئيس المخابرات المساعدة من رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، جوزيف كابيلا.
وقد كشفت صحيفة “الغارديان”، ومجلتي “+972″ و”لوكال كول” عن تفاصيل الحملة الإسرائيلية المستمرة منذ تسع سنوات لإحباط تحقيق المحكمة الجنائية الدولية. ويستند التحقيق المشترك إلى مقابلات مع أكثر من عشرين من ضباط المخابرات الإسرائيلية الحاليين والسابقين والمسؤولين الحكوميين، وشخصيات بارزة في المحكمة الجنائية الدولية، ودبلوماسيين ومحامين مطلعين على قضية المحكمة الجنائية الدولية وجهود “إسرائيل” لتقويضها.
وفي اتصال مع صحيفة “الغارديان”، قال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إن المحكمة على علم “بأنشطة جمع المعلومات الاستباقية التي يقوم بها عدد من الوكالات الوطنية المعادية للمحكمة”. وقالوا إن المحكمة الجنائية الدولية تنفذ باستمرار تدابير مضادة ضد مثل هذا النشاط، وأن “أيا من الهجمات الأخيرة ضدها من قبل وكالات الاستخبارات الوطنية” لم تخترق عناصر الأدلة الأساسية للمحكمة، ولتي ظلت آمنة.
قال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن “الأسئلة المقدمة إلينا مليئة بالعديد من الادعاءات الكاذبة التي لا أساس لها والتي تهدف إلى إيذاء دولة إسرائيل”. وأضاف متحدث عسكري أن “جيش الدفاع الإسرائيلي لم يقم بمراقبة أو إجراء عمليات استخباراتية أخرى ضد المحكمة الجنائية الدولية”.
منذ إنشائها في سنة 2002، كانت المحكمة الجنائية الدولية محكمة دائمة تكون كملاذ أخير لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب بعض أسوأ الفظائع في العالم. وقد وجّهت المحكمة اتهامات إلى الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، ومؤخرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويمثّل قرار خان بالسعي لتنفيذ أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه، يوآف غالانت، إلى جانب قادة حماس المتورطين في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، المرة الأولى التي يطلب فيها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال ضد زعيم حليف غربي وثيق.
تتعلّق جميع مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وجهها خان ضد نتنياهو وغالانت، بالحرب الإسرائيلية المستمرة منذ ثمانية أشهر في غزة، التي أسفرت حسب هيئة الصحة في القطاع عن مقتل أكثر من 35 ألف شخص. لكن قضية المحكمة الجنائية الدولية استغرقت عقدًا من الزمن، وهي تتقدم ببطء وسط تزايد القلق في صفوف المسؤولين الإسرائيليين بشأن إمكانية إصدار أوامر اعتقال، والتي من شأنها أن تمنع المتهمين من السفر إلى أي من الدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددهم 124 دولة خوفًا من الاعتقال.
وقال مسؤول استخباراتي إسرائيلي سابق إن شبح الملاحقات القضائية في لاهاي هو الذي دفع “المؤسسة العسكرية والسياسية بأكملها” إلى اعتبار الهجوم المضاد ضد المحكمة الجنائية الدولية “حربًا لا بد من شنها، وحربًا تحتاج إسرائيل إلى أن تدافع عن نفسها فيها. لقد تم وصفه بمصطلحات عسكرية”.
بدأت تلك “الحرب” في كانون الثاني/ يناير 2015، عندما تم التأكيد على انضمام فلسطين إلى المحكمة بعد أن اعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة كدولة. وقد أدان المسؤولون الإسرائيليون انضمامها باعتباره شكلاً من أشكال “الإرهاب الدبلوماسي”. وقال مسؤول دفاع سابق مطلع على جهود “إسرائيل” ضد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية إن الانضمام إلى المحكمة “يُنظر إليه على أنه تجاوز لخط أحمر” و”ربما التحرك الدبلوماسي الأكثر عدوانية” الذي اتخذته السلطة الفلسطينية، التي تحكم الضفة الغربية. وأضاف أن “الاعتراف بهم كدولة في الأمم المتحدة أمر جميل. لكن المحكمة الجنائية الدولية هي آلية ذات أنياب”.
