في خطوة، يرى فيها مراقبون، إيذانًا بتصعيد التوتر بين كتالونيا والحكومة المركزية في مدريد، انتخب البرلمان الكتالوني روجيه تورينت مرشح التيار القومي الكتالوني وعضو حزب اليسار الجمهوري الكتالوني رئيسًا لبرلمان الإقليم خلفًا لرئيسته السابقة كارمي فوركاديل.
خطوة سيعقبها تولي كارلس بوغديمونت رئيس الحكومة الكتالونية المقال رئاسة الحكومة مجددًا، وهو ما من شأنه أن يعيد الصراع بين الطرفين إلى مربعه الأول، خاصة أن مدريد حذرت في وقت سابق على لسان رئيس حكومتها المركزية من أنها ستُبقي سيطرتها المباشرة على الإقليم إذا حاول رئيسه السابق بوغديمونت إدارته مجددًا من منفاه في بلجيكا.
قومي على رأس برلمان الإقليم
مرشح التيار القومي الكتالوني روجيه تورينت، فاز بمنصب رئاسة البرلمان بعد حصوله على أصوات 65 نائبًا مقابل 56 صوتًا حصل عليها منافسه ومرشح حزب ثيودادانوس (مواطنون) خوسيه ماريا إسبيخو سافيدرا المنتمي للتيار الوحدوي، في حين امتنع تسعة نواب عن التصويت.
أعقب فرض الحكم المباشر على الإقليم، إقالة حكومة برشلونة
وعقب انتخابه رئيسًا لبرلمان الإقليم، قال تورينت: “أريد أن تكون الديمقراطية والعيش المشترك أساسًا لهذه المرحلة”، وأضاف أنه يريد استعادة الإدارة الذاتية في الإقليم التي تتولى الحكومة المركزية تسييرها في الوقت الراهن.
وفي ديسمبر الماضي، فرضت الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء ماريانو راخوي الحكم المباشر من مدريد على إقليم كاتالونيا بعد دقائق من إعلان الإقليم الاستقلال عن إسبانيا، وألغت بذلك الحكم الذاتي الموسع الذي يتمتع به الإقليم، أعقب ذلك إقالة حكومة برشلونة والإشراف المباشر على شرطة الإقليم وبرلمانها ووسائل إعلامها الرسمية.
بوغديمونت: رئيسًا للحكومة من جديد
انتخاب روجيه تورينت رئيسًا لبرلمان الإقليم من المنتظر أن يعقبه إعادة انتخاب كارلس بوغديمونت رئيس الحكومة الكتالونية المقال رئيسًا لحكومة الإقليم مجدّدًا، فقد أعلن أبرز حزبين قوميين في كتالونيا، مساء الثلاثاء، أنهما اتفقا على انتخاب كارلس بوغديمونت رئيسًا للإقليم، وقالت قائمتا “معًا من أجل كتالونيا” (يسار وسط) و”اليسار الجمهوري الكتالوني” في بيان مشترك إنهما “متفقتان على دعم ترشيح كارلس بوغديمونت لرئاسة إقليم كتالونيا”.
دعم ترشيح كارلس بوغديمونت الذي يعيش في منفى اختياري في العاصمة البلجيكية بروكسل، لرئاسة الإقليم مجددًا، وانتخاب نائب قومي رئيسًا للبرلمان، يشير حسب عديد من المتابعين للشأن العام في إسبانيا، إلى احتمال سعي قادة إقليم كتالونيا مجددًا للاستقلال عن إسبانيا هذا العام.
وكانت حكومة إقليم كتالونيا المقالة، قد أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن قرابة 90% صوتوا لصالح الاستقلال، وقرابة 2.26 مليون شخص أدلوا بأصواتهم، أي أقل بقليل من 42% من سكان الإقليم، ويعتبر الكتالونيون أن نتائج الاستفتاء بمثابة “تفويض” لإعلان الاستقلال.
كارلس بوغديمونت رئيس الحكومة الكتالونية المقالة
ويراهن القوميون في كتالونيا على دعم مئات الآلاف من المواطنين الكتالونيين الذين يشعرون بأن مدريد تعاملهم بازدراء منذ أعوام عدة، ويطالبون بضرورة الانفصال عن إسبانيا وإعلان “الاستقلال”، وتعتمد إسبانيا نظامًا غير مركزي، إذ يمنح الدستور الذي أقر عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ”المناطق المستقلة” سلطات واسعة في مجالات كالصحة والتعليم، لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.
من جانبه، أكّد رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أن المادة 155 ستستمر في التفعيل في حال قيام نواب البرلمان الكاتالوني بإعادة انتخاب كارلس بوغديمونت رئيسًا للحكومة الكتالونية في منفاه البلجيكي، وهي المادة التي تقضي بفرض سلطات الحكومة المركزية في إدارة الإقليم.
