ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الثلاثاء، اعترفت ثلاث دول أوروبية إضافية رسميًا بدولة فلسطينية لا وجود لها. كانت أيرلندا وإسبانيا والنرويج الأحدث انضمامًا إلى أكثر من 140 عضوًا آخرين في الأمم المتحدة في الاعتراف بهذا الكيان الوهمي. وقد رحّبت السلطة الفلسطينية، التي أنشئت سنة 1993 لمساعدة إسرائيل على قمع المقاومة الفلسطينية للاستعمار والاحتلال الإسرائيلي، بتوسّع هذا النادي غير المحتمل. وهدّدت دول أوروبية أخرى مثل بلجيكا ومالطا وسلوفينيا بالنسج على نفس المنوال.
من جهتِهم، ردّ الإسرائيليون الذين حرموا الفلسطينيين حقهم في إقامة دولة منذ سنة 1948 بغضب على هذه الخطوة الرمزية إلى حد كبير.
وكما سأوضح، فإن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية الوهمية كان من بين الطرق الرئيسية التي يصرّ بها أعضاء الأمم المتحدة، منتهكين لقواعدها، على الاعتراف بحق إسرائيل في البقاء دولة عنصرية يهودية متفوّقة.
إنكار الاستقلال الفلسطيني
بعد وقت قصير من احتلال البريطانيين لفلسطين في أواخر سنة 1917، طالب الفلسطينيّون باستقلالهم وحُرموا منه. ولكن لم يُقدّم اقتراح صريح ينكر حق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم إلا في سنة 1937. وقد أوصت لجنة بيل البريطانية بتقسيم فلسطين بين المستعمرين اليهود وإمارة شرق الأردن الناشئة آنذاك.
أوصت اللجنة التي ترأسها اللورد روبرت بيل أيضًا بطرد ربع مليون فلسطيني من المنطقة المخصصة للدولة الاستعمارية الاستيطانية اليهودية ومصادرة ممتلكاتهم بشكل كامل، أما ما تبقى من فلسطين والفلسطينيين فسيتم ضمهم إلى شرق الأردن. وقد تم التغاضي عن تقرير بيل بسبب الغضب الذي ساد بين الفلسطينيين والدول العربية.
بعد ذلك جاء دور الأمم المتحدة في حرمان الفلسطينيين من الاستقلال في كامل فلسطين من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط سنة 1947. فقد رفضت الهيئة الدولية تقرير الأقلية الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، وأصدرت قرارًا بتقسيم البلاد بين المستعمرين اليهود والفلسطينيين الأصليين. كان عدد سكان فلسطين في سنة 1947 أقل بقليل من مليوني نسمة، وتقريبًا 1.972.000 نسمة. شكّل الفلسطينيون منهم ما يقارب 70 بالمئة بنحو 1.364.000 نسمة، مقابل 608.000 نسمة من المستعمرين اليهود.
أقرت الأمم المتحدة القرار عدد 181، المعروف باسم خطة التقسيم، الذي اقترح إقامة دولتين تتكون كلاهما من أغلبية فلسطينية أصلية، وكذلك القدس التي كان من المفترض أن تخضع لولاية الأمم المتحدة. وحسب الخطة، كان سكان الدولة الفلسطينية يشملون 818 ألف عربي فلسطيني وأقل من 10 آلاف مستعمر يهودي، أي ما يعادل 1 بالمائة من إجمالي السكان، بينما تتألف الدولة اليهودية المقترحة من 499 ألف مستعمر يهودي و509 آلاف فلسطيني حيث يشكل الفلسطينيون 54 بالمئة من السكان.
دفعت هذه الأرقام الأمم المتحدة إلى إعادة رسم الخريطة وإزالة مدينة يافا المكتظة بالسكان التي تضم 71 ألف فلسطيني من حدود الدولة الاستيطانية الاستعمارية اليهودية المقترحة وضمّها كجيب داخل الدولة الفلسطينية. وقد أدت عمليّة إعادة الترسيم هذه إلى خفض عدد الفلسطينيين في المستعمرة الاستيطانية اليهودية إلى 438.000 أي 46.7 بالمئة من السكان. وكانت القدس المنفصلة التابعة للأمم المتحدة، التي تقع خارج الدولتين، تضم 105.000 فلسطيني و100.000 يهودي.
