على مدار أيام طويلة، بذل جهاز الشاباك في الاحتلال الإسرائيلي جهداً مضاعفاً للوصول إلى منفذي عملية نابلس والتي قتل فيها أحد أبرز الحاخامات الصهاينة الشباب “رزيئيل شيبح” قرب مستوطنة “حفات جلعاد” في نابلس.
بعد العملية مباشرة كتب المراسل العسكري لموقع واللا العبري أن “التحقيق في عملية نابلس دخل في مرحلة حرجة لأن المنفذ لم يترك خلفه في ساحة العملية، أو مسار الانسحاب أي دليل يكشف هويته، والشاباك ينتظر ارتكاب المنفذ أي خطأ”.
الأجهزة الأمنية التي أشعلت انتفاضة الأقصى عام 2000 بعشرات العمليات البطولية، وشكلت عدة أذرع مقاتلة أهمها كتائب شهداء الأقصى بإيعاز من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، تراها اليوم مكبلة وفق الاتفاقيات الأمنية والتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، فتسعى للمحافظة على حالة الاستقرار والهدوء من الطرف الفلسطيني دون أي رد على اعتداءات المستوطنين، وهي في مأزق شعبي الآن، فقد تحولت إلى كاميرا راصدة ومحددة لمسار الرصاصة الإسرائيلية، في الوقت الذي وصلت فيه الحالة السياسية والأمنية والاقتصادية الفلسطينية لأسوء مرحلة على الفلسطينيين.
منفذي عمليات إطلاق النار ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في الضفة الغربية يحرقون أو يخفون وسائل النقل التي ينفذون بها عملياتهم
طرف الخيط… كاميرا فلسطينية ورصاصة إسرائيلية
جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية سابقاً قال في لقاء له مع الإذاعة العبرية “إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في نابلس قامت بكل ما عليها، بعد ورود معلومات حول نية بعض الأشخاص تنفيذ عملية في الأيام القادمة، لكن التقصير كان من الجانب الإسرائيلي الذي لم يتحرك وفق ما قدمناه من معلومات”.
وأضاف الرجوب: “الأجهزة الأمنية ملتزمة بالتنسيق الأمني، ولن تحيد عنه، وستعمل بكل قوتها للوقوف على ملابسات هذه العملية المرفوضة، التي تضر بعملية السلام”.
ولتتبع مسار تصريح الرجوب قال علي المغربي الأسير المحرر في صفقة شاليط والذي نفذ عدة عمليات في مناطق مختلفة في الضفة الغربية مع كتائب شهداء الأقصى إبان الانتفاضة الثانية إن “طرف الخيط للوصول إلى منفذي العملية هي معلومة استخباراتية قدمها جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية تفيد بوجود سيارة محروقة في منطقة الزبابدة في مدينة جنين يتوقع أنها تعود لمنفذي العملية”.
الجدير ذكره أن منفذي عمليات إطلاق النار ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه في الضفة الغربية يحرقون أو يخفون وسائل النقل التي ينفذون بها عملياتهم، لقطع أي دليل للوصول إليهم، لكن الكاميرات المثبتة في كافة الشوارع تمثل عائقاً أساسياً أمام المقاومين، وهو ما دعت إليه الجماهير الفلسطينية في الضفة بعد العملية مباشرة، بإبطال عمل الكاميرات أو حذف محتوياتها لتسهيل عملية التخفي على المقاومين.
تضاربت الأنباء حول مصير المجموعة المحاصرة، حيث نشرت الصحافة الفلسطينية أسماءً مختلفة، كانت تروجها أجهزة استخبارات الاحتلال للوصول إليهم
المغربي الذي أبعد إلى غزة يضيف وفق ما ورد له من معلومات: “بدأت الحكاية وجمع المعلومات بالاستفادة من الكاميرات المثبتة، وتم إنزال وتمشيط المنطقة بالكامل، وحصر الخيارات حتى استقر الأمر على المجموعة المنفذة بعد تتبع مسار السيارة المحروقة”.
ولم تنطلق ساعة الصفر دون ضبطها مع الأجهزة الأمنية التي انسحبت من الحواجز والشوارع في جنين، إضافة لانسحابها من موقع الأمن الوقائي القريب، لتدخل قوات الاحتلال الإسرائيلي مكونة من وحدة “جفعاتي” الخاصة، ووحدة “يمام” التابعة لشرطة الحدود، وقوات الهندسة الحربية، مختبئة في محطة وقود قريبة من منطقة الاشتباك”.
