“يا أستاذ أحمد أنت والأستاذة يسرا، والله هتتحاسبوا على ده، أيوه هتتحاسبوا، عايزين ندي للناس أمل في بكرة، ونحسن قيمنا وأخلاقنا، وده مش هييجي غير بيكم، كل قطاع من قطاعات الدولة له دور في ذلك”.
خلال احتفالية عيد الشرطة، يناير 2015، داهم عبد الفتاح السيسي، الفنان أحمد السقا والفنانة يسرا، بهذه الكلمات، وطلب منهما، بشكل صريح، تقديم أعمال فنية هادفة “ترتقي بالمجتمع”، على حد وصفه.
“سري للغاية”.. السقا يرضخ للسيسي
بعد ما يقرب من 3 سنوات، فهم السقا الرسالة، فلم يجد عملاً هادفًا أكثر من تجسيد شخصية السيسي نفسه، قبل انتخابات الرئاسة بأشهر قليلة.
القصة بدأت قبل أيام قليلة، حينما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا مسربة من كواليس فيلم “سري للغاية” – نفس اسم برنامج وثائقي شهير للإعلامي يسري فودة -، يظهر فيها السقا بشخصية عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، فيما يقوم الفنان أحمد رزق بدور مرسي، ويتناول الفيلم الذي ألفه السيناريست الشهير وحيد حامد، أحداث الفترة ما بين 25 من يناير 2011 و30 من يونيو 2013.
الفيلم الذي يُنتظر عرضه في مايو المقبل – الذي كان يحمل اسم “أيام الغضب والثورة” في البداية – يشارك فيه أيضًا عدد كبير من الفنانين البارزين، حيث يلعب محمود حميدة دور مرشد جماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، وخالد الصاوي في دور نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، ويجسد نبيل الحلفاوي شخصية المشير حسين طنطاوي، أما دور الرئيس المخلوع حسني مبارك فيجسده الممثل أحمد شاكر عبد اللطيف، فيما يقوم عبد العزيز مخيون بدور اللواء محمد العصار، جنرال مصري يشغل منصب وزير الإنتاج الحربي حاليًّا.
ولأول مرة يظهر الفنان عادل إمام بشخصيته الحقيقية، ضمن مشهد حضوره مؤتمر صحفي للسيسي، كذلك يشارك محمد رمضان في أحداث الفيلم.
أعاد “سري للغاية” للأذهان سيرة فيلم “رد قلبي” الذي تم إنتاجه عام 1957، وساهم على مدار 60 عامًا في تشكيل الوعي السياسي لعدة أجيال، من خلال شيطنة العهد الملكي وتحويل الضباط الأحرار إلى ملائكة أنقذت مصر من فساد وخيانة الملك وأتباعه
رد قلبي.. الجزء الثاني
سهام عديدة أُطلقت على الفيلم، على الرغم من أن فريق العمل لم ينتهِ من تصويره بعد، على أساس أنه يتناول أحداثًا تاريخية لا تزال جارية، ويجسد أدوار شخصيات سياسية ما زالت على قيد الحياة، بل تتربع على عرش الحكم.
وفي بلد مثل مصر لا تتنفس إلا الخوف في ظل حكم عسكري شمولي، يستطيع أي شخص أن يتنبأ بأحداث الفيلم ووجهة النظر التي سيتبناها من قبل حتى عرضه بدور السينما.
من زاوية أخرى، أعاد “سري للغاية” للأذهان سيرة فيلم “رد قلبي” الذي تم إنتاجه عام 1957، وساهم على مدار 60 عامًا في تشكيل الوعي السياسي لعدة أجيال، من خلال شيطنة العهد الملكي وتحويل الضباط الأحرار إلى ملائكة أنقذت مصر من فساد وخيانة الملك وأتباعه.
السيسي والفنانون.. علاقة خاصة
كشفت رسالة السيسي للسقا ويسرا تصوراته لعلاقة الفن بالسياسة، فهو يرى السينما والفن بشكل عام مجرد قطاع تابع عليه الترويج لسياسات النظام الحاكم أو الدولة، في واقع الأمر لا يوجد اختلاف بينهما في عهد السيسي الذي أكد بنفسه ذلك أكثر من مرة.
