ترجمة وتحرير: نون بوست
أنت لا تستخدم عقلك لقراءة ما يدور في أذهان الآخرين، بل تقرأ العقول من خلال قلبك وحدسك. مع ذلك، تحتاج لسماع وفهم مكنونات الأشخاص بشكل جيد كي تكون على بينة من ردود فعلك الحسية وكذلك نشاطك العقلي. فبواسطة هذا الوعي الحسي، يمكنك تمييز ما يجري مع الآخرين من خلال الكلمات التي ينطقون بها.
الوعي المعرفي
من المرجح أنك تستخدم وعيك المعرفي في كثير من الأحيان لفهم بعض الحالات والأشخاص، وذلك من خلال التقرب إليهم وتفسير ما تراه وتسمعه منهم. ولكن حتى مع الخضوع للتدريب، من الصعب عليك فك رموز تعابير الوجه بدقة، وفقا لما توصلت إليه أستاذة علم النفس، ليزا فلدمان باريت، وزملاءها. في الحقيقة، يتجاوز أي تفاعل مع الآخرين ما يقولونه ويعبرون عنه بشكل ملموس، بكثير.
الوعي الحسي
يشمل الوعي الحسي الوعي الباطني بردود فعلك خلال إجراء محادثة مع شخص ما. وقد تكون ردود أفعالك ردا على ما يقوله لك، كما قد تكون أيضا ردة فعل على ما تتلقاه بقوة من الأشخاص والعالم من حولك. ويمكنك الشعور برغبات الأشخاص، وخيبة أملهم، واحتياجاتهم، وإحباطهم، وآمالهم، والشكوك التي تساورهم عندما لا يستطيعون توضيح هذه التجارب بأنفسهم أو يواجهون صعوبة في ذلك. ويتطلب منك ذلك الوصول إلى جميع مراكز المعالجة الثلاثة للجهاز العصبي التي تشمل الدماغ، والقلب، والحدس.
يجب أن تكون شجاعا لتكون حساسا
أن تكون حساسا لا يعني أن تكون غريب الأطوار بل يعني أنك على علم بما يجري من حولك على المستوى الحسي، ويمكنك أن تشعر بتناقض بعض الأشخاص أو تضايقهم أو اغتياظهم. تجدر الإشارة إلى أن معظم الأشخاص يدّعون أن حيواناتهم الأليفة تملك رادارا ذا قدرة خارقة، قادر على الشعور بالاحتياجات العاطفية وإن كانوا في غرفة أخرى، فضلا عن التقاط الاهتزازات المنبعثة من العواطف.
هناك فرق شاسع بين التعاطف مع الآخرين والشفقة، حيث يرتبط شعور التعاطف بقدرتك على تفهم الآخرين. أما الشفقة فهي تشمل القدرة على امتصاص عواطف الآخرين من خلال الشعور بنفس إحساس الطرف المقابل أو محاولة التخفيف من حدته حتى لا تشعرا كليكما بالسوء
من المحتمل أنك كنت لا تعتمد على حواسك كجزء من تأقلمك أثناء فترة الطفولة. في هذا السياق، هل سبق أن قال لك أحدهم “يجب ألا تأخذ الأشياء من منظور شخصي” أو “أنت شخص لين ويجب أن تكون صارما أكثر؟ “. في الحقيقة، عندما لا تسمح للأشخاص بالتدخل في شؤونك، فذلك يعني أنك لا تختبر نفسك والآخرين بشكل تام، كما أنك منفصل داخليا وخارجيا، بالإضافة إلى أنك تضع جدارا بينك وبين الأشخاص من حولك.
عموما، يسألني الكثيرون عما إذا كانت المغامرة في أرض العواطف أمرا محفوفا بالمخاطر، وخاصة في مجال العمل؟ عندئذ، أجيب بأنني “لا أستطيع إظهار تأثري عاطفيا بما يجري، وبالتأكيد لا يمكنني أن أسمح لمشاعر الناس بالتأثير علي”. إن العالم يسير على المقولة الشائعة التي تفيد أن “البقاء للأقوى”، وعندما تسمح لنفسك أن تكون حساسا، لتشعر بالتعاطف مع الآخرين بعمق، ستكون آنذاك أكثر قدرة على إحداث الفرق.
خلافا لذلك، لا يعني التعاطف مع الآخرين الانجذاب لمشاعرهم وحياتهم المأساوية. فهناك فرق شاسع بين التعاطف مع الآخرين والشفقة، حيث يرتبط شعور التعاطف بقدرتك على تفهم الآخرين. أما الشفقة فهي تشمل القدرة على امتصاص عواطف الآخرين من خلال الشعور بنفس إحساس الطرف المقابل أو محاولة التخفيف من حدته حتى لا تشعرا كليكما بالسوء.
