الرأسمالية لها تعريفات شتى، ولكنها بمفهومها الحديث هى جعل الربح غاية فى ذاته، بمعنى أنني أبيع أي شىء طالما سيعود على بالربح بغض النظر عن قيمة هذا الشيء، فالرأسمالية تغض الطرف عن بعض المفاهيم كالقيمة من وراء المنتج وأهميته للمستهلك كي تصل إلى المال القابع فى الجيوب، فالمال هو ترنيمتها المقدسة فحسب.
وكانت النتيجة بالطبع وجود العديد من السلع- و إن لم يكن أغلبها- ليست بلا قيمة فحسب بل وإنها لضارة كذلك. أضرب مثلاً بالشركات العالمية للمشروبات الغازية كبيبسى وكوكاكولا وشركات الفاست فود كماكدونالدز وغيرهم. وكان للعامل الإعلامي أثر السحر مع غياب الكثير من الأسس الهامة لدى الأسرة كالترشيد فى الاستهلاك واقتصار الشراء على الاحتياجات الأساسية لا تلك الرغبات الوهمية التي تروج لها الإعلانات لمثل هذه المنتجات السابق ذكرها، و بذلك انتشرت تلك المنتجات انتشار النار فى الهشيم لتأكل من مال وصحة من يقترب منها.
وفى الآونة الأخيرة، تيقظ بعض الأفراد من هذا السبات وبدأت بعض حملات التوعية من التحذير من خطورة المشروبات الغازية والفاست فود لما لهما من تأثيرات سلبية على صحة الناس عامة والأطفال خاصة. و لذلك وجدت مبادرات – و إن لم تعبر عن الكثرة – تنادي بمقاطعة تلك المنتجات وضرورة الإقلاع عنها نهائيًا. وما كاد ذلك أن ينتشر إلا و قد علمت المقاتلات التسويقية لدى تلك الشركات الرأسمالية من خلال أبحاث التسويق واستطلاع الآراء و ما إلى ذلك من طرق، فماذا كان العمل إذن؟
وكعادة الرأسمالية، استطاعت اجتياز تلك العقبة بإيجاد قيمة خارج المنتج، بمعنى أنه لا جدوى من محاولة إثبات أن المنتج غير ضار، لأن هناك من الأدلة العلمية ما يوأد تلك المزاعم قبل وجