على بعد 531 كيلومترًا من عاصمة الجمهورية التونسية تقع محافظة “تطاوين” التي تعد أكبر محافظة في تونس من حيث المساحة، “تطاوين” أو “تِطَاوين” وتلفظ بكسر التاء وفتح الطاء المشددة وتعني مدينة عيون الماء حسب اللغة “الأمازيغية” و”الأمازيغ” الذين يشكلون جزءًا مهمًا من النسيج السكاني لهذه المحافظة مع بقية السكان.
وما زال هؤلاء السكان محافظين على لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم رغم مرور الزمن ومفتخرين بهويتهم التي تصارع مرور الزمن وقسوة المكان، صراع من أجل الوجود ولتروى فصول من حكايات الأجداد.
محافظة تطاوين التي تقع في أقصي الجنوب التونسي، هذه المنطقة ذات الطقس الحار والمتميزة جغرافيًا بانفتاحها على الصحراء الكبرى من الجهة الجنوبية لحدودها، والسبب وراء اختيار هذا المكان للاستقرار هو هروب سكان الأصلين للبلاد من الحضارات التي تعاقبت على البلاد التونسية التي يعتبرها السكان “الأمازيغ” قوى استعمارية، لذلك فضلوا اللجوء لجبال وصحاري هذه المنطقة الوعرة التي يصعب الوصول إليها، ليبقوا في معزل عن كل الذين يريدون إخضاعهم، والحال أن كلمة “أمازيغ” أو”إيمازيغن” تعني الرجل الحر.
وجه الاختلاف بين”القصور الجبلية” و”القصور الصحراوية” أنها مرتبطة بالقرى وسكانها “الأمازيغ” الذين يقطنون هذه القرى ويكون “القصر” متربعًا على قمتها، عكس “القصر الصحراوي” المتمركز في سهول، فهو مرتبط بالقبائل العربية الرحل التي تعتمد النشاط الرعوي أي أنها لا تستقر بجانب القصور
هذا الاستقرار أوجد طرازًا من العمارة المحلية التي اختلفت عن بقية المناطق، هذه العمارة التي تفردت وتميزت ببساطة واعتمادها الكامل على المواد المتوفرة في المجال على قلتها هذه العمارة تجلت في شكل بناءات يطلق عليها السكان المحليون اسم “القصر” وجمعها “قصور” وتعرف لدى الناس والسياح بالقصور الصحراوية.
هذه القصور الصامدة على تخوم الوطن تنقسم إلى نوعين: حيث نجد “القصور” الموجودة في المناطق الجبلية مثل قرية “شنني” وقرية “دويرات” و”قرماسة”، وهي “قصور جبلية”، ميزة هذه القصور أنها تقع في قمم الجبال وتطوقها منازل سكان معمرة كامل الجبل، فيخال للزائر أن هذه القرى معلقة بين السماء والأرض، إذ تعانق السحاب بشموخ فهي ثابتة وراسخة في محيطها رسوخ أشجار التين والزيتون التي تحيط بهذه القرى باعتبار أن سكانها يمتهنون زراعة الزياتين منذ أن استقروا في هذه الربوع.
هذا بالنسبة للنوع الأول من القصور، أما النوع الثاني فهي “القصور الموجودة في السهول وهي عديدة وأكثر قربًا للمناطق الصحراوية، ولذلك تصح تسميتها بالقصور الصحراوية أكثر من نظيرتها الجبلية، لكنهما يلتقيان في تسمية الشكل المعماري أي “القصر”، لكن التضاريس فرقت بينهما في التوصيف بين الجبلي والصحراوي وحتى من ناحية التركيبة السكانية.
بالعودة للقصور الصحراوية نذكر أشهرها “قصر أولاد سلطان” و”قصر أولاد دباب” و”قصر الزهرة” وعديد من القصور وترتبط هذه القصور بالقبائل القاطنة هناك.
الجدير بالذكر أن وجه الاختلاف بين”القصور الجبلية” و”القصور الصحراوية” أنها مرتبطة بالقرى وسكانها “الأمازيغ” الذين يقطنون هذه القرى ويكون “القصر” متربعًا على قمتها، عكس “القصر الصحراوي” المتمركز في السهول، فهو مرتبط بالقبائل العربية الرحل التي تعتمد النشاط الرعوي أي أنها لا تستقر بجانب القصور.
القصور وهي تقف على ناصية التاريخ تصارع الزمان والمكان في شموخ وتحيي أمجاد الغابرين
تتجلى وظيفة “القصر” الذي يتكون من عدة غرف قد تصل لقرابة 300 غرفة، فهو مخزن المحاصيل الزراعية مثل زيت الزيتون والقمح والشعير وغيرها، إذًا فالقصر هو “مخزن” أو “مستودع” للقبائل وللعائلات، لذلك فإن حتى عملية بناء القصر تكون عملية جماعية وتطوعية وتستخدم في عملية البناء “الجبس” المتوفر بكثرة بهذه المنطقة وكذلك الحجارة وتستخدم أشجار النخيل لصناعة الأسقف والأبواب.
تذهب بعض المصادر إلى أن هذه “القصور” كانت تعتبر محطات استراحة لقوافل الذهب والعاج والعبيد التي كانت تأتي من إفريقيا جنوب الصحراء. ويبلغ إجمالي عدد القصور الصحراوية والجبلية 150 قصرًا ومصنفة ضمن التراث الوطني للجمهورية التونسية ويقام كل سنة مهرجانًا دوليًا يسمى “المهرجان الدولي للقصور الصحراوية”، لكن تبقى الغاية الأساسية هي تسيجل هذا الإرث المعماري ضمن التراث العالمي وذلك للمحافظة عليه وترميمه خاصة أن بعض “القصور” حالتها سيئة بسبب سقوط أجزاء نتيجة سوء المناخ.
هذه القصور وهي تقف على ناصية التاريخ تصارع الزمان والمكان في شموخ وتحيي أمجاد الغابرين وتصد رمال الصحراء، لتكن شاهدةً على حكايات مرت ولن تزول من ذاكرة شعب صمد صمود المحاربين، يجب أن تأخذ نصيبها من الاهتمام باعتبارها إرثًا بشريًا وحضاريًا.