لا حديث يعلو في الجزائر هذه الفترة، على الحديث عن خلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأبرز أسماء المرشحين المحتملين لشغل منصب الرئاسة في هذا البلد العربي، فالكل يتحدّث إما همسًا أو جهرًا في المقاهي والشوارع وفي البيوت أيضًا دون أن ننسى داخل أجهزة الدولة الرسمية وغير الرسمية وفي أوساط أحزاب المعارضة والمولاة على حدّ سواء.
الاسم الطاغي هذه الأيام، اسم شكيب خليل وزير الاقتصاد السابق الذي برز اسمه مؤخرًا نتيجة حملة الانتقادات الكبيرة التي يقودها ضدّ الوزير الأول أحمد أويحي، فهل يكون خليل خليفة بوتفليقة في قصر المرادية؟
نشاط مكثف
المتابع للشأن السياسي الجزائري، يلاحظ كثافة التحركات السياسية الميدانية والافتراضية (على مواقع التواصل الاجتماعي) لوزير الطاقة السابق شكيب خليل، حيث كثيرًا ما يقوم بإلقاء المحاضرات في مناطق عدّة من البلاد، فضلاً عن التفاعل مع المهتمين بالشأن العام عبر شبكة التواصل الاجتماعي وإجابته عن مئات الأسئلة التي ترده مباشرةً عبر حساباته الرسمية على “فيسبوك” و”تويتر”.
ويشارك الوزير السابق (2000 – 2012) منذ عودته من مقر إقامته في الولايات المتحدة الأمريكية إلى البلاد عام 2016، في نقاشات سياسية واقتصادية عدة تشهدها بلاده في الآونة الأخيرة، ويلتقي خليل بشكل شبه يومي بعشرات الأشخاص في قاعات عامة، ليسمعوا منه آراء ومواقف تتعلق بقضايا وأحداث تهم الجزائريين، بما في ذلك قرارات تتخذها الحكومة في الشأن الاقتصادي.
النشاط المكثف لشكيب خليل، لوحظ أيضًا في الزوايا الدينية (الصوفية)
ويخوض خليل في جميع المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، من ذلك حديثه عن المشاريع الكبرى في البلاد مثل ورشة سكة الحديد التي تربط شمال الجزائر بجنوبها، وشرح خطة له تتعلق بسوق العملة الموازية، وكيف يمكن وضع مبالغ ضخمة يتداولها تجار في البنوك لتشغيلها لفائدة الاقتصاد الذي يعاني من أزمة مالية حادة بسبب انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة.
هذا النشاط المكثف لشكيب خليل، لوحظ أيضًا في الزوايا الدينية (الصوفية)، حيث كثيرًا ما يزور خليل الزوايا في العديد من مناطق البلاد ويستقبل فيها استقبال المسؤولين الكبار وتحت حراسة أمنية مشددة، وتعتبر الزاوية ثاني مؤسسة لها نفوذ في الجزائر بعد المؤسسة العسكرية.
انتقاد أويحيى
فضلاً عن نشاطه المكثّف وحديثه عن السياسات العامة للبلاد، ما فتئ الوزير السابق يوجه هجمات حادة للوزير الأول أحمد أويحيى، منتقدًا خياراته الاقتصادية، ومحذرًا من التداعيات الخطيرة للقرارات الواردة في المخطط الحكومي وخاصة قانون الموازنة العامة للسنة الحاليّة، مما يضع استقرار الفئات الاجتماعية على كف عفريت، بسبب عدم قدرتها على مقاومة التدابير الأخيرة القاسية.
وقال شكيب خليل في لقاء له مع أنصاره ورواد شبكات التواصل الاجتماعي بأن “الطبقة الهشّة ستدفع ثمن طبع النقود، لكونه خيارًا يضر بالقدرة الشرائية وله انعكاسات سلبية، أبرزها التضخم الذي يصفه الخبراء بالضريبة على الفقراء”.
وأضاف “حكومة أويحيى، تخاطر بالاقتصاد الوطني من خلال لجوئها إلى خيار التمويل غير التقليدي الذي أعتبره أكبر خطر على الاستثمار، ولا يُمكن له سدّ الاحتياجات في سوق العمل التي من المرتقب أن يصل إليها من 200 ألف إلى 300 ألف شاب”.
أحمد أويحيى الوزير الأول
ويأتي هذا النقد الموجه للوزير الأول رغم التضامن الذي أبداه أويحيى، مع وزير الطاقة الأسبق، فيما أسماه “الظلم الذي تعرض له الرجل في وقت سابق”، حيث قال أويحيى إن وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل تعرض لـ”ظلم كبير” حينما تم إصدار مذكرة اعتقال بحقه على خلفية فضيحة سوناطراك، معتبرًا أن ما جرى لشكيب خليل ومسؤولي سوناطراك “غير عادل”.