بلغت النزعة الانفصالية بالإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت الحملة الانفصالية في عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء
وقال جوردي شوكلا ممثل حزب “معًا من أجل كاتالونيا” إن حزبه وحزب اليسار الجمهوري لكتالونيا سيدعمان عودة بوغديمونت لمنصبه الذي تزعم فيه مسعى الاستقلال، وأضاف شوكلا أن نتيجة الانتخابات الإقليمية في 21 من ديسمبر/كانون الأول الماضي منحت تفويضًا للانفصاليين بتمثيل الأغلبية.
وكان رئيس الحكومة الإسبانية اليمينية المبنية على أقلية برلمانية ماريانو راخوي، قد دعا لإجراء انتخابات مبكرة في الإقليم في ديسمبر/كانون الثاني الماضي لإنهاء أسوأ أزمة سياسية تشهدها بلاده منذ عقود بسبب إعلان زعماء كتالونيا الاستقلال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد إجراء استفتاء على الانفصال، غير أن الأحزاب القومية المؤيدة للاستقلال حققت الأغلبية في هذه الانتخابات.
وبلغت النزعة الانفصالية بالإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء على غرار الاستفتاءين على سيادة “كيبك” كبرى المقاطعات الكندية في عامي (1980 و1995)، كما تجددت حملة المطالبة باستفتاء الانفصال مع اقتراب استفتاء إسكتلندا على استقلالها عن بريطانيا سنة 2014، وقد قوبلت هذه المطالبات جميعها بالرفض من الحكومة المركزية في مدريد.
دوافع اقتصادية بجانب الجذور التاريخية القديمة
الإصرار الحكومي على بقاء إقليم كتالونيا تابعًا لإسبانيا يقابله إصرار كتالوني على الاستقلال خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، فسكان الإقليم الداعين للانفصال يعتقدون بأن لا ذنب لهم في سياسات الحكومة الإسبانية ودول أوروبا التي أدت إلى هذا التدهور الاقتصادي، كما يرون أن إجراءات التقشف التي فرضت على الإقليم هي إجراءات تعسفية بالمقارنة مع الخدمات المتردية في الإقليم.
من مظاهر هذه الإجراءات التعسفية التي يراها سكان الإقليم الكتالوني، فرض الحكومة المركزية ضريبة تقدر بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي، في المقابل ليس هناك أي استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة من وجهة نظرهم، ويبرر القوميون ذلك الأمر بأن الحكومة المركزية دائمًا تتجاهل التنمية الحقيقية في الإقليم لرغبة دفينة لديها تريد بها ألا تكون برشلونة عاصمة الإقليم أفضل من مدريد العاصمة المركزية وهو صراع تاريخي قديم بين المدينتين.
إصرار كبير على الاستقلال
ويقول دعاة الاستقلال إن آثار إجراءات التقشف تعود عليهم أكثر من غيرهم رغم كونهم أغنى الأقاليم الإسبانية، وذلك نتيجة التبعية الاقتصادية لحكومة مدريد، فالحكومة الذاتية لكتالونيا تضطر لتنفيذ سياسات مضرة بالإقليم واقتصاده الداخلي تنفيذًا لخطط التقشف العامة في إسبانيا، لذلك بدأت كتالونيا في البحث عن الاستقلال بدوافع اقتصادية بجانب الجذور التاريخية القديمة.
وتبلغ مساحة الإقليم 32.1 ألف كيلومتر، وهو يعتبر بذلك سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا، ويضم 947 بلدية موزعة على أربع مقاطعات هي برشلونة (عاصمة الإقليم) وجرندة ولاردة وطرغونة، ويعتبر من المناطق الاقتصادية الأهم بالنسبة لإسبانيا، واللغة الكتالانية اللغة الرسمية للإقليم بالإضافة إلى اللغة الإسبانية.
وتعتبر كتالونيا المقر الرئيسي للعديد من المجموعات والشركات العملاقة والمعاهد الكبيرة، ويبلغ إجمالي الناتج القومي للإقليم 210 مليون يورو، وهو ما يجعل حصة كل مواطن كتالوني نحو 27 ألف يورو سنويًا، ويعنى هذا أن إسبانيا ستخسر نحو 19% من إجمالي ناتجها القومي، ويتحكم الإقليم في 70% من حركة النقل والمواصلات الخاصة بالتجارة الخارجية لإسبانيا، كما ينتج الإقليم 45% من إجمالي المواد التكنولوجية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية.
وتسود حالة من التوتر والترقب في مختلف مدن إسبانيا لما سيؤول إليه الوضع في هذا البلد الأوروبي الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية، بعد الخطوات التي اتخذها دعاة الاستقلال في إقليم كتالونيا، والردّ الحكومي المرتقب.