يدرك الكثيرون تمامًا وجود صراعين رئيسيين يتصدران المشهد في الوقت الحالي: الحرب الإسرائيلية على غزة والحرب الروسية على أوكرانيا، لكن وسائل الإعلام لا تعطي تغطية كبيرة للصراعات في أجزاء أخرى كثيرة من العالم، لذا يستمر سفك الدماء مع القليل من الاهتمام.
تشير التقارير إلى أن العام الماضي شهد أكبر عدد من الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية، ويستمر العديد منها في تصدر عناوين الأخبار هذا العام، وربما تواصل تصدرها خلال الأعوام القادمة أو تحل محلها صراعات أخرى ما زالت خامدة في وقتنا هذا.
في هذا التقرير، سنتطرق إلى أكبر عدد ممكن من الصراعات الجارية، والتي من المحتمل أن تحدث في المستقبل القريب، ونتشارك حروبًا أقل شهرة تغافلتها وسائل الإعلام، والعوامل التي تفسر سبب رؤيتنا للكثير منها، ونلقي نظرة على العديد من الاستراتيجيات غير المعروفة في العالم، ونفسر أسباب ما يشهده العالم في الوقت الحاليّ من صراعات أكثر من أي وقت مضى.
ما حجم الصراع الذي يشهده العالم؟
أصبح العالم أكثر عنفًا في السنوات القليلة الماضية، فقد زادت معدلات العنف والصراع بما يزيد على 40% من عام 2020 حتى عام 2023، وزادت الاضطرابات بنسبة 12% في عام 2023 عن معدلات عام 2022، لكن عام 2020 كان أقل عنفًا نسبيًا مقارنة بالعام 2019، ومقارنة بتلك السنوات، لا تزال الزيادة في عام 2023 كبيرة بمتوسط 20%.
ووفقًا لتصنيف مؤشر الصراعات لعام 2023، فإن 50 دولة في العالم إما في حالة حرب في الوقت الحاليّ وإما منهكة بسبب العنف المستمر، وحتى مطلع عام 2024، تشير التقديرات إلى أن شخصًا واحدًا من كل 6 أشخاص يعيش في منطقة تشهد صراعًا بطريقة أو بأخرى.
زادت حوادث العنف السياسي بنسبة 27% على مستوى العالم في العام الماضي، مع تعرض ما يُقدر بنحو 1.7 مليار شخص لآثارها المدمرة
وتعيش الدول الـ 50 الأعلى تصنيفًا 97% من جميع أحداث العنف المسجلة خلال هذه الفترة، ومن بين هذه الدول التي تشهد مستويات شديدة أو عالية أو مضطربة من الصراع، تعاني 39 دولة من مستويات الصراع المستمرة أو المتصاعدة مقارنة بعام 2018.
وتمثل البلدان التي تشهد مستويات شديدة العنف 40% من جميع الصراعات، وتم تسجيل أكثر من 147 ألف حادثة عنف سياسي في جميع أنحاء العالم، ومن بين نحو 240 دولة ومنطقة، شهدت 168 دولة حادثة واحدة على الأقل من العنف السياسي خلال عام واحد (في الفترة من يوليو/تموز 2022 حتى يونيو/حزيران 2023).
واعتبارًا من يناير/كانون الثاني الماضي، شهدت 16 دولة تفاقم مستويات الصراع خلال فترة الـ 5 سنوات الماضية (بين منتصف عام 2018 ومنتصف عام 2023)، وظلت 16 دولة في فئات مستوى الصراع “المتطرف” أو “المرتفع” باستمرار، دون تغيير، بينما شهدت 15 دولة تحسينات في تصنيفاتها خلال هذه الفترة.
وفي الأشهر الـ 6 الأخيرة من عام 2023، شهدت 8 دول مستويات متفاقمة من الصراع، مع انتقال 3 من تلك البلدان (فلسطين وهايتي والسودان) إلى فئة مستوى الصراع المتطرف.
والأكثر إثارة للقلق أن التوترات آخذة في الارتفاع بشكل مطرد في جميع أنحاء العالم، خاصة بين الولايات المتحدة والصين – حيث يمكن للثقل الاقتصادي الهائل لكل منهما أن يتسبب في إطالة أمد الصراع بينهما لعدة أشهر، وربما سنوات، بل وحتى عقود – رغم أن العالم ليس مهددًا على الفور بحرب كبرى، مثل الحربين العالميتين.
ويرسم أحدث تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، صورة قاتمة لتصاعد العنف في العديد من المناطق، ويسلط الضوء على الاستعصاء باعتباره السمة المميزة لمشهد الصراع العالمي المعاصر. ويوثق التقرير وقوع ما لا يقل عن 183 صراعًا إقليميًا ومحليًا في جميع أنحاء العالم في عام 2023، وهو رقم قياسي مرتفع يشهده عام واحد خلال العقود الثلاث الماضية.