بالنسبة إلى فاتو بنسودا، المحامية الغامبية المحترمة التي انتُخبت لمنصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في سنة 2012، فإن انضمام فلسطين إلى المحكمة جلب معه قرارا بالغ الأهمية. بموجب نظام روما الأساسي، المعاهدة التي تأسست عليها المحكمة، لا تستطيع المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها القضائي إلا على الجرائم التي تقع داخل الدول الأعضاء أو التي يرتكبها مواطنون من تلك الدول.
لكن “إسرائيل”، على غرار الولايات المتحدة وروسيا والصين، ليست عضوًا. وبعد قبول فلسطين كعضو في المحكمة الجنائية الدولية، أصبحت أي جرائم حرب مزعومة – يرتكبها أشخاص من أي جنسية – في الأراضي الفلسطينية المحتلة تقع الآن ضمن اختصاص بنسودا.
وفي 16 كانون الثاني/ يناير 2015، في غضون أسابيع من انضمام فلسطين، فتحت بنسودا تحقيقا أوليًا لما أطلِق عليه في لغة القانون في المحكمة “الوضع في فلسطين”. وفي الشهر التالي، ظهر رجلان تمكنا من الحصول على العنوان الخاص للمدعي العام في منزلها في لاهاي.
وقالت مصادر مطلعة على الحادث إن الرجال رفضوا التعريف عن أنفسهم عند وصولهم، لكنهم قالوا إنهم أرادوا تسليم رسالة إلى بنسودا نيابة عن امرأة ألمانية مجهولة تريد شكرها. وكان المظروف يحتوي على مئات الدولارات نقدا ومذكرة تحمل رقم هاتف إسرائيلي.
قالت مصادر مطلعة على مراجعة المحكمة الجنائية الدولية للحادث إنه في حين لم يكن من الممكن التعرف على الرجال، أو تحديد دوافعهم بشكل كامل، فقد خلصت إلى أن “إسرائيل” أرسلت على الأرجح إشارة إلى المدعية العامة بأنها تعرف مكان إقامتها. وقد أبلغت المحكمة الجنائية الدولية السلطات الهولندية بالحادثة وفرضت إجراءات أمنية إضافية، وقامت بتركيب كاميرات مراقبة في منزلها.
كان التحقيق الأولي الذي أجرته المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية واحدًا من بين العديد من عمليات تقصي الحقائق التي كانت المحكمة تجريها في ذلك الوقت، كمقدمة لتحقيق كامل محتمل. وتضمنت قضايا بنسودا أيضًا تسعة تحقيقات كاملة، بما في ذلك الأحداث في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا ومنطقة دارفور في السودان. ويعتقد المسؤولون في مكتب المدعي العام أن المحكمة كانت عرضة لنشاط التجسس، لذلك اتخذوا تدابير مراقبة مضادة لحماية تحقيقاتهم السرية.
وفي “إسرائيل”، قام مجلس الأمن القومي التابع لرئيس الوزراء بحشد الرد بمشاركة وكالات الاستخبارات التابعة له. وكان لنتنياهو وبعض الجنرالات ورؤساء المخابرات الذين أذِنوا بالعملية مصلحة شخصية في نتائجها. وعلى عكس محكمة العدل الدولية، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تتعامل مع المسؤولية القانونية للدول القومية، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة جنائية تحاكم الأفراد، وتستهدف أولئك الذين يعتبرون الأكثر مسؤولية عن الفظائع.
قالت مصادر إسرائيلية متعددة إن قيادة الجيش الإسرائيلي أرادت أن تنضم المخابرات العسكرية إلى هذه الجهود، التي تقودها وكالات تجسس أخرى، لضمان حماية كبار الضباط من الاتهامات. ويتذكر أحد المصادر قائلا “قيل لنا إن كبار الضباط يخشون قبول مناصب في الضفة الغربية لأنهم يخشون الملاحقة القضائية في لاهاي”.
قال اثنان من مسؤولي المخابرات المشاركين في الحصول على اعتراضات حول المحكمة الجنائية الدولية إن مكتب رئيس الوزراء أبدى اهتماما كبيرا بعملهم. وقال أحدهم إن مكتب نتنياهو سيرسل “مجالات الاهتمام” و”التعليمات” فيما يتعلق بمراقبة مسؤولي المحكمة. ووصف آخر رئيس الوزراء بأنه “مهووس” بعمليات الاعتراض التي تسلط الضوء على أنشطة المحكمة الجنائية الدولية.
رسائل البريد الإلكتروني المخترقة والمكالمات المراقبَة
حسب خمسة مصادر مطلعة على أنشطة المخابرات الإسرائيلية فإنها تجسست بشكل روتيني على المكالمات الهاتفية التي تجريها بنسودا وموظفوها مع الفلسطينيين. وبعد منعها من قبل “إسرائيل” من الوصول إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، اضطرت المحكمة الجنائية الدولية إلى إجراء الكثير من أبحاثها عبر الهاتف، مما جعلها أكثر عرضة للمراقبة.
وقالت المصادر إنه بفضل وصولهم الشامل إلى البنية التحتية للاتصالات الفلسطينية، تمكن عملاء المخابرات من التنصت على المكالمات دون تثبيت برامج تجسس على أجهزة مسؤول المحكمة الجنائية الدولية. وقال أحد المصادر: “إذا تحدثت فاتو بنسودا إلى أي شخص في الضفة الغربية أو غزة، فإن تلك المكالمة الهاتفية ستدخل إلى أنظمة [الاعتراض]”. وقال آخر إنه لا يوجد تردد داخلي بشأن التجسس على المدعية العامة”. وأضاف: “مع بنسودا، هي سوداء وإفريقية، فمن يهتم؟”.
لم يعترض نظام المراقبة مكالمات بين مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وأي شخص خارج فلسطين، مع ذلك قالت مصادر متعددة إن النظام يتطلب الاختيار النشط لأرقام الهواتف الخارجية الخاصة بمسؤولي المحكمة الجنائية الدولية الذين قررت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية التنصت على مكالماتهم.
وحسب مصدر إسرائيلي، فإن لوحة بيضاء كبيرة في إدارة المخابرات الإسرائيلية تحتوي على أسماء حوالي 60 شخصًا تحت المراقبة، نصفهم من الفلسطينيين ونصفهم الآخر من بلدان أخرى، بما في ذلك مسؤولون في الأمم المتحدة وموظفون في المحكمة الجنائية الدولية.
وفي لاهاي، تم تنبيه بنسودا وكبار موظفيها من قبل مستشارين أمنيين وعبر القنوات الدبلوماسية إلى أن “إسرائيل” تراقب عملهم. ويتذكر مسؤول كبير سابق في المحكمة الجنائية الدولية ما يلي: “لقد علمنا أنهم كانوا يحاولون الحصول على معلومات حول ما وصلنا إليه خلال الفحص الأولي”.
وعلِم المسؤولون أيضًا بتهديدات محددة ضد منظمة “الحق” الفلسطينية غير حكومية البارزة، التي كانت من بين عدة مجموعات حقوقية فلسطينية قدمت معلومات بشكل متكرر إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية. وغالبًا ما قدمتها في وثائق مطوّلة تشرح بالتفصيل حوادث تريد من المدعي العام أن يأخذها بعين الاعتبار، وقد قدمت السلطة الفلسطينية ملفات مماثلة.
غالبًا ما كانت هذه الوثائق تحتوي على معلومات حساسة مثل شهادة الشهود المحتملين. ومن المفهوم أيضًا أن تقارير منظمة “الحق” ربطت مزاعم محددة تتعلق بجرائم انتهكت قانون روما بمسؤولين كبار، بما في ذلك قادة الجيش الإسرائيلي ومديري الشاباك ووزراء الدفاع مثل بيني غانتس.
بعد سنوات، عندما فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا كاملًا في قضية فلسطين، صنّف غانتس مؤسسة الحق وخمس مجموعات حقوقية فلسطينية أخرى على أنها “منظمات إرهابية“، وهي تسمية رفضتها العديد من الدول الأوروبية. ووجدت وكالة المخابرات المركزية لاحقًا أنها غير مدعومة بالأدلة، وأفادت المنظمات بأن التصنيف كان بمثابة “اعتداء مستهدف” ضد أولئك الذين يتعاملون بنشاط مع المحكمة الجنائية الدولية.
وفق العديد من مسؤولي المخابرات الحاليين والسابقين، قامت فرق الهجوم السيبراني العسكرية والشاباك بمراقبة منهجية لموظفي المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والسلطة الفلسطينية الذين كانوا يتعاملون مع المحكمة الجنائية الدولية. كما وصف مصدران استخباراتيان قيام عملاء إسرائيليين باختراق رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بمنظمة الحق ومجموعات أخرى تتواصل مع مكتب بنسودا. وقال أحد المصادر إن الشاباك قام بتثبيت برنامج التجسس “بيغاسوس”، الذي طورته مجموعة “إن إس أو” الخاصة، على هواتف العديد من موظفي المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، بالإضافة إلى اثنين من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية.
