بينما تتجه الأنظار إلى عملية عسكرية تركية مرتقبة في عفرين خلال الساعات القادمة، حيث تعتبر عفرين أحد التجمعات الكردية الثلاث الكبرى في شمال سوريا، والأخرى هي عين العرب كوباني والحسكة التي يرتبط سكانها مع أكراد تركيا على الجانب الآخر من الحدود بعلاقات تاريخية، يدور الحديث عن التصريحات الصادرة من أنقرة بالتحديد ومن واشنطن وموسكو وهما القوتان الخارجيتان الكبرتان اللتان لهما وجود عسكري على حدود تركيا في شمال سوريا، وعلاقة مع الوحدات الكردية في شمال سوريا وخاصة الولايات المتحدة التي أعلنت إنشاء جيش في شمال سوريا قوامه 30 ألف مقاتل سيكون نصفه من وحدات حماية الشعب وهو الأمر الذي أبدت كل من تركيا وروسيا رفضًا له.
وإزاء التصريحات على الصعيد الدولي والخارجي، كان هناك تصريحات تخص عفرين لكنها تتعلق بالشأن الداخلي في تركيا، ومن هذه التصريحات ما قاله المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن: “الخطوات التي ستتخذها تركيا في عفرين ومنبج وجرابلس، أو في نقاط أخرى، لحماية أمنها القومي، ليست عملية موجّهة ضد أكراد سوريا على الإطلاق”.
التأكيد على أن العملية موجهة إلى حزب العمال الكردستاني وفرعه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات الحماية وليس ضد أكراد سوريا، أمر مهم لتركيا التي يعتبر المكون الكردي فيها مكونًا مهمًا في المجتمع خاصة في ظل التوجه للانتخابات سواء كانت مبكرة أو في 2019.
ويشكل الأكراد في تركيا وفقًا لإحصاءات غير مؤكدة أكثر من 20% من سكان تركيا، وبهذه النسبة يعتبرون أكبر من بقية الأقليات الكردية في الدول المجاورة (العراق وسوريا وإيران)، ولعل سياسة حزب العدالة والتنمية التي اعتمدت لبعض الوقت على عملية سلام لم تنجح بسبب عدم تجاوب حزب العمال مع هذا الخيار وتبنيه سياسات انفصالية أكدت أن لا مشكلة لديها مع الأكراد ومشكلتها مع حزب العمال الكردستاني، بل ورسخت حكومات حزب العدالة والتنمية هذه السياسة من خلال العديد من الحقوق التي قدمتها للأكراد ومشاريع التنمية الاقتصادية في مناطقهم.
لا يقلل حزب العدالة والتنمية من أهمية تأثير تحالفه مع الحركة القومية على أصوات الأكراد المؤيدين له ولكن أيضًا لا يضخم من أثر ذلك ويمارس خطابًا على درجة عالية من الحساسية
وفي الحقيقة تأثر حزب العدالة والتنمية مع انهيار عملية السلام أو عملية الحل مع حزب العمال الكردستاني التي بدأت محادثاتها في 2010 وتطورت في 2012، لكن بدايات فشلها بدأت تظهر في 2013 وتفاقمت في 2014 بعد إعلان الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا الذي شعرت الدولة التركية أنه خطر محدق بها، ولكن التأثير لم يكن كبيرًا حتى هجوم داعش على كوباني في 2014، حيث تفاعل معها حزب الشعوب ذو الأغلبية الكردية الذي نجح بعد سنة من حادثة كوباني بالدخول إلى البرلمان التركي، لكنه منذ ذلك الحين يعيش في حالة تراجع كبيرة، ولكن في عملية الاستفتاء الأخيرة كانت نسب التأييد للتعديلات الدستورية في المناطق الكردية مهمة جدًا وقيل إنها كان لها دور حاسم في ظل الانقسام الذي عاشه حزب الحركة القومية.
وعلى ذكر الحركة القومية فإن التحالف الأخير بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية الذي كان أول اجتماع مشترك له يوم 18 من يناير 2018 اعتبره البعض مؤثرًا على شعبية حزب العدالة والتنمية في الأوساط الكردية وهذا ما يروج له حزب الشعوب الديمقراطية الذي لا يوجد خيار له ولحزب الشعب الجمهوري إلا أن يتفقا على دعم مرشح ضد الرئيس أردوغان في سباق الانتخابات الرئاسية وإلا فإن الطريق سيكون ممهدًا أمام أردوغان دون صعوبات في ظل تحالفه مع الحركة القومية.
لا يقلل حزب العدالة والتنمية من أهمية تأثير تحالفه مع الحركة القومية على أصوات الأكراد المؤيدين له، ولكن أيضًا لا يضخم من أثر ذلك ويمارس خطابًا على درجة عالية من الحساسية، وقد ظهر هذا في تصريحات كالن وغيره من المسؤولين، كما من المتوقع في ظل إدراك الحزب لهذه الأهمية أن يقدم على خطوات من شأنها الحفاظ على الدعم في المناطق الشرقية والتجمعات الكردية.
لا بد أن يبذل حزب العدالة والتنمية اهتمامًا كبيرًا بممارسة سياسة وسلوك وخطاب حساس تجاه مشاعر الأكراد للحفاظ على دعمهم له وللحفاظ على نسيج المجتمع التركي
وعودة إلى موضوع عفرين واحتمالات تأثيره السلبي على الداخل التركي موجودة في الحسبان، ولهذا فإن حكومة حزب العدالة والتنمية التي تأثرت علاقتها سلبًا مع إقليم شمال العراق بعد استفتاء الاستقلال في سبتمبر الماضي تحاول تحسين العلاقات مع الإقليم وعودتها إلى ما قبل الاستفتاء، وذلك لإحداث حالة من التوازن في ظل الصراع الذي تخوضه في شمال سوريا.
في انتخابات حزيران 2015 حصل حزب الشعوب الديمقراطية على أصوات كبيرة من الأكراد ودخل البرلمان نسبة 13%، ولكنه عاد ليتراجع إلى 10% في انتخابات الإعادة في نوفمبر 2015، وذكرت عدة استطلاعات أنه وصل في 2017 إلى 5% أو 6% وربما أقل من ذلك.
وفي ظل تحول تركيا إلى النظام الرئاسي، فإن الانتخابات الرئاسية ستكون الأولوية، ولهذا فإن حظوظ الرئيس أردوغان هي الأقوى في نظر الناخب الكردي حتى رغم تحالف أردوغان مع الحركة القومية، لأن أردوغان هو الزعيم الأكثر قوة الذي فتح في عهده مشروع عملية السلام وهو الزعيم الذي في عهده نال الأكراد في تركيا الكثير من حقوقهم التي لم يحصلوا عليها من قبل.
ولكن مع كل هذا لا بد أن يبذل حزب العدالة والتنمية اهتمامًا كبيرًا بممارسة سياسة وسلوك وخطاب حساس تجاه مشاعر الأكراد للحفاظ على دعمهم له وللحفاظ على نسيج المجتمع التركي، ولعل أقل هذه الأمور أن تصل الناخب الكردي رسالة مفادها أن حزب العدالة لن يتحول ليصبح حزب الحركة القومية والتحالف هو تحالف انتخابي تكتيكي، كما من المرجح أن يعمل حزب العدالة والتنمية على إرضاء الناخب في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية.