لم يعد الجنوح الاستعماري للإمارات في السيطرة على أرخبيل جزيرة سقطرى اليمنية قصة خافية، بل واقع أصبحت شواهده من أوضح الواضحات، بعد أن أصبحت المتحكم الفعلي والوحيد عسكريًا وإداريًا في أرض الجزيرة وبحرها، على نحوٍ يحمل كل سمات الاحتلال والعبث بأرض الجزيرة البكر.
في ظل موقف ضعيف للحكومة اليمنية التي أصبحت قليلة الحيلة أمام التغول الإماراتي في الأرخبيل والساحل اليمني برمته، بعد أن نجحت الإمارات في تعطيل سلطة الحكومة الشرعية، وإخماد كل الأصوات المعارضة للتحركات الاستعمارية للإمارات التي سخرت الجزيرة ومواردها لخدمة أهدافها التوسعية في المنطقة.
نقطة بحرية حساسة جدًا
تعد سقطرى واحدة من أهم الجزر التي لا نظير لها على مستوى العالم، وقد صنفتها منظمة اليونسكو عام 2008 ضمن قائمة التراث العالمي الطبيعي، فالجزيرة تتميز بتنوع بيولوجي مدهش، وبها أكثر من 700 نوع من النباتات والطيور والحيوانات التي لا توجد في أي منطقة بالعالم، أهمها على الإطلاق، شجرة دم الأخوين.
ويبلغ عدد سكان الجزيرة 130 ألف شخص، وهم يتحدثون إلى جانب اللغة العربية لغة خاصة تسمى باللغة السقطرية، وهي مزيج من العربية والحميرية القديمة، على أصح المصادر، وتتكون من مديريتي حديبو (عاصمة الجزيرة) وقلنسية.
وتتبع للجزيرة إداريًا ثلاث جزر أخرى، هي جزيرة درسه التي تبلغ مساحتها نحو 10 كيلومتر مربع، وغير مأهولة بالسكان وتبعد عنها نحو 36 كيلومترًا، إضافة إلى جزيرتي عبد الكوري وسمحة.
موقع الجزيرة المثالي أغرى الأمريكيين أيضًا في الظفر بموضع قدم في أرخبيل سقطرى، حيث أبدت الكثير من الاهتمام بالجزيرة، وقد اتضحت ملامح ذلك الاهتمام عام 2008، حين زار وفد من الكونغرس الأمريكي جزيرة سقطرى
أما من حيث الموقع والمساحة، فإن سقطرى تعتبر أكبر جزيرة عربية على الإطلاق، بمساحة إجمالية تقدر بنحو 3650 كيلومترًا مربعًا، وأقصى امتداد شرقي غربي لها يبلغ 135 كيلومترًا، وأقصى امتداد شمالي جنوبي لها يبلغ 42 كيلومترًا.
جدير بالإيضاح أن هذا الموقع الإستراتيجي للجزيرة خولها أهمية قصوى، جعلها قبلة للأطماع الاستعمارية منذ القرن السادس عشر الميلادي، إذ إن البرتغاليين احتلوا الجزيرة عام 1506، وتم اتخاذها مقرًا للأسطول البرتغالي بقيادة ترستاو دا كونها وألفونسو دي ألبوكيرك، كما احتلتها بريطانيا بعد قرنيين من ذلك التاريخ، واستخدمتها قاعدة عسكرية إبان احتلالها لمدينة عدن.
وبعد اندلاع ثورة 14 من أكتوبر عام 1962 وإجلاء الوجود البريطاني في اليمن، أغرت الجزيرة الاتحاد السوفيتي الذي كان حليفًا للدولة الاشتراكية التي قامت بعد ذلك في الجزء الجنوبي من اليمن، متخذًا من جزيرة سقطرى قاعدة بحرية عسكرية للبوارج والأساطيل، حتى قيام الوحدة اليمنية عام 1990.
