ترجمة وتحرير: نون بوست
في إطار محاربة تنظيم الدولة، أعلنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عن وضع خطة لإنشاء منطقة أمنية حدودية في سوريا، مما أثار مخاوف روسيا، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي عُقد في 15 كانون الثاني/ يناير الجاري. ووفقا لما أفاد به لافروف، ليس هناك أي اختلاف بين خطط إدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، وإدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، فيما يتعلق بالمسألة السورية. في هذا الصدد، قال وزير الخارجية الروسي: “لسوء الحظ، لا نجد أي رغبة، من طرف كلتا الإدارتين، في تسوية النزاع السوري في أقرب وقت، بل تسعى الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات عملية لتغيير النظام في المنطقة”.
المؤتمر الصحفي السنوي لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف
في السياق ذاته، أوضح سيرغي لافروف أن “الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة، تظهر عدم رغبتها في الحفاظ على وحدة سوريا على المستوى الإقليمي”. من جانبها، أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها مدّ يد المساعدة لقوات سوريا الديمقراطية في إنشاء مناطق أمنية حدودية، التي ستقع على الحدود مع تركيا والعراق. وفي وقت سابق، أعلنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عن إنشاء قوات لحماية الحدود السورية، التي ستتمركز على طول نهر الفرات والحدود السورية مع تركيا والعراق، وذلك بهدف محاربة تنظيم الدولة.
في هذا الصدد، أكد المتحدث باسم التحالف، توماس فيل، أنه “سيقع حشد 15 ألف ممثل عن قوات سوريا الديمقراطية في مهمة جديدة بصفتهم قوات للأمن الحدودي، وذلك مع اقتراب نهاية محاربتهم لتنظيم الدولة. وأضاف فيل أن “هذه القوات الأمنية ستتمركز على ضفة نهر الفرات، أي على طول الجهة الغربية للأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وعلى طول الحدود السورية مع تركيا والعراق”.
يعتبر العنصر العربي في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، غير مستقر إلى حد ما، مع دخول بعض الوحدات العربية إليه وانسحاب بعضها الآخر منه
أما المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، فأفاد أن “الولايات المتحدة تلقي بنفسها في حرب لا طائل منها بإنشائها لقوات أمن حدودية في سوريا، التي سيكون عناصرها من الأكراد”. وتجدر الإشارة إلى أن هناك خلافات حادة بين الأكراد وتركيا، التي تعتبرهم بمثابة إرهابيين. وأورد قالين أن “تركيا قادرة على محاربة الإرهابيين داخل البلاد وخارجها”. وفي هذا السياق، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 13 كانون الثاني/ يناير، عن إطلاق عملية عسكرية ضد الأكراد في سوريا، الذين يعتبرهم إرهابيين، وبالتحديد في عفرين ومنبج الخاضعتين لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
قوات أمنية
في الحقيقة، يحيل تشكيل “قوات أمن حدودية” إلى دخول الولايات المتحدة في صراع لا يزال مستمرا، خاصة في خضم النزاع الذي يجمع بين الأتراك وحزب العمال الكردستاني. كما قد يأخذ هذا الصراع منعرجا خطيرا، نظرا لأن الولايات المتحدة تراهن على الأكراد في المعركة ضد تنظيم الدولة. من جهتها، تعارض أنقرة أي تعزيز لدور الأكراد في سوريا، كما تشير إلى الدور الذي يلعبه الأكراد في دعم الإرهاب.
في الأثناء، يعتبر العنصر العربي في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، غير مستقر إلى حد ما، مع دخول بعض الوحدات العربية إليه وانسحاب بعضها الآخر منه. وعموما، بلغ عدد العناصر العربية في التحالف نحو 20 ألف شخص خلال ربيع سنة 2017. وقد يعتبر عدم الاستعانة بوحدات غير كردية على طول الحدود التركية في شمال سوريا خطوة إيجابية بالنسبة لأنقرة، إلا أن واشنطن تصر على تواجد الأكراد هناك.
فضلا عن ذلك، يعتبر إنشاء “قوات أمن حدودية” في سوريا، خاصة على الحدود العراقية السورية، أمرا صعبا بالنظر إلى الشبكة الواسعة من الأنفاق التي استخدمتها عناصر تنظيم القاعدة على تلك الحدود. وفي الوقت الراهن، تتلقى القبائل السنية المحلية، على غرار الصحوة، التي تقاتل ضد الجماعات المتطرفة، مساعدة من قبل الولايات المتحدة. بناء على ذلك، قد تتعاون قوات الأمن الحدودية مع السكان المحليين المُلمّين بالصحراء والأنفاق، ما يجعلها قادرة على العمل بشكل فعال.
