ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأ التلقين في وقت مبكر من أحد صباحات تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. لا يتم تلقين هذا الدرس في الفصول الدراسية وإنما في مطبخ مؤقّت كجزء من برنامج “المدرسة المنزلية” في شينجيانغ. وهناك وقفت معلّمة أمام صفّها من النساء البالغات وسألت: “ماذا تحبون أن تأكلوا على الإفطار؟”. فأجابت النساء في انسجام تام: “نان وحليب” أو “نان وشاي”. فتدخلت المعلمة: “ألا تتناولون وعاءً من الكونجي الساخن؟”، وقد أثار هذا السؤال نقاشًا إضافيًا و”مزيدًا من الفضول” بين النساء الحاضرات.
كما هو موضح في الحساب الرسمي للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي “أصوات نساء شينجيانغ”، قامت المعلمة التابعة لفرع شينجيانغ لاتحاد نساء عموم الصين بتقديم دروس عملية في كيفية إعداد أعواد العجين المقلية (يوتياو)، والكونجي، وفطائر البصل، والكعك المطهو على البخار، من بين أطباق جانبية أخرى. وفي نهاية ورشة العمل، قالت إحدى الحاضرات: “في الماضي، كنت أعرف فقط كيفية تحضير النان والشاي بالحليب كل صباح والآن، أنا قادرة على صنع فطائر البصل الأخضر، وأعواد العجين المقلية، وحتى كعك الورد. سيتضمّن إفطار عائلتي الآن المزيد من العناصر الغذائية والخضروات والكونجي كعنصر أساسي يحب الأطفال تناوله!”.
هذا التقرير – الذي يشير ضمنًا إلى دونية تقاليد طهي الأويغور مقارنة بتقاليد بعض مجتمعات الهان – يجسد نهج الحزب الشيوعي الصيني تجاه ثقافة الأويغور بشكل عام. ينظر الحزب الشيوعي الصيني إلى العديد من جوانب حياة الأويغور على أنها “متخلفة”، لذلك يسعى إلى إعادة تشكيل التعبير الثقافي للأويغور بطريقة يجدها واضحة وغير مهددة، ويعزز مجموعة من أذواق وعادات “الهان” المسموح بها رسميًا كمعيار للنظافة والحداثة والحياة الطبيعية.
وفي حالة الطعام، تعمل بكين غالبًا على فرض هذا المعيار من خلال التدخلات المباشرة مع النساء المحليات. حتى عندما تمجّد السُلطات مميزات المطبخ في المنطقة، فإنها غالبًا لا تتحدث على وجه التحديد عن “طعام الأويغور” بل عن “طعام شينجيانغ”، كما لو أن الأطباق التي يستمتع بها الكثير من سياح الهان لها أصول جغرافية وليست من ممارسات وثقافة شعب الأويغور. وفي الوقت نفسه، يعتبر المسؤولون أن الأنظمة الغذائية العرقية والثقافية للأويغور – خاصة إذا كانت حسب الشريعة الإسلامية – تشكل عقبات أمام الوحدة العرقية في أحسن الأحوال وبوابة للتطرف في أسوأ الأحوال.
ووفقًا لمجيت قادر، مسؤول مكتب الأمن العام في كاشغر: “تخلق عادات الحلال الإسلامية فجوة لا يمكن سدها بين الأويغور والهان وتوسع المسافة بينهما كأنها جدار غير مرئي”. ويضيف: “أثناء عملي في الفرقة الثالثة في مكتب الأمن العام كان لدى بعض أفراد شرطة الأقليات العرقية [الأيغور] والشرطة المساعدة رذائل/عادات مستمرة عفا عليها الزمن [يشار إليها بالصينية بـ 生活陋习 shenghuo luoxi]، ولا يأكلون لحم الخنزير لأنهم لم يعتادوا عليه؛ ولا يستخدمون المنتجات الحديثة لأنهم غير معتادين عليها؛ ويخافون إذا فعلوا بعض الأشياء أن تعاقبهم عقيدة دينية لم يختاروها لأنفسهم. يجب أن تتغير هذه النظرة”.
يربط قادر، وهو نفسه من الأويغور، تقاليد الطهي “للأقلية العرقية” بـ “العقيدة” ويضعها في مواجهة الحداثة، التي يمثلها شعب الهان. بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فإن النظام الغذائي الخاطئ من الممكن أن يعيق الحداثة، التي يجب أن تتجسّد في ثقافة “حديثة” وحدويّة. وبالتالي، من أجل التخلص من بقايا تخلفهم الثقافي المفترض، لا يجب على نساء الأويغور فقط استبدال جلابيبهن بالتنانير الضيقة، وإنما يجب عليهن أيضًا الآن إطعام أنفسهن كما يفعل شعب الهان.