وعلى المستوى العالمي، تتزايد حدة الصراع من سنة إلى أخرى، مع زيادة عدد الضحايا بنسبة 14% في عام 2023، لتسجل ما لا يقل عن 167 ألف ضحية خلال عام، كما ارتفع عدد حوادث العنف بنسبة 28% في العام الماضي مقارنة بعام 2022، وهذا يدل على أن الاحتياجات الإنسانية وتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار أصبحت ملحة بشكل متزايد في العديد من الأماكن حول العالم.
وبشكل عام، زادت حوادث العنف السياسي بنسبة 27% على مستوى العالم في العام الماضي، مع تعرض ما يُقدر بنحو 1.7 مليار شخص لآثارها المدمرة من الجوع والعطش والنزوح والتهجير القسري والانتهاكات الحقوقية.
وفي العام الحالي، تشير قائمة مراقبة الصراعات الجديدة إلى أن العديد من هذه الصراعات نفسها – التي تغذيها المنافسة السياسية والأزمات الإقليمية والنزاعات المدنية – ستحفز المزيد من العنف في العديد من هذه الدول.
وقد يكون العدد غير المسبوق من الانتخابات هذا العام محركًا رئيسيًا للعنف الداخلي وامتداده على المستوى الدولي، ففي البلدان التي تخطو نحو الديمقراطية، أو التي تتراجع عنها، يمكن للأشكال الجديدة من المنافسة السياسية أن تشجع الصراع، خاصة مع الاتجاه نحو تنصيب حكومات استبدادية مناهضة للديمقراطية.
ووفقًا لتصنيفات “فريدوم هاوس“، فإن البلدان التي لديها أنظمة “حرة جزئيًا”، لديها انتخابات، وتغيير القادة وعزلهم، والتمثيل الشامل، وغيرها من سمات الديمقراطية، لكنها غالبًا ما تشهد مستويات عالية من العنف السياسي، وهذا يعني أن الديمقراطية لا تحمي بالضرورة البلدان من السياسات العنيفة.
لماذا يشهد العالم الكثير من الصراعات؟
إذا بحثت اليوم بجملة واضحة تسأل فيها عن أسباب حرب أو صراع أو نزاع ما، ستظهر لك آلاف النتائج التي تتبنى كل واحدة منها رواية مختلفة وأسبابًا مختلفة، لكن حتمًا واحدة منها ستكون مقنعة لك، لأن ذلك ما كنت تبحث عنه أو ذلك ما استنتجته في النهاية، فإما مع أو ضد أو تبقى في مكانة المتفرجين الذين عادة ما يدفعون الثمن الأكبر في كل صراع.
وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تهيمن على العالم بشكل متزايد الصراعات المستعصية والعنف المسلح غير القابل للحل، وسط زيادة في عدد الجهات الفاعلة والدوافع المتداخلة المعقدة والنفوذ العالمي وتسارع تغير المناخ.
كما أدَّت الصدمات العالمية الأخيرة الناجمة عن جائحة فيروس كورونا والحرب المستمرة في أوكرانيا، واتساع رقعة الحرب الإسرائيلية على غزة مؤخرًا، إلى تفاقم مشكلات الدول والمناطق الهشة، مما عزز الأسباب الجذرية للصراع مع تقليص الموارد المتاحة لمعالجتها أو على الأقل التخفيف منها.
هذه الصراعات تغذيها مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك القوات الحكومية والميليشيات المدعومة من الحكومة والجماعات المسلحة غير الحكومية والمنظمات الإجرامية وجماعات المرتزقة التي ارتكبت أعمال عنف ضد جهات مسلحة أخرى، وكذلك ضد المدنيين، مع الإفلات من العقاب في كثير من الأحيان.
باختصار، لا تُطلق حرب في الكوكب دون حجة لها، ولا يحدث صراع دون خطاب يوجهه، لكن الحروب والصراعات ليست بالضرورة أن تكون دائمًا بين الخير والشر أو بين الظالم والمظلوم، بل يمكن أن تكون عبثية أو بالصدفة كما وصف المؤرخون الحرب العالمية الأولى، لكنها دائمًا ما تُدفع بخطاب سياسي رصين يوجه الرأي العام، ويحول أي حرب إلى صراع عقلاني بوجود الحجج والبراهين أو حتى بنسج بعض من الأكاذيب.
ومع وجود أكثر من 340 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من 100 مليون نازح، تُحدد أسباب الصراعات في ما يلي:
النزاعات الإقليمية
يُنظر إلى النزاعات الإقليمية، وهي نوع من الصراع على امتلاك السيطرة على الأراضي بين دولتين أو أكثر، على أنها المصدر الأكثر شيوعًا للصراعات التي يشهدها العالم بشكل عام، ويمكن رؤية ذلك في الكثير من الأمثلة: العدوان الإسرائيلي على غزة، والغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن ناحية أخرى، ما زلنا لا نعرف إلى أي مدى قد يكون الرئيس الصيني شي جين بينج على استعداد لتوسيع عدوانه في بحر الصين الجنوبي، وفي المقام الأول تجاه تايوان التي انتخبت مؤخرًا أكثر القادة المؤيدين للاستقلال منذ أن أصبحت ديمقراطية، ورد الرئيس الصيني بتهديد في خطابه بمناسبة العام الجديد مدعيًا أن “إعادة توحيد الصين وتايوان حتمية”.
