مباشرة عقب سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس، إثر ثورة شعبية تطالب بالحرية والكرامة الوطنية، كثّفت دولة الإمارات العربية المتّحدة نشاطها في هذا البلد العربي، وبدأت شبكة التجسّس الخاصة بها في العمل هناك لإرباك الوضع وإجهاض الثورة الوليدة ووقف زحفها إلى باقي الدول العربية التي تتوق شعوبها إلى الحرية.
شبكة تجسّس تعمل لحساب جهاز أمن الدولة الإماراتي، تحدّثنا عن بعض أعمدتها في تقارير سابقة لـ”نون بوست”، فيما كشف مؤخرا موقع “أسرار عربية” عن تفاصيل إضافية عنها، وعن كيفية إداراتها والمسؤولين عن هذه الشبكة.
شبكة تجسس كبيرة تعمل لحساب جهاز أمن الدولة الإماراتي
فضلا عن الأسماء التي تحدّثنا عنها سابق في تقارير عدّة لنون بوست، تلك الأسماء التي تعمل لصالح أجندة الإمارات في تونس ودورها التخريبي الذي تبتغي من خلاله ضرب التجربة الديمقراطية الاستثنائية فيها، سنتحدّث هذه المرّة عن أسماء جديد كشفت عنها تسريبات لموقع “أسرار عربية” في علاقة بالدور المشبوه لدولة “أبناء زايد” في تونس.
هذه الشبكة التي تمّ الكشف عنها تعمل على تنفيذ أجندة صنّاع القرار في دولة الإمارات العربية المتحدة
في هذه الوثائق والمراسلات الجديد التي تحصّل عليها هذا الموقع العربي، يتبيّن لنا وجود شبكة تجسس كبيرة تعمل لحساب جهاز أمن الدولة الإماراتي الذي يترأسه خالد بن محمد بن زايد نجل وليّ عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتّحدة والمشرف عن دورها المشبوه في المنطقة.
هذه الشبكة التي تمّ الكشف عنها تعمل على تنفيذ أجندة صنّاع القرار في هذه الدولة العربية المشكلة من إتحاد مجموعة من الإمارات فوق رمال الصحراء في الخليج العربي، وذلك من خلال محاولة التأثير في كافة مناحي الحياة السياسية في تونس، حتّى أنهم وصلوا إلى التجسّس على رئيس الدولة الباجي قايد السبسي وحركة نداء تونس التي أسسها سنة 2012، إضافة إلى التجسّس على حركة النهضة الإسلامية التي تكنّ لها الإمارات كلّ العداء، كأي حركة إسلام سياسي في المنطقة، دون سبب.
من هم أعضاء الشبكة؟
هذه الشبكة الذي يديرها الضابط الإماراتي سعيد سالم الحافري، حسب ما كشفت عنها الوثائق، وذلك خلفًا للضابط عبد الله الحسوني والذي سبق أن انكشف أمره وفر من تونس هارباً على الفور إلى دولة الإمارات، والتي تقع تحت إشراف مباشر للضابط حمد مبارك سالم الشامسي، تتضمن عشرة شخصيات رئيسية بينهم ثلاث شخصيات عربية تلعب دورا مهما في التواصل لصالح الإمارات، إضافة إلى ثلاثة مصادر مهمة.
– بثينة جبنون مرعي: وهي إعلامية تونسية مقيمة في أبوظبي ومتزوجة من رجل الأعمال السوري رياض مرعي، وتعمل بثينة مرعي في منصب رئيسة تحرير مجلة “بثينة” النسائية، وتقول بعض الوثائق المسربة إن الإعلامية التونسية التقت مع ضابط أمن الدولة الإماراتي ومسؤول الشبكة عبد الله الحسوني قبل تغييره عدة مرات، إحداها يوم 9 سبتمبر 2014.
بثينة جبنون مرع
– عبد الرؤوف الماي: وهو سياسي ونائب في البرلمان التونسي، ورجل أعمال وقيادي سابق في حركة “نداء تونس”، قبل أن يستقيل منها ويلتحق بحركة “مشروع تونس” التي استقال منها هي الأخرى بعد تصويتها بنعم لصالح حكومة يوسف الشاهد في سبتمبر الماضي.
عبد الرؤوف الماي
لعب عبد الرؤوف الماي الذي يقيم منذ سنوات طويلة في أبوظبي، دور الوسيط بين محسن مرزوق وبين جهاز الأمن الاماراتي، وشغل عبد الرؤوف الماي، منصب رئيس مجلس الأعمال التونسي بدبي وإمارات الشمال، كما شغل أيضا منصب عضو بغرفة تجارة وصناعة دبي
– سليم شيبوب: صهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، والذي فرّ مباشرة عقب الثورة إلى الإمارات قبل أن يرجع إلى تونس أواخر سنة 2014 ويتم القبض عليه بتهم تتعلّق بالفساد ثم اطلاق سراحه وتبرئته، ويقيم حاليا بين تونس والإمارات بصفته رجل أعمال، وتقول هذه الوثائق المسرّبة إنه دائما ما يلتقي مع ضابط الأمن المسؤول عن شبكة تونس والذي يحمل لقب (ضابط محطة تونس).