رغم اعتقاد بعض المسؤولين أن المطبخ الأويغوري لا طعم له، ويعكس العقليات البسيطة والدينية لأولئك الذين يستهلكونه، إلا أن الأطباق التي يتم إعدادها وتقديمها في منازل ومطاعم الأويغور متنوعة مثل المجتمعات التي تسكن واحات حوضي تاريم وجونجار.
تُقدّم أطباق اليخنة المغطاة بالعجين التي تسمى “موري يابميسي” كوجبات دافئة خلال فصول الشتاء القصيرة ولكن شديدة البرودة في مدينة قمول، في حين يعتبر “التوكسورميين” وهو عبارة عن معكرونة “لانغمان” بمرق الطماطم مع الفاصوليا والفلفل والبيض المسلوق، طبقًا شهيًا مميزًا في ياكان.
ورغم التنوع الإقليمي، تشمل المكونات المشتركة في “مطبخ الأويغور” القمح والأرز والذرة والذرة البيضاء واللحوم الحلال والفواكه والخضروات التي تتحمل المناخات القاحلة، والتي يتم تتبيلها بمختلف أنواع الفلفل والبصل والكمون. وقد تتجمع كل هذه المكونات في أنواع مختلفة من خبز النان المسطّح، والبيلاف (بولو)، والزلابية المطبوخة على البخار (مانتا)، والزلابية المحمصة (السامسا)، والمعكرونة المصنوعة يدويًا (لانغمان)، والكباب (كواب)، والعديد من أنواع الحساء (مثل الشوربا، والسويوقاش، والتشوشورا).
وتوفر موسوعة طعام الأويغور، المنشورة في أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم، وصفات لأكثر من 1800 طبق مختلف، وتقول مقدمة المجلد: “يحظى المطبخ الأويغوري بالتقدير محليًا وخارجيًا بفضل أصنافه العديدة وتقنيات إعدادها [إنتشيكليك] المعقدة والدقيقة والجودة العالية والفوائد الغذائية والطبية”.
لكن المناخ السياسي في شينجيانغ تغير بشكل كبير منذ سنة 2007، عندما نُشرت موسوعة طعام الأويغور لأول مرة. لم تعد بكين تشيد بالفوائد الغذائية أو الطبية لمطبخ الأويغور. وبدلاً من ذلك، يعد إدخال “المطبخ الصيني” إلى مجتمعات الأويغور جزءًا أساسيًا من “صنع الاستقرار” الشامل للدولة الحزبية. بالإضافة إلى آليات السيطرة القمعية والعنيفة في كثير من الأحيان المفروضة على المنطقة في السنوات الأخيرة – بما في ذلك السجن الجماعي، وتحديد النسل، والقمع الديني – تحاول بكين إعادة تشكيل ثقافة الأويغور نفسها، والجمع بين المراقبة البشرية المكثفة والجهود “التثقيفية” الأبوية.
فعلى سبيل المثال، تقوم حملة “زيارة الناس وإفادة الناس وجمع قلوب الناس معًا” (فانغويجو)، التي يشار إليها أحيانًا باسم حملة “أن نصبح عائلة“، بإرسال موظفي الحكومة، وكثير منهم من الهان، “للعيش والدراسة والعمل” مع الأويغور في جميع أنحاء شينجيانغ. وحسب أرقام سنة 2018، زار 56 ألف فريق عمل أكثر من 380 مليون شخص في السنوات الأربع الأولى من الحملة. في مرحلته الثالثة (من 2021 إلى الوقت الحاضر) لا يعمل هؤلاء العمال كعيون وآذان الحكومة فحسب – حيث يبلغون عن أي نزعات “متطرفة” بين السكان – وإنما يعتبرون أيضًا ناقلين للثقافة “الصحية”.
من تنظيم عروض الأزياء إلى إلقاء محاضرات حول الأنشطة الدينية غير القانونية، يساعد الاتحاد النسائي لعموم الصين بقيادة الحزب في تنفيذ أعمال حملة فانغويجو. ويعكس الدور المركزي الذي يلعبه الاتحاد النسائي لعموم الصين منطق الحزب الشيوعي الصيني: يتطلب استقرار شينجيانغ نساءً “محررات” يتم إنقاذهن مما تصفه بكين بالثقافة المحلية المتخلفة، والمفرطة في التدين، وفي بعض الأحيان “المتطرفة”.
