“وقف الخلق ينظرون جميعا كيف نبنى قواعد المجد وحدنا”، بهذا البيت “المعدل” للشاعر حافظ إبراهيم، اختتم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مؤتمر الأمس الذي جاء تحت عنوان “حكاية وطن” واستعرض خلاله الإنجازات التي تمت خلال فترة رئاسته الأولى من منتصف 2014 وحتى بداية عام 2018.
ما يقرب من 50 رقمًا ذكرهم السيسي خلال كلمته مجسدًا حجم المشروعات والنتائج التي تحققت في مجالات المشروعات والزراعة والصناعة والتجارة والصحة والتعليم والدعم الاجتماعي والإسكان والشباب والمرأة وغيرها من المجالات، بخلاف ما يتعلق بالبُعد السياسي الخاص باستقلالية القرار المصري والتعهد أمام المصريين بمزيد من الإنجازات التي أكد الرئيس المصري أنه من المستحيل أن يحققها أي رئيس آخر في هذه الفترة القصيرة.
تساؤلات عدة فرضت نفسها على الشارع المصري عقب الانتهاء من كلمة السيسي، فشتان بين الإنجازات التي تم إعلانها والواقع المعاش الذي تجسده الحياة اليومية للمواطنين، فهل تنجح سياسة خداع الأرقام في تغيير الواقع وتسكين ثورة الشعب المتقدة جراء الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي قفز بمعدلات القابعين تحت الفقر إلى ما يقرب من 30 مليون مصري؟
هذا ما قاله السيسي
في قراءة سريعة لأبرز ما جاء في كلمة السيسي بالأمس، يمكن الوقوف على بعض الأرقام التي – إن صحت – فإنما تشير إلى طفرة اقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية وعلمية للمصريين، يستطيعون من خلالها منافسة الدول المتقدمة حال الالتزام بنفس المعدلات.
البداية كانت مع تأكيده على انجاز 11 ألف مشروع على أرض مصر خلال السنوات الأربع الأخيرة بمعدل 3 مشروعات في اليوم الواحد، كذلك ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى 37 مليار دولار بعد أن كان 16 مليار دولار في 2014،بالإضافة إلى استصلاح ما يقرب من 2.2 مليون فدان بنهاية 2019.
علاوة على ذلك بناء مدينة العاصمة الإدارية الجديدة إضافة إلى 13 مدينة أخرى، وزيادة المرتبات منذ عام 2011 حتى الآن من 80 مليار جنيه إلى 230 مليار جنيه، بنسبة 300%.، مع الإشارة إلى اقتراض مصر 150 مليار جنيه لدفع رواتب ومعاشات موظفي الدولة، ومن المقرر أن يصل الرقم بالفوائد بعد 5 سنوات 300 مليار جنيه، بجانب زيادة المعاشات بنسبة 15% ليصل الحد الأدنى إلى 630 جنيهًا ابتداء من يوليو الماضي.
وهذا ما تشير إليه الأرقام الرسمية
فارق كبير بين الأرقام التي أعلنها السيسي في مؤتمره وتلك الصادرة عن الجهات الرسمية خلال السنوات الأربعة الماضية التي تفند وبصورة كبيرة ما تم العزف عليه بالأمس ولعل هذا ما أثار ضجة كبيرة لدى قطاع عريض من المصريين، وهو ما دفع أحدهم إلى التعليق عليها بقوله: إما أن الرئيس يتحدث عن دولة غير مصر أو أني أحيا في بلد غير بلدي”.
البداية كانت مع إعلان 11 ألف مشروع خلال 4 سنوات بمعدل 3 مشروعات يوميًا حسبما جاء على لسانه، إذ إن هذه الحسبة خطأ من الأساس، ويبدو أن من كتب الخطاب لم يعد لها بالشكل الملائم، إذ اعتمد على حجم الرقم دون تفاصيله، إذ لو افترضنا صحة هذا الرقم – الكبير بلا شك – فالمعادلة تقول 11000 مشروع ÷ 4 سنوات (365 يومًا)= 7.5 مشروع يوميًا، ومن زاوية أخرى لو افترضنا أن المعدل اليومي للمشروعات 3 فقط، فتصبح المعادلة الجديدة 3 مشروعات يوميًا × 4 سنوات (365 يومًا) = 4380 مشروعًا خلال هذه الفترة، دون أن يذكر السيسي أي نوع من المشروعات هذا الذي تستطيع فيه مصر بإمكاناتها الحاليّة أن تقيم منه 7 مشروعات أو 3 يوميًا.