وحتى قبل احتفالية الشرطة في 2015، وقبل إجراء انتخابات 2014 الرئاسية، وخلال لقائه بوفد الفنانين، مايو 2014، ناشد السيسي الفنانين بضرورة تشكيل وعي المواطنين، قائلًا: “الأمم المتقدمة تسوّق صورتها للعالم من خلال الفن والرسالة الإعلامية الهادفة”.
وأشار السيسي في كلمته إلى أن “الوضع الراهن يحتاج إلى اصطفاف حقيقي من المصريين، وأهل الفن والثقافة قادرون على تشكيل وعي حقيقي لما يدور حول المواطن من تحديات”، ودعا الفنانين إلى “ضرورة تشجيع المواطنين وتعبئتهم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية”.
تظل سينما ما بعد 30 من يونيو الأكثر فجاجة في التوظيف السياسي المباشر، وأبرز الأفلام التي تم توظيفها في هذا السياق، بخلاف “سري للغاية”: “المشخصاتي 2″، “الجزيرة 2”
من جانبهم، تسابق الفنانون على تأييد وإرضاء السيسي، حيث قال عادل إمام: “الجيش هو عماد الشعب من أيام الفراعنة، كل عباقرة الثقافة كانوا جايين من الجيش، كل رموز التنوير كانوا جايين من الجيش”، فيما مارس الفنان محمد صبحي وصايته الأخلاقية الدائمة مشيرًا إلى أنه “لا قيمة للديمقراطية والحرية في مجتمع يسيطر عليه الانفلات الأخلاقي”.
أما الفنانة صابرين فكانت مباشرة للغاية، عندما أكدت أنها “حضرت اللقاء لمعرفة ما يمكن أن تقدمه لمصر خلال المرحلة المقبلة، والدور الذي يمكن من خلاله استعادة الريادة المصرية في المجالات المختلفة”.
السقا أيضًا حضر هذا اللقاء، وعندما طلب منه السيسي أن يدلي بدلوه هو الآخر، اكتفى بكلمات بسيطة قال فيها إنه لن يطلب أي شيء قبل أن يصبح رئيسًا بشكل رسمي.
سينما 30 يونيو.. الأكثر فجاجة
على مدار تاريخ السينما المصرية، حرصت النظم السياسية الحاكمة على توظيف الفن إما بتمجيدها أو بتشويه الحقب السابقة، لكن تظل سينما ما بعد 30 يونيو الأكثر فجاجة في التوظيف السياسي المباشر، وأبرز الأفلام التي تم توظيفها في هذا السياق، بخلاف “سري للغاية”: “المشخصاتي 2″، “الجزيرة 2”.
ففي فيلم “المشخصاتي 2″، هاجم الفنان تامر عبد المنعم، ثورة 25 يناير، وفترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي بسخرية فجة، خلت من أي كوميديا حقيقة، مما دفع الجمهور، حتى المؤيد لاتجاه الفيلم، إلى هجره، فحقق إيرادات وُصفت بأنها الأقل في تاريخ السينما المصرية.
أما فيلم “الجزيرة 2” الذي صدر في 2014، شكّل صدمة كبيرة لدى الجمهور المصري، نظرًا لمشاركة عدد لا بأس به من فريق العمل المحسوبين على الثورة في تشويهها بشكل مباشر وعنيف، مثل محمد دياب وخالد الصاوي وخالد صالح، فقدّم الفيلم متظاهري 25 يناير على أنهم بلطجية مسلحين يهتفون “ثوار أحرار هنكمل المشوار” و”سلمية سلمية”.
وتبنى الفيلم اتهام الدولة لجماعات خارجية باقتحام السجون بالأسلحة والصواريخ وتهريب المساجين، بخلاف اتهام غزة المباشر باستغلال الأنفاق بغرض المتاجرة بالسلاح لا المقاومة، علاوة على تجميل صورة الداخلية، على حساب الثورة.