ومن هذا المنظور، فإن مكانة المرأة في المنزل تجعلها لاعبًا رئيسيًا لنشر التأثيرات الصحية أو غير الصحية. ووفقًا لرئيسة الاتحاد النسائي في كاشغر، ديلبار إمام: “يجب على نساء الأويغور القضاء على البيئة التي تنشر فيها القوى الدينية المتطرفة [تعاليمها] ونشر شينجيانغ “الحقيقية”… وكأمهات أويغور، يجب أن نتذكر أنه عندما تكون الأم جيدة، سيكون الطفل جيدا؛ وعندما يكون الطفل جيدًا، ستكون المجموعة العرقية جيدة؛ وعندما تكون المجموعة العرقية جيدة، سيكون الوطن جيدًا”.
وفي جهوده المستمرة لإنقاذ نساء الأويغور من “التطرف” ودفعهن نحو المجتمع الحديث، ينظم الاتحاد النسائي في شينجيانغ أيضًا ما يسمى بـ “المدرسة المنزلية” الدورية (家庭学校، جياتينج شيويكسياو) – وهي ورش عمل مكثفة في الحياة “المتحضرة” – وحسب الموقع الرسمي للاتحاد، فإن المدارس المنزلية “تدعو نساء العصر الجديد إلى تغيير عاداتهن وتحسين الصفات الحضارية الحديثة للمرأة الريفية”. وبشكل أكثر تحديدًا، يكلف الاتحاد النسائي نفسه بتدريب “مجموعة من الرسل المتحضرين المعاصرين الذين، من خلال تطبيق ما تعلموه، سيقودون النساء الريفيات [الأخريات] إلى التخلي عن “العادات السيئة” … وتثقيف النساء على حب الحزب، وحب وطنهن، وحب عائلاتهن”.
تتطلب فعاليات المدرسة المنزلية عمومًا التدريب الفني خلال النهار والمحاضرات السياسة في المساء. وتعتبر دروس الطبخ نقطة محورية في ورش العمل المدرسية المنزلية. وبما أن “الأنظمة الغذائية في جنوب شينجيانغ رتيبة”، على حد تعبير أحد كوادر حزب الهان المنتسبين إلى البرنامج، فإنهم يقدمون تعليمات عملية حول إعداد الوجبات والتوجيه لتنمية العادات الغذائية “العلمية والصحية”.
وفي إحدى الفعاليات المدرسية المنزلية في مقاطعة كوناشهر، تعلم عضوات اتحاد نساء شينجيانغ النساء”عادات الأكل الصحية”، التي تبدأ بأطعمة الإفطار مثل فطائر البصل الأخضر، وأعواد العجين المقلية، والزلابية، واللفائف المطبوخة على البخار، والأطباق الباردة، ومجموعة متنوعة من السلطات وأنواع الحساء – وهي أطباق على الرغم من أنها قد لا تكون جميعها صحية في الواقع، إلا أنها توجد عادةً في أكشاك الإفطار في جميع أنحاء مدن وسط وشرق الصين.
وفي الوقت نفسه، في مقاطعة مارالبكسي (باتشو)، تعلمت أكثر من 260 امرأة شاركن في التدريب المدرسي المنزلي المحلي في نفس الشهر، كما هو الحال في كوناشهر، كيفية إعداد 13 نوعًا من أطباق الإفطار، وأربعة مقبلات/أطعمة رئيسية، وثمانية أطباق جانبية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تدربت المشاركات على الغسيل، والتقطيع، والقلي السريع، والقلي العميق، والقلي، من بين تقنيات أخرى.
بالنسبة لبعض الأعمال، يجب أن تبدأ التغييرات في النظام الغذائي مع وجبة الإفطار. وقد استضافت قرى ييكين (شاتشي بالصينية) وخوتان دورات تدريبية مدرسية منزلية قدمت تعليمات حول كيفية إعداد وجبات الصباح. وقد شملت الأطباق فطائر البصل الأخضر وأعواد العجين المقلية والخيار البارد والبيض المقلي والكونج والعصيدة والشاي بالحليب، والهدف من ذلك: تغيير وجبة الإفطار “التقليدية” الرتيبة (أي الأويغورية) المكونة من النان والشاي.
