ترجمة وتحرير: نون بوست
أفاد الجيش التركي بأنه يريد التأكد من وجود صلة آمنة بين الطائرات المقاتلة من طراز إف-35 المستقبلية وشبكات الكمبيوتر الرئيسية للقوات الجوية التركية، ما من شأنه أن يمنع عملية التشارك غير المقصودة للمعلومات السرية. وجاءت هذه الخطوة بعد إعراب العديد من الدول المشاركة في برنامج المقاتلات الشبح الدولية عن قلقهم الكبير إزاء مدى أمن عملية نقل إعدادات البيانات الرئيسية للطائرة. كما أفصحت الولايات المتحدة عن مخاوفها من العلاقات التركية المتنامية مع روسيا.
في أوائل شهر كانون الثاني/ يناير من سنة 2018، ذكر موقع “ديفنس نيوز” أن مستشارية الصناعات الدفاعية التركية، التي تعد أكبر وكالة مشتريات تركية التي تعرف بالاسم المختصر “إس إس إم”، أطلقت مناقصة لشراء المعدات اللازمة والبرمجيات لربط أنظمة المقاتلات إف-35 مع أنظمة القوات الجوية. وستتولى إدارة الأمن السيبراني ونظم الحروب الإلكترونية التابعة لمستشارية الصناعات الدفاعية التركية مسؤولية المشروع، كما تطلب من أي شخص مهتم بتقديم اقتراحات برامج حيال هذا الشأن، بحلول نهاية شهر شباط/ فبراير 2018.
وفقا لما نقله موقع “ديفنس نيوز”، أوضحت مستشارية الصناعات الدفاعية التركية أن البرنامج يشمل إنشاء نظام اتصال آمن لعناصر نظام المعلومات بين طائرات أف-35 وشبكة نظم المعلومات التابعة للقوات الجوية، فضلا عن التبادل الآمن للمعلومات السرية بين هذه الأنظمة”. وقد أفاد مصدر مجهول بأن “الفكرة السياسية تقوم على السيطرة على أكبر قدر ممكن من مساحة البرامج المحلية، بينما تظل في الوقت نفسه ضمن برنامج جوينت سترايك فايتر”.
على الرغم من عدم وضوح الأهداف الرئيسية للجهود التي تبذلها تركيا، إلا أنه يبدو أنها تريد فرض المزيد من السيطرة على المعلومات التي تتبادلها المقاتلة أف-35، فضلا عن تحسين قدرتها على تبادل المعلومات عبر القوات الجوية في البلاد. وتعد هذه الأهداف مهمة بشكل خاص نظرا إلى قدرة أجهزة الاستشعار “جوينت سترايك فايتر” على التقاط المعلومات المهمة، خاصة تلك التي تتعلق بالمراسلات الإلكترونية؛ على غرار المعلومات الصادرة من رادارات العدو.
المقاتلة الأمريكية إف-35
من جانب آخر، إن القدرة على نقل تلك البيانات بسرعة إلى مجموعة متنوعة من الشبكات من شأنها أن تعطي الطيارين في الطائرات ذات الرادارات الضعيفة نسبيا وغيرها من أجهزة الاستشعار رؤية أفضل بشكل كبير في ساحة المعركة أثناء البعثات العسكرية، فضلا عن السماح للقادة بتحسين جودة خططهم أثناء البعثات في المستقبل.
في الواقع، كان العثور على طرق لربط المقاتلة أف- 35، وخاصة باستخدام وصلة البيانات المتطورة متعددة الوظائف المتخفية (مادل) مع طائرات الجيل الرابع، هدفا رئيسيا للخدمات العسكرية الأمريكية. لذلك، تم التنسيق بين المقاتلات الضاربة والطائرات القديمة باستخدام وصلة البيانات التي لا تعتمد على تقنية التخفي لينك-16 خلال التدريبات السابقة.
لكن، يكمن الإشكال في أنه دون توظيف فلتر إلكتروني، قد يقوم الدماغ الحاسوبي القائم على الحوسبة السحابية للطائرات الضاربة، أي نظام المعلومات اللوجستية المستقل، بإرسال البيانات الحساسة تلقائيا إلى الولايات المتحدة أو الشركاء الآخرين في البرنامج، أو إلى الشركة المصنعة “لوكهيد مارتن”.