موقع الجزيرة المثالي أغرى الأمريكيين أيضًا في الظفر بموضع قدم في أرخبيل سقطرى، حيث أبدت الكثير من الاهتمام بالجزيرة، وقد اتضحت ملامح ذلك الاهتمام عام 2008، حين زار وفد من الكونغرس الأمريكي جزيرة سقطرى الذي تحرك يومها من بغداد مباشرة على متن طائرة عسكرية في زيارة خاصة حملت حينذاك أكثر من علامة استفهام.
وحديثًا انتهى المطاف إلى الإمارات التي ضمت الجزيرة إلى جملة غنائم مشاركتها في التحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ 26 من مارس 2015.
وكان موقع “إنتليجنس أون لاين” الفرنسي ذكر أن الإمارات حوّلت جزيرة سقطرى إلى منطقة عسكرية وكثفت الجهود في الفترة الأخيرة لبسط نفوذها عليها بالكامل وسيطرت على كل المواني والمطارات وبدأت في تسيير رحلات جوية دون موافقة الحكومة الشرعية اليمنية.
كانت الإمارات صاحبة السبق في إرسال أول قافلة إغاثية إلى سقطرى، في نوفمبر 2015، بعد إعصار “تشابالا” الذي ضرب الجزيرة وتسبب بأضرار بالغة للسكان الذي يعيشون حياة تكاد تكون بدائية
وأوضح الموقع أن الإمارات بدأت في بناء قاعدة عسكرية ضخمة مشابهة لقاعدة أمريكية في جزيرة سان دييغو وسط المحيط الهادي التي أفرغت واشنطن منها سكانها بالقوة في ستينيات القرن الماضي، كما تستغل أبو ظبي مشاركتها ضمن دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية، في تنفيذ أجندتها، خاصة بمناطق الجنوب وجزيرة سقطرى التي تحاول استغلال تراثها ونقله إلى الإمارات.
المساعدات الإماراتية و”حصان طروادة”
التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، من أجل ما تقول إنه ردع الانقلابيين وإعادة للشرعية في اليمن، منح الإمارات فرصة ذهبية لترسيخ هيمنتها على السواحل والممرات الملاحية والمواني والجزر اليمنية، رغمًا عن اليمنيين وحكومتهم الشرعية.
أما بالنسبة لجزيرة سقطرى كان وضعها مختلفًا، نظرًا لمكانها الجغرافي، فقد ظلت في مأمن من الحرب منذ بدايتها، كما أن نفوذ الحوثيين لم يصل إلى سقطرى بالمطلق، بالتالي كان على الإمارات اجتراح ذريعة أخرى (غير تحرير الأرض) للتدخل في سقطرى، فكانت المساعدات الإماراتية بمثابة حصان طروادة الذي مكن النفوذ الإماراتي من التسرب تدريجيًا تحت عباءة الأعمال الإغاثية للهلال الأحمر الاماراتي.
لهذا كانت الإمارات صاحبة السبق في إرسال أول قافلة إغاثية إلى سقطرى، في نوفمبر 2015، بعد إعصار “تشابالا” الذي ضرب الجزيرة، وتسبب بأضرار بالغة للسكان الذي يعشون حياة تكاد تكون بدائية.
منذ أن وضع المندوب الإماراتي قدمه في جزيرة سقطرى، عمل بكل حماس من أجل استقطاب المئات من الشخصيات الاجتماعية في أنحاء الجريرة، وقد سهل المال الإماراتي واعتماد مرتبات للشخصيات الموالية من مهمته
ومن ذلك الخندق أمست الإمارات صاحبة النفوذ المطلق، وصاحبة القرار في كل ما يجري في جزيرة سقطرى وأرخبيل الجزر التابعة لها، وصار ضابط أمن الدولة الإماراتي خلفان بن مبارك المزروعي، هو الحاكم غير المباشر للجزيرة، الذي بدأ نشاطه المريب بادئ الأمر تحت غطاء مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية، ثم دأب على ترتيبات السيطرة وشراء الولاءات والذمم والبسط على أراضي المحميات في سقطرى.
العبث البيئي
العبث الإماراتي في جزيرة سقطرى يتعدى السيطرة العسكرية إلى العبث بالتنوع البيئي الفريد في الجزيرة، بدأت بأعمال تنقيب وحفر في أماكن تاريخية متفرقة على نحو مريب، إضافة إلى تهريب أنواع نادرة من النباتات والطيور إلى الإمارات دون علم أو موافقة من الجهات الحكومية المعنية.