كان يُنظر إلى مراقبة الطلبات الفلسطينية المقدمة إلى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية كجزء من مهمة الشاباك، لكن بعض مسؤولي الجيش كانوا يشعرون بالقلق من أن التجسس على كيان مدني أجنبي يعد تجاوزًا للحدود، لأنه لا علاقة له بالعمليات العسكرية. وقال أحد المصادر العسكرية عن المراقبة التي أُجريت على المحكمة الجنائية الدولية: “لا علاقة لها بحماس، ولا علاقة لها بالاستقرار في الضفة الغربية”. وأضاف آخر: “لقد استخدمنا مواردنا للتجسس على فاتو بنسودا – وهذا ليس شيئًا مشروعًا لنفعله كمخابرات عسكرية”.
اجتماعات سرية مع المحكمة الجنائية الدولية
سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، فإن مراقبة المحكمة الجنائية الدولية والفلسطينيين الذين يدعون إلى الملاحقات القضائية ضد الإسرائيليين وفّرت للحكومة الإسرائيلية ميزة في قناة خلفية سرية فتحتها مع مكتب المدعي العام. كانت اجتماعات “إسرائيل” مع المحكمة الجنائية الدولية حساسة للغاية. فإذا تم نشرها علنًا، فمن المحتمل أن تؤدي إلى تقويض الموقف الرسمي للحكومة المتمثل في عدم اعترافها بسلطة المحكمة.
وحسب ستة مصادر مطلعة على الاجتماعات، فقد ضمت الاجتماعات وفدًا من كبار المحامين الحكوميين والدبلوماسيين الذين سافروا إلى لاهاي. وأكد اثنان من المصادر إن الاجتماعات تمت بموافقة نتنياهو. وضم الوفد الإسرائيلي مسؤولين من وزارة العدل ووزارة الخارجية ومكتب المدعي العام العسكري، وعُقدت اللقاءات بين سنتي 2017 و2019، وترأسها المحامي والدبلوماسي الإسرائيلي البارز تال بيكر. يتذكر مسؤول سابق في المحكمة الجنائية الدولية قائلاً: “في البداية كان الأمر متوتراً. كنا نخوض في تفاصيل حوادث محددة. وكنا نقول: نحن نتلقى مزاعم حول هذه الهجمات وعمليات القتل هذه، وكانوا سيزودوننا بالمعلومات”.
قال شخص لديه اطلاع مباشر على استعدادات “إسرائيل” لاجتماعات القنوات الخلفية، إن المسؤولين في وزارة العدل تم تزويدهم بمعلومات استخباراتية تم استخلاصها من عمليات المراقبة الإسرائيلية التي تم اعتراضها قبل وصول الوفود إلى لاهاي. وقالوا: “لقد كان المحامون الذين تعاملوا مع هذه القضية في وزارة العدل متعطشين للغاية للحصول على معلومات استخباراتية”.
بالنسبة للإسرائيليين، فإنه رغم حساسية اجتماعات القنوات الخلفية هذه، إلا أنها قدّمت فرصة فريدة لتقديم حجج قانونية مباشرة تتحدى اختصاص المدعي العام على الأراضي الفلسطينية. كما حاولوا إقناع المدعي العام بأنه رغم سجل الجيش الإسرائيلي المشكوك فيه جدًا في التحقيق في المخالفات في صفوفه، إلا أنه لديه إجراءات صارمة لمحاسبة قواته المسلحة.
كانت هذه القضية حاسمة بالنسبة ل”إسرائيل”، فأحد المبادئ الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يُعرف بمبدأ التكامل، يمنع المدعي العام من التحقيق مع الأفراد أو محاكمتهم إذا كانوا خاضعين لتحقيقات موثوقة على مستوى الدولة أو إجراءات جنائية. وقالت عدة مصادر إنه طُلب من عملاء المراقبة الإسرائيليين معرفة الحوادث المحددة التي قد تشكل جزءًا من محاكمة المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل من أجل تمكين هيئات التحقيق الإسرائيلية من “فتح التحقيقات بأثر رجعي” في نفس الحالات.