من هذا المنطلق، تتمثل المهمة الرئيسية لنظام المعلومات اللوجستية المستقل في جمع البيانات المتعلقة بوضعية الطائرة، من خلال رصد المعلومات التي توفرها من أجهزة استشعار مختلفة، حول الأجزاء التي تحتاج إلى صيانة روتينية أو قد تعطلت لسبب ما. وبعد ذلك، تقوم الطواقم الأرضية بتحميل هذه التفاصيل من الطائرة عن طريق جهاز كمبيوتر محمول آمن ثم تحميلها إلى نظام أكبر. ومن الناحية النظرية على الأقل، من المفترض أن يساعد ذلك على تبسيط عملية الصيانة وتحديد النقاط التي تثير القلق والتي تحتاج إلى تحسين أو عمليات تحديث في المستقبل.
من المحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة نظام المعلومات اللوجستية المستقل في المستقبل كوسيلة فريدة من نوعها لفرض رقابة على الطائرات المصدرة من هذا الطراز
أولا قبل كل شيء، يتعلق هذا الأمر بكيفية تخطيط شركة “لوكهيد مارتن” لتحرير تحديثات برمجيات الطائرات. والأهم من ذلك، يعمل النظام كنقطة تحميل لبرامج بيانات البعثات، التي تتضمن خطط الطريق، ومواقع التهديدات المحتملة والمخاطر، وغيرها من المعلومات المماثلة.
نتيجة لذلك، تخشى الكثير من البلدان المشاركة في “برنامج جوينت سترايك فايتر” على نحو متزايد من أن يقوم نظام المعلومات اللوجستية المستقل بتحريف المعلومات الصادرة من تلك المجموعات، أثناء تحميل أو تنزيل البيانات الأخرى، التي قد ينتهي بها المطاف في خوادم النظام الرئيسية أو مجرد أداة مثيرة للقلق من المحتمل أن تتعرض للهجمات الإلكترونية.
في الوقت الراهن، أصبح لدى إيطاليا والنرويج مختبر مشترك للبرمجيات في قاعدة إغلين للقوات الجوية، التابعة للقوات الجوية الأمريكية في ولاية فلوريدا، والتي تعمل على وضع فلتر إلكتروني آمن لمنع أي عمليات نقلٍ غير مصرح بها. كما أعربت أستراليا عن اهتمامها ببرنامج الحماية السابق ذكره.
تستعد مقاتلة ضاربة في قاعدة لوك الجوية بأريزونا للقيام بتدريبات سنة 2015
من المحتمل أن تستخدم الولايات المتحدة نظام المعلومات اللوجستية المستقل في المستقبل كوسيلة فريدة من نوعها لفرض رقابة على الطائرات المصدرة من هذا الطراز. وبناء على توجيهات الحكومة الأمريكية، يمكن أن تسمح شركة “لوكهيد مارتن” بحرمان أي بلد متحصل على طائرات إف-35 من التحديثات الحيوية، أو قد تعمد إلى تعطيل قدرات الطائرات النفاثة عن بعد، إذا لزم الأمر. ومن المرجح أن تكون السلطات الأمريكية قادرة على استخدام الشبكة باعتبارها ناقلا لهجوم سيبراني لتعطيل الطائرة تماما.
بالنسبة لتركیا، کما ھو الحال مع البلدان الأخرى التي تبحث عن حلول على المستوى الوطني لمسألة تبادل البيانات وهذه القضايا السیادیة، تظل المشكلة الرئيسة في استخدام نظام المعلومات اللوجستية المستقل في العمليات اليومية للمقاتلة إف-35. وحتى اللحظة الراهنة، لم تتمكن سوى إسرائيل من تأمين الحقوق من شركة “لوكهيد مارتن” لتثبيت برامجها الخاصة على الطائرات التي من شأنها أن تسمح لها بالعمل بشكل مستقل عن الشبكة السحابية للشركة.
في الحقيقة، من المحتمل أن يكون بعض أعضاء “برنامج جوينت سترايك فايتر” قادرين على التفاوض على ترتيبات خاصة بكل بلد مع شركة “لوكهيد مارتن”، بعد الحصول على الموافقة من الحكومة الأمريكية. ويبدو من المستبعد جدا أن يكون مقاولو الدفاع في ماريلاند أو السلطات الأمريكية على استعداد لتقديم نفس الامتيازات لتركيا، على الأقل على المدى القريب.
منذ سنة 2014، مرت العلاقات بين واشنطن وأنقرة بشكل مطرد بفترة يسودها الفتور، على ضوء الدعم المتزايد الذي قدمه الجيش الأمريكي للمجموعات الكردية في العراق وسوريا خلال الحرب ضد تنظيم الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات التركية تعتبر أن وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لا تختلف إيديولوجيا عن حزب العمال الكردستاني في تركيا.