يمكن أن تندلع حرب دولية محتملة بين فنزويلا وغويانا بعد أن صوت الفنزويليون للمطالبة بملكية منطقة إسكويبو الغنية بالنفط والرواسب المعدنية الغنية مثل الذهب والنحاس
ويأتي تهديد الصراع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في لحظة حساسة، حيث تنشغل الولايات المتحدة وحلفاؤها بأوكرانيا، ويتشتت انتباهها بالسياسة الداخلية، وتستعد اليابان للأسوأ، وتخطط لإعادة تسليح نفسها إلى مستوى لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي أوراسيا، ثمة العديد من الصراعات المدفوعة بالنزاعات الإقليمية المتبقية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، والتي أدَّت إلى استيلاء أذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ – وهي منطقة كانت تخضع لسيطرة السكان من العرقية الأرمنية طوال ثلاثة عقود – في سبتمبر/أيلول الماضي، ما أدى إلى فرار أكثر من 100 ألف من سكانها الأرمن.
وإلى جانب الصراعات في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، يشهد العالم عددًا من القضايا العالقة الأخرى، على سبيل المثال، لا تزال التوترات الحدودية بين روسيا وجورجيا قائمة، وهي أسوأ من أي وقت مضى في العصر الحديث بين الجزائر والمغرب، وتتصاعد الهجمات الداخلية في باكستان، كما تتصاعد التوترات مع الحكومة الهندية المناهضة للمسلمين إلى مستويات خطيرة.
كما انتهى عام 2022 بمناوشات بين قوات الحدود الإيرانية وحركة طالبان الأفغانية بسبب نزاعات حدودية، وفاقم الصراع على الموارد المائية الخلاف بينهما في السنوات الأخيرة، وهذا من شأنه أن يهدد أمن روسيا والصين، ويصب في مصلحة واشنطن التي تركت الكثير من الأسلحة والمعدات في أفغانستان.
وبدأت إيران وباكستان بمهاجمة المقاطعات الحدودية لبعضهما البعض بالصواريخ الباليستية في عمل عدائي مفاجئ ومثير للقلق، لكن الصراع أكثر هدوءًا في الوقت الحالي، فقد كان على الجانبين مهاجمة الجماعات التي تعمل في كلا البلدين على استقلال منطقة بلوشستان الحدودية المضطربة، ولا تزال التوترات مرتفعة حيث لا تريد باكستان وإيران أن تبدو أي منهما ضعيفة أو متسامحة في مثل هذه الفترة المتوترة بالنسبة للعلاقات الجيوسياسية.
وليس بعيدًا عن الاشتباكات الحدودية، تكمن واحدة من أطول النزاعات المستمرة في التاريخ الحديث بين جمهوريتي قيرغيزستان وطاجيكستان اللتين ورثتا خلافاتهما الحدودية عن الاتحاد السوفيتي، وقد ظهر الصراع في الأخبار في سبتمبر/أيلول 2022، عندما أثارت خسائر جديدة على طول الحدود المخاوف من احتمال تصاعد عدم الاستقرار الآن.
ولا يزال الصراع يحصد ضحايا من حين إلى آخر من خلال مناوشات متقطعة على طول الحدود الطويلة غير المرسومة بصيغة مرضية ومقبولة من الدولتين الجارتين، مع عدم قدرة روسيا المشتتة على التوسط في النزاع، لكن تركيا تدخلت لمحاولة التفاوض على اتفاق الحدود بين البلدين.
والآن ننتقل إلى قبرص، ثالث أكبر جزيرة من حيث عدد السكان في البحر الأبيض المتوسط، حيث دفعت الأحداث الأخيرة قوات الأمن القبرصية التركية إلى مهاجمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة داخل المنطقة العازلة التي تقسِّم الجزيرة إلى قسمين، ما دفع رئيس قبرص إلى الإعلان عن زيادة الإنفاق العسكري بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
بالانتقال إلى إفريقيا حيث يهدد عدم الاستقرار الإقليمي في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية بالتحول إلى صراع إقليمي بعد اتهام الحكومة الكونغولية رواندا بدعم الهجمات التي شنتها حركة “23 مارس” العسكرية المناهضة للحكومة الوطنية في مقاطعة كيفو الشمالية، وهو ما أكد خبراء الأمم المتحدة صحته لاحقًا، وأدَّى الوضع إلى اشتباكات حدودية بينهما قبل أشهر قليلة، ويستمر التدهور في العلاقات بسرعة.