خطوة غير قانونية
نصّت خطة التقسيم بوضوح على أنه “لا يجوز التمييز من أي نوع بين السكان على أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس” في أي من الدولتين وأنه “لا يجوز مصادرة الأراضي المملوكة للعربي في الدولة اليهودية (أو لليهودي في الدولة العربية)… إلا للأغراض العامة. وفي جميع حالات المصادرة، يجب دفع تعويض كامل كما تحدده المحكمة العليا قبل نزع الملكية”.
بحلول الوقت الذي صدر فيه “إعلان قيام دولة إسرائيل” في 14 أيار/ مايو 1948، كانت القوات الصهيونية قد طردت بالفعل حوالي 400 ألف فلسطيني من أراضيهم، مع طرد 360 ألف آخرين في الأشهر التالية. أدرك الصهاينة أن أفضل طريقة لضمان التفوّق اليهودي في دولتهم لا تتمثل في طرد الفلسطينيين ومصادرة ممتلكاتهم فحسب، وإنما أيضًا احتلال أراضي الدولة الفلسطينية المقترحة والقدس، وطرد سكانها، ومصادرة أراضيهم.
أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن هذا كان انتهاكًا صارخًا لخطة التقسيم عندما تقدمت إسرائيل بطلب لتصبح عضوًا في سنة 1949. أصرت الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه حتى تتم الموافقة على طلب إسرائيل فإنه يجب عليها الالتزام بقراراتها، بما في ذلك خطة التقسيم وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 194 الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 1948، الذي طالب إسرائيل بالسماح بعودة الفلسطينيين الذين طردتهم وإعادة ممتلكاتهم والانسحاب من الجزء الغربي من القدس الذي يقع تحت الإدارة الدولية، وإعلان حدود دولتها الجديدة.
قدّمت إسرائيل ضمانات بأنها ستلتزم بهذه الشروط بعد المفاوضات مع جيرانها، التي زعمت أنها لا يمكن أن تبدأ إلا بعد أن تصبح عضوًا في الأمم المتحدة. في النهاية، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإسرائيل عضوًا في 11 أيار/ مايو 1949 بأغلبية 37 صوتًا مقابل 12 صوتًا، وتم اعتماد ذلك في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 273. وعلى الرغم من أن القرار ينص على وجوب التزام إسرائيل بالقرارين عدد 181 و194 إلا أنها لم تفعل ذلك حتى الآن. وفي ذلك الوقت، امتنعت تسع دول من بينها المملكة المتحدة عن التصويت.
بعد فترة وجيزة من اعتراف الأمم المتحدة بإسرائيل، ضمّ رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون القدس الغربية من جانب واحد في 5 كانون الأول/ديسمبر 1949 وأعلن أن إسرائيل لم تعد ملزمة بالقرار عدد 181 سواء فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية التي احتلتها أو بسيطرة الأمم المتحدة على القدس الغربية.
بعد أربعة أيام، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار عدد 303، معلنة أن القدس ستوضع تحت نظام دولي دائم. لكن ذلك لم يتحقق أبدًا، وبدأت إسرائيل أيضًا تشريع قوانين عنصرية تعزز الهيمنة اليهودية، بدءًا بـ”قانون العودة” في تموز/ي وليو 1950 الذي ينطبق على اليهود في أي مكان في العالم ولكنه لا ينطبق على الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل. وقد تضاعفت هذه القوانين لتصل إلى أكثر من 65 قانونًا اليوم.
كل هذا يعني أن إنشاء إسرائيل في حد ذاته يبقى خطوة غير قانونية تنتهك قرارات الأمم المتحدة التي اقترحت قيامها. لكن إحدى التناقضات العديدة المنتشرة في الخطاب الغربي السائد بشأن إسرائيل والفلسطينيين هي أن إنكار إسرائيل والغرب لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم يعد موقفًا سياسيًا مشروعًا، في حين يُدان إنكار “حق إسرائيل في الوجود” كدولة عنصرية تعزّز تفوّق اليهود باعتباره “إبادةً” أو “معاداة للسامية“.
في سنة 1988، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية ضمنًا بحق إسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة يهودية عندما أعلن برلمانها في المنفى “استقلال” دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. وفعلت ذلك صراحةً عندما وقّعت على اتفاقيات أوسلو بعد خمس سنوات. ومنذ إعلان منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1988، بدأت الدولة الفلسطينية الوهمية تحظى باعتراف أعضاء الأمم المتحدة كما حدث الأسبوع الماضي.