التحضير لخلافة بوتفليقة
هذا النشاط المكثف والنقد اللاذع للوزير الأول أحمد أويحيى وحكومته، يخدم حسب عديد من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر، الحضور الشعبي لشكيب خليل ويقدمه كواحد من الخيارات القائمة لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في قصر المرادية.
تنتهي الولاية الرابعة لبوتفليقة السنة القادمة
فرغم رفض خليل الخوض في مسألة ما إذا كان يرغب في خلافة الرئيس الحاليّ عبد العزيز بوتفليقة، فإن عديد من المؤشرات توحي باستعداد الرجل لخوض هذه التجربة، ويعود سبب رفضه الخوض في هذا الموضوع إلى ولائه الشديد لبوتفليقة، علمًا أنهما صديقان منذ الطفولة، كما حرص بوتفليقة على استقدام خليل من البنك العالمي حيث كان موظفًا في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وسلَمه وزارة الطاقة في بداية حكمه بوصفه خبيرًا دوليًا في هذا المجال.
وسبق أن أكّد عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر)، في تصريح إلى صحيفة إلكترونية محلية، بأن شكيب خليل “يبحث عن الرئاسة من دون شك، فمن يخاطب الناس في الفضاءات العامة، وينتقد الأوضاع ويرد على الأسئلة التي تطرح عليه بحسابه بتويتر، يريد أن يصبح رئيسًا خصوصًا أن الاستحقاق أضحى قريبًا”، حسب قوله.
علاقته بجنرالات الجيش
عودته إلى الجزائر، جاءت بعد إحالة رئيس جهاز المخابرات محمد مدين (الجنرال توفيق) إلى التقاعد، وحل جهاز المخابرات وإقالة كبار الضباط فيه، حيث رجع شكيب خليل إلى الجزائر، كأن شيئًا لم يكن، وكثيرًا ما أكّدت وسائل إعلام محسوبة على السلطة أن اتهام خليل بالفساد كان “تلفيقًا من جهاز المخابرات، الذي كان على خط مضاد مع الرئيس بوتفليقة، وأن خليل، كان ورقة ضغط فقط”.
وكان خليل محل مذكرة اعتقال دولية صدرت عام 2013 بحقه، وبحق زوجته الأمريكية من أصل فلسطيني ونجله وشخص تربطه صلة قرابة بوزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي، وكانت التهمة باكورة تحقيقات أجرتها شرطة المخابرات العسكرية، عن رشى وعمولات قيمتها 190 مليون دولار، دفعت في صفقات بشركة “سوناطراك” للمحروقات المملوكة للدولة (أكبر شركة محروقات حكومية ومن بين الأهم على المستوى العالمي).
يحظى شكيب خليل، منذ عودته للجزائر، بدعم سياسي غير مباشر من طرف قيادات الحزب الحاكم
ويقول مقربون من الوزير الأسبق إن القضية التي رفعت ضدّه كانت في صلب صراع سياسي بين رئاسة الجمهورية والمخابرات العسكرية، خاصة أن خليل (ينحدر من بلدة ندرومة مسقط رأس بوتفليقة) محسوب على رئيس الجمهورية.
ويحظى شكيب خليل، منذ عودته للجزائر، بدعم سياسي غير مباشر من طرف قيادات الحزب الحاكم، حيث كان الأمين العام السابق عمار سعداني، مدافعًا شرسًا عن الرجل، مما أسماه “مؤامرات جهاز المخابرات وضباطه السابقين”، كما لا يتوانى جمال ولد عباس في نقد الوضع، باعتباره واحدًا من أبناء الحزب، مما يجعله مقربًا لدعم الحزب الحاكم، في حال دخوله لسباق الانتخابات الرئاسية.
عراقيل أمام ترشحه
رغم هذه التحركات المكثّفة لشكيب خليل المولود سنة 1939، فإن عديد من العراقيل تقف أمامه في حال تفكيره في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة ربيع 2019، خاصة منها من الناحية الدستورية، وينصّ الدستور الجزائري على ضرورة إثبات كل مرشح ولد قبل يوليو 1942 لشهادة المشاركة في الثورة التحريرية.
شكيب في زيارة لإحدى الزوايا
كما ينصّ الدستور في المادة 73 في الفصل الأول الخاص بالسلطة التنفيذية ضمن الباب الثاني المتعلّق بتنظيم السلطات على وجوب إثبات المترشّح للرئاسة حيازة زوجته جنسية جزائرية دون غيرها، مع العلم أن زوجته من أصل فلسطيني وتحمل الجنسية الأمريكية.
كما على المترشّح لمنصب الرئاسة في الجزائر، إثبات إقامته في الجزائر طيلة السنوات العشرة قبل التعديل الأخير للدستور في سنة 2016، مع العلم أن الوزير الأسبق شكيب خليل أقام في أمريكا السنوات الثلاثة الأخيرة.