بعد أن اتهمت بوروندي رواندا بدعم وتدريب المتمردين من مجموعة “ريد تابارا” أو “مقاومة من أجل دولة قانون في بوروندي” التي حاولت الإطاحة بالحكومة البوروندية في صيف عام 2015، واتهم خبراء الأمم المتحدة رواندا بتجنيد لاجئين بورونديين وتدريبهم للإطاحة بالرئيس بيار نكورونزيزا، ويخشى الكثيرون من انتشار الحرب في منطقة شرق إفريقيا الوسطى بعد إغلاق بوروندي حدودها مع رواندا في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويمكن أن تندلع حرب دولية محتملة أخرى بين فنزويلا وغويانا بعد أن صوت الفنزويليون للمطالبة بملكية منطقة إسكويبو الغنية بالنفط والرواسب المعدنية الغنية مثل الذهب والنحاس، وتضم أراضٍ واسعة من غابات الأمازون المطيرة، وتمثل ثلثي مساحة غويانا، وقد يلجأ كل طرف إلى استخدام القوة لفرض إرادته.
وتفاقمت القضية مع دخول أطراف أخرى إلى الصراع والحديث عن إرسال البرازيل قوات عسكرية إلى المنطقة وبدء الولايات المتحدة مناورات جوية مع غويانا قيل إنها تهدف إلى تعزيز الشراكة بين البلدين، وإن كانت ترتبط بمصالح الشركات النفطية الكبرى التي تعمل في امتيازات التنقيب عن النفط في المنطقة.
ويصعب حل مثل هذه النزاعات الإقليمية، ومن المرجح أن تتصاعد إلى نزاعات مسلحة واسعة النطاق بين الدول، بمعنى أن الحرب في أوكرانيا تصاعدت من نزاع إقليمي في عام 2014، ليشهد حربًا شاملة بين الدول في عام 2022.
وبدأ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالانتشار بالفعل في أجزاء من الشرق الأوسط مع ارتفاع وتيرة الحرب على غزة، ما أدى إلى توترات على حدود “إسرائيل”، وفتح أكثر من جبهة مع لبنان واليمن، حيث شن الحوثيون هجمات صاروخية على السفن قبالة ساحل البحر الأحمر، ما دفع الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى شن هجمات على الأهداف العسكرية للحوثيين.
وفقًا لتقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2023، يعيش أقل من 8% من سكان العالم في ظل ديمقراطية كاملة، في حين يعيش ما يقرب من 40% تحت حكم استبدادي
ومن الواضح أن النزاعات الإقليمية كانت سمة من سمات السياسة العالمية، لكنها أصبحت أكثر تكرارًا في الآونة الأخيرة لسببين: الأول أن بعثات حفظ السلام الدولية لم تعد كما كانت في السابق، إذ تعاني الأمم المتحدة من نقص هائل في التمويل مع تصاعد الأزمات العالمية، وتبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو أقل اهتمامًا بلعب دور “الشرطة العالمية” بعد مغامراتها الفاشلة في الشرق الأوسط. ثانيًا: أضعفت أحداث – مثل غزو بوتين لأوكرانيا – المعايير العالمية التي تنص على عدم استخدام الدول للقوة العسكرية لفرض مطالبها الإقليمية.
في الأساس، كانت الدول أقل احتمالًا لخوض الحرب من أجل الأراضي المتنازع عليها في الماضي، وكانت الدول العدوانية تعلم أنها إذا حاولت استخدام القوة العسكرية لفرض مطالباتها الإقليمية فإنها ستكون عرضة لانتقادات دولية واسعة النطاق ومخاطر العزلة الدولية.
لكن مع تورط دول مثل روسيا في نزاعات إقليمية، وتمادي “إسرائيل” في عدوانها على غزة بلا رادع، يشعر العدوانيون المحتملون بثقة أكبر، لأنهم يعلمون أن مغامراتهم لن تحظى بنفس القدر من الاهتمام الدولي، وأنهم سيشكلون معًا ما يشبه “ناديًا” من الدول ذات التفكير المماثل لحمايتهم من العزلة الدبلوماسية.
صعود الاستبداد
غالبًا ما ترتبط النزاعات الإقليمية بالعامل الثاني، وهو صعود الاستبداد، حيث يعيش العالم ما يسمى بـ”الركود الديمقراطي المطول”، وفي كل عام منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، تحركت المزيد من البلدان نحو الاستبداد بدلًا من الديمقراطية، وأظهر زخم التحول الديمقراطي تراجعًا على الصعيد العالمي.
وكان عام 2023 مشؤومًا بالنسبة للديمقراطية، حيث انخفض متوسط النتيجة العالمية إلى أدنى مستوى له، ووفقًا لتقرير مؤشر الديمقراطية لعام 2023، يعيش أقل من 8% من سكان العالم في ظل ديمقراطية كاملة، في حين يعيش ما يقرب من 40% تحت حكم استبدادي، وهي النسبة التي تزايدت في السنوات الأخيرة.