لكن دروس الطبخ لا تهدف فقط إلى تعليم الأويغور كيفية تغذية أجسادهم بشكل أفضل. وكما هي الحال في أماكن أخرى، فإن الغذاء والطريقة التي يتم بها استهلاكه في الصين يشكلان أدوات مهمة يتم من خلالها خلق الهويات الاجتماعية والثقافية والحفاظ عليها. فخلال عهد أسرة تشين، كان اعتماد الأرز والنبيذ يرمز إلى الخضوع “البربري” للحكم الصيني.
وفي الوقت نفسه، تقول التقاليد الشعبية إن المأكولات الإقليمية تحدد الشخصيات: فالطعام الحار في سيتشوان يجعل أهلها ناريين؛ أما المكونات البسيطة المستخدمة في مقاطعة شاندونغ تعبّر عن تواضع السكان.
إن تدريب الأويغور على إعداد المأكولات “الصينية” يعمل أيضًا على خلق بيئة أكثر راحة لمرافقي الهان الذين يتم إرسالهم “للعيش والدراسة والعمل” في هذه المنطقة والذين على الرغم من رغبتهم في تغيير العادات الغذائية للأويغور، إلا أنهم لا يعتزمون تغيير عاداتهم الغذائية الخاصة. وقد اشتكى منشور على الموقع الرسمي لمقاطعة ميكيت “أن نصبح عائلة” أو فانغويجو من أنه: “بالنسبة لشخص غير معتاد على أكل لحم الضأن مثلي، فإن كل وجبة [هنا] هي “تعذيب” [煎熬، jian’ao]. والأكثر من ذلك، أننا في معظم الأوقات نأكل أشياء لا أحبها مثل الجزر والملفوف، كما أنني لا أستطيع تحمل استخدام اليدين لتناول الطعام وسكب [الطعام] مباشرة من الأطباق، كما أنني لست معتادًا على تناول الخضار والأرز من نفس الوعاء، والأكثر من ذلك، أنني لست معتادًا على تناول نفس طبق المعكرونة أو الحساء كل مساء وبعد الظهر”.
لهذا السبب، غالبًا ما زودت الدولة العديد من موظفي إنفاذ القانون من الهان المتمركزين في شينجيانغ بمطعم هان. وفي مقاطعة شيار، افتتحت السلطات كافتيريا على طراز تشونغتشينغ في أحد السجون المحلية بعد 10 أيام فقط من اقتراح الفكرة. وخلال حفل افتتاح الكافتيريا، احتفل أحد المسؤولين الإقليميين بـ “جسر الصداقة” الذي يرمز إليه المطعم.
وحسب ما ورد، رحّب الضباط أنفسهم بفكرة الكافتيريا بأذرع مفتوحة وأطباق مكدسة، وقال ضابط يُدعى لو إن فرصة تناول مأكولات تشونغتشينغ “اللذيذة” في شينجيانغ البعيدة أتاحت له تكريس نفسه بشكل كامل لوظيفته.
لضمان وجود طهاة محليين قادرين على إنتاج الطعام لعمال الهان المتمركزين في شينجيانغ، قامت الحكومات على مستوى المقاطعات والبلدات بدعم البرامج المهنية لتدريب الأويغور المحليين على المطبخ “الصيني” (中式، تشونغشي) – وهو استخدام مثير للسخرية للمصطلح، لأن الحزب الشيوعي الصيني يدعي أن الأويغور هم أيضًا “صينيون”.
وحتى بعض طهاة الأويغور المدربين حديثًا يتم تعيينهم في خدمة فرق عمل فانغويجو. هذا يحرر مرافقي حكومة الهان من الاضطرار إلى طهي طعامهم ويمنحهم المزيد من الوقت للقيام بمهامهم المقصودة. وفي مقاطعة أكتشي بمحافظة كيزيلسول، على سبيل المثال، يقوم “مشروع تدفئة المعدة” (暖胃工程، nuan wei gongcheng) بتدريب السكان المحليين على طهي الطعام لكوادر الهان المتمركزين هناك.
وكما أوضح أحد الكوادر: “في الماضي، لم يكن لدى فرق العمل طاهٍ متفرغ، لذلك كان يتعين على عضو أو عضوين يعرفان كيفية الطهي البقاء في كل يوم لإعداد وجبات الطعام، الأمر الذي أثر حتمًا على عمل القرية. والآن، توفر مقاطعة أكشي الطهاة [من مشروع تدفئة المعدة]، مما حل هذه المشكلة بسهولة”. بمجرد حصول الطهاة على شهادة في “الطهي الصيني” – وهي العملية التي تتطلب الكفاءة في إعداد أطباق مستوحاة من ثقافة هان واجتياز اختبار شامل – يمكن للطهاة أن يكسبوا ما بين 1500 إلى 2000 رنمينبي شهريا.