قبيل اندلاع الحرب، لم يكن حرس الحدود السورية وشبكة الاستخبارات المتفرعة، قادرين على القيام بعمليات فعالة ضد الإرهابيين، خاصة في شرق البلاد
مناطق البقاء على قيد الحياة
تتضمن الإستراتيجية التي يسعى تنظيم الدولة إلى تطبيقها، العشرات من العاملين من ذوي الخبرة والدعاة، بالإضافة إلى بعض الجنود العاديين وشبكة من الاستخبارات في سوريا والعراق، بما في ذلك في مخيمات اللاجئين، لشن حرب عصابات واقتناص فرصة إحياء تنظيم الدولة في شكل جديد. ومن هذا المنطلق، لا يمكن مراقبة الجماعات التي تسيطر على الحدود السورية العراقية، التي بعد فقدانها للعديد من وحداتها انطلقت في الاعتماد على تكتيكات واستراتيجيات جديدة.
على صعيد آخر، تضم محافظة الأنبار العراقية العديد من المناطق الصحراوية والمدن التي تفصل بينها مسافات كبيرة وتتصل بشبكات محدودة من الطرقات، وهو ما يجعل مهمة قوات الأمن الحدودية أصعب. وعلى سبيل المثال، تبعد القوات الحكومية في الرمادي حوالي 300 كيلومترا عن مدينة الرطبة، كما تبعد 130 كيلومترا عن مدينة القائم. علاوة على ذلك، شاركت أكثر الوحدات كفاءة في حرس الحدود العراقي، المُطلعة على تضاريس المنطقة والمُدربة جيدا على مكافحة التهريب، في القتال ضد تنظيم الدولة في مناطق مختلفة من البلاد، في حين لا يعد الجيش العراقي قادرا على القيام بعمليات الاستطلاع وتأمين الدفاع على الحدود.
من جهتها، تشهد سوريا الوضع ذاته. فحتى قبيل اندلاع الحرب، لم يكن حرس الحدود السورية وشبكة الاستخبارات المتفرعة، قادرين على القيام بعمليات فعالة ضد الإرهابيين، خاصة في شرق البلاد. وبعد سبع سنوات من القتال في سوريا، الذي أدى إلى تغيير الأوضاع بشكل جوهري في البلاد، لا يبدو أن دمشق قادرة في الوقت الراهن على السيطرة على حدودها التي يبلغ طولها 600 كيلومترا. والأهم من ذلك، تتضارب مواقف السكان المحليين في تلك المناطق الحدودية تجاه النظام السوري، وهو ما قد يصعب مهمة قوات الأمن الحدودية.
موسكو ستواصل العمل على تشويه سمعة الأعمال الأمريكية في سوريا والتأكيد على وجودها غير القانوني على الأراضي السورية
أما على الجانب الإيراني، فيعتبر الوضع معقدا، خاصة وأنه من الممكن إنشاء ممرات للسيطرة الإيرانية من خلال العراق وسوريا وصولا إلى لبنان في سبيل النقل السري للأسلحة والتعزيزات إلى سوريا في المقام الأول. وفي الوقت الراهن، تنتشر مجموعات أجنبية ومحلية موالية لإيران في شرق سوريا، التي أصبحت تمثل جزءا من خطة الخميني. وعلى الجانب الآخر من الحدود، تتمركز الميليشيات العراقية، على غرار قوات الحشد الشعبي، والموالية في معظمها لطهران. وفي إطار التصدي للنفوذ الشيعي في المناطق السنية، يتم استخدام الدعاية لمحاربة الإرهاب، مما يؤثر على وتيرة الهجمات والهجمات المضادة في المناطق الصحراوية.
في هذا الإطار، تدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية في القيام بمهام عدة لصدّ مناورات تنظيم الدولة في المناطق الصحراوية من جهة، واحتواء المزيد من التوسع الإيراني في سوريا والعراق من جهة أخرى. علاوة على ذلك، يستخدم الأمريكيون عامل دعم قوات سوريا الديمقراطية للضغط على دمشق من أجل إقناعها بالتوصل إلى حل وسط مع الأكراد وإجراء إصلاحات سياسية حقيقية وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي ينص على إصلاح النظام الحالي وتشكيل حكومة انتقالية في سوريا.
ولكن، فيم يتمثل رد فعل موسكو على إنشاء قوات الأمن الحدودية التي أعلن عنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة؟ في الحقيقة، من الواضح أن موسكو ستواصل العمل على تشويه سمعة الأعمال الأمريكية في سوريا والتأكيد على وجودها غير القانوني على الأراضي السورية. في المقابل، قد تستخدم روسيا، في المفاوضات مع حلفائها خلف الكواليس، العامل الأمريكي للضغط عليهم، خاصة وأنهم يدينون لموسكو بالكثير، كما يبدو أنهم لم يستخلصوا أية دروس من الحرب الأهلية في سوريا. من جانبهم، يتذكر الخبراء الروس جيدا مدى سهولة حل مختلف الجماعات المسلحة الإرهابية في الشيشان، وهو ما قد يحصل الآن في سوريا.
المصدر: نيوز. ري