ووفقًا لتحليل مؤسسة وستمنستر للديمقراطية التي تمولها وزارة الخارجية البريطانية، إذا استمر تراجع الديمقراطية بالمعدل الحالي، فإن أقل من 5% من سكان العالم سيعيشون في ديمقراطية كاملة بحلول عام 2026.
خلص المؤشر العالمي للجريمة المنظمة لعام 2023 إلى أن 83% من سكان العالم يعيشون في بلدان ترتفع فيها معدلات الجريمة مقارنة بـ79% في عام 2021
وتشكل السياسات العدائية المتزايدة التي تنتهجها الدول الاستبدادية – وأبرزها الصين وروسيا وإيران – أحد الأسباب الرئيسية لإنهاء جهود حل الصراعات وصنع السلام، وكثيرًا ما تدعم هذه القوى الأنظمة الاستبدادية وتتجاهل المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، حتى الديمقراطيات في العالم تبدو عاجزة عن منع اندلاع الحروب في جميع أنحاء العالم، لذلك من غير المستغرب أن تؤدي الأنظمة الاستبدادية إلى إثارة الصراعات كما رأينا في حرب روسيا على جيرانها، وكذلك تهديدات الصين تجاه تايوان.
وفي سوريا، أدى التدخل الروسي منذ عام 2015 إلى ضمان بقاء طاغيتها بشار الأسد، الذي تسلق جبلًا من الجثث للحصول على اعتراف العديد من الدول العربية البارزة، ولا يزال العراق ممزقًا بالانقسام بين مكوناته الديموغرافية.
ومما يزيد الأمور تعقيدًا أن الفجوة بين روسيا والقوى الغربية أصبحت غير قابلة للسد، وأصبح تأمين الحلفاء ضرورة استراتيجية، بمعنى آخر، تشعر الديمقراطيات بأنها مضطرة بشكل متزايد للبحث عن أصدقاء أينما وجدتهم، متجاهلة الأعمال الوحشية المروعة التي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها.
وتشمل الدول الاستبدادية المتورطة حاليًا في الصراع أفغانستان وسوريا وإيران، في حين أن الحكومات الاستبدادية في أمريكا اللاتينية – مثل نيكاراغوا – هددت مؤخرًا جيرانها بشأن القضايا الإقليمية، يُضاف إلى ذلك أن الأنظمة الاستبدادية هي أيضًا أكثر عرضة للحرب الأهلية، ويمكن رؤية ذلك بوضوح بالنظر إلى الدمار الذي حدث في هايتي واليمن وميانمار العام الماضي.
في حالة اليمن، يشارك التحالف الحكومي المدعوم من السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في حرب أهلية وحشية منذ عام 2014، وتسيطر على البلاد حفنة من الفصائل المختلفة في الوقت الحالي، وتستغل الجماعات الجهادية الأوضاع المحلية المزرية هنا وهناك، ويستفيد المجلس الانتقالي الجنوبي من الدعم الذي تقدمه الإمارات للسيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد للمطالبة بالاستقلال تمامًا كما حدث في اليمن قبل توحيده عام 1990.
كما تمزق الحرب الأهلية السودان، والذي يتصدر قائمة الدول العشرين الأكثر عرضة لخطر حالات الطوارئ الإنسانية الجديدة أو المتفاقمة، حيث أعادت الفصائل العسكرية المسلحة فتح جروحه القديمة، عندما قاد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا على الحكومة المدنية في عام 2021، ثم اندلع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، لكن المشاركة الإضافية للجماعات المسلحة أدت إلى تصعيد النزاع، وأبطلت أي أمل في إجراء مفاوضات بين الجانبين.
وتستمر حرب أهلية أخرى في ميانمار، الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، حيث استولى الجنرال مين أونغ هلينغ على السلطة في انقلاب عسكري وحشي على حكومة أون سان سو تشي المُنتخبة في عام 2021، وتصاعد الوضع أكثر في أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما اتفق تحالف سياسي وعسكري شكله عدد كبير من المجموعات الإثنية المسلحة تحت اسم “تحالف الإخوان الثلاثة” (Tba) على التوحد ضد الحكومة العسكرية، مطلقين عملية هجومية عسكرية “عملية 1027” أدت حتى الآن إلى نزوح أكثر من 350 ألف شخص من منازلهم.