11 ألف مشروع ، لو متوسط المشروع الواحد يعمل فيه ألف إداري وعامل وسائق ومهندس ومحاسب وخلافه ، يعني 11 مليون وظيفة جديدة تم توفيرها خلال أربع سنوات ، .. والله أعلم .#حكايه_وطن
— جمال سلطان (@GamalSultan1) January 17, 2018
التضخم: من 10% في 2014 إلى 31% 2017
ارتفع معدل التضخم خلال السنوات الأخيرة بصورة جنونية غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، من 11.8% في مارس 2011، ثم 9.2% في يناير 2012، و10.9% في يونيو 2013، ليرتفع إلى 11.5% في يوليو 2013.
ومع أول شهر في حكم السيسي ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 11.1%، ثم وصل إلى 12.9% في مايو/أيار 2016، وارتفعت إلى 12.9% و14.8% و14.8% في الشهور الثلاث التالية على التوالي، إلى أن استقر في أغسطس 2016 عند حاجز 16.4%.
بعد قرار تعويم الجنيه في الثالث من نوفمبر 2016 قفز معدل التضخم السنوي إلى 20.2% في نوفمبر 2016، ثم 29.6% في يناير/كانون ثاني 2017 ليستقر عند حاجز 31.7% بعد أن وصل في بعض الأشهر إلى 36% وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمسين عامًا.
المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26% فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان من إجمالي مليون ونصف المليون، ومن ثم توقف المشروع إثر انسحاب العديد من المستثمرين.
لا شك أن السيسي فرصة نادرة لن تتكرر لأطراف متعددة داخليا وخارجيا
— Assaad Taha أسعد طه (@Assaadtaha) January 17, 2018
البطالة: 3.5 مليون شاب عاطل
في أحدث تقارير معدلات البطالة في مصر، وصلت خلال الربع الثالث من عام 2017 في الفترة من (من يوليو إلى سبتمبر) إلى 11.9%، مقارنة بـ12.6% في الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية).
الجهاز في تقريره أشار إلى أن تلك النسبة من العاطلين عن العمل تمثّل نحو 3.5 مليون من قوة عمل حجمها 29.5 مليون مواطن، وأشار إلى أن الشباب يشكلون 79.5% من إجمالي المتعطلين.
وأظهرت الإحصاءات التي أعلنها الجهاز أن 92.9% من إجمالي المتعطلين من حملة المؤهلات، و40.6% منهم حملة مؤهلات جامعية، و52.3% حملة مؤهلات متوسطة وفوق المتوسطة، أي خريجي المعاهد وحاملي الدبلومات.
قناة السويس: تراجع الإيرادات بنسبة 3.2%
كشفت الأرقام الرسمية الخاصة بإيرادات قناة السويس بعد تدشين تفريعتها الجديدة في 2015 إلى تراجع واضح في عائدات القناة مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما كان علامة استفهام كبيرة خاصة بعد إنفاق ما يقرب من 64 مليار جنيه من مدخرات المصريين، أي ما يعادل (8.2 مليار دولار في هذا التوقيت).
في الوقت الذي كان يعول فيه الكثيرون على طفرة كبيرة في إيرادات القناة بعد التفريعة الجديدة، في أعقاب التصريحات الصادرة عن الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس التي أشار فيها إلى أن المتوقع لإيرادات القناة بعد ضم تفريعتها سيتجاوز 13 مليار دولار سنويًا، غير أنه وبعد مرور عامين على هذا المشروع جاءت الأرقام صادمة.
في نوفمبر 2016 قفز معدل التضخم السنوي إلى 20.2% في نوفمبر 2016، ثم29.6% في يناير/كانون ثاني 2017 ليستقر عند حاجز 31.7% بعد أن وصل في بعض الأشهر إلى 36% وهو أعلى معدل منذ أكثر من خمسين عامًا
في 2015 بلغت إيرادات القناة بتفريعتها معًا نحو 5.1 مليار دولار بتراجع عن العام الذي يسبقه 2014 بلغت قيمته 289 مليون دولار أي بنسبة 5.3%، وفي 2016 بلغت الإيرادات نحو 5.005 مليار دولار بتراجع نسبته 3.2%، عن إيرادات عام 2015.