لكن هذه الدولة لم تصبح حقيقة على أرض الواقع، بينما أصبح هناك إجماع دولي يعترف بإسرائيل كدولة فصل عنصري منذ سنة 1948 – كما تشهد على هذا الأمر منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، من بين آخرين. وبالنظر إلى الاتهامات المستمرة من قبل المعسكر المؤيد لإسرائيل، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في مسألة الاعتراف بالدولة لليهود الإسرائيليين والفلسطينيين هو: ما هو الموقف الذي يدعم العنصرية بالفعل وما هو الموقف الذي يدعم مناهضة العنصرية؟
سحب الاعتراف
منذ سنة 1948، ترفض إسرائيل الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولة، وفعلت كل ما في وسعها لمنع قيامها. وفي الواقع، يستمر القادة الإسرائيليون في التمسك بهذا الموقف. لا يكل بنيامين نتنياهو من تكرار رفضه لإقامة دولة فلسطينية، وكذلك وزير دفاعه يوآف غالانت الذي أكد أن مثل هذه الدولة لن يُسمح لها بالوجود الآن أو في ظل أي حكومة إسرائيلية مستقبلية.
لم أر حتى الآن أي مسؤول غربي أو الإعلام الغربي يصف هذا الإنكار لحق الشعب الفلسطيني في الوجود في دولته الخاصة بأنه إبادة جماعية أو عنصرية. أما إسرائيل فقد تأسست على أراضي الشعب الفلسطيني سنة 1948 سواء تلك التي مُنحت لها من قبل الجمعية العامة في قرار التقسيم الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 أو على نصف الأرض الممنوحة للدولة الفلسطينية التي احتلتها بين أيار/مايو وكانون الأول/ديسمبر 1948.
لكن هؤلاء الفلسطينيين الذين يرفضون “حق إسرائيل في الوجود” كدولة قائمة على التفوق اليهودي ومحكومة بمجموعة من القوانين العنصرية ويطالبون بإقامة دولة ديمقراطية محررة من الاستعمار، من النهر إلى البحر، يُتّهمون على الفور بأنهم يدعون لـ”إبادة جماعية” ضد الشعب اليهودي. وفي الأثناء، الشعب الوحيد الذي تعرّض للإبادة الجماعية في فلسطين هم الفلسطينيون.
تجدر الإشارة إلى أن اسم غالانت الأول “يوآف” قد أطلقه عليه والداه – المستوطنان من أصول بولندية – بعد “عملية يوآف” التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنوب فلسطين، والتي حارب فيها والده خلال الغزو الصهيوني سنة 1948. خلال هذه العملية، احتل الإسرائيليون أراضي الدولة الفلسطينية المحتملة، وارتكبوا مجزرة الدوايمة المروعة التي راح ضحيتها أكثر من 200 مدني فلسطيني، بينهم نساء وأطفال. وإصرار غالانت اليوم على إنكار حق الفلسطينيين في إقامة دولة يتماشى مع دعمه للاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم سنة 1948 خلال العمليات العسكرية التي يخلدها اسمه.
لطالما أصرّت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون دائمًا على أن حق إسرائيل في التحول إلى دولة ذات سيادة يهودية ليس محل تفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين لا ينبغي لهم إلا أن يتفاوضوا حول إمكانية إقامة دولة فلسطينية على بعض الأراضي المقتطعة. لذلك، إن العنصريين بشكل واضح هم أولئك الذين يعترفون بحق إسرائيل في الوجود كدولة قائمة على تفوّق اليهود، بينما يصرّون على أن هذه الدولة غير القانونية يجب أن تستمر في الاستفادة من التطهير العرقي الذي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني منذ سنة 1948 حتى الآن وأن يُسمح لها بالاحتفاظ بمجموعة القوانين والمؤسسات العنصرية.
أما مناهضو العنصرية هم في الواقع أولئك الذين يؤيدون تفكيك الهياكل والقوانين العنصرية الإسرائيلية ويدافعون عن دولة واحدة غير مستعمرة، من النهر إلى البحر، يتساوى كل من يعيش فيها أمام القانون ولا يستفيدون من أي امتيازات عنصرية أو إثنية أو دينية.
عندما تعترف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بدولة فلسطينية وهمية، فإن كل ما تفعله هو دعم عدم شرعية إسرائيل باعتبارها دولة عنصرية على المستوى المؤسسي. في المقابل، ما يجب عليهم فعله ليس الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل سحب اعترافهم بإسرائيل. هذا وحده هو الذي سيؤدي إلى نتيجة غير استعمارية وديمقراطية ومناهضة للعنصرية.
المصدر: ميدل إيست آي