بالعودة إلى إفريقيا، عانت الكاميرون، الدولة الصغيرة الواقعة في منطقة وسط الغرب الإفريقي، من حرب أهلية منذ عام 2016، عندما أعلنت بعض المناطق الانفصال تحت اسم جمهورية “أمبازونيا”، وهو ما رفضته الحكومة الكاميرونية، واستمرت المعارك بين الطرفين بالشكل الذي تحولت فيه إلى حرب أهلية تسمى بـ”الحرب الإنجليزية”، حيث تقاتل الأقلية الناطقة باللغة الإنجليزية ضد الحكومة والأثرياء والأغلبية الفرانكوفونية (الناطقة باللغة الفرنسية).
ويكاد يكون هذا أحد أسوأ الأوضاع في إفريقيا حاليًا بمنطقة تيغراي في إثيوبيا، ووصلت التوترات بالفعل إلى نقطة الغليان في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عندما هاجمت قوات الحكومة الإثيوبية عاصمة إقليم تيغراي، ميكيلي، ما دفع 3.5 مليون شخص أو أكثر من نصف سكان المنطقة بالكامل إلى حافة المجاعة، وباتت إثيوبيا على حافة حرب أهلية.
الجريمة المنظمة
ننتقل إلى العامل الثالث المسبب للحروب، وهو ارتفاع معدلات الجريمة المنظمة، وخروجها عن السيطرة مع تطور الصراعات إلى حروب أهلية، وغالبًا ما تكون معظم الصراعات مدفوعة بالتنافس بين الجماعات الإجرامية، خاصة فيما يتعلق بالاتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات، وتمارس بعض الجماعات المزيد من السلطة في العديد من دول أمريكا الجنوبية والوسطى.
وخلص المؤشر العالمي للجريمة المنظمة لعام 2023 إلى أن 83% من سكان العالم يعيشون في بلدان ترتفع فيها معدلات الجريمة مقارنة بـ79% في عام 2021.
وتظهر النتائج الرئيسية للمؤشر أن الفجوة بين الإجرام والقدرة على الصمود آخذة في الاتساع، وغالبًا ما تستغل الجهات الفاعلة الإجرامية عدم الاستقرار السياسي ونقص السلع الأساسية الناجم عن الصراع، في حين لا يزال تورط الدول نفسها القوة الأكثر انتشارًا في دفع الجريمة المنظمة.
وفي نهاية العام الماضي، عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مناقشة مطولَّة حول التهديدات الخطيرة المتنامية التي تفرضها الجريمة المنظمة العابرة للحدود، معترفًا بأن الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية تغذي الصراعات وتساهم في انتشار الإرهاب.
وليس لما يسمى بـ”الحرب على المخدرات”، التي تشنها العديد من الحكومات منذ عقود، تأثير يذكر على الإنتاج أو سلاسل التوريد، وفي العديد من الأماكن لم يكن الأمر سوى استفزاز الجماعات الإجرامية لتسليح نفسها بأسلحة أكثر فتكًا.
على سبيل المثال أمريكا اللاتينية حيث تسببت النزاعات حول طرق وشبكات تهريب المخدرات في تصاعد أعمال العنف في الإكوادور في يوليو/تموز الماضي، وأدَّى القتال حول سوق المخدرات المحلية في كوستاريكا إلى مستويات قياسية من جرائم القتل.
وأعلنت هندوراس الحرب ضد العصابات التي تسبب اضطرابات على المستوى الوطني، وفقدت حكومة هايتي السيطرة على السلامة العامة حين اجتاحت العصابات بوابة العاصمة برانس، ما تسبب في أكثر من 5 آلاف جريمة قتل عام 2023، بزيادة قدرها 119% عن العام السابق، بسبب عنف العصابات المتفشي وسط شبه انهيار مؤسساتها السياسية.
وبالمثل، وصلت مشكلة المكسيك الطويلة الأمد مع عصابات المخدرات إلى نقطة اللاعودة، حيث صُنفت على أنها رابع أكثر الدول عنفًا في العالم رغم أنها لم تكن في السابق جزءًا من أي حرب، ما دفع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إرسال 1500 جندي مؤقتًا للقيام بدوريات على الحدود ومعالجة أزمة المهاجرين.
على الجانب الآخر من المنطقة، كانت العصابات الضالعة في تجارة المخدرات تمول الاضطرابات المدنية، وتشل بشكل فعال قدرة الحكومات المركزية على الحفاظ على النظام في بعض المناطق.
النقطة الوحيدة المضيئة في المنطقة هي السلفادور، حيث يبدو أن الرئيس نجيب بُقيلة قد أصلح مشكلة العصابات في البلاد من خلال التدابير الاستبدادية مثل إلقاء القبض أي شخص يشتبه في عضويته في العصابات في السجن، وانخفض معدل جرائم القتل في البلاد بنسبة 60% خلال السنوات القليلة الماضية.
الجماعات المسلحة غير الحكومية
السبب الرابع لتصاعد الحروب هو تأثير نشاط الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة، بما في ذلك الميليشيات، التي تقود الصراعات بشكل متزايد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، فوفقًا لتقييم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، هناك حاليًا 459 جماعة مسلحة غير حكومية تثير أنشطتها مخاوف إنسانية، وتجاوز عدد هذه الجماعات باستمرار 450 جماعة على مدى السنوات الخمسة الماضية، وتحظى في العديد من الأماكن بدعم من قوى عظمى مدمرة مثل روسيا وإيران.