نفور مسؤولي الهان من أطباق الأويغور هو رد فعل نموذجي في الأماكن التي يصبح فيها الطعام موقعًا للاتصال الاستعماري. يجسّد نفور المستعمر من المطبخ المحلي الانقسامات العرقية. ويمكن لموظف حكومي من الهان يتم إرساله “للعيش والدراسة والعمل” في شينجيانغ أن يكون لديه تفاعلات ودية مع أحد الأويغور الذي يعيش في القرية التي يتمركز فيها، لكن نفور كادر الهان من طعام الأويغور سيمنعه دائمًا من النظر إلى الأويغور في القرية على قدم المساواة.
تقديم وتشجيع إعداد الأطباق “الصينية” يقلل من قيمة مطبخ الأويغور. ووفقًا لعمل سام غراي وراج باتل بشأن السيادة الغذائية، فإن تعليم تقنيات الطبخ للمستعمَرين يضعف ويزيل قناة مهمة من المعرفة الأصلية. ومن خلال تطبيق هذه النظرية على شينجيانغ، يقول مسؤولو الحزب للأويغور إن نظامهم الغذائي عديم الطعم ورتيب وحتى غير صحي بينما يقومون بتعليم النساء كيفية إعداد طعام “صحي” و”حديث” على الطريقة الصينية. ولا تتطلب هذه الوصفات مكونات جديدة فحسب، بل تتطلب أيضًا تقنيات إعداد وآداب مختلفة لمشاركة الوجبات.
وحتى في الوقت الذي تحذّر فيه فرق العمل الحكومية عائلات الأويغور من تناول طعام عديم الطعم وغير صحي ومن الالتزام بالقيود الغذائية الإسلامية التي يمكن أن تؤدي إلى “التطرف”، فإن الحزب الشيوعي الصيني يبدو أنه ليس لديه مشكلة في استهلاك السياح له. وفي الواقع، يأتي السياح من الهان إلى شينجيانغ بأعداد كبيرة ويلتهمون المأكولات المحلية.
وقد أشار تقرير لوكالة أنباء شينخوا في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، إلى أن أكثر من 7 ملايين سائح زاروا المنطقة في سنة 2023 وحدها. وأشار ليو تشيوان، نائب مدير إدارة الثقافة والسياحة في شينجيانغ، إلى أن “المطبخ المحلي الشهير” يعتبر أحد القوى الدافعة الرئيسية وراء هذه الأعداد المرتفعة من السياح.
كيف نفسّر هذا التناقض الواضح في رؤية الحكومة للمطبخ الإيغوري؟ ببساطة، تعتبر الدولة الحزبية أن طعام الأويغور مقبول طالما تفرض هيمنتها عليه وتعيد تسميته كطعام ينسب إلى”لشينجيانغ”.
في سنة 1884 أطلقت أسرة تشينغ على المنطقة اسم “شينجيانغ”، الذي يعني “الإقليم الجديد”. وتحت رعاية هذا الاسم الغامض، سعت الدولة الصينية الحديثة إلى استيعاب الثقافات المحلية المتميزة، بما في ذلك الثقافة الأويغورية وكذلك الكازاخستانية والأوزبكية، والتحول إلى هوية “شينجيانغ” الأوسع، التي تشكل في حد ذاتها جزءًا مما يسميه الحزب الشيوعي الصيني “الأمة الصينية”، أو تشونغهوا مينزو، وهي هوية جماعية تعترف بالتنوع السكاني في الصين ولكنها تصر على وحدتهم.
وهكذا تصف وسائل الإعلام الرسمية خبز النان، وهو الغذاء الأساسي للأويغور، بأنه يتقاسم تاريخًا طويلًا مع الناس من جميع الأعراق في شينجيانغ، مما يعني أنه جزء أساسي من الثقافة الصينية الأوسع ولا يرتبط بتركيا أو آسيا الوسطى. وتقوم الدولة الحزبية في الوقت نفسه بإزالة الأطعمة الأصلية من منازل الأويغور بينما تقدم نفس الأطباق تحت اسم “أطباق شينجيانغ” غير العرقية للسياح الهان الجائعين.
المصدر: فورين بوليسي