إغلاق الحكومة الفيدرالية.. شلل مؤقت للشارع الأمريكي وإعلان صريح بفشل ترامب

trmb

بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعد العدة للاحتفال بالذكرى الأولى لتوليه منصب الرئيس، السبت 20 من يناير/كانون الثاني، وسط أصدقائه وعائلته في منتجع مار الاجو بفلوريدا، جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ اضطر للبقاء في واشنطن إثر فشله في الحيلولة دون وقف أو إغلاق أنشطة حكومته.

إخفاق ترامب في الحصول على موافقة الكونغرس على خطة الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة لبلاده أحدث حالة من الارتباك لدى إدارته خشية تكرار سيناريو الإغلاق 2013، مما دفعه إلى البحث عن بديل، فكان الدفع بالكونغرس من أجل إقرار مشروع قانون مؤقت للحفاظ على تمويل الحكومة الاتحادية، لكنه فشل مرة ثانية، فما المقصود بالإغلاق؟ وما تداعياته على المجتمع الأمريكي؟

ماذا يعني الإغلاق؟

الإغلاق يشير إلى وقف جميع الخدمات الحكومية – غير الحيوية – التي يتم تمويلها من الكونغرس، ومن ثم وقف جميع العاملين بها بصورة مؤقتة لحين التوصل إلى تسوية مقبولة بين الحكومة وغرفتي البرلمان (النواب والشيوخ).

فالقانون الأمريكي يلزم من أجل إقرار الموازنة العام للسنة الجديدة حصول الحكومة على موافقة مجلسي الكونغرس على تلك الخطة، وفي حال حدوث أي نزاع بينهما في أي من بنود الخطة يحدث تعطيل العمل بعدد من الهيئات والإدارات التي تتلقى دعمًا وتمويلاً من الحكومة لحين الموافقة على الخطة، وهذا ما يسمى بـ”الإغلاق”.

ونظرًا للنزاع الدائر بين الديمقراطيين والجمهوريين داخل غرفتي المجلس بشأن بعض بنود الخطة، تم إرجاء قبولها؛ مما يعني أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية دخلت الإغلاق الجزئي وذلك منذ أمس السبت، ولأجل غير مسمى، لحين التوصل إلى اتفاق تحصل من خلاله الحكومة على موافقة البرلمان.

وعلى الرغم من أن الجمهوريين يمتلكون أغلبية من 51 عضوًا داخل مجلس الشيوخ، فإن هناك حاجة إلى 60 صوتًا لإقرار مشروع القانون الذي يعترض عليه الديمقراطيون، مما دفع ترامب إلى التحذير في وقت سابق من أن عدم إقرار الموازنة ستكون له نتائج كارثية على الجيش الأمريكي.

شلل جزئي

حالة من الشلل الجزئي تصيب الاقتصاد والحياة المعيشية للأمريكيين جراء إغلاق الحكومة، إذ إن هذا يعني توقف عدد كبير من الموظفين العاملين في مختلف الإدارات الحكومية (بعض التقديرات تشير إلى أنهم قرابة مليون موظف) نظرًا لعدم قدرتها على تلقي أي دعم أو تمويل في ظل عدم إقرار خطة الموازنة العامة، وهو ما ينعكس بصورة سلبية على المنظومة الاقتصادية خلال فترة الغلق.

غير أنه في المقابل، فإن القطاعات الحيوية ستواصل عملها على أي حال لحين توصل الكونغرس لخطة تمويل، سواء كان بإقرار الموازنة الرسمية أو خطة أخرى بديلة لتسيير القطاعات الضرورية في البلاد على رأسها القطاعات الأمنية والصحية والتنفيذية.

ففي القطاع الأمني مثلاً سيواصل العسكريون الأمريكيون البالغ عددهم 1.5 مليون شخص وغالبيتهم تابعين لوزارة الدفاع وأيضًا 40 ألفًا في وزارة الأمن الداخلي عملهم، لكن عدد كبير من المدنيين في الوزارتين بينهم نحو ثلاثة أرباع المدنيين الـ640 ألفًا العاملين في البنتاغون سيلزمون منازلهم، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تباطؤ العمل، فيما أعلنت الهيئة الفيدرالية للطيران – التي تشرف على الرحلات الجوية – أنها ستواصل العمل، وأن المطارات ستظل مفتوحة أمام المسافرين.