يؤدي القتال بين الجماعات المسلحة المختلفة في كثير من الأحيان بسبب الأراضي أو التوتر العرقي إلى إطالة أمد الصراعات القائمة وصراعات أخرى جديدة
تتواجد معظم هذه الجماعات المسلحة في إفريقيا (36%/ 164 مجموعة)، وتتركز في مناطق محددة مثل الساحل وحوض بحيرة تشاد والصومال وشمال موزامبيق وإقليم كيفو الشمالي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أما الجماعات المسلحة المتبقية فتتركز في الشرق الأدنى والأوسط (28%/ 130 مجموعة)، وآسيا والمحيط الهادئ (18%/ 83 مجموعة)، والأمريكتين (15%/ 68 مجموعة)، وأوراسيا (3%/ 14 مجموعة).
ويعيش حوالي 195 مليون شخص تحت سيطرة هذه الجماعات الكاملة أو الجزئية، وتمتلك معظمها هيمنة محلية أو إقليمية كافية لفرض الضرائب وتوفير قدر من الخدمات العامة.
وتلعب هذه الجماعات دورًا كارثيًا في زعزعة الاستقرار وإلحاق الضرر بالمدنيين، ففي نيجيريا، قُتل أكثر من 10 آلاف شخص بسبب أعمال العنف، معظمهم على أيدي أفراد هذه الجماعات، وأكثر من 9 آلاف شخص في الصومال.
وأدى العدد الكبير من الجماعات المسلحة إلى زيادة كبيرة في التحديات التي تواجهها المنظمات الإنسانية عند محاولة الوصول إلى السكان المتضررين الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات.
وشهدت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى زيادة بنسبة 48% في الوفيات بسبب صراعات الميليشيات المسلحة في عام 2023، وهي الآن المنطقة التي تشهد أكبر عدد سنوي من الهجمات المسلحة على مستوى العالم.
ويؤدي القتال بين الجماعات المسلحة المختلفة في كثير من الأحيان بسبب الأراضي أو التوتر العرقي إلى إطالة أمد الصراعات القائمة، وصراعات أخرى جديدة، وقد تضاعف عدد الصراعات التي تشارك فيها هذه الجماعات منذ عام 2010، ويصعب حل هذه الصراعات بشكل خاص بسبب صعوبة التفاوض مع هذه الجماعات.
حتى قوات الأفراد العسكريين التابعين للأمم المتحدة تقف عاجزة عن التصدي لهذه الجماعات، فرغم نشر أكثر من 70 ألف فرد من “أصحاب الخوذ الزرقاء” في مناطق الصراع حيث ترتفع مستويات العنف منذ عقود، اشتكى الأمين العام السابق بان كي مون في عام 2014 من تمركز بعض قوات حفظ السلام في البلدان التي لا يوجد فيها سلام يمكن الحفاظ عليه، ففي مالي، عى سبيل المثال، قُتل 300 من موظفي الأمم المتحدة على مدار عقد من الزمن.
وفي خضم التوترات الجيوسياسية الحادة الجديدة بين القوى الكبرى، تقلص نفوذ الأمم المتحدة، فتستخدم كل من الصين وروسيا والولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن ضد الأهداف المعلنة لبعضها البعض، أو على الأقل تدفع كل منها الأخرى إلى التخلي عن أي احتمال لتأمين التفويض في موقف معين، وأبرزها أوكرانيا وفلسطين.
وترفض الدول الاستبدادية رفضًا قاطعًا المبدأ القائل بأن للأمم المتحدة الحق في التدخل في الدول التي يتم فيها انتهاك حقوق الإنسان، وكنتيجة لذلك، شارك المرتزقة الروس في انتهاكات حقوقية بحق المدنيين في مالي، وأدت الضغوط التي تمارسها موسكو وبكين إلى تسريع انسحاب الأمم المتحدة بحلول نهاية هذا الشهر.
وما لم تصبح التوترات بين القوى العظمى أقل هيمنة على الساحة الجيوسياسية – وهو تطور غير مرجح – فإن قدرة الأمم المتحدة على التدخل بفعالية في الصراعات سوف تستمر في الانحدار، وكنتيجة جزئية لهذا الاستعصاء، أصبحت الصراعات المسلحة أطول.
أزمة المناخ المتفاقمة
العامل الأخير السائد بشكل خاص في كل من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا هو أزمة المناخ المتسارعة التي لا تزال تعمل كمضاعِف للأسباب الجذرية للصراع ونقاط الضعف المؤسسية في الدول الهشة.
