يتردد مصطلح العقد الاجتماعي في المساحات الإعلامية والتليفزيونية وخاصة الأدبية في واقعنا اليوم، إذ إن المتأمل في هذه الوسائط يحوم شكًا وحبًا في معرفة أصل المصطلح ومضمونه وعلاقته بالإطار القانوني والسياسي للدولة، ودوره في تأسيس الروابط الاجتماعية والإنسانية في المحيط الخارجي والداخلي للفرد، ولكن لسائل أن يسأل: هل أساليب بقاء الدولة في ظل واقع الحروب والمشاكل الاجتماعية له دافع وركائز أم أن الإنسان غائب غيابًا تامًا عن واقعه؟
وللإجابة عن هذا السؤال يجب التدقيق في المفاهيم الرئيسية لهذا البحث والمصطلحات المضمونية، إذا أولاً وقبل كل شيء علينا مراجعة فلسفة الدولة التونسية.
هذه الدولة التي رسمت لنفسها سياسة ذات خصائص معينة ومبادئ خاصة تبلورت في عمل هياكلها ومؤسساتها القانونية، لنجد دولة تهدف إلى بناء مجتمعي سليم عبر وسيط سياسي وفلسفي بالأساس وهو التعاقد.
العقد الاجتماعي هو نظرية اجتماعية تصف الحالة التي يكون فيها للجماعات البشرية سلطة عليا أو قيادة أو حاكم أو أي شكل من أشكال ممارسة السياسة أو السلطة، ويتردد مصطلح العقد الاجتماعي على امتداد تاريخ أدبيات الفكر الإنساني منذ القدم وفي عدّة مجالات مختلفة منه، ابتداءً من ظهوره في فلسفات (سقراط وأفلاطون 400 ق. م)، ومن ثمّ دراسته وبلورته بشكل “نظرية علمية” علي يد بعض علماء الاجتماع أمثال الإنجليزي توماس هوبز والإنجليزي جون لوك وصاحب الفلسفة السياسة الفرنسية جون جاك روسو.
ساهمت هذه الشخصيات في تبلور وجه جديد للدولة وإيضاح مسألة العلاقات الاجتماعية من أفق سياسي سلطوي التي جعلت اليوم الإنسان يبحث عن حقه كمواطن وعن سبل ممارسة السلطة في ظل المجتمعات التعاقدية.
يجب على الدولة التونسية تجديد الثقة بالمجتمع وإعادة بناء هذا العقد عبر تقسيم الأدوار بينها وبين النقابات كالاتحاد العام التونسي للشغل
لم تمر إلا أيام على الذكرى السابعة للثورة التونسية، هذه الذكرى مثلت مصدر فرحة لعموم الشعب المضطهد من سلطة الديكتاتور بن علي، سلطة جمهورية التنين لهوبز.
هذه الذكرى تتكرر كل سنة تجتمع فيها كل الفصائل السياسة ومختلف الطبقات الاجتماعية في شارع الثورة للتعبير والمشاركة في إيصال صوتهم، ولكن لكل ذكرى رونقها الخاص، كل ذكرى تختلف فيها الصورة السياسية للبلاد وصورة المجتمع والوضعية الداخلية والعلاقات الخارجية للبلاد التونسية.
هذا الاختلاف والتذبذب ما يدل إلا على تذبذب علاقة المجتمع بالدولة، حقيقة لم تنجح الدولة في استيعاب جماهيرها الشعبية، فصبر الشعب نفد وأصبح مفهوم الدولة الجديد دولة الأغنياء.
إن الفلسفة السياسية للدولة تغيرت، فقد كان السكوت ضمانًا لاستمرارية هذا الإطار السياسي، ولكن العقد تغير وأصبحنا نعيش في واقع الديمقراطية، واقع حكم الشعب لنفسه.
من هنا نجد الدولة مزقت هذا العقد، ولم تحافظ على أبجديات التضامن الاجتماعي رغم أنها بنت أساسها السياسي على التحالف مع المؤسسات التعاقدية لترتيب المجتمع، ولكنها لم تصارح الشعب، مما جعل المجتمع يتساءل عن البترول والمحروقات.
يجب على الدولة التونسية تجديد الثقة بالمجتمع وإعادة بناء هذا العقد عبر تقسيم الأدوار بينها وبين النقابات كالاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف ومختلف منظمات المجتمع المدني والحفاظ على الدين وحمايته باعتباره ركيزة من ركائز المجتمع وأن تقوم بقراءة موضوعية لحاجيات الشعب، فالعقد الاجتماعي هو مصدر البقاء والتقدم أيضًا سبيل الدولة لترتيب علاقتها مع مجتمعها.