وأكدت مصادر محلية في الجزيرة أن الإماراتيين يقومون بصيد الماعز البري الذي تتميز به الجزيرة، ونقل أعداد منه إلى الإمارات، وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لنباتات سقطرية نادرة تم اقتلاعها ونقلها إلى دبي وأبو ظبي؛ الأمر الذي أثار حفيظة اليمنيين بمختلف انتماءاتهم السياسية، مطالبين الحكومة الشرعية والهيئات الدولية المهتمة بالبيئة، بوضع حد للتَّنفُذ الإماراتي العابث في الأراضي اليمنية.
أيضًا من شواهد ذلك العبث قيام المندوب الإماراتي خلفان المزروعي بشراء أراضٍ في محمية “دكسم” وتسويرها وفرض حراسة مشددة عليها، وهو ما يعد خرقًا للقانون اليمني الذي يمنع بيع أراضي المحمية، فضلًا عن الأعراف المحلية التي تقيد السكان من بيع أراضيهم لغير أبناء الجزيرة.
الخطير في الأمر أن السلوك الاستعماري للإمارات في سقطرى، يختلف عن كل القوى التي سبقته إلى الجزيرة، ذلك أن السيطرة العسكرية يرافقها سعي حثيث لإحداث تغير في التركيبة الديمغرافية للسكان في الجزيرة
استقطاب الوجهاء
منذ أن وضع المندوب الإماراتي قدمه في جزيرة سقطرى، عمل بكل حماس من أجل استقطاب المئات من الشخصيات الاجتماعية في أنحاء الجزيرة، وقد سهل المال الإماراتي واعتماد مرتبات للشخصيات الموالية من مهمته، لا سيما أن التحرك الإماراتي جاء في اللحظة المناسبة، التي تشهد فيها الجزيرة تدنيًا فظيعًا في الخدمات التنموية الأساسية.
وقد تفطنت الإمارات إلى هذا الجانب، وانطلقت من مفهوم المساعدات مقابل الأرض، وقامت ببناء عدد من المشاريع التنموية في مجالات التعليم والصحة والمياه، كما أنشأت مدينتين للأيتام واعتمدت مساعدات شهرية للأسر الفقيرة.
فضلًا عن قيام إماراتيين بالزواج من بنات بعض الوجهاء في الجزيرة، لدغدغة المجتمع السقطري، وتذويب التحفظات الاجتماعية تجاه التوغُّل الإماراتي في أرضهم، وفي ديسمبر من العام الماضي استدعت الإمارات جميع مشايخ سقطرى لحضور مهرجان الشيخ زايد في أبو ظبي، حيث كان في استقبالهم خلفان المزروعي المندوب الإماراتي في سقطرى الذي وعد ضيوفه السقطريين أن تنال جزيرتهم تنمية كتلك الموجودة في الإمارات، وهو ما اعتبره كثير من اليمنيين إشارة إلى وساوس أبناء زايد لبتر سقطرى عن السيادة اليمنية، وإفساح الهامش للمحتل الجديد.
تزوير التاريخ والجغرافيا
الخطير في الأمر أن السلوك الاستعماري للإمارات في سقطرى، يختلف عن كل القوى التي سبقته إلى الجزيرة، ذلك أن السيطرة العسكرية يرافقها سعي حثيث لإحداث تغير في التركيبة الديمغرافية للسكان في الجزيرة، متبعة في ذلك سبلًا شتى، أهمها: تشجيع السكان على الهجرة وخاصة للعمل داخل الإمارات، وتجنيس بعض الوجهاء والشخصيات المؤثرة في سقطرى، وإقامة علاقة مصاهرة مع وجهاء الجزيرة، وإغداق الوعود على السقطريين لتزهيدهم في هويتهم اليمنية، والطريف أن الإمارات تحاول من خلال وسائل إعلامها التلبيس أن لها جذور تاريخية ضاربة في سقطرى.
