ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: جوليا أنسلي بالتعاون مع الكاتبين أندرو ليرين وآنا شيكتر
أودعت شركة البيانات، التي أثار عملها لفائدة حملة ترامب اهتمام فريق التحقيق الذي يقوده روبرت مولر، وثائق جديدة تظهر أنها شاركت في نشر دعايات سلبية حول قطر، وهي الدولة الخليجية التي يستهدفها السعوديون والإماراتيون، ضمن معركة “بروباغندا” محتدمة.
بالإضافة إلى ذلك، أودعت الشركة الأم، لشركة “كامبريدج أناليتيكا”، وثائق لدى وحدة تسجيل وكلاء الأجانب بوزارة العدل الأمريكية، تثبت تلقيها مبلغ 333 ألف دولار كدفعات من دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال سنة 2017، مقابل قيامها بحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف لربط القطريين بالإرهاب. وتجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس ترامب، في شهر حزيران/يونيو، كانت قد أيدت الموقف العدائي الذي اتخذته السعودية والإمارات ضد قطر، وقرارهما القاضي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة.
تأتي عملية الإيداع التي قامت بها شركة “أس سي أل سوشيال ليمتد”، كواحدة من مئات عمليات الإيداع التي قامت بها لوبيات وشركات علاقات عامة ناشطة على الأراضي الأمريكية، منذ قيام المحقق الخاص روبرت مولر بتوجيه الاتهام لاثنين من مساعدي ترامب، على خلفية إخفائهما لنشاطهما ضمن لوبيات لفائدة دولة أجنبية.
يعزي خبراء القانون هذه التطورات الأخيرة إلى ظهور وعي جديد، بأن الامتناع عن الكشف عن هذه التفاصيل والأنشطة السياسية المرتبطة بأطراف خارجية يمكن أن يؤدي لاحقا إلى توجيه تهم فيدرالية
في الحقيقة، ارتفع عدد عمليات إيداع الوثائق، على غرار ما قامت به شركة “أس سي أل سوشال ليمتد”، بنسبة 50 بالمائة خلال سنتي 2015 و2017، ليبلغ 102 عملية، وذلك بحسب تحليل قامت به شبكة “أن بي سي نيوز”. في المقابل، ارتفع عدد عمليات الإيداع التكميلي، الذي يتضمن الكشف عن تفاصيل إضافية حول تبرعات الحملات، الاجتماعات والاتصالات الهاتفية، إلى أكثر من الضعف.
عموما، ارتفع هذا العدد من 618 إلى أن بلغ 1244 عملية إيداع تكميلي خلال السنة الفارطة، حيث سارعت العديد من شركات الضغط للقيام بهذه الخطوة لتجنب نفس المصير الذي انتهى إليه بعض مساعدي ترامب وشركاؤهم التجاريين.
صورة لمكتب “كامبريدج أناليتيكا” في لندن، في 55 شارع نيو أوكسفورد
مثّل سيل عمليات إيداع الوثائق التي قامت بها هذه الأطراف مؤخرا، فرصة لإلقاء نظرة على قطاع اللوبيات التي تعمل لصالح أطراف أجنبية، والذي ظل لفترة طويلة يلفه الغموض، وتعتمد عليه العديد من الحكومات الأجنبية التي تدفع المال من أجل التأثير على الرأي العام والأوساط الرسمية في الولايات المتحدة، والعمل لدفع هؤلاء لتبني مواقف لفائدتها.
في الواقع، يعزي خبراء القانون هذه التطورات الأخيرة إلى ظهور وعي جديد، بأن الامتناع عن الكشف عن هذه التفاصيل والأنشطة السياسية المرتبطة بأطراف خارجية يمكن أن يؤدي لاحقا إلى توجيه تهم فيدرالية. وكان المستشار مولر قد وجه اتهاما لبول مانافورت، مدير الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، وشريكه التجاري ريك غيتس، في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إلا أنهما يتمسكان ببراءتهما من هذه التهم. أما مايكل فلين، المستشار السابق للأمن القومي لدى دونالد ترامب، فقد أقر في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بأنه تعمد الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي.
والجدير بالذكر أن بيان الاتهام الموجه إليه تضمن المعلومات التي توصل لها فريق تحقيق مولر، حول قيام فلين بتقديم تصريحات مغلوطة ضمن الوثائق التي أودعها لدى وحدة تسجيل وكلاء الأجانب بوزارة العدل، حول قيام بأنشطة ضغط لفائدة تركيا. وقبل إماطة اللثام عن تورط مانافورت وفلين في هذه القضية، لم يحدث أن تم توجيه اتهام بمخالفة لوائح وحدة تسجيل وكلاء الأجانب، سوى في ثلاث مناسبات، منذ تنقيح قانون تسجيل وكلاء الأجانب في 1966، ولم تفض أي من هذه الاتهامات إلى صدور قرار بالإدانة.
أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يقف أمام مجموعة من المصورين في قمة دول مجلس التعاون الخليجي، في الخامس من كانون الأول/ديسمبر سنة 2017، في العاصمة الكويتية
في الحقيقة، يقول المنتمون لهذه اللوبيات أن العديد من الشركات الأمريكية كانت تقوم بأعمال لفائدة حكومات أجنبية على امتداد العقد الماضي، وتتمثل هذه الخدمات غالبا في تنظيم حملات دعائية للترويج لحل معين لأزمة إنسانية، أو تنظيم مناسبات لربط الصلة بين زعماء أجانب ومسؤولين أمريكيين.
كنتيجة لذلك، أدى تحقيق مولر حول احتمال وجود تعاون بين حملة ترامب والسلطات الروسية، من أجل التأثير على الانتخابات الرئاسية خلال سنة2016، إلى إماطة اللثام حول هذا القطاع المربح، الذي ظل يزدهر في صمت داخل أروقة واشنطن لعدة سنوات.
تضمن العقد المبرم بين شركة “أس سي أل سوشيال ليمتد”، والمجلس الوطني للإعلام الإماراتي، والبالغة قيمته 333 ألف دولار، إطلاق العديد من الدعايات على مواقع فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، معتمدين على وسم “قاطعوا قطر” وذلك بهدف خلق ارتباط بين قطر والإرهاب
في هذا الصدد، أدلى أحد المنتمين لهذه اللوبيات، والذي أودع مؤخرا وثائقه لدى وحدة تسجيل وكلاء الأجانب لدى وزارة العدل، بتصريح شرط أن لا يتم الكشف عن هويته، حيث قال: “تنشط هذه المؤسسات على غرار وزارات خارجية صغيرة، تقوم بأعمال دبلوماسية لفائدة حكومات أجنبية داخل الأراضي الأمريكية. ويتمثل السبب وراء تردد أغلب هذه الشركات في إيداع وثائقها لدى مكتب تسجيل وكلاء الأجانب، بحسب هذه اللوبيات في أن الوكيل الأجنبي هو الذي يطلب غالبا الحفاظ على سرية المبالغ المدفوعة من قبله لصالح هذه الشركات الأمريكية”.
أشارت تقارير صحفية إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي، بالتعاون مع المستشار روبرت مولر، قام بفحص قواعد بيانات وحدة تسجيل وكلاء الأجانب، كجزء من إحدى التحقيقات المهمة للغاية. وقد بدأت هذه الأخبار تنتشر منذ مطلع العام الجديد، وهو ما دفع بالعديد من هذه اللوبيات لأخذ العبرة والحرص على إيداع وثائقها عوضا عن إخفاءها كما كان يحدث سابقا.
روبرت مولر يدلي بشهادته في جلسة استماع أمام لجنة القضاء في مجلس النواب الأمريكي في سنة 2013
لقد تضمن العقد المبرم بين شركة “أس سي أل سوشيال ليمتد”، والمجلس الوطني للإعلام الإماراتي، والبالغة قيمته 333 ألف دولار، إطلاق العديد من الدعايات على مواقع فيسبوك، وتويتر، ويوتيوب، وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى، معتمدين على وسم “قاطعوا قطر” وذلك بهدف خلق ارتباط بين قطر والإرهاب.
في الواقع، لقد قامت شركة “أس سي أل سوشيال ليميتد” بنشر هذه الدعايات السلبية، إبان انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. وقد كان النشاط اللوبي الذي قامت به الشركة لفائدة دولة الإمارات، وعملية إيداعها لوثائقها لدى “وحدة تسجيل وكلاء الأجانب”، متماشيان مع القانون الأمريكي.
باستثناء دعايات تحث الرئيس دونالد ترامب على توجيه اهتمامه لهذه المسألة، فإن الوثائق المودعة لا تشير إلى الرئيس الأمريكي أو تربط بين حملته الانتخابية وشركة “كامبريدج أناليتيكا” التي تمثل فرعا من شركة “أس سي أل”، إلا أن الروابط بين حملة ترامب، وشركة “كامبريدج أناليتيكا”، تم التطرق إليها على نطاق واسع، ضمن روايات متعلقة بالتواطؤ المحتمل بين حملة ترامب والسلطات الروسية، أثناء السباق الانتخابي في سنة 2016.
دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، وعلى يساره مدير حملته بول مانافورت، وابنته إيفانكا ترامب، ينظر إلى المنصة تحضيرا لقبول ترشيحه من قبل الحزب ليكون الرئيس، خلال المؤتمر الوطني الجمهوري لسنة 2016، يوم 21 تموز/ يوليو، في كليفلاند من ولاية أوهايو
حسب العديد من التقارير الصحفية، فإن ألكساندر نيكس، رئيس المدير العام لشركة “كامبريدج أناليتيكا” التي قامت بإيداع الوثائق، حاول الاتصال بجوليان أسانج في حزيران /يونيو سنة 2016، للاطلاع على الرسائل التي تم تسريبها من البريد الإلكتروني الشخصي لهيلاري كلينتون، حتى يتمكن من استخدامها ضمن مساعي ترامب للفوز بالانتخابات.
