“الحركات المضادة للتكنولوجيا سوف تكون أكثر نشاطًا وفعالية في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها بحلول عام 2030″، هذا ما قاله العالم فرانسيس كولينز عام 2001 خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية للعلوم في سان فرانسيسكو، وقد يعارضه الكثير من الأشخاص لأن ما الذي يستخدمه العالم في وقتنا الحاليّ ولا يعتمد على التكنولوجيا؟
تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة بعض الشيء، لكن هذا لا ينفي وجود بعض المجموعات والمحاولات التي تجتهد بطريقة ما لتتحكم في التكنولوجيا وليس العكس، خاصة أن هذه الحركات ليست بالأمر الجديد.
الحكاية تبدأ منذ الثورة الصناعية
في أوائل القرن التاسع عشر في إنجلترا، ظهرت حركة تدعى “لوديت” في بريطانيا منذ أكثر من 200 سنة، وعارضت دخول الآلات الجديدة إلى المصانع خلال الثورة الصناعية، لاعتقادهم أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لوظائفهم وخاصة للحرفيين في أعمال النسيج.
ولكن من جهة أخرى يعتقد المؤرخون أن هذه الحركة لم تكن معادية للتكنولوجيا، لكنها كانت تشتكي من عدم وجود فرص عمل بسبب التقنيات الحديثة، وبالتالي اعتبرت مقاومتها للتقدم التكنولوجي رفضًا شاملًا للتكنولوجيا بأكملها.
على عكس الأغلبية، فهي لا تعتقد أن جميع الاختراعات التكنولوجية الحديثة الأفضل، فهم حذرون جدًا في التعامل معها ويرفضون اعتماد حياتهم بشكل أساسي على التكنولوجيا
مهدت هذه الحركة السبيل أمام حركات مستقبلية ضد التكنولوجيا، وشككت بالتغيرات التي ستحدثها التكنولوجيا فيما بعد وتساءلت عما إذا ستتجاوز التكنولوجيا الحدود الأخلاقية وتهدد البشرية في يوم ما، ومن بينها حركة “الأميش” التي لا تقف ضد التكنولوجيا، لكنها انتقائية للغاية في الطريقة التي تستخدم بها الأجهزة الرقمية، وعلى عكس الأغلبية، فهي لا تعتقد أن جميع الاختراعات التكنولوجية الحديثة هي الأفضل، فهم حذرون جدًا في التعامل معها ويرفضون اعتماد حياتهم بشكل أساسي على التكنولوجيا.
فهي جماعة تؤمن بضرورة عدم تورطها واندماجها في العالم، وذلك للحفاظ على تقاليدهم وقيمهم ومعتقداتهم الدينية التي ترى أن الحياة على الأرض ما هي إلا جزء من رحلتهم إلى السماء، ولا شك أن نظرتهم للتكنولوجيا مثيرة للغرابة في هذا العصر، إلا أن البعض يعتقد أنه يمكننا أن نتعلم منهم بألا نقبل كل أنواع التكنولوجيا الجديدة بشكل تلقائي، لأنها ببساطة قد لا تكون مناسبة لنظام حياتنا.
معاداة التكنولوجيا بطريقة عصرية ومؤقتة
من المتعارف عليه أن تحكم التكنولوجيا في حياة الناس والتدخل في شؤون حياتهم ليلًا ونهارًا قد يؤثر بشكل كبير على عدة جوانب في حياتهم، وأولها علاقاتهم الشخصية وإنتاجهم في أثناء العمل، فالتطبيقات التقنية وإشعاراتها المستمرة تخلق شعورًا بأولوية التواصل مع الأشخاص في العالم الافتراضي وبالتالي تعطل الالتزام بالتعامل مع الأفراد الموجودين بالمقابل منا، ولا داعٍ للحديث عن التهديدات الكبرى مثل الروبوتات والأمن الإلكتروني ومجتمع الداتا وإنترنت الأشياء الذي يتحرك خطوة خطوة معنا.
تتضح ملامح هذه الثورة في بعض الإرشادات الإلزامية التي تفرضها بعض المطاعم التي تطلب من زبائنها وزوارها عدم استخدام هواتفهم أثناء الطعام وأن يستمتعوا بمذاق الطعام والأحاديث المتبادلة مع أصدقائهم أو شركائهم بدلًا من النظر إلى الهاتف وتصفح الصفحات الإلكترونية، كما تقوم أيضًا بعض الشركات بإلزام موظفيها بغلق هواتفهم خلال ساعات العمل أو أثناء عقد الاجتماعات والمؤتمرات.