خلال العامين الماضيين عمقت الإمارات وجودها في منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر، حيث وقعت مؤخرًا اتفاقية مع حكومة “أرض الصومال” غير المعترف بها، لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية مع حق الوصول إلى المطار في مدينة بربرة الساحلية المطلة على مضيق باب المندب
ومؤخرًا أثارت مزاعم أحد الباحثين الإماراتيين وهو جمعة الجنيبي ردود فعل واسعة لدى اليمنيين، حين ادعى خلال مداخلة له مع قناة الغد المشرق الانفصالية (تمولها الإمارات وتبث من أراضيها) إن الأسر السقطرية نسبها إماراتي، وزعم الجنيبي أن العلاقات بين الإماراتيين والسقطريين لها تاريخ قديم بسبب المصاهرة والنسب والكثير من العائلات الإماراتية هاجرت لسقطرى مثل المزاريع والجنيبي وحمران والمناصير والعوامر.
هذه التصريحات الإماراتية، في هذا الوقت بالذات تعد ملمحًا لا يخلو من دلالة ظاهرة على محاولة الإمارات سلخ السقطريين عن هويتهم اليمنية، في حين وصفها ناشطون يمنيون بـ”السذاجة الوقحة في تزوير التاريخ من الإماراتيين الذين لا يتعدى تاريخ دولتهم عمر لاعب المنتخب اليمني”.
ما وراء الاندفاع الإماراتي لاحتلال سقطرى
رغبة الإمارات في الاستحواذ على أرخبيل سقطرى ليس اعتباطيًا، ذلك أن سيطرتها على سقطرى التي تشرف على أهم طرق الملاحة في المنطقة، تمكن الإمارات من إغلاق دائرة النفوذ البحري، بالتالي تصبح منطقة خليج عدن والبحر العربي، تحت سيطرتها من سقطرى جنوبًا إلى سواحل الجنوب شمالاً وشرقًا، إلى جزيرة “ميون” اليمنية بباب المندب شمالاً، إلى ساحل القرن الإفريقي والصومال غربًا.
وبالنظر إلى الخريطة نجد أن الإمارات منذ أغسطس 2015، تسيطر بشكل متواتر على السواحل في الجنوب اليمني كافة، إضافة إلى ساحل المخا ومضيق باب المندب وجزيرة ميون التي شرعت فيها ببناء قاعدة جوية دون علم أو موافقة الحكومة اليمنية.
يبقى السؤال: هل بمقدور الإمارات التي تتصرف كرديف للقوى العظمى أن تبتلع ما هو أكبر من حجمها، أم أن هناك تنسيقًا وتواطؤًا مع الولايات المتحدة؟
وخلال العامين الماضيين عمقت الإمارات وجودها في منطقة القرن الإفريقي وجنوب البحر الأحمر، حيث وقعت مؤخرًا اتفاقية مع حكومة “أرض الصومال” غير المعترف بها، لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية مع حق الوصول إلى المطار في مدينة بربرة الساحلية المطلة على مضيق باب المندب، علمًا أنها حصلت سابقًا على موافقة من الحكومة الإرتيرية لبناء قاعدة عسكرية بميناء عصب.
ومن المؤكد أن الشهية الإماراتية المفتوحة للاستحواذ والسيطرة تأتي ضمن خطة إستراتيجية لتوسيع انتشارها العسكري من لدن مضيق هرمز مرورًا بسواحل اليمن في البحر العربي وخليج عدن وصولًا المخا وباب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي.
وهذا يجعل الإمارات العضو الحادي عشر لمجموعة حصرية من الدول ذات القدرات العسكرية المتمركزة بشكل دائم خارج حدودها، فضلاً عن منحها سيطرة على واحدة من أكثر الطرق البحرية الإستراتيجية في العالم، بحسب مجلة نيوز ويك الأمريكية.
أخيرًا يبقى السؤال: هل بمقدور الإمارات التي تتصرف كرديف للقوى العظمى أن تبتلع ما هو أكبر من حجمها، أم أن هناك تنسيقًا وتواطؤًا مع الولايات المتحدة التي لا بد أن لها مصالحها الخاصة من كل هذ التحركات الإماراتية على نحوٍ ما؟