وبعد ساعات من دخول الحكومة الأمريكية مرحلة الإغلاق، حمّل أعضاء الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بعضهما البعض مسؤولية الوصول إلى هذه المرحلة، بينما ألقى آخرون اللوم في المقام الأول على دونالد ترامب

بعض القطاعات ستتأثر بصورة مقلقة، على رأسها قطاع العقارات المتوقع أن تبلغ نسبة الإجازات بين موظفيه قرابة 96%، والتعليم 95% والتجارة 87% والعمل 83%، بينما تبلغ في قطاع الصحة نحو 50% والعدل 17%، فيما وصلت إلى أدنى مستوياتها في قطاع شؤون المحاربين القدامى بنسبة 4%.

كذلك ما يقرب من ثلاثة أخماس موظفي البيت الأبيض سيدخلون في إجازة مفتوحة، فيما سيبقى مجلس الأمن الوطني بكامل قوته، كما أن ما يزيد على 60% من مساعدي ترامب سيخضعون بدورهم للتقليص في محاولة للتعاطي مع المستجدات التي فرضتها هذه الأزمة.

أما ما يتعلق بالإدارات الفيدرالية الأخرى بما فيها مصلحة الضرائب والتأمين الاجتماعي وهيئات الإسكان والتنمية المدنية والتعليم والتجارة والعمل وحماية البيئة، فسيتم وقف العمل بمعظمها طيلة فترة الغلق، وهذا معناه أنه لم تتم مراجعة الوثائق والتراخيص للأفراد والأشغال وسيواجه المقاولون صعوبة في المضي قدمًا في مشاريعهم.

وفي المقابل ستبقي وزارة الداخلية على العديد من الحدائق العامة والمتنزهات مفتوحة على رأسها جراند كانيون والنصب التذكاري للحرب العالمية الثانية في المركز التجاري الوطني، وهو ما أكدته تيريزا بيرنو، المديرة التنفيذية للجمعية الوطنية لحماية الحدائق التي أشارت إلى أن رغم الإبقاء على المتنزهات مفتوحة غير أنه لن يكون هناك موظفون لخدمة الزائرين، وهو ما أثار انتقاد الكثيرين، ممن علقوا على ذلك بقولهم: “إنها طريقة غير مسؤولة لإدارة الحدائق”.

ملف المهاجرين.. كلمة السر

ترجع المصادر المقربة من غرفتي الكونغرس دوافع فشل إقرار خطة الموازنة المقدمة من الحكومة إلى تباين وجهات النظر بين الجمهوريين والديمقراطيين على بعض الملفات، على رأسها ملف المهاجرين غير الشرعيين من الشباب الذين لا يحملون أوراقًا ويطلق عليهم اسم “الحالمين”.

فالديمقراطيون يسعون إلى إبرام صفقة يكسبون بموجبها حماية نحو 700 ألف مهاجر من الترحيل في مقابل حصول الرئيس الأمريكي ترامب، على مزيد من الأموال لصالح بناء جدار حدودي وإجراءات أمنية أكثر تشددًا للحد من وصول المهاجرين من المكسيك.

في البداية كانت هناك موافقة شبه مبدئية على ملامح هذه الصفقة واتضح ذلك من خلال اللقاء الذي جمع بين ترامب وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، أول أمس الجمعة، إلى الحد الذي وصف فيه الرئيس، الاجتماع بعد الانتهاء منه بأنه كان “ممتازًا”، مؤكدًا الإقرار على الخطة وتأييد تمديد تمويل الحكومة للسنوات الأربعة القادمة، كما جاء في تغريدة على حسابه الشخصي على “تويتر”.

