ترجمة وتحرير: نون بوست
مؤخرا، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية مخططا لنشر حوالي 30 ألف عنصر من القوات التي تدعمها في محافظة إدلب في شمال سوريا، وذلك بهدف مساندة وحدات حماية الشعب المتمركزة في المنطقة. حيال هذا الشأن، أورد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، متحدثا عن وحدات حماية الشعب، “سأقضي على الجيش الكردي الإرهابي”. في الواقع، تعزى مخاوف الرئيس التركي من المخطط الأمريكي إلى أن القوات الحدودية تتكون بالأساس من وحدات حماية الشعب التي تعتبر الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري المقرب من حزب العمال الكردستاني.
عموما، يخشى الرئيس التركي أن يؤدي تسليح وحدات حماية الشعب إلى تعزيز النزعة القومية في صفوف الأكراد وإحياء الحركات الانفصالية في كل من سوريا وتركيا. في هذا السياق، صرح أردوغان أن “الولايات المتحدة الأمريكية قررت إنشاء جيش إرهابي على حدودنا”. وقد أعلنت جهات أخرى عن رفضها للمخطط الأمريكي، حيث يشعر النظام السوري بالقلق إزاء إمكانية دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقوات المعارضة إلى جانب وحدات حماية الشعب. في هذا الصدد، اعتبر النظام السوري المخطط الأمريكي بمثابة ” انتهاك سافر للسيادة السورية وأمنها الإقليمي”.
قوات برية قوية
منذ الهجوم على مدينة الرقة، التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة بعد احتلالها في سنة 2013، باتت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وحدات حماية الشعب وقوات المعارضة. وفي شهر أيار/مايو سنة 2016، باشرت كل من وحدات حماية الشعب وقوات المعارضة معركة تحرير الرقة من قبضة تنظيم الدولة، وذلك بدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية على غرار المملكة العربية السعودية. وفي أواسط شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تحررت مدينة الرقة من سطوة التنظيم.
صورة لمدينة إدلب المدمرة على نطاق واسع بعد تحريرها من سيطرة تنظيم الدولة
أورد الخبير في الشأن السوري لدى المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، أندريه بانك، أن “الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال نشر القوات الحدودية في شمال سوريا إلى تحقيق هدفين أساسيين. ففي المقام الأول، ترغب واشنطن في الحيلولة دون عودة تنظيم الدولة إلى المنطقة. لهذا الغرض، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل قوات برية قوية. فبعد فرارها من مدينتي الرقة ودير الزور في اتجاه العراق، تعمل ميليشيات تنظيم الدولة على العودة إلى سوريا. وبالتالي، لا بد أن تعمد الولايات المتحدة الأمريكية إلى تشكيل قوات تفوق ميليشيات تنظيم الدولة عددا”.
مخطط يطرح العديد من نقاط الاستفهام
تطمح الولايات المتحدة الأمريكية إلى تحقيق هدف ثان يكتسي طابعا جيواستراتيجيا. وفي هذا الصدد، صرح الخبير في الشأن السوري أندريه بانك أن “واشنطن ترغب في التحالف مع أطراف سورية قادرة على احتواء النفوذ الإيراني، لا سيما وأنه بعد سنوات من المشاركة في الحرب السورية، باتت إيران تتمتع بنفوذ واسع أكثر من روسيا”. وأردف بانك أن “الأمريكيين يعتزمون الحد من التأثير الإيراني في الأراضي السورية في ظل تزايد عدد أفراد الحرس الثوري الإيراني المتمركزين في كافة أنحاء البلاد“.
من جهتها، لم تتحمس روسيا للمخطط الأمريكي لنشر قوات حدودية في شمال سوريا. في هذا الشأن، أفاد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف أنه “على الرغم من أن المخطط الأمريكي لنشر قوات حدودية في شمال سوريا يعد أمرا جيدا، إلا أنه يطرح العديد من نقاط الاستفهام”. في حقيقة الأمر، أثار المخطط الأمريكي تحفظ موسكو، نظرا لأنه يضع مصير اتفاق الهدنة المؤقتة المبرم بين الجانبين الأمريكي والروسي في وقت سابق، على المحك. عموما، يخدم وقف إطلاق النار في سوريا مصالح روسيا التي يرتبط امتداد نفوذها بشكل وثيق ببقاء الأسد في الحكم.
أفاد الخبير السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو بأن “أنقرة تعتبر أمنها القومي بمثابة خط أحمر، لهذا السبب لن تسمح الحكومة التركية بتمركز منظمة إرهابية على حدودها”.