سليم شيبوب
وكانت عودة شيبوب إلى تونس، تحت غطاء حركة نداء تونس وزعيمها الباجي قايد السبسي، ويعرف عنه علاقاته الكبيرة مع اللواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر الذي تتهم محكمة الجنايات الدولية قواته بارتكاب جرائم حرب في ليبيا.
– محمد العجرودي: وهو رجل أعمال تونسي يحمل الجنسية الفرنسية، وهو الذي استخدمه جهاز أمن الدولة الاماراتي في تمرير مبالغ ضخمة إلى حركة “نداء تونس” ولمحسن مرزوق، ويعرف عن العجرودي علاقته الكبيرة مع القبائل الليبية، حيث جلب في نوفمبر الماضي مجموعة من القبائل الليبية في طائرة خاصة إلى تونس ومن ثمّ إلى الكونغو في ضيافة الرئيس الكونغولي لإبرام صفقة تخصّ النفط الليبي، فضلا عن وضع خطة لإرباك الوضع الليبي والتونسي. ويلاحق محمد العجرودي في تونس بتهم تتعلق بالتحيّل والتدليس.
محمد العجرودي
– محمد الهاشمي الحامدي: وهو مالك قناة “المستقلة” الفضائية الخاصة التي تبثّ من لندن ومرشح سابق لانتخابات الرئاسة التونسية، وقبل ذهابه إلى بريطانيا كان الحامدي ينشط في حركة الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حاليا) قبل أن ينسحب ويجمّد نشاطه ويلتحق بنظام المخلوع بن علي.
محمد الهاشمي الحامدي
بعد الثورة عاد وأسس حزب “العريضة الشعبية” وتحصّل على المرتبة الثالثة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، ويعرف عنه نشاطه الشعبوي في البلاد ومحاولاته المتكرّرة بث الفتنة واحياء النزعة الجهوية والعرقية في تونس، وتقول التسريبات المتحصّل عليها إنه التقى مع ضابط أمن الدولة الاماراتي عدة مرات.
– محسن مرزوق: أحد أهم شبكة التجسّس، انشق عن حركة “نداء تونس” بعد أن رفض قياديو الحزب الرضوخ للضغوط الإماراتية غداة نتيجة انتخابات أكتوبر وديسمبر 2014، وأسس حزبًا جديدًا له يحمل اسم “مشروع تونس”. وتقول هذه الوثائق إن مرزوق التقى مع ضباط في جهاز أمن الدولة الاماراتي في أكثر من مكان من ذلك تونس، وتلقى تمويلاً من أبوظبي.
محسن مرزوق
– عبد الوهاب عميرة: عضو الهيئة الفرعية للانتخابات التونسية عن دائرة (الدول العربية) ورئيس فرعها في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتثبت الوثائق المسرّبة إنه أحد الشخصيات التي أقامت اتصالات دائمة مع أمن الدولة الاماراتي.
– رمضان أبو جزر: وهو فلسطيني يعمل لحساب محمد دحلان (المستشار الأمني لمحمد بن زايد) ويتردد على تونس للتنسيق وتقديم الخدمات لضابط الأمن الاماراتي.
– هيثم الزبيدي: صحفي عراقي يتلقى التمويل من أبوظبي منذ سنوات، وهو الذي يدير جريدة “العرب اللندنية” التي اشترتها الامارات، كما يدير موقعا الكترونيا يتبنى أجندة الامارات ويبث من لندن، وتبين أنه يتولى مهمة التنسيق بين الأحزاب التونسية الممولة من الامارات.
– عبد العزيز الخميس: وهو صحفي سعودي يقيم في لندن ومقرب من جهاز الأمن الاماراتي منذ سنوات، وكان يرأس تحرير صحيفة “العرب اللندنية” التي يديرها الزبيدي، وتبين الوثائق المسرّبة أن الرجل على علاقة وثيقة بمسؤول شبكة التجسس الاماراتية في تونس، ويتردد على تونس بكثرة حيث يتولى مهمة التنسيق بين عدد من الأحزاب والشخصيات التونسية لحساب الامارات.