فرض أي قيود على تدخل تركيا في البرنامج يمكن أن يؤثر سلبا على صناعة الطائرات وقدرة حلفاء الناتو على الحفاظ على أساطيلهم التي تضم مقاتلات من طراز إف-35
مع ذلك، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وتركيا تصنف حزب العمال الكردستاني كمجموعة إرهابية، غير أن الحكومة الأمريكية تعارض بشدة فكرة الارتباط الوثيق بين وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وتخطيطه للاستيلاء على الأراضي التركية. وفي الواقع، تشكل وحدات حماية الشعب جوهر قوات سوريا الديمقراطية، وهي القوة الرئيسية التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا، والتي كان لها دور أساسي في دحر تنظيم الدولة.
خلال سنة 2016، زاد تدهور العلاقات بين البلدين عندما حاول ضباط القوات الجوية الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانقلاب. على خلفية ذلك، أطلق أردوغان وحلفاؤه السياسيون حملة قمع واسعة النطاق أسفرت عن اعتقال عشرات الآلاف من الأشخاص وتوجيه اتهام للولايات المتحدة بإيواء فتح الله غولن، الرجل الذي زعموا أنه كان وراء الانقلاب. وتجدر الاشارة إلى أن الجيش الأمريكي مازال يحتفظ بترسانة مكونة من قرابة 50 قنبلة نووية من نوع بي-61 في قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، ما أدى إلى تفاقم الأزمة حتى أصبحت قضية أمنية منفصلة.
في المقابل، ساهمت سلسلة الأحداث في تحسين العلاقات بين تركيا وروسيا، حيث أكد أردوغان في شهر تموز/ يوليو من سنة 2017 أن بلاده ستشتري نظام الدفاع الجوي الروسي إس- 400، مما أدى إلى تزايد البيانات التي توضح قلق الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين.
وحدات النقل والنصب والإطلاق 5P85SM2-01 ثُمانية الدفع وهي تعتبر جزءا من نظام الدفاع الجوي إس-400.
فيما يتعلق بمقاتلات إف-35، هناك قلق واضح من أن الكرملين قد يكون قادرا على استغلال الصفقة، التي من شأنها أن تشمل مستوى من التعاون التقني مع الصناعة الدفاعية التركية، لتطلع على كيفية عمل نظامها المضاد للطائرات ضد الجيل الخامس من هذه المقاتلات. في الأثناء، ستتمكن روسيا من استخدم تلك المعلومات لتحسين وتوسيع نطاق عملها وبحثها الحالي في مجال مكافحة تقنيات التخفي. كما كانت هناك مخاوف مماثلة بشأن خطط إضافة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى “برنامج جوينت سترايك فايتر”.
في هذا السياق، قالت نائبة وكيل القوات الجوية للشؤون الدولية، هايدي غرانت، في مقابلة مع “ديفنس نيوز” في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017، “سيتعين علينا أن نبدأ في النظر، إذا كانوا سيخوضون في هذه العملية [أي شراء منظومة إس-400] ، وكيف يمكننا أن نكون قابلين للتشغيل المتبادل في المستقبل. ولكن في الوقت الحالي، أستطيع أن أقول لكم إن سياساتنا لا تسمح لنا بأن نكون متعاونين مع هذا النظام”.
في سياق متصل، أضافت غرانت “إنها مصدر قلق كبير ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة التي تحتاج إلى حماية هذه التكنولوجيا عالية المستوى والتي تنتمي إلى الجيل الخامس … وإنما بالنسبة لجميع شركائنا وحلفائنا الذين اشتروا مقاتلات إف-35″. أما المسؤولون الأتراك فقالوا مرارا أنهم لا يخططون للانسحاب من الصفقة، على عكس سنة 2015 عندما ألغوا خطة مماثلة لشراء أنظمة الدفاع الجوي الصينية من طراز إف دي-2000 لتواجهه الضغوط التي تمارسها كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي مشترك في أنقرة في كانون الأول/ ديسمبر سنة 2017
على ضوء هذه المعطيات، كانت هناك العديد من الدعوات للحيلولة دون بيع مقاتلات إف-35 لتركيا سنة 2017 بعد الحادث الذي وقع خارج السفارة التركية في واشنطن، حيث هاجم الأمن الشخصي لأردوغان النشطاء الأكراد الذين كانوا بصدد التظاهر سلميا، مما تسبب في شجار وموجة من الانتقادات من طرف المدينة والسلطات الفيدرالية.