مصادر مختلفة أشارت لنون بوست أن المقاتلين الفلسطينيين كانوا يعلمون بوجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، وحين محاصرة المنزل لاستقدام معدات هندسية لتفجير المكان وجرافات الاحتلال، باغت المقاتلون القوة الخاصة بزخات من أسلحة رشاشة أدت إلى إصابة اثنين من جنود الاحتلال وصفت أحداهما بالخطيرة.
تضاربت الأنباء حول مصير المجموعة المحاصرة، حيث نشرت الصحافة الفلسطينية أسماءً مختلفة، كانت تروجها أجهزة استخبارات الاحتلال للوصول إليهم، لكن وزارة الصحة الفلسطينية أكدت استشهاد أحمد إسماعيل جرار 30 عام، فيما تستمر العملية لأكثر من 17 ساعة متواصلة، وحسب مصادر لنون بوست فإن بقية أفراد المجموعة لاذوا بالفرار.
وقد نشرت القناة الثانية العبرية أن المقاتلون لم يكونوا في بيت واحد بل عدة بيوت، وأن من أطلق النار على الجنود متعاونٌ مع الخلية وليس عضواً فيها.
الكاتب السياسي أنس إسماعيل أشار إلى أن مهمة حماس في الضفة صعبة للغاية، فـ”أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تراقب كل الاتصالات القادمة للضفة والخارجة منها من مناطق محددة هي غزة ولبنان وسوريا وإيران والأردن”
حماس تحاول اختراق الجدران لنقل ساحة المعركة
حماس التي باركت عملية نابلس فور حدوثها، تحاول جاهدة نقل ميدان المعركة للضفة الغربية بأي طريقة ومهما كلف الثمن، لإعادة الروح القتالية وتخفيف الضغط على غزة.
في هذا الإطار قال عبد الله الحمارنة الباحث في شأن الضفة الغربية والاستيطان إن “العملية تعتبر اختراق قوي للجدر التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي لتدمير المقاومة وبنيتها في الضفة الغربية، وتحاول حماس خلق جيل بطولي شاب جديد في الضفة لا يهاب مواجهة الجنود الإسرائيليين، وهو ما حذرت منه أوساط سياسية وأمنية إسرائيلية مختلفة”.
وعلى مدار سنوات طويلة منذ 2006 سارعت الولايات المتحدة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي لتقديم الدعم المالي والتقني والتدريب العسكري لقوات الأمن الفلسطينية في الضفة، وقد نجحت إلى حد كبير لتغيير عقيدتهم القتالية بما يتلاءم مع المقاومة السلمية، واتفاقيات السلام، بالرغم من تنفيذ أفراد الأجهزة الأمنية لعدة عمليات فردية وقليلة منذ هبة القدس الأخيرة حتى اللحظة.
وأشار الحمارنة أن “العمل المسلح في الضفة الغربية لم يتوقف، ولا علاقة لوقف التنسيق الأمني باستمرار المقاومة المسلحة في الضفة، لأن الأمر متعلق بالظرف الميداني، وبينة المقاومة تحاول الابتعاد عن كافة الأنظار من الأطراف التي تلاحقها، وستشهد الفترة القادمة عمليات أكثر دقة وحرفية على شاكلة عملية نابلس الأخيرة، سينفذها الجيل الشاب نتيجة التواجد الاستيطاني الكثيف في حياة الفلسطينيين هناك”.
المجلس المركزي الذي عقد في رام الله قبل أيام اتخذ قرارات هامة مطالباً اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتطبيقها، أهمها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ما لم يحدث
لكن الكاتب السياسي أنس إسماعيل أشار إلى أن مهمة حماس في الضفة صعبة للغاية، فأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تراقب كل الاتصالات القادمة للضفة والخارجة منها من مناطق محددة هي غزة ولبنان وسوريا وإيران والأردن، وترصد جيداً عبر كاميرات المراقبة المنتشرة والتنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة تحاول تصفير أي عمل مسلح”.
وقال إسماعيل لـ نون بوست: “مربط الفرس وطرف الخيط لفرط عقدة الانحباس المقاوم في الضفة هي الأجهزة الأمنية، وهي التي شاركت من قبل في تفجير العمل المقاوم، وفي ظل الاستيطان المستمر، وطريق التسوية المغلق، والاكتظاظ السكاني الكبير في المخيمات الساخطة على أداء السلطة كجنين ونابلس وبيت لحم والخليل، أتوقع أن تسير الأمور في طريق التصعيد في أي لحظة، وهو ما تريده حماس إذ تركز على انخراط الأجهزة الأمنية وشباب المخيمات بالعمل المسلح بأي طريقة”.
يشار هنا إلى أن المجلس المركزي الذي عقد في رام الله في 14-1-2018 اتخذ قرارات هامة مطالباً اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتطبيقها أهمها وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ما لم يحدث.