وأوضح أحد المصادر أنه “إذا نُقلت المواد إلى المحكمة الجنائية الدولية، كان علينا فهم طبيعتها بالضبط للتأكد من أن الجيش الإسرائيلي حقق فيها بشكل مستقل وبشكل كافٍ حتى نتمكن من المطالبة بالتكامل”. وقد انتهت اجتماعات القنوات الخلفية بين “إسرائيل” والمحكمة الجنائية الدولية في كانون الأول/ ديسمبر 2019، عندما أعلنت بنسودا انتهاء فحصها الأولي. وقالت إنها تعتقد أن هناك “أساسًا معقولًا” لاستنتاج أن “إسرائيل” والجماعات المسلحة الفلسطينية ارتكبت جرائم حرب في الأراضي المحتلة.
كانت هذه نكسة كبيرة لقادة إسرائيل، على الرغم من أنه كان من الممكن أن تكون أسوأ. وفي خطوة اعتبرها البعض في الحكومة بمثابة إثبات جزئي لجهود الضغط التي تبذلها إسرائيل، توقفت بنسودا عن إجراء تحقيق رسمي. وبدلاً من ذلك، أعلنت أنها ستطلب من لجنة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية البت في المسألة المثيرة للجدل المتعلقة باختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية، بسبب “القضايا القانونية والواقعية الفريدة والمتنازع عليها بشدة”. مع ذلك، أوضحت بنسودا أنها تفكر في فتح تحقيق كامل إذا أعطاها القضاة الضوء الأخضر. وعلى هذه الخلفية، كثّفت “إسرائيل” حملتها ضد المحكمة الجنائية الدولية ولجأت إلى رئيس مخابراتها الأعلى لتشديد الضغط على بنسودا شخصيًا.
تهديدات شخصية و”حملة تشهير”
بين أواخر سنة 2019 وأوائل سنة 2021، عندما نظرت الدائرة التمهيدية في المسائل القضائية، كثّف مدير الموساد، يوسي كوهين، جهوده لإقناع بنسودا بعدم المضي قدمًا في التحقيق. وكانت اتصالات كوهين مع بنسودا قد بدأت قبل عدة سنوات – وقد وصفها لصحيفة “الغارديان” أربعة أشخاص مطلعون على روايات المدعي العام المتزامنة عن التفاعلات، بالإضافة إلى مصادر مطلعة على عملية الموساد. وفي إحدى اللقاءات الأولى، فاجأ كوهين بنسودا عندما ظهر بشكل غير متوقع في اجتماع رسمي عقده المدعي العام مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية آنذاك، جوزيف كابيلا، في جناح فندق في نيويورك.
قالت مصادر مطلعة على الاجتماع إنه بعد أن طُلب من موظفي بنسودا مغادرة الغرفة، ظهر مدير الموساد فجأة من خلف الباب في “كمين” تم التخطيط له بعناية. وبعد الحادث الذي وقع في نيويورك، أصر كوهين على الاتصال بالمدعية العامة، وظهر فجأة وأخضعها لمكالمات غير مرغوب فيها. وقالت المصادر إنه على الرغم من أن سلوك كوهين كان وديًا في البداية، إلا أنه أصبح تهديدًا وترهيبًا بشكل متزايد.
كان كوهين حليفًا مقربًا لنتنياهو في ذلك الوقت، وكان رئيسًا مخضرمًا للتجسس في الموساد واكتسب سمعة طيبة داخل الجهاز باعتباره مجندًا ماهرًا للعملاء ذوي الخبرة في تجنيد مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومات الأجنبية. وترسم الروايات عن اجتماعاته السرية مع بنسودا صورة سعى فيها إلى “بناء علاقة” مع المدعية العامة أثناء محاولته ثنيها عن متابعة تحقيق قد يؤدي، إذا تم المضي قدمًا فيه، إلى توريط مسؤولين إسرائيليين كبار.
وقالت ثلاثة مصادر مطلعة على أنشطة كوهين إنهم فهموا أن رئيس المخابرات حاول تجنيد بنسودا للامتثال لمطالب “إسرائيل” خلال الفترة التي كانت تنتظر فيها حكمًا من الغرفة التمهيدية. وذكروا أنه أصبح أكثر تهديدًا بعد أن بدأ يدرك أنه لن يتم إقناع المدعية العامة بالتخلي عن التحقيق. وفي إحدى المراحل، قيل إن كوهين أدلى بتعليقات حول أمن بنسودا وتهديدات مستترة حول العواقب على حياتها المهنية إذا واصلت العمل. ورغم محاولة صحيفة “الغارديان” الاتصال بهم، لم يستجب كوهين وكابيلا لطلبات التعليق، وكذلك رفضت بنسودا التعليق.