إلا أنه وفي المساء يبدو أن الأمور تبدلت بصورة واضحة، وذلك حين فشل ترامب في الحصول على دعم أعضاء حزبه من الجمهوريين على هذه الصفقة، وهو ما أثار حفيظة شومر الذي علق قائلاً: “لم يمارس ضغوطًا على حزبه لقبولها”، بحسب تصريحات أحد المطلعين على تفاصيل ما جرى لـ”رويترز“.

إخفاق التوصل إلى اتفاق بشأن “الحالمين” هو استمرار لمسلسل الفشل بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن مسألة الهجرة المستمرة منذ عدة أشهر، ففي سبتمبر/أيلول الماضي، كادت الحكومة أن تبرم صفقة مع شومر وزعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي، بشأن اتفاق لحماية المهاجرين، وبينما توقع الكثيرون ملامح انفراجة في الأزمة، إذ بالرئيس الأمريكي ينسحب من هذا الاتفاق حسبما أشارت مصادر داخل الكونغرس.

وفي بداية يناير/كانون الثاني الحاليّ، توصل السيناتور الجمهوري لينزي جراهام والسيناتور الديمقراطي ديك دوربين إلى اتفاق بين الحزبين بشأن الهجرة، البعض حينها اعتقد أن ترامب سيدعمه هذه المرة بعد الإخفاق في الاتفاق السابق، لكنه وفي اجتماع ساخن داخل المكتب البيضاوي هاجم الاتفاق بشدة، وهو ما دفع الديمقراطيون إلى الرد عمليًا، وكان ذلك من خلال عدم إقرار خطة الموازنة.

وبعد ساعات من دخول الحكومة الأمريكية مرحلة الإغلاق، حمّل أعضاء الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بعضهما البعض مسؤولية الوصول إلى هذه المرحلة، بينما ألقى آخرون اللوم في المقام الأول على دونالد ترامب.

فها هو جون يارموث الديمقراطي البارز والعضو في لجنة الموازنة بمجلس النواب، يتهم الرئيس الأمريكي في تصريحاته للصحفيين قائلاً: “دونالد ترامب غير قادر على الخوض في هذا النوع من الأحاديث المعقدة بشأن القضايا”، وتابع: “ليست لديه مساحة الاهتمام للقيام بذلك، ليس لديه الاهتمام للقيام بذلك، كل ما يريد فعله هو إظهار أنه منخرط في العملية”.

وفي المقابل حمّل ترامب النواب الديمقراطيين مسؤولية هذا الإخفاق، ففي تويتة له على حسابه الشخصي، أمس السبت، كتب يقول: “اهتمام الديمقراطيين بالمهاجرين غير الشرعيين أكبر من اهتمامهم بجيشنا العظيم والأمن على حدودنا الجنوبية الخطيرة”، مضيفًا “كان يمكنهم إبرام اتفاق بسهولة لكنهم قرروا اللجوء لسياسة الإغلاق بدلاً من ذلك”.

من جانبها قالت ساره ساندرز المتحدثة باسم الرئيس الأمريكي تعليقًا على ما حدث: “هذا المساء، وضعوا (الديموقراطيون في مجلس الشيوخ) السياسة فوق أمننا الوطني”، مضيفة “لن نتفاوض بشأن وضع المهاجرين غير الشرعيين بينما يجعل الديمقراطيون مواطنينا رهائن مطالبهم غير المسؤولة”.

ليست الأولى.. وترامب يواصل الفشل

ليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها الحكومة الأمريكية للإغلاق نتيجة الفشل في الحصول على إقرار الكونغرس لخطط الموازنة، إذ سبق أن حدث ذلك خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما ولمدة 16 يومًا في الفترة من 1 إلى 16 من أكتوبر لعام 2013، إثر احتدام نزاع بشأن برنامج مشروع الرعاية الصحية المعروف باسم “أوباما كير”، اضطر على إثره نحو 850 ألف موظف، للجلوس في منازلهم في عطلة إجبارية من دون تقاضي مرتب حتى إقرار الموازنة.

ربما كان إغلاق الحكومة في عهد أوباما هو الأكثر تأثيرًا خلال الآونة الأخيرة، لكنه ليس الأول من نوعه، إذ مرت الحكومة الفيدرالية الأمريكية بما يقرب من 18 حادثة إغلاق منذ عام 1976، مما يعني أن غياب الاتفاق تحت قبة البرلمان سمة مشتركة بين الجمهوريين والديمقراطيين طيلة العقود الماضية.