هل تتشكل تكتلات جيواستراتيجية جديدة؟
إلى حد الآن، تنازل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن مسألة التفاوض بشأن الحرب السورية لفائدة روسيا. ففي السنة الماضية، لم تطلق الولايات المتحدة الأمريكية أي مبادرة لعقد مفاوضات بشأن الحرب الدائرة في البلاد لتفسح بذلك المجال أمام موسكو لتحديد مصير سوريا. وقد تجلى هذا الأمر، بشكل خاص، من خلال مفاوضات أستانة التي انعقدت بمبادرة روسية.
في هذا السياق، صرح الخبير في الشأن السوري أندريه بانك أن “روسيا تنظر إلى المخطط الأمريكي القاضي بنشر العديد من القوات في شمال سوريا بشيء من الريبة نظرا لأن هذا الأمر من شأنه أن يضع الاتفاق الأمريكي الروسي المتعلق بوقف إطلاق النار على المحك”. وأضاف بانك أنه “لئن كان المخطط الأمريكي الذي يحيل إلى نشر قوات حدودية في سوريا يهدف إلى تشكيل جبهة قوية ضد تنظيم الدولة، إلا أن هذه الوحدات قد تهاجم قوات النظام والقوات الإيرانية. وبالتالي، من وجهة نظر روسية، يبدو أن المخطط الأمريكي قد يشكل خطرا على الأمن في سوريا”.
القضية الكردية
الجيش التركي في طريقة نحو إدلب
من بين الأمور التي قد تزيد الوضع في سوريا توترا، العدد الضخم للأكراد ضمن القوات الحدودية التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية نشرها في شمال سوريا. في هذا السياق، صرح رئيس مكتب المركز الكردي للدراسات في بوخوم، نواف خليل لموقع دويتشه فيله أن “الاتحاد الديمقراطي السوري لا ينوي إنشاء دولة مستقلة عن سوريا نظرا لأن الأكراد يريدون تطوير مجتمعهم في إطار الدولة السورية، الأمر الذي قد يحظى بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك، لا أرى موجبا لاعتراض تركيا على المخطط الأمريكي لنشر قوات حدودية في شمال البلاد”.
منذ مدة طويلة، نشرت تركيا قواتها في شمال سوريا، الأمر الذي أثار حفيظة النظام السوري الذي اعتبر وجود القوات التركية في هذه المنطقة بمثابة مساس بسيادتها. في هذا السياق، أفاد الخبير السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو بأن “أنقرة تعتبر أمنها القومي بمثابة خط أحمر، لهذا السبب لن تسمح الحكومة التركية بتمركز منظمة إرهابية على حدودها”.
المخطط الأمريكي محفوف بالمخاطر، فمن جهة، قد تتصدى القوات الحدودية، التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية تركيزها في سوريا، لميليشيات تنظيم الدولة وتحول دون عودتها إلى المنطقة. ولكن، من جهة أخرى، قد يؤدي الأمر إلى نشوب صراعات جديدة في حال لم تسر الأمور كما هو متوقع
خطر التصعيد
أورد الخبير في الشأن السوري أندريه بانك، أن “رد فعل تركيا حيال المخطط الأمريكي لدعم وحدات حماية الشعب، مفتوح على العديد من الاحتمالات من بينها خيار التصعيد. في المقابل، يمكن لروسيا وإيران أن تتصديا للأطماع الأمريكية خاصة وأن كلا القوتين لن تسمحا بتعميق الصراع السوري بأي شكل من الأشكال”.
وأردف بانك أن “موسكو وطهران تصبان جهودهما على تحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة المتمردين على غرار محافظة إدلب وضواحي دمشق، علاوة على بعض المناطق في جنوب سوريا والمناطق الحدودية مع الأردن، التي باتت، في الوقت الراهن، تمثل مناطق خفض التوتر بموجب اتفاقية أستانة. في الأثناء، تثير هذه الأراضي مطامع مختلف الأطراف في صلب الصراع السوري”.
على ضوء هذه المعطيات، من الواضح أن المخطط الأمريكي محفوف بالمخاطر. فمن جهة، قد تتصدى القوات الحدودية، التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية تركيزها في سوريا، لميليشيات تنظيم الدولة وتحول دون عودتها إلى المنطقة. ولكن، من جهة أخرى، قد يؤدي الأمر إلى نشوب صراعات جديدة في حال لم تسر الأمور كما هو متوقع.
المصدر: دويتشه فيله