وخلال الـ7 أشهر الماضية، بدءًا من كانون الثاني/يناير وحتى تموز/يوليو الماضي، بلغت إيرادات قناة السويس 2938.1 مليار دولار، الأمر الذي يعني أنّه في نهاية العام الحاليّ، طبقًا لحركة الملاحة في القناة، لن يطرأ تغيير جذري على حجم الإيرادات سواء كان بالصعود الطفيف أم بالهبوط.
يذكر أن إيرادات القناة – من دون التفريعة – بلغت في 2014 قرابة 5.4 مليار دولار، وفي 2013 بلغت 5.3 مليار دولار وهو نفس المعدل في 2011 وإن كان أكبر معدل لها بلغ قرابة 5.5 مليار دولار وكان ذلك في 2010.
العطش والتبوير.. شبح يهدد مستقبل المصريين
30 مليون مصري تحت خط الفقر
ارتفعت نسبة الفقراء في مصر من 25.2% في العام 2011، إلى 26.3% في 2013، وواصل الارتفاع إلى 27.8% في 2015، أي ما يعادل 30 مليون مصري تقريبًا، وذلك بعد أن قارب عدد السكان على 100 مليون نسمة، وهي نفس النسبة تقريبًا في 2016 بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
التقرير أرجع زيادة معدلات الفقر إلى القفزات الجنونية في أسعار السلع في ظل ثبات الدخول خاصة بعد فقدان الجنيه المصري (العملة المحلية) لما يزيد على 120% من قيمته إثر قرار التعويم.
هذا بخلاف بعض الدراسات التي تتوقع ارتفاع نسبة الفقر خلال السنوات القادمة إلى ما يزيد على 70 مليون مصري حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن.
في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس المصري عن شبكة طرق عملاقة بمستوى جودة عالٍ، لا تزال مصر تتصدر قائمة الدول التي ترتفع فيها معدلات حوادث الطرق
استصلاح الأراضي: توقف مشروعات لعدم كفاية المياه
صبيحة الثلاثين من ديسمبر 2015، كشف التليفزيون المصري الستار عن إطلاق شارة البدء لمشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان بمنطقة الفرافرة، كخطوة أولى نحو مشروع استصلاح أربعة ملايين فدان في منطقة الصحراء الغربية.
بعض الخبراء حذروا من فشل هذا المشروع على رأسهم الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري الأسبق الذي أشار إلى أن هناك أزمة ستواجه استمرارية المشروع تتمثل في نقص المياه الجوفية، خاصة أنه يعتمد في 20% على مياه نهر النيل، و80% على المياه الجوفية.
وبعد مرور أقل من عام على المشروع، أعلن الدكتور سامح عطية صقر رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، بأن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26% فقط من إجمالي المشروع، أي ما يقرب من 390 ألف فدان من إجمالي مليون ونصف المليون، ومن ثم توقف المشروع إثر انسحاب العديد من المستثمرين.
https://twitter.com/Egyptprotestant/status/953690730802876416
الأرقام التي أعلنها السيسي بشأن استصلاح مليون و200 ألف فدان بخلاف المليون ونصف الآخرين في الفرافرة، لا تتناسب مطلقًا مع المخزون المائي في مصر، وهو ما كشف عنه السيسي بذاته حين ألمح إلى إمكانية استيراد بعض السلع التي تتطلب مياه كثيرة مثل الأرز، بخلاف التصريحات الأخيرة للمسؤولين المصريين بضرورة ترشيد استهلاك المياه في ظل الأزمة التي من المتوقع أن تشهدها مصر بسبب سد النهضة، إلى الحد الذي ناشد فيه رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي ممدوح رسلان، المصريين بتقليل فترة الاستحمام ترشيدًا للمياه، كذلك تصاعد وتيرة الحديث عن مشروعات لتحلية المياه وإعادة معالجة مياه الصرف الصحي.
حوادث الطرق.. مصر الأولى عالميًا
في الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس المصري عن شبكة طرق عملاقة بمستوى جودة عالٍ، لا تزال مصر تتصدر قائمة الدول التي ترتفع فيها معدلات حوادث الطرق، حيث كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع عدد حوادث السيارات 2016، إلى 14 ألفًا و710 حوادث، مقابل 14 ألفًا و548 حادثًا في 2015.