وكثيرًا ما تكون هذه البلدان معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ، لأنها تصبح محاصرة في حلقة مفرغة، فقبل ثلاثة عقود، كانت 44% من الصراعات تحدث في الدول المعرضة للمناخ، لكن الآن أصبح هذا الرقم 67%.
انخفضت نسبة التمويل الإنساني الدولي المتاح لليمن وسوريا من 11% و9% على التوالي في عام 2021 إلى 7% و6% في عام 2022
ووجد تقرير حديث صادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي وجود صلة بين آثار تغير المناخ وخطر الصراع، فقد أدى انعدام الأمن الغذائي إلى زيادة الصراعات بنسبة 36%، كما أدَّى التعرض للكوارث الطبيعية إلى زيادتها بنسبة 21%، وأدى عدم الوصول إلى المياه النظيفة إلى الزيادة بنسبة 18%.
كما تؤدي الصراعات إلى تآكل قدرة الدولة على التكيف ومعالجة تأثيرات المناخ، في حين تساهم تلك التأثيرات المناخية نفسها في ديناميات الصراع وفشل الحوكمة، وقد عانت ثلاث بؤر ساخنة جديدة: النيجر وميانمار وإثيوبيا بشكل خاص العام الماضي أيضًا.
تقاتل النيجر الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، بينما يواجه 12% من سكانها انعدام الأمن الغذائي، وتواجه إثيوبيا “جبهة تحرير شعب تيغراي” في إقليم أمهرة، حيث يتضرر الملايين من الجفاف، أما ميانمار، التي تشهد حربًا أهلية، فقد دمَّرها إعصار في مايو/أيار الماضي، مما أدى إلى تضرر احتياجات 1.1 مليون شخص يحتاجون بالفعل إلى المساعدات.
وبشكل عام، سيكون هناك تأثير إنساني حاد في جميع أنحاء العالم، حيث تهدد المزيد من الصراعات حياة الملايين، وهذا يؤثر بالفعل على قدرة الأمم المتحدة على تقديم المساعدات.
وبحسب خدمة التتبع المالي التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (FTS)، انخفضت نسبة التمويل الإنساني الدولي المتاح لليمن وسوريا من 11% و9% على التوالي في عام 2021 إلى 7% و6% في عام 2022، مع كون أوكرانيا أكبر متلقٍ على مستوى العالم في ذلك العام بنسبة 10% ارتفاعًا من 0.6% في عام 2021.
وأعلنت الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنها ستقلص نداءها الإنساني لعام 2024، ودعت إلى ضرورة جمع 46 مليار دولار على الرغم من تدهور الوضع الإنساني، بعد أن تلقت ما يزيد قليلًا على ثلث مبلغ الـ57 مليار دولار الذي كانت تهدف إلى جمعه العام الماضي، في عجز كان من الأكبر منذ سنوات.
ومع استمرار الصراعات وحالات الطوارئ المناخية والاقتصادات المنهارة في إحداث دمار للمجتمعات في جميع أنحاء العالم، ووسط ارتفاع معدّل الاحتياجات بشكل حاد طيلة عام 2023، ومواجهة أسوأ نقص في التمويل منذ سنوات، خفضت الهيئة الأممية هدفها من مساعدة 245 مليون شخص إلى 181 مليونًا فقط يواجهون الجوع الكارثي والنزوح الجماعي والأمراض في جميع أنحاء العالم، في وقت يحتاج فيه حوالي 300 مليون شخص إلى المساعدة.
وفي كل الأحوال تبدو الأمور قاتمة، والمزيد من الصراعات، والمزيد من الأنظمة الاستبدادية، وأزمة المناخ المتسارعة ونقص المساعدات الإنسانية بشكل خطير، تلحق خسائر فادحة بالناس في جميع أنحاء العالم، حيث ينزح شخص واحد من كل 80 شخصًا داخل الحدود أو عبرها بسبب النزاعات أو الكوارث الطبيعية.
وفي أفغانستان، فقد 10 ملايين شخص إمكانية الحصول على المساعدات الغذائية بين شهري مايو/أيار ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، بينما في اليمن لا يزال أكثر من 80% من الأشخاص المستهدفين بالمساعدات لا يحصلون على المياه وخدمات الصرف الصحي المناسبين.
وفي السودان، تشعر الأمم المتحدة بقلق بالغ بشأن استقرار الأوضاع، فقد نزح ملايين الأشخاص إلى مخيمات اللجوء، وفر آخرون إلى الدول المجاورة، وهددت الاشتباكات المتزايدة بالامتداد إلى جنوب السودان الذي حصل على استقلاله عن السودان في عام 2011.
وفي نهاية المطاف، لن تُسد فجوة هذه الاحتياجات والموارد طالما ظلت الصراعات قائمة، وستستمر في التفاقم بسبب عوامل متداخلة مختلفة في السنوات القادمة، وهي أخبار سيئة ومقلقة بالنسبة للاستقرار العالمي.