في شهر تموز/ يوليو من سنة 2017، اقترح ديفيد سيسيلين، ممثل الحزب الديموقراطي من رود آيلاند وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، تعديل ميزانية الدفاع لسنة 2018. ومن شأن هذا المقترح أن يوقف بيع المقاتلات الضاربة لتركيا، ولكن هذا التعديل لم يرتق إلى الصيغة النهائية للقانون.
صرح المكتب العسكري الرئيسي لعمليات مقاتلات إف-35 المشتركة في الجيش الأمريكي، أنه لا يمتلك خططا فورية لتغيير تعاونه مع تركيا
في الواقع، قد لا يكون الحد من إمكانية حصول تركيا على برنامج مقاتلات إف-35 أمرا سهلا في المستقبل، نتيجة للجهود المبذولة لتحفيز الشركاء على الانضمام في المقام الأول. فضلا عن ذلك، إن الشركة التركية لصناعات الفضاء مسؤولة عن بناء أجزاء من هيكل الطائرة الرئيسي، ويمكنها أن تؤمن محرك الطائرة برات وويتني إف-135 لأعضاء حلف الناتو الآخرين في المستقبل. وفي المجمل ساهمت عشر شركات تركية مختلفة بطريقة ما في هذا المشروع.
بناء على ذلك، فإن فرض أي قيود على تدخل تركيا في البرنامج يمكن أن يؤثر سلبا على صناعة الطائرات وقدرة حلفاء الناتو على الحفاظ على أساطيلهم التي تضم مقاتلات من طراز إف-35. في الوقت نفسه، تسعى تركيا إلى حيازة طائرة مقاتلة من الجيل الخامس “تاي تي إف-إكس”، بالتعاون مع شركة “بي إيه إي سيستمز” التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها.
نموذج فني لمقاتلة “تاي تي إف-إكس”، التي تنتمي للجيل الخامس والذي اقترحته الشركة التركية لصناعات الفضاء.
على هذا النحو، يمكن أن تهدد الحكومة التركية بالانسحاب من “برنامج جوينت سترايك فايتر” بشكل كامل، والتركيز على مشروع تصنيع مقاتلات “تاي تي إف-إكس”، بدلا من ذلك. وبطبيعة الحال، من شأن ذلك أن يؤخر بشكل كبير موعد تسليم القوات الجوية التركية لأول خمس طائرات مقاتلة من الجيل الخامس، نظرا لكلفة وطول المدة اللازمة لتطوير هذه الطائرات.
في الوقت الحاضر، لا تتوقع الشركة التركية لصناعات الفضاء أن يكون النموذج المعد قادرا على التحليق حتى سنة 2023 على الأقل، لأن جودة وقدرات تلك الطائرة لا تزال موضع شك، بالإضافة إلى إمكانية منافستها للميزات والقدرات المتقدمة التي توفرها مقاتلات إف-35.
مما لا شك فيه، من شأن هذا الاستثمار أن يبدد الاستثمارات التركية الكبيرة، بما في ذلك خطط شراء ما لا يقل عن مائة مقاتلة إف-35. وهناك أيضا تقارير تفيد بأن الجيش التركي قد يكون مهتما بشراء عدد من نماذج طائرات (ف/ ستول) القادرة على الإقلاع أو الهبوط بطريقة عمودية أو على مدرج قصير، وقاذفات القنابل من طراز” بي” القادرة على أن تحط على أي سطح. وتبين شركة “لوكهيد مارتن” أن المتعاقدين مع الدفاع التركي يتوقعون أن يشهدوا عجزا قد يصل إلى 12 مليار دولار بسبب دعم “مشروع جوينت سترايك فايتر”.
في شأن ذي صلة، صرح المكتب العسكري الرئيسي لعمليات مقاتلات إف-35 المشتركة في الجيش الأمريكي، أنه لا يمتلك خططا فورية لتغيير تعاونه مع تركيا، على الرغم من أنهم يراجعون القضايا المعروضة حاليا. ومع المضي قدما في صفقة أنظمة الدفاع الجوي إس-400، وسعي تركيا إلى زيادة التحكم في كيفية تفاعل الطائرات مع شبكات المعلومات الأخرى، قد يكون هناك دافع أكبر لدراسة آثار السياسات التركية المترتبة على باقي “برنامج جوينت سترايك فايتر”.
بناء على ذلك، يبدو جليا أن كيفية تطور الأحداث حيال هذا الشأن في المستقبل يمكن أن يمثل اختبارا هاما لكيفية إدارة مشروع مقاتلات إف-35 للمخاوف المتزايدة للدول الشريكة حول الطبيعة المعقدة لكل من شبكات الحاسوب وقاعدتها الصناعية المادية.
المصدر: درايف