عبد العزيز الخميس
وتقع على عاتق هذه الشبكة اختراق حزب “نداء تونس” الحاكم واختراق الدائرة المحيطة بالرئيس الباجي قايد السبسي، إضافة إلى اختراق البرلمان التونسي، وشراء ولاءات وذمم رجال أمن ومسؤولين في الدولة، فضلا عن اختراق عديد الأحزاب السياسية الأخرى ومحاولة التأثير في عملها وخاصة حركة النهضة الاسلامية.
كيف رفض التونسيون ذلك؟
هذه التسريبات الأخيرة، أثارت ردود أفعال كثيرة في صفوف التونسيين، حيث أكّدت الدور التخريبي المعلوم للإمارات في تونس، وفي هذا الشأن تقول الصحفية التونسية والباحثة في العلوم السياسية تقوى الفرشيشي لنون بوست، “لا يعد موقف الإمارات العربية مستبعدا، ولا هو الأول من نوعه باعتبار أننا اعتدنا منها مثل هذه المواقف المعادية للثورات العربية بشكل عامة والثورة التونسية بالأخص، فلم تسلم مصر، حيث كان الانقلاب العسكري في 2013 بدعم إماراتي، ولا اليمن السعيد الذي أصبح تعيسًا بسبب التدخل العسكري الخليجي وعاصفة الحزم، ولا ليبيا ولا سوريا ولا حتى تركيا غير العربية”.
وتضيف الفرشيشي في حديثها لنون، “الآن حان دور البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة الذي نجح رغم كل العراقيل والمكائد التي حيكت له في عملية التحول الديمقراطي، وجاءت الأوامر الآن لضرب استقرار تونس وأمنها من أجل الإطاحة بحزب حركة النهضة وابعاده عن الساحة السياسية في البلاد حتى تخلو هذه الساحة لأتباع الإمارات وبيادقها في البلاد وهم كثر”.
وحول هذه التسريبات، يقول المواطن التونسي والذي يعمل موظفا في إحدى الوزارات ويدعى صابر: “تابعت مؤخرا هذه التسريبات التي نقلتها عديد المؤسسات الإعلامية العربية، التي تكشف الدور الإماراتي في تونس، وقد كان بعض تفاصيله معلومة لدى التونسيين”، ويتابع” كلنا يعلم في تونس أن للإمارات دور سلبي في البلاد فهي تسعى لتحطيم التونسيين وإفشال ثورتهم وارجاعهم إلى زمن الاستبداد والقمع، وهو ما لن يمرر”.
أكّدت الصحفية التونسية محاولة الإمارات إهانة تونس بمنعها التونسيات جميعا من السفر إليها أو عبرها
وعن دور الإمارات في تونس تقول الصحفية التونسية أمل مكي لنون بوست إن اسم تونس بقي لعقود يحدث دويّا عربيا كلّما نطق به دبلوماسي أو باحث أو سياسي. وجاءت الثورة فأصبح لاسم الخضراء وقع أشدّ، له نغمة الثورة ومعزوفة الحرية. وكان من الطبيعي أن يحاول المتسلّقون في الداخل والخارج ركوب ثورة الياسمين أو الالتفاف عليها وقتلها في مهد الانتقال الديمقراطي”.
وتضيف مكي: “ما حدث ويحدث مع دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم في علاقتها بتونس يثبت كم أن نسيم الحرية التونسي يزعج المتمسّكين بعروش الديكتاتوريات المخمليّة، يستشهد أبناؤنا ونفني الجسد والروح لبناء تونس أجمل وأعدل ويرغب أصحاب المصالح في تقويض ما نبني ونشيّد بعرق العمّال وحبر المثقّف”.
وأشارت الصحفية التونسية إلى محاولة الإمارات إهانة تونس بمنعها التونسيات جميعا من السفر إليها أو عبرها، وقالت في هذا الشأن: “نعلم جميعا أن خلفية تلك الإهانة سياسية ولها جذورها في العلاقات المصلحية بين الدولة المُهينة وأتباعها في الدولة التي لا تُهان. لم نسمع إلى اليوم اعتذارا رسميا من نساء تونس وشعبها. لكن يكفي أن تلك الحادثة وحّدت الشارع التونسي وجمعته حول كلمة سواء”، مضيفة: “تونس لا تقبل التدخّل من أي جهة كانت، وشعب تونس لن يسمح بإهانة الخضراء.”
وختمت الصحفية مكي القول: “لقد كان الحراك الشعبي العفوي في الشارع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجا على الإهانة أفضل رسالة للإمارات وغيرها من الدول والأنظمة التي تسوّل لها نفسها بتطويع تونس وتدجينها. كل الشعوب العربية شقيقتنا نحبّها ونسعد لسعادتها ونحزن لحزنها. لكن التونسي إذا تلقّى صفعة على خدّه الأيمن لا يمدّ خدّه الأيسر، فليس بالمال وحده تعيش الخضراء بل بالكرامة أيضا”، حسب قولها.