وكان السيسي قد تعهد في بداية رئاسته في يوليو 2014 بتدشين شبكة طرق قادرة تغطي معظم المحافظات المصرية غير أنه لم ينفذ منها سوى القليل وإن كان يتعهد بتوفير 7.5 ألف كم من الطرق بنهاية يونيو 2018 دون الحديث عن كيفية إتمام ذلك.
ارتفعت نسبة الفقراء في مصر من 25.2% في العام 2011، إلى 26.3% في 2013، وواصل الارتفاع إلى 27.8% في 2015، أي ما يعادل 30 مليون مصري تقريبًا
الصحة.. الريادة في عدد المرضى
يتصدر المصريون قوائم الدول الأكثر إصابة بحزمة من الأمراض المزمنة والمنتشرة، حيث تحتل المرتبة التاسعة على مستوى العالم من حيث عدد مرضى السكر، ومن المتوقع أن تصل إلى المركز الثامن بحلول عام 2030.
كما يوجد في مصر قرابة 60 ألف مريض بالغسيل الكلوى بينما يقبع على قوائم الانتظار نحو 77 ألف مريض آخرين، علمًا بأن عدد المصابين بأمراض الكلى في مصر يتجاوز 2.5 مليون مريض، و30% من المصابين بالفشل الكلوي يموتون سنويًا في حين لا تتجاوز النسبة العالمية للوفاة بهذا المرض7% هذا ما كشفته أحدث إحصائية للجمعية المصرية للكلي
كما تبلغ نسبة انتشار الأمراض النفسية بين البالغين “من سن 18 إلى 64 سنة” من 10 إلى 12% بمتوسط عدد السكان، ما يقرب من 8 ملايين شخص يعانى من مرض نفسي، منهم يتم حجزه ومنهم من لا يحتاج سوى للتردد على العيادات والمتابعة مع الطبيب.
أما عن أمراض القلب فتشير الإحصاءات إلى أنه بين 100 ألف من السكان في مصر، هناك 500 شخص يتوفى بسبب أمراض القلب سنويًا، بما يمثل 10 أضعاف الدول الأخرى، إما نتيجة عدم علاجه بشكل صحيح أو التشخيص الخاطئ.
كذلك مرض السرطان الذي بات ينتشر في مصر خلال السنوات الأخيرة بصورة جنونية، إذ تشير الإحصاءات إلى إصابة جديدة كل 5 دقائق، ستصل إلى 3 حالات كل 5 دقائق بحلول عام 2050.
هذا بخلاف أسعار الدواء التي تقفز بخطوات غير مسبوقة تصل في بعضها إلى أكثر من 500% من السعر القديم، علمًا بأن أسعار الدواء في مصر زادت قرابة 3 مرات في 16 شهرًا فقط، وهو ما يفسح المجال لانتشار الأدوية المغشوشة قليلة الثمن التي تتسبب في العديد من الآثار الصحية المدمرة.
معاناة يومية للمرضى بسبب ارتفاع أسعار الدواء
الحريات: 60 ألف معتقل وحجب 424 موقعًا
من المسائل التي لم يتطرق إليها مؤتمر “حكاية وط” بالأمس ملف الحريات، إذ تحتل مصر الصدارة في كثير من الانتهاكات التي تقيد الحريات الشخصية والإعلامية والإنسانية.
فبحسب التقارير الواردة عن الجهات الحقوقية فهناك ما يقرب من 60 ألف معتقل في مصر بتهم تتعلق بالرأي وحرية التعبير، كما سجل مرصد “صحفيون ضد التعذيب”، احتجاز 13 صحفيًا، و727 انتهاكًا خلال عام 2016 في مختلف أنحاء الجمهورية على نطاق 23 محافظة، وما يقرب من 513 في عام 2015، هذا بخلاف توثيق 56 انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين في بعض محافظات الجمهورية في أثناء تأدية عملهم خلال الربع الثالث من عام 2017 (يوليو – أغسطس – سبتمبر).
كما ارتفع عدد المواقع المحجوبة في الفترة من مايو الماضي وحتى الآن إلى 424 موقعًا بتهمة “بث أخبار تحريضية والتشجيع على الإرهاب”، ورغم المناشدات الحقوقية الدولية غير أنها لم تؤت ثمارها مطلقًا في ظل تشبث السلطات في مصر بنهج تضييق الخناق وكبت الحريات.