كذلك، هناك بعض الحكومات التي تفرض غرامات على استخدام الهواتف أو المراسلة أثناء القيادة، بجانب المدارس والجامعات التي تمنع استخدام هذه الأجهزة داخل قاعات الدراسة، إذ أصبح الآباء مؤخرًا يبحثون عن حضانات لا تستخدم أجهزة الآيباد في نظامها التعليمي للأطفال لوعيهم بمدى ضررها وتأثيرها السلبي على نموهم العقلي والعاطفي.
ففي دراسة لجامعة ستانفورد تؤكد على أن سحب الأجهزة الرقمية من الطلاب في الفصول والموظفين، يساعدهم على تركيز انتباهم وقدراتهم العقلية بشكل جيد على محاضراتهم أو تدريباتهم، وذلك لغياب التنبيهات الإلكترونية والرسائل التي تشتت بالهم وتسيطر على ذاكرتهم، وبالتالي يتوجب عليهم إحضار أفكارهم إلى القاعة وليس هواتفهم.
وجاءت هذه الأساليب نتيجة لانزعاج الناس من سيطرة التكنولوجيا وأدواتها عليهم وعلى أوقاتهم، وكحلٍ لهذه الأزمة تم إنشاء تطبيقات “مؤقتة”، أي أنها تقوم بإغلاق بعض المواقع الإلكترونية لوقت معين، أو بالمساعدة من تطبيقات تقوم بتذكيرك بإتمام المهام الموجودة على خطتك اليومية، ومثال عليها StayOnTask وSelfControl
في عام 2013، قام 61% من الأشخاص البالغين بإغلاق حساباتهم على فيسبوك أو بأخذ فترات راحة طويلة أو دائمة من هذا التطبيق الشهير
لا يرجح البعض احتمالية إو إمكانية حدوث ثورة ضد التكنولوجيا، لإن التعليمات والسياسات والسلوكيات الفردية الخاصة بالتعامل مع التكنولوجيا لن تكون مجدية إلا إذا تشكلت حركة قوية ومؤثرة تساعد العالم على اتخاذ قرار هجر التكنولوجيا، أو أن تصبح هذه الفكرة مألوفة عند المجتمعات إلى الحد الذي قد يأتي يومٌ نجد فيه أن بعضًا من أصدقائنا لا يملكون حسابًا شخصيًا على موقع فيسبوك أو إنستغرام.
يذكر أن في عام 2013، قام 61% من الأشخاص البالغين بإغلاق حساباتهم على فيسبوك أو بأخذ فترات راحة طويلة أو دائمة من هذا التطبيق الشهير، هذا النوع من القرارات يبدو غريبًا وليس اعتياديًا بأن يوجد أحد لا يملك هذا التطبيق على هاتفه في القرن الواحد والعشرين.
هذا ويقول الكاتب الكندي مايكل هاريس، لموقع فايس: “يجب أن نعرف تمامًا كيف نتصدى لثقافة المجموعة”، ويشير إلى أن رد التكنولوجيا بعيدًا أو تدريجيًا عن حياتنا ليس أمرًا سهلاً، هذه العملية تحتاج بعض الجهد، ويضيف “أنا شخصيًًا في بداية يومي أمهل نفسي كل الوقت الممكن قبل أن أنظر في هاتفي وأغرق داخل هذه الموجة، وهذا يوضح الصراع الذي نواجه مع هذا الإدمان كل ساعة من حياتنا وليس بشكل يومي فقط”.
كما يقول المؤلف هاريس أن التعامل مع الهاتف يشبه تعاملنا مع أجسامنا، إذ إنه من المفضل لصحتنا أن نتناول أطعمة صحية تفيد أجهزتنا الحيوية ويضيف “في بداية الخمسينيات والستينيات كان هناك كميات وفيرة من الأغذية والطعام، لكن العالم لم يكن عنده الثقافة الغذائية عن ماذا يتناول من هذه الأطعمة وكيف، وبالتالي ارتفعت مستويات السكري وزادت حالات البدانة في العالم، وأصبح ينظر لهذا الغذاء على أنه مضر وخطر، وهذا بالفعل ما يحدث بالنسبة إلى التكنولوجيا وتبعًا لهذا علينا أن نتبع حمية أو نظام غذائي صحي في تعاملنا مع الأجهزة التقنية لنبقى سالمين”.
لذلك يجب علينا أن نفكر باستخدامنا للتكنولوجيا على أنه قضية خاصة بسلامة صحتنا وعقولنا على حد سواء.