في هذا الإطار، يظهر مدى تعاطفك مع الآخرين من خلال قدرتك على فهم ما يواجهونه وقبولك لما يمرون به دون إصدار أحكام عليهم. وعندما يشعر الآخرون بالأمان للتعبير عما يخالجهم، يمكنهم الانتقال إلى مرحلة البحث والتفاعل بسرعة أكبر معك. ومن خلال رفع مستوى الوعي الحسي لديك، يمكنك مساعدة الأشخاص على الشعور بمدى قبولك لهم وقيمتهم عندك، حيث يبث تعاطفك معهم الأمل فيهم. وفي البداية، يجب أن تعتبر أن كونك شخصا حساسا يمثل نقطة قوة بالنسبة لك، وهو ما يتطلب منك تحولا في المنظور، وليس في الشخصية.
لا تنتقد نفسك. فإذا ألقيت اللوم على نفسك نظرا لعدم تمتعك بحجم من الوعي الكافي فإنك سوف تقطع حبل التواصل مع الطرف المقابل
6 خطوات لبناء وعي حسي أثناء إجراء محادثة
1. كن هادئا من الداخل والخارج. فعندما تستطيع تهدئة تفكيرك أو ثرثرة دماغك، ستتمكن من إضفاء الصفاء والوضوح على القنوات الحسية الخاصة بك.
2. استمع لقلبك وحدسك وعقلك في الوقت ذاته. وقبل إجراء محادثة، تذكر أنك شخص محظوظ لأنك تمكنت من التعبير عن مشاعرك. ومن ثم، تنفس بعمق وتذكر الوقت الذي قمت فيه بالتعبير بصوت عال عما يخالجك أو تمكنت من التغلب على مخاوف حدسك.
3. اسأل نفسك عما تشعر به، فالعواطف تعد في جزء منها انعكاسا لما يشعر به الشخص الآخر. وقد تضطر إلى معرفة كيفية الفصل بين ردود الفعل العاطفية الخاصة بك وما تتلقاه من الآخرين. ولتتعلم هذه المهارة، استخدم هذا التمرين عن الوعي العاطفي: لاحظ متى تكون غير مرتاح للمشاعر التي تتلقاها من الآخرين، وانظر ما إذا كان يمكنك إطلاق حكمك من خلال تفعيل حس الفضول لديك. ثم أرح عضلاتك وتنفسك وحاول إيلاء الطرف المقابل العناية اللازمة لأنه يستحق ذلك أكثر منك في تلك اللحظة.
4. اختبر غريزتك. فعندما تشعر بشيء في قلبك أو من خلال حدسك، حاول مشاركة ما تعتقد أن الطرف الآخر يشعر به سواء كان غضبا أو إحباطا أو حزنا أو اشتياقا، وتقبل ردّه سواء كان يتفق معك أم لا. وإذا كنت مخطئا، يمكن للتخمينات التي تضعها أن تساعده على تحديد طبيعة عواطفه وميولاته. علاوة على ذلك، حافظ على هدوءك وصبرك تجاه رده، حيث قد يحتاج الطرف المقابل إلى وقت ومكان للتفكير فيما يشعر به، ولا تقطع تفكيره أو تحاول أن تجعله يشعر بالتحسن. بل حاول السيطرة على هذه الرغبة وواصل الاستماع إلى ما يقوله. أما إذا قال إنه لا يريد التحدث عما يشعر به، فما عليك سوى الاستجابة لرغبته.
5. لا تنتقد نفسك. فإذا ألقيت اللوم على نفسك نظرا لعدم تمتعك بحجم من الوعي الكافي فإنك سوف تقطع حبل التواصل مع الطرف المقابل.
6. ضع نهاية للمحادثة بلطف من خلال طرح سؤال على الطرف الآخر يتمحور حول ما إذا كان هناك أي شيء يحتاجه للمضي قدما. ويمكنك أن تسأله عما إذا كان يرغب في أن تُقدم له بعض الحلول الممكنة. وإذا رفض ذلك، اشكره على مشاركته لك ما يشعر به.
في الواقع، أعلم أن القول أسهل من الفعل، حيث يمكن أن يكون كتمان العواطف التي تشعر بها وتقبل مشاعر الآخرين أمرا شاقا ومخيفا وغير مريح، فضلا عن أن المحافظة على صمودك أمام الآخرين يتطلب قوة كبيرة. وعموما، يرغب معظم الأشخاص في أن يشعروا أن هناك من يفهمهم ويوليهم قيمة واهتماما خاصة عندما تكون عواطفهم متضاربة، وبالتالي، عندما تشارك ما تسمعه مع قلبك وحدسك، فقد يقدرون استماعك واهتمامك بهم. نتيجة لذلك، نمتلك جميعنا القدرة على قراءة العقول، ونحن بحاجة فقط إلى الصبر والثقة لنصدق ما نقرأه.
المصدر: سيكولوجي توداي