قالت مصادر مطلعة على هذه الإفصاحات إن بنسودا عندما كانت المدعية العامة، كشفت رسميًا عن لقاءاتها مع كوهين لمجموعة صغيرة داخل المحكمة الجنائية الدولية، بهدف الإبلاغ عن اعتقادها بأنها تعرضت “للتهديد الشخصي”. لم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي سعت بها “إسرائيل” للضغط على المدعية العامة. في الوقت نفسه تقريبًا، اكتشف مسؤولو المحكمة الجنائية الدولية تفاصيل ما وصفته المصادر بـ”حملة تشهير” دبلوماسية تتعلق جزئيًا بأحد أفراد العائلة المقربين.
وفقا لمصادر متعددة، حصل الموساد على عدد من المواد المخبأة بما في ذلك نصوص عن عملية واضحة ضد زوج بنسودا، ولا يزال أصل هذه المادة – وما إذا كانت حقيقية – غير واضح. لكن مصادر قالت إن “إسرائيل” وزعت عناصر من المعلومات على مسؤولين دبلوماسيين غربيين، في محاولة فاشلة لتشويه سمعة المدعية العامة. وقال شخص مطلع على الحملة إنها لم تحظ باهتمام كبير بين الدبلوماسيين وكانت بمثابة محاولة يائسة لتشويه سمعة بنسودا.
حملة ترامب ضد المحكمة الجنائية الدولية
في آذار/ مارس 2020، بعد ثلاثة أشهر من إحالة بنسودا قضية فلسطين إلى الدائرة التمهيدية، أفادت التقارير بأن وفدًا حكوميًا إسرائيليًا أجرى مناقشات في واشنطن مع كبار المسؤولين الأمريكيين حول “نضال إسرائيلي أمريكي مشترك” ضد المحكمة الجنائية الدولية. وقال أحد مسؤولي المخابرات الإسرائيلية إنهم يعتبرون إدارة دونالد ترامب أكثر تعاونًا من إدارة سلفه الديمقراطي. وشعر الإسرائيليون براحة كافية لطلب معلومات من المخابرات الأمريكية حول بنسودا، وهو طلب قال المصدر إنه كان “مستحيلًا” خلال فترة ولاية باراك أوباما.
قبل أيام من الاجتماعات في واشنطن، حصلت بنسودا على إذن من قضاة المحكمة الجنائية الدولية لمتابعة تحقيق منفصل في جرائم الحرب في أفغانستان التي ارتكبتها طالبان وأفراد من الجيش الأفغاني والأمريكي. وخوفًا من محاكمة القوات المسلحة الأمريكية، انخرطت إدارة ترامب في حملتها العدوانية ضد المحكمة الجنائية الدولية، وبلغت ذروتها في صيف سنة 2020 بفرض عقوبات اقتصادية أمريكية على بنسودا وأحد كبار مسؤوليها.
وبين صفوف مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، يُعتقد أن القيود المالية والقيود المفروضة على التأشيرات التي فرضتها الولايات المتحدة على موظفي المحكمة ترتبط بتحقيقات فلسطين بقدر ما تتعلق بقضية أفغانستان. وقال مسؤولان سابقان في المحكمة الجنائية الدولية إن مسؤولين إسرائيليين كبارًا أشاروا لهم صراحة إلى أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تعملان معًا.
وفي مؤتمر صحفي عُقد في حزيران/ يونيو من تلك السنة، أشارت شخصيات بارزة في إدارة ترامب إلى عزمها فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، معلنةً أنها تلقت معلومات غير محددة حول “الفساد المالي والمخالفات على أعلى مستويات مكتب المدعي العام”. إلى جانب الإشارة إلى قضية أفغانستان، ربط مايك بومبيو، وزير خارجية ترامب، الإجراءات الأمريكية بالقضية الفلسطينية. وقال: “من الواضح أن المحكمة الجنائية الدولية تضع إسرائيل في مرمى النيران فقط لأغراض سياسية بحتة”. وبعد أشهر، اتهم بومبيو بنسودا بـ “التورط في أعمال فساد لمصلحتها الشخصية”. ولم تقدم الولايات المتحدة قط أي معلومات علنية لإثبات هذه التهمة، وقد رفع جو بايدن العقوبات بعد أشهر من دخوله البيت الأبيض.
