ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل ثلاثة أشهر، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يملك ثلاثة مستشارين مقربين منه للغاية، رئيس أركان جيشه، ورئيس جهاز مخابراته، ورئيس مكتبه، غير أنه لم يبق من بينهم سوى شخص واحد في منصبه، في الوقت الراهن. فيوم الخميس، أقال السيسي رئيس جهاز المخابرات خالد فوزي، واستبدله برئيس مكتبه. وخلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عزل السيسي رئيس أركان الجيش.
خلال بيان موجز، لم يقدم مكتب السيسي سببا لإقالة السيد فوزي، الذي قاد جهاز المخابرات العامة منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2014، وكان له الفضل في ريادة الوكالة وانتعاشها بعد فشلها في توقع حدوث ثورات الربيع العربي سنة 2011. لكن، هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن هذا القرار قد اتخذ على وجه الاستعجال، ولا سيما بعد اختيار مساعد السيسي منذ فترة طويلة ورئيس مكتبه، عباس كامل، ليشغل هذا المنصب بصفة مؤقتة، إلى حين إيجاد خليفة آخر.
في الأثناء، يأتي هذا التغيير المفاجئ في فترة حساسة بالنسبة لزعيم مصر الذي من المتوقع أن يعلن قريبا عن إعادة ترشحه في الانتخابات التي ستعقد خلال شهر آذار/ مارس، وقبل أيام من زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس للقاهرة. وتجدر الإشارة إلى أن الزيارة التي من المقرر إجراؤها خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، ستتم يوم السبت. ومن غير المتوقع أن تشكل الانتخابات معضلة كبيرة للسيسي. في المقابل، اشتكى العديد من المرشحين المحتملين من التعرض للضغوط لإلغاء ترشحهم، شملت تهديهم بمتابعتهم عدليا وملاحقتهم قضائيا من أجل ارتكاب جرائم فساد.
جاءت هذه الإقالة على خلفية تحقيق جنائي حول مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، مؤخرا، استنادا الى تسجيلات صوتية مسربة للمخابرات المصرية يؤكد الجهود السرية الرامية إلى دفع الرأي العام المصري إلى الوقوف في صف الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل
وفقا لما ذكره ابن شقيق الرئيس السابق، أنور السادات، خلال بيان أدلى به يوم الاثنين، والذي قام بترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، أن المناخ السياسي لا يخدم إقامة ” منافسة نزيهة”. وتجدر الإشارة إلى أن السيسي يواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي تتبعها البلاد، وهو مجال كانت فيه لأجهزة المخابرات التابعة للسيد فوزي تأثير قوي، حتى إنها كانت تفتك في بعض الأحيان مهام وزارة الخارجية، وفقا لما يقوله بعض المحللون.
تجدر الإشارة إلى أن جهاز المخابرات أدى دور الوسيط في اتفاق المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كما لعب دورا في العلاقات مع الولايات المتحدة، وأثبت دوره الداعم لمصر في معركتها ضد إثيوبيا حول قضية السد الكبير الذي يجري بناؤه على النيل.
علاوة على ذلك، جاءت هذه الإقالة على خلفية تحقيق جنائي حول مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، مؤخرا، استنادا الى تسجيلات صوتية مسربة للمخابرات المصرية يؤكد الجهود السرية الرامية إلى دفع الرأي العام المصري إلى الوقوف في صف الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو موقف يتناقض مع موقف مصر العام.
يعتبر خالد فوزي، الذي تم إقالته يوم الخميس، سياسيا قديما في جهاز الأمن.
من جانب آخر، استنكر بعض المسؤولين المصريين ما جاء في ذلك المقال الذي أثار ضجة في البرلمان، حيث قال بعض المشرعين إن ذلك كان جزءا من مؤامرة دولية تهدف لإحراج مصر. وقد أجرى شخص واحد على الأقل من مجموعة الأشخاص الذين أدلوا بأقوالهم في التسجيلات المسربة، مقابلات مع المدعين العامين.
بالإضافة إلى ذلك، اندلعت ضجة أخرى حول السد الإثيوبي الذي تبلغ قيمته قرابة 4.8 مليار دولار، الذي من المقرر أن تكتمل أشغال تشييده خلال السنة المقبلة. وحيال هذا الشأن، يخشى الخبراء المصريون من تقلص حصتهم من مياه النهر بشكل كبير عندما يتم تعبئة السد، حيث يقول الخبراء إنه يمكن أن يستغرق من ثلاث إلى 12 سنة.
خلال اجتماع عقد في القاهرة يوم الخميس مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايله مريم ديساليغنه، ظهر السيسي متجهم الوجه، بعد أن فشل كليهما إيجاد حل للنزاع الدائر حول تأثير السد. وخلال مؤتمر صحفي مشترك، أعرب السيسي عن قلقه الشديد إزاء عدم إحراز تقدم في هذه المسألة. وفي الحقيقة، يعد الخلاف حول حصة مصر من مياه النيل والجدل حول موقفه من القدس الصداع الذي يمكن للسيسي الاستغناء عنه. وبغض النظر عن السبب الذي يقف وراء إقالة خالد فوزي، فإن ذلك يؤكد أن الزعيم المصري مستعد لإسقاط أقرب حلفائه إذا رأى أن ذلك في مصلحته القصوى.
في شأن ذي صلة، كانت إقالة السيسي لرئيس أركان الجيش، الجنرال محمود حجازي، في تشرين الأول/ أكتوبر مفاجأة، لا سيما أنه تربطهما صلة قرابة، إذ أن أحد أبناء السيد السيسي متزوج من ابنة حجازي. إلى جانب ذلك، كانت هذه الإقالة مفاجئة وغير متوقعة وغير مبررة، على غرار إقالة خالد فوزي، ما وضع حكومة السيسي في موقف محرج. ويتمثل السبب الذي دفع السيسي إلى إقالة الجنرال حجازي، في كمين نصبته قوات الأمن أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 16 شخصا.
يعتبر عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات المعين حديثا، شخصية أكثر اعتدالا، حيث كان ضابطا سابقا في الجيش، فضلا عن أنه شغل منصب مدير مكتب السيسي، عندما كان رئيسا للمخابرات العسكرية
بفضل جهود فوزي لاستعادة نفوذ جهاز المخابرات، أصبح جهاز المخابرات العامة قناة مهمة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر خلال السنوات الأخيرة. وقد تعاقدت وكالة المخابرات المصرية مع وكالة علاقات مهمة تتخذ من نيويورك مقرا لها، تدعى “ويبر شاندويك”، من أجل تمثيل بعض مصالحها.
في سياق متصل، أوضح نائب مدير السياسات في منظمة مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، أندرو ميلر، أن “بعض المسؤولين الأمريكيين وجدوا صعوبة في العمل مع خالد فوزي الذي دعم فرض الإجراءات الصارمة ضد وكالات المعونة الأجنبية في مصر، ورأى أن مشاكل مصر تعد نتاجا للتدخل الأجنبي”. وأضاف ميلر، الذي عمل حتى موفى السنة الماضية على ملف مصر في وزارة الخارجية، أن “فوزي كان يتسم بشخصية متقلبة وطابع سري أو تآمري، فضلا عن أنه كان يخفي الكثير من الشكوك المعادية للولايات المتحدة”.
حيال هذا الشأن، تابع المصدر ذاته، أن فوزي يعتقد أن انتفاضة سنة 2011 كانت نتيجة مؤامرة خارجية بدلا من ثورة داخلية”. على النقيض، يعتبر عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات المعين حديثا، شخصية أكثر اعتدالا، حيث كان ضابطا سابقا في الجيش، فضلا عن أنه شغل منصب مدير مكتب السيسي، عندما كان رئيسا للمخابرات العسكرية، بين سنة 2010 و2012.
في الواقع، بقي حجازي مع السيسي بعد الانقلاب العسكري الذي قام به على السلطة سنة 2013، لكنه شعر بالحرج بسبب سلسلة من التسريبات الصوتية، التي سجلت في مكتبه، والتي يمكن فيها سماع السيد السيسي وجنرالاته يسخرون من بلدان عربية أخرى ويناقشون خططا للتلاعب بالرأي العام.
وفقا لما جاء في إحدى تصريحات أندرو ميلر، من المرجح أن يضطلع ابن السيسي محمود، الذي يعمل في جهاز المخابرات العامة، بدور مؤثر في ذلك. وفي مناسبة واحدة على الأقل، رافق ابنه محمود خالد فوزي في زيارة إلى واشنطن للالتقاء بمسؤولي إدارة أوباما.
المصدر: نيويورك تايمز