في حال الفشل في تحقيق مثل هذه التسوية سيمثل ذلك ضغطًا شعبيًا على ترامب وإدارته ربما تدفعه إلى الرضوخ لحزمة من الإملاءات

تصريحات ترامب الذي علق من خلالها على حادثة الإغلاق في عهد أوباما تحمله شخصيًا الفشل في إدارة المرحلة الحالية استنادًا إلى رؤيته في تقييم الأمور حينها، ففي مقابلة له في أعقاب التعطيل في 2013 قال: “الرئيس الأمريكي وقتها وهو باراك أوباما هو المسؤول الأوحد عن الأمر”، محملاً الرئيس حينها مسؤولية الأزمة وحلها، مضيفًا: “المشكلات تبدأ من الأعلى ويجب أن تحل من الأعلى، الرئيس هو القائد وعليه أن يجمع الكل في الغرفة ويتعين عليه أن يقود”.

وفي يوليو 2016 وفي تصريح آخر له أشار ترامب إلى قدرته على إدارة الأمور وحده، حين قال “لا أحد يعرف النظام أفضل مني ولذلك أنا الوحيد الذي يستطيع أن يصلحه”.

زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر، اتهم ترامب بالتقاعس عن إقناع حزبه بالاتفاق

انفراجة قريبة

أزمة جديدة تواجهها الإدارة الأمريكية الحاليّة بعد عام واحد فقط من ولايتها الأولى، وفشل آخر يضاف إلى سجل الإخفاقات الذي مني به ترامب من قدومه البيت الأبيض، يناير/كانون الثاني 2017، وسط موجات من الانتقادات التي يتعرض لها بسبب عدد من الملفات التي تراها بعض الأجهزة السيادية في أمريكا، تهديدًا للأمن القومي، على رأسها ملف التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية والانسحاب من الاتفاقيات الدولية وتهديد العلاقات مع الحلفاء في أوروبا وغيرها.

ورغم ما تمثله هذه الحادثة – الإغلاق – من تداعيات سلبية على المجتمع الأمريكي، غير أنه من المتوقع – وفق خبراء – ألا يطول مداها بالشكل الذي يهدد حياة الشعب الأمريكي، خاصة أنها ليست المرة الأولى، إذ من المحتمل إن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي يتم على إثره إقرار خطة الموازنة الجديدة فسيكون هناك مشروع قانون لتمويل الحكومة الفيدرالية لحين الانتهاء من التفاهمات بين غرفتي البرلمان.

بعض القطاعات ستتأثر بصورة مقلقة، على رأسها قطاع العقارات المتوقع أن تبلغ نسبة الإجازات بين موظفيه قرابة 96% والتعليم 95% والتجارة 87% والعمل 83%، بينما تبلغ في قطاع الصحة نحو 50% والعدل 17%، فيما وصلت إلى أدنى مستوياتها في قطاع شؤون المحاربين القدامى بنسبة 4%

مدير مكتب الإدارة والموازنة بالبيت الأبيض ميك مولفاني، توقع حدوث انفراجة خلال الساعات القادمة، عندما تفتح المكاتب الحكومية مكاتبها من جديد بعد عطلة نهاية الأسبوع، لافتًا إلى احتمالية التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين لإقرار الخطة، غير أنه وفي حال الفشل في تحقيق مثل هذه التسوية سيمثل ذلك ضغطًا شعبيًا على ترامب وإدارته ربما تدفعه إلى الرضوخ لحزمة من الإملاءات.

ولحين التوصل إلى هذه المرحلة من التوافق التي بلا شك ستنضوي على تفاهمات يحقق بها الديمقراطيون مكاسب قد تأخذ من نصيب الجمهوريين، سيبقى الشارع الأمريكي في حالة ترقب وقلق يسحب بدوره من رصيد ترامب لدى شعبه، ليواصل نزيف الإخفاق يومًا تلو الآخر.