لكن في ذلك الوقت، واجهت بنسودا ضغوطًا متزايدة من جُهدٍ منسق على ما يبدو خلف الكواليس من قبل الحليفين القويين. وباعتبارها مواطنة غامبية، فإنها لم تتمتع بالحماية السياسية التي يتمتع بها زملاؤها الآخرون في المحكمة الجنائية الدولية من الدول الغربية بحكم جنسيتهم. وقال مصدر سابق في المحكمة الجنائية الدولية إن هذا جعلها “ضعيفة ومعزولة”.
قالت المصادر إن أنشطة كوهين كانت مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة للمدعية العامة ودفعتها للخوف على سلامتها الشخصية. وعندما أكدت الدائرة التمهيدية أخيرًا أن المحكمة الجنائية الدولية لها اختصاص في فلسطين في شباط/ فبراير 2021، اعتقد البعض في المحكمة الجنائية الدولية أن على بنسودا أن تترك القرار النهائي لفتح تحقيق كامل لخليفتها. وفي 3 آذار/ مارس، قبل أشهر من انتهاء فترة ولايتها البالغة تسع سنوات، أعلنت بنسودا عن إجراء تحقيق كامل في قضية فلسطين، مما أدى إلى بدء عملية قد تؤدي إلى اتهامات جنائية، رغم أنها حذرت من أن المرحلة التالية قد تستغرق بعض الوقت. وأضافت: “أي تحقيق يجريه المكتب سيتم بشكل مستقل وحيادي وموضوعي، دون خوف أو محاباة. نحث الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمعات المتضررة على الصبر”.
إعلان خان عن أوامر الاعتقال
عندما تولى خان رئاسة مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في حزيران/ يونيو 2021، ورث تحقيقًا قال لاحقًا إنه “خطأ سان أندرياس في السياسة الدولية والمصالح الاستراتيجية”. ومع توليه منصبه، تنافست تحقيقات أخرى – بما في ذلك الأحداث في الفلبين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان وبنغلاديش – على جذب انتباهه. وفي آذار/ مارس 2022، بعد أيام من شن روسيا غزوها لأوكرانيا، فتح تحقيقًا رفيع المستوى في جرائم الحرب الروسية المزعومة.
قالت مصادر مطلعة على القضيّة إن فريق المدعي العام البريطاني لم يعامل التحقيق الفلسطيني الحساس سياسيا كأولوية في البداية. وقال أحدهم إن القضية كانت سارية المفعول “على الرف” – لكن مكتب خان يعارض ذلك ويقول إنه أنشأ فريق تحقيق مخصصًا للمضي قدمًا في التحقيق.
وفي “إسرائيل”، اعتبر كبار محامي الحكومة خان – الذي دافع في السابق عن أمراء الحرب مثل الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور – مدعيًا عامًا أكثر حذرًا من بنسودا. وقال مسؤول إسرائيلي كبير سابق إن هناك “الكثير من الاحترام” لخان، على عكس سلفه. وقالوا إن تعيينه في المحكمة اعتُبر “سببًا للتفاؤل”، لكنهم أضافوا أن هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر “غيّر هذا الواقع”.
من الواضح أن هجوم حماس على جنوب إسرائيل، الذي قتل فيه المقاتلون الفلسطينيون ما يقارب 1200 إسرائيلي واختطفوا نحو 250 شخصًا، كان ينطوي على جرائم حرب وقحة. وكانت هذه وجهة نظر العديد من الخبراء القانونيين بشأن الهجوم الإسرائيلي اللاحق على غزة، الذي تشير التقديرات إلى أنه أدى إلى مقتل أكثر من 35 ألف شخص ودفع القطاع إلى حافة المجاعة بسبب عرقلة “إسرائيل” للمساعدات الإنسانية.
بحلول نهاية الأسبوع الثالث من القصف الإسرائيلي على غزة، وصل خان إلى معبر رفح الحدودي بنفسه. وقام بعد ذلك بزيارات إلى الضفة الغربية وجنوب “إسرائيل” حيث دُعي للقاء الناجين من هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأقارب الأشخاص الذين قُتلوا.
وفي شباط/ فبراير 2024، أصدر خان بيانًا شديد اللهجة فسّره المستشارون القانونيون لنتنياهو على أنه علامة مشؤومة. وفي منشوره على موقع “إكس”، حذّر في الواقع “إسرائيل” من شن هجوم على رفح، المدينة الواقعة في أقصى جنوب غزة، حيث كان يلجأ أكثر من مليون نازح في ذلك الوقت، وكتب: “إنني أشعر بقلق عميق إزاء القصف المزعوم والتوغل البري المحتمل للقوات الإسرائيلية في رفح. أولئك الذين لا يلتزمون بالقانون يجب ألا يشتكوا لاحقًا عندما يتخذ مكتبي الإجراء”.
