ترجمة وتحرير: نون بوست
يعج بريدي الإلكتروني بالرسائل التي تطلب مني الإدلاء بصوتي في الانتخابات الأوروبية، لأنه إذا لم أفعل ذلك “سيقرر الآخرون نيابةً عني”. يتفق عقلي مع رسائل ساسة الاتحاد الأوروبي بشأن ضرورة القيام بواجبي من أجل الديمقراطية، ولكن للمرة الأولى قلبي لا يطاوعني.
باعتباري أوروبية مسلمة سمراء البشرة – ولطالما أردت نجاح “مشروع” الاتحاد الأوروبي – أشعر بالرعب من مدى قوة ونفوذ السياسيين العنصريين وكارهي الأجانب والإسلام بلا خجل داخل الحكومة وخارجها، الذين تظل رؤيتهم لأوروبا – مهما قالوا في العلن – أيضًا معادية بطبيعتها للنساء واليهود والمثليين. وأنا قلقة من أن الأمر سوف يزداد سوءًا.
إنها لحظة حزينة ومثيرة للقلق بالنسبة لكل الأوروبيين التقدميين. أما بالنسبة للمسلمين والأقليات العرقية والإثنية في أوروبا، فهي لحظة عصيبة. يشعر كثيرون بالخيانة والتخلي عنهم ليس فقط من جانب السياسيين وصناع السياسات في الاتحاد الأوروبي ـ فهم لم يهتموا بنا كثيرا على أي حال – بل من جانب قطاعات كبيرة من وسائل الإعلام و”خبراء” الاتحاد الأوروبي الذين فشلوا في رؤية المخاطر التي تفرضها أوروبا اليمينية المتطرفة، أو قللوا من أهمية هذا التهديد، أو غضوا الطرف عن قصد. والأمر الأكثر إيلامًا هو أن العديد من أصدقائنا وزملائنا البيض لا يزالون غير قادرين – أو لا يريدون – على فهم أن كل هذا بالنسبة لنا قريب وشخصي، وله تأثير حقيقي على صحتنا العقلية وحياتنا اليومية.
مع ذلك، إذا انتبهوا، فسوف يرون دليلاً على أن العنصرية “منتشرة وبلا هوادة” في جميع أنحاء أوروبا. الإسلاموفوبيا آخذة في الارتفاع، وكذلك معاداة السامية، وكلاهما من أشكال العنصرية التي تفاقمت بسبب الحرب بين إسرائيل وغزة. ومع توقّع سيطرة اليمين المتطرف على مزيد من السلطة في المستقبل، ومع فقدان خطة عمل الاتحاد الأوروبي لمكافحة العنصرية زخمها، فإن هذا التعصب سوف يزداد سوءًا.
في حركة “بروكسل شديدة البياض”، نادرا ما تتم مناقشة حقيقة أن العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب تؤدي إلى تآكل الديمقراطية الأوروبية من الداخل وتخلق انقسامات مجتمعية واستقطابًا سياسيًا. والحقيقة المزعجة أن ساسة يمين الوسط والليبراليين في أوروبا قد تبنّوا علنا أو ضمنًا الأجندة السياسية للمتطرفين ووجهة نظرهم الكارهة للأجانب.
إنها وجهة نظر سامة تنعكس في ميثاق الهجرة واللجوء الجديد للاتحاد الأوروبي وخطط رواندا لإرسال اللاجئين والمهاجرين إلى بلدان ثالثة التي وضعها حزب الشعب الأوروبي، المجموعة السياسية التي تضم أورسولا فون دير لاين التي تسعى للحصول على فترة ولاية ثانية مدتها خمس سنوات في رئاسة المفوضية الأوروبية.
تشن العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي حملة قمع على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي لأولئك الذين يعارضون الهجوم الإسرائيلي على غزة، مما دفع منظمة العفو الدولية إلى إصدار تحذير. وقد دعت المفوضية الأوروبية مؤخرًا وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس – الذي تم الاستناد إلى تصريحاته بشأن الفلسطينيين في محكمة العدل الدولية كدليل على نية الحكومة الإسرائيلية للإبادة الجماعية – كضيف افتراضي في اجتماع حضره نائب رئيس المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس، المسؤول عن “حماية أسلوب حياتنا الأوروبي”. والآن علينا أيضا أن نقلق بشأن “المعركة الحضارية“. وقد أشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أنه على عكس الثقافات الأخرى، فإن أوروبا تربطها “علاقة معينة بالحرية والعدالة والمعرفة”.
أي شكوك متبقية حول نزعة أوروبا نحو اليمين المتطرف التي كانت محظورة ذات يوم ــ أو الآمال في إمكانية خروجها عن هذا المسار بطريقة سحرية ــ تبددت بتشكيل الائتلاف الهولندي الجديد على يد خيرت فيلدرز. وقد ينفذ هذا السياسي الشعبوي “المثير للجدل” تهديده بإغلاق كل المساجد وحظر القرآن والحجاب، وقد لا ينفذه. ولكنه يظل معاديًا للمسلمين قولاً وفعلاً.
لكنني أجد الأمل في الوعود ببناء “حاجز وقائي” حول أعضاء البرلمان الأوروبي المنتخبين حديثا من اليمين المتطرف. ولكن الإشارة الواضحة إلى ضرورة معالجة العنصرية النظامية أتت فقط من اليسار السياسي. ماذا عن الالتزام أيضًا بجعل مؤسسات الاتحاد الأوروبي أكثر تنوعًا وشمولاً من الناحية العرقية، وإنهاء استعمار التجارة والمساعدات والسياسات الخارجية المنغلقة على الداخل والتي تتمحور حول أوروبا؟ من خلال تجاهل مثل هذه التساؤلات، يعمل العديد من هؤلاء البرلمانيين على إدامة الانفصال المدمر بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي يهيمن عليها البيض وواقع أوروبا النابضة بالحياة والمتنوعة ومتعددة الثقافات.
لا يضمن التمثيل العدالة العرقية ويجب أن نكون حذرين من تبييض التنوع. فبعض أكثر السياسيين تشددا في مناهضة الهجرة في أوروبا ليسوا من البيض. ينحدر فيلدرز من أصول إندونيسية من جهة والدته، في حين أن شريكه في الائتلاف ديلان يشيلجوز زيجيريوس، زعيم حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، كان لاجئًا سابقًا من تركيا.
مع ذلك، لا يزال من الملفت للنظر أن الأعضاء السود والملونين لا يمثلون سوى حوالي ثلاثة بالمئة من البرلمان الأوروبي الحالي، مما يعكس إحجام الأحزاب السياسية عن وضع الأشخاص ذوي البشرة الملونة على قوائمها للانتخابات الأوروبية. وهذا يؤدي إلى تآكل شرعية مؤسسات الاتحاد الأوروبي ويخلق بدوره حلقة مفرغة.
أخبرني السياسي الهولندي محمد شاهيم، وهو أحد أعضاء البرلمان الأوروبي القلائل من ذوي البشرة الملونة، أنه نظرًا لنقص التمثيل وغياب نماذج يُحتذى بها من غير البيض في بروكسل، فإن العديد من الشباب الأوروبيين الملونين والمتعلمين جيدًا والمغامرين إما أنشأوا أعمالهم الخاصة أو ذهبوا إلى لندن أو نيويورك، أو اختاروا سياسات وطنية “أكثر تأثيرًا” – وأكثر شمولا نسبيا.
يشكل التعامل مع الاتحاد الأوروبي تحديًا خاصًا للمسلمين الأوروبيين. لم يعقد منتدى الشباب الإسلامي والمنظمات الطلابية الأوروبية (فيميسو)، الذي يجمع الشباب من مختلف أنحاء أوروبا، اجتماعا ثنائيا حتى الآن مع المنسق الجديد للمفوضية الأوروبية لمكافحة الكراهية ضد المسلمين، على الرغم من الطلبات المتكررة. وقد انتقدت الحكومة الفرنسية اجتماع فيميسو مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة، هيلينا دالي، في سنة 2021 بسبب مزاعم لا أساس لها من الصحة حول روابط فيميسو مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي تهمة تنفيها المنظمة بشدة.
يتطلب التعامل مع هذا القدر الكبير من التحيز الواعي وغير الواعي “مرونة عاطفية”، وذلك على حد تعبير شاب مسلم مطلع على ما يحدث داخل أروقة بروكسل. مع ذلك، لم يستسلم الكثيرون. وقال العديد من الأصدقاء السود والملونين وكذلك أعضاء فيميسو ودياسبورا فوت إنهم متحمّسون للتصويت في الانتخابات لأنهم يرون أن من واجبهم ومسؤوليتهم أن يكونوا جزءًا من النقاش. ويمكن أن تكون الأمور أسوأ على خلاف ذلك. إن حجتهم أقوى وأكثر إقناعا من الكلمات الجوفاء لصناع السياسات والساسة في الاتحاد الأوروبي حول أهمية الحضور إلى مراكز الاقتراع.
المصدر: الغارديان