من بين العلاقات الأخرى التي تم الكشف عنها سنة 2017، ضمن عمليات إيداع الوثائق التكميلية، خدمات قدمتها مؤسسة يقع مقرها في واشنطن، تحمل اسم “وست وينغ رايترز”، للمساعدة في صياغة خطابات الملكة الأردنية رانيا العبد الله. وقد قام الديوان الملكي الهاشمي الأردني، الذي يمثل الملك، بدفع أكثر من 50 ألف دولار لهذه الشركة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2016 وأيار/ مايو 2017، نظير تحضير خطابات عامة ومراسلات مكتوبة لفائدة الملكة. وقد ذكرت الشركة في وثائقها المودعة أن هذه الخطابات كانت غالبا تركز على القضايا الإنسانية، وأنها لم تكن تتدخل في الصياغة النهائية وكيفية إلقاء هذه الخطابات.
في هذا إطار، قامت مجموعة أخرى، مقرها في واشنطن، تدعى “لوغان للعلاقات الدولية”، بإيداع وثائق جديدة “على سبيل الحذر”، حول أعمال قامت بها لفائدة مبعوثي السلام للعراق. وفي هذه الوثائق، قالت “لوغان للعلاقات الدولية” أنها لا تعتقد أن أي من المهام التي أنجزتها كان يتوجب التصريح بها لوحدة تسجيل وكلاء الأجانب، باعتبار أن نشاطها يستهدف السوق الأوروبية.
إلى جانب ذلك، تم إيداع وثائق أخرى من قبل شركة غير معروفة، تدعى “ميديا فيكس أسوشيتس”، يديرها شخص يدعى جون شوادا، قدم في كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2017 بيانات متعلقة بحملة ترويج قام بها في آذار/ مارس سنة 2016 لظهور إعلامي لجنرال أمريكي متقاعد، يدعى ويسلي كلارك، على شبكات “سي أن بي سي” و”فوكس الاقتصادية”. وبحسب ما أدلى به شوادا، فإن الجنرال كلارك أثار جملة من المخاوف بشأن فتح الله غولن، الداعية المسلم المعروف بعلاقته العدائية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتأثيره القوي في الولايات المتحدة.
كما صرح شوادا لشبكة “سي أن بي سي”، حول هذه الوثائق المودعة مؤخرا، قائلا “لقد كنت حينها مستجدا في عالم شركات الضغط الدولية، كما أن القوانين المتعلقة بإيداع الوثائق معقدة، وهو ما يجعل هذا الأمر صعبا بالنسبة لشخص جديد في هذا المجال”.
هيذر وتوني بوديستا يحضران حفل شواء في واشنطن، في الثاني من آب/ أغسطس من سنة 2011.
في إطار إحدى القضايا التي أثارت جدلا كبيرا، عمد الناشط اللوبي المخضرم توني بوديستا إلى مغادرة الشركة التي أسسها، وهي “بوديستا غروب”، بعد أن تبين أن مولر يحقق مع هذه الشركة بشبهة عدم قيامها بالكشف عن أعمال قامت بها لفائدة حزب سياسي أوكراني مقرب من روسيا.
في وقت سابق، ذكر بوديستا أنه لم يكن يعلم أنه كان يعمل لفائدة حزب سياسي، لأن شركته كانت تقدم هذه الخدمات بشكل غير مباشر عبر مؤسسة مانافورت. وقد ذكرت شبكة “أن بي سي” الإخبارية سابقا أن مؤسسة بوديستا موجودة ضمن قائمة الشركات التي لم يكشف عن اسمها في لائحة الاتهامات التي وجهها المستشار مولر لكل من مانافورت وغيتس.
حيال هذا الشأن، قد ذكر دانييل بيكارد، المحامي المتخصص في قضايا وحدة تسجيل وكلاء الأجانب في وزارة العدل الأمريكية، أنه لاحظ ارتفاعا كبيرا في عدد الشركات المصرحة لدى هذه الوحدة، والدافع الأساسي لهذا التغيير حسب رأيه هو تنامي الوعي بالتبعات الخطيرة في حال الامتناع عن الكشف عن نشاط اللوبيات لفائدة الدول الأجنبية.
في سياق متصل، قال بيكارد “هناك العديد من العاملين في هذا المجال الذين لا يدركون متطلبات القانون المتعلق به. ومن المؤكد أنه كان هناك سوء فهم من طرف البعض، الذين كانوا يعتقدون أنهم مطالبون بتسجيل نشاطاتهم وفقا لما ينص عليه “قانون الكشف عن عمل اللوبيات”، عوضا عن التسجيل لدى وحدة تسجيل وكلاء الأجانب، فيما يتعلق باستثناء ينص عليه القانون، ولكنه لا ينطبق على تمثيل الحكومات الأجنبية والأحزاب السياسية. والآن في ظل النشاط الكبير الذي تقوم به وزارة العدل، وخاصة قيامها بفحص استمارات قانون الكشف عن نشاط اللوبيات، فإننا نرى الآن المزيد من الشركات التي تودع وثائقها لدى وحدة تسجيل وكلاء الأجانب”.
المصدر: أن بي سي نيوز