أثارت هذه التصريحات قلقًا داخل الحكومة الإسرائيلية حيث بدت وكأنها تحيد عن تصريحاته السابقة بشأن الحرب التي اعتبرها المسؤولون حذرة بشكل مطمئن. وقال مسؤول كبير: “تلك التغريدة فاجأتنا كثيرًا”. وتزايدت المخاوف في “إسرائيل” بشأن نوايا خان الشهر الماضي عندما أطلعت الحكومة وسائل الإعلام على أنها تعتقد أن المدعي العام يُفكّر في إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين مثل يوآف غالانت.
اعترضت المخابرات الإسرائيلية رسائل بريد إلكتروني ومرفقات ورسائل نصية من خان ومسؤولين آخرين في مكتبه. وقال مصدر استخباراتي: “إن موضوع المحكمة الجنائية الدولية تسلق سلم أولويات المخابرات الإسرائيلية”. ومن خلال الاتصالات التي تم اعتراضها، أثبتت “إسرائيل” أن خان كان يفكر في مرحلة ما في دخول غزة عبر مصر ويريد مساعدة عاجلة للقيام بذلك “دون إذن إسرائيل”.
استند تقييم استخباراتي إسرائيلي آخر، تم تداوله على نطاق واسع في مجتمع الاستخبارات، إلى مراقبة مكالمة بين اثنين من السياسيين الفلسطينيين. وقال أحدهما إن خان أشار إلى أن طلب إصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين قد يكون وشيكًا، لكنه حذّر من أنه “يتعرض لضغوط هائلة من الولايات المتحدة”.
على هذه الخلفية، أدلى نتنياهو بسلسلة من التصريحات العامة التي حذر فيها من أن طلب إصدار أوامر اعتقال قد يكون وشيكًا. ودعا “قادة العالم الحر إلى الوقوف بحزم ضد المحكمة الجنائية الدولية” و”استخدام كل الوسائل المتاحة لهم لوقف هذه الخطوة الخطيرة”. وأضاف: “إن وصف قادة وجنود إسرائيل بمجرمي الحرب سيصب الوقود على نيران معاداة السامية”. وفي واشنطن، بعث مجموعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الأمريكيين بالفعل برسالة تهديد إلى خان مع تحذير واضح: “استهدف إسرائيل وسوف نستهدفك”.
في الوقت نفسه، عززت المحكمة الجنائية الدولية أمنها من خلال عمليات تفتيش منتظمة لمكاتب المدعي العام، وعمليات فحص أمني للأجهزة، وتخصيص مناطق خالية من الهواتف، وإجراء تقييمات أسبوعية للتهديدات، وإدخال معدات متخصصة. وقال متحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية إن مكتب خان تعرض “لعدة أشكال من التهديدات والاتصالات التي يمكن اعتبارها محاولات للتأثير بشكل غير مبرر على أنشطته”.
ومن جهته، كشف خان مؤخرًا في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” أن بعض القادة المنتخبين كانوا “صارمين للغاية” معه بينما كان يستعد لإصدار مذكرات اعتقال. وقال: “هذه المحكمة بنيت من أجل أفريقيا ومن أجل البلطجية مثل بوتين، هذا ما قاله لي أحد كبار القادة”.
على الرغم من الضغوط، اختار خان، مثل سلفه، المضي قدمًا. وفي الأسبوع الماضي، أعلن خان أنه يسعى لإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى جانب ثلاثة من قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال إن رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين متهمان بالمسؤولية عن الإبادة والمجاعة ومنع وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية والاستهداف المتعمد للمدنيين.
وقال خان، بينما يقف إلى جانبه على المنصة اثنان من كبار المدعين العامين – أحدهما أمريكي والآخر بريطاني – إنه طلب من “إسرائيل” مرارًا وتكرارًا اتخاذ إجراءات عاجلة للامتثال للتصريحات العامة، ويجب على أولئك الذين لا يلتزمون بالقانون أن يشتكوا لاحقًا عندما يتخذ مكتبي الإجراء. لقد حان ذلك اليوم”.
المصدر: الغارديان