تسعى تونس في السنوات الأخيرة إلى التوجه جنوبًا، بعد فشلها في تحقيق نتائج إيجابية من ارتباطها الكلي بدول الشمال، حيث ما فتئت تسجل أرقامًا سلبية مع هذه الدول خاصة الأوروبية منها، مما جعلها في تبعية كاملة لها.
التوجه نحو الجنوب وتحويل البوصلة إلى دول القارة السمراء الذي تبغي من خلاله تونس استثمار المجال الخصب في القارة الإفريقية وجني الأرباح في مجالات عدة، اتخذ العديد من الأشكال من ذلك احتضانها مؤخرًا للمؤتمر الاقتصادي الإفريقي الأول في البلاد.
أهداف عديدة
على مدى اليومين السابقين احتضنت العاصمة تونس الملتقى الاقتصادي الإفريقي الأول تحت شعار “إفريقيا مناخ للاستثمار”، لبحث فرص التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص في القارة الإفريقية، في الوقت الذي تسعى فيه البلاد إلى التحرك جنوبًا للاستفادة من السوق الواعدة في القارة.
ويهدف هذا المؤتمر الأول من نوعه الذي تحتضنه تونس، إلى إرساء نسيج اقتصادي قوي بين الدول الإفريقية المنضوية تحت لواء المجلس ودعم التعاون الاقتصادي وتنويع الشراكة مع التجمعات الاقتصادية الأخرى، حسب كلمة رئيس المجلس الاقتصادي الإفريقي عمر بلخيرية خلال اليوم الافتتاحي للمؤتمر.
أكد رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي “ضرورة أن يدفع هذا المنتدى في اتجاه تطوير الاستثمار بين البلدان الإفريقية”
فضلاً عن ذلك، تهدف هذه الدورة الأولى للمؤتمر الاقتصادي الإفريقي التي يشارك فيها 200 مسؤول ورجل أعمال من 20 بلدًا إفريقيًا إلى المساهمة في النمو الاقتصادي الإفريقي، وتشكيل نافذة لدفع المبادلات وفرص الاستثمار بين الدول الإفريقية من جهة ومع بقية دول العالم من جهة أخرى، وفق بلخيرية.
من جانبه، أكد رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي “ضرورة أن يدفع هذا المنتدى في اتجاه تطوير الاستثمار بين البلدان الإفريقية وتبادل الخبرات والتجارب بين الدول”، مشددًا على أهمية الموارد الطبيعية والثروات الي تزخر بها القارة.
حزام اقتصادي جديد
انعقاد هذا المؤتمر في تونس يأتي في وقت تسعى فيه عديد من الجهات الرسمية وغير الرسمية في البلاد إلى فتح فرص استثمارية جديدة في القارة الإفريقية والاستفادة قدر الإمكان من إمكانات القارة التي تتشكل من 54 دولة، يتكلم سكانها أكثر من 800 لغة، وتأتي اللغة العربية في صدارتها، وتعتبر أكبر سوق واعدة في العالم، إذ يزيد عدد سكانها على مليار ومئة مليون نسمة، وتبلغ مساحتها 30 مليون كيلومتر مربع، وتشكل 20% من مساحة اليابسة في الكرة الأرضية.
ومن شأن توجه تونس نحو دول القارة الإفريقية، حسب الخبراء، أن يمثل حزامًا اقتصاديًا للمصدرين التونسيين، كما من شأنه أن يساعد على المزيد من تدعيم صادراتها وتعزيز وجود المنتجات التونسية في هذه السوق المهمة، ولا يتجاوز حجم الصادرات التونسية باتجاه إفريقيا 2.5% من إجمالي الصادرات إلى الخارج، وتتركز في دول غرب القارة، وتعد إثيوبيا الشريك الإفريقي الأول لتونس، يليها السنغال ثم ساحل العاج والكاميرون.
تعمل سلطات البلاد على مضاعفة قيمة التبادل التجاري مع إفريقيا
وتسعى تونس لرفع قيمة التبادل التجاري مع مختلف الدول الإفريقية، لكي يصل إلى مليار دينار تونسي (613 مليون دولار) سنويًا، وبلغ حجم التبادل التجاري التونسي الإفريقي 800 مليون دينار (490 مليون دولار) في عام 2013.
وتصدر تونس لإفريقيا العديد من المنتجات مثل: المواد الغذائية المصنعة ومواد التنظيف والأدوية والأدوات والكتب المدرسية، وتطمح المؤسسات التونسية إلى زيادة حجم صادراتها إلى القارة التي حققت خلال السنوات الأخيرة معدلات نمو تراوحت بين 5 و6%، ويوجد في إفريقيا نحو 1000 شركة تونسية.
الدبلوماسية التونسية
احتضان مثل هذا المؤتمر، يأتي بالتوازي مع عمل الدبلوماسية التونسية على تنظيم بعثات اقتصادية إلى عدة وجهات إفريقية ودفع العلاقات الثنائية وتشجيع المستثمرين التونسيين على النفاذ إلى هذه السوق الواعدة والاستفادة من خيراتها.
سبق لرجال أعمال تونسيين أن أسسوا في أكتوبر 2015، مجلس الأعمال التونسي الإفريقي
في هذا الشأن قال كاتب الدولة للدبلوماسية الاقتصادية حاتم فرجاني: “الحكومة التونسية وضعت خطة عمل لاستهداف السوق الإفريقية الواعدة من خلال توسيع عدد ممثليات تونس إلى 12 ممثلية من بينهما بوركينا فاسو ونيروبي وكينيا”، كما تسعى سلطات البلاد إلى فتح خطوط طيران إلى عدة وجهات (كوتونو وكوناكري) وبرمجة فروع جديدة إلى إفريقيا على غرار خط الخرطوم، وتمتلك تونس حاليًّا ممثليات اقتصادية في 5 بلدان.
وسبق لرجال أعمال تونسيين أن أسسوا في أكتوبر 2015، مجلس الأعمال التونسي الإفريقي الذي يهدف إلى تمتين التعاون الاقتصادي بين تونس وإفريقيا وتعزيز العلاقات الثنائية بين المستثمرين وتأسيس إطار ملائم لتجميع الموارد والقيمة المضافة، وتعزيز التعاون فيما بين البلدان الإفريقية بهدف تحسين الأداء الاقتصادي والنمو الاقتصادي من خلال بعث مشاريع تصديرية مشتركة تساعد على زيادة حجم المعاملات الاقتصادية.
الانضمام للمنظمات الإقليمية للقارة
ضمن مسعاها للعودة إلى الحاضنة الإفريقية، تعمل تونس على الانضمام إلى العديد من المنظمات الإقليمية في القارة، حيث تتجه البلاد إلى الانضمام رسميًا إلى السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، المعروفة اختصارًا بـ “كوميسا”، في شهر أبريل/نيسان المقبل.
وسبق لتونس أن رشحت نفسها لدخول هذه المنظمة عام 2005، غير أنها لم تكمل الإجراءات، حسب معلومات “كوميسا”، ثم عادت شهر فبراير/شباط 2016 لأجل طلب العضوية من جديد.
وتتيح “كوميسا” في مادتها الرابعة لهيئتها التنفيذية، المكونة من رؤساء دول وحكومات المنظمة، إمكانية قبول دولة جار لعدد من الدول الأعضاء، شرط الالتزام بشروط وأهداف المنظمة.
الاقتصاد الرقمي
تعمل تونس على استغلال تفوقها في المجال الاقتصادي الرقمي لدخول السوق الإفريقية ونيل حصتها من هذه السوق الواعدة، حيث تراهن على تطوير الأسواق الداخلية الإفريقية في مجال الخدمات، وقطاع الاتصالات والإعلام.
ويؤدي الاقتصاد الرقمي دورًا كبيرًا في دعم الصادرات والتعريف بالمنتجات المحلية في الأسواق الخارجية، وأطلقت تونس قبل سنوات مشروع “خارطة الطريق تونس الرقمية 2018″، وحثت القطاعين العمومي والخاص ورجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للتوجه نحو التجارة الإلكترونية.
الاقتصاد الرقمي مدخل تونس إلى إفريقيا
وتربعت تونس على قائمة الدول العربية والإفريقية ضمن مؤشر الاقتصادات الأكثر ابتكارًا للعام 2017 الذي أعدته وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، وهو تصنيف يعكس مستوى النجاحات التي تحققت بفضل مهارة المهندسين التونسيين في قطاع التكنولوجيا.
ويأتي هذا التصنيف عقب سلسلة من الجوائز العالمية التي حصدها مخترعون تونسيون كثر في شتى المجالات خلال السنوات الماضية، مما جعل كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تكنولوجيات الاتصال أو صناعة مكونات الطائرات أو غيرها تسعى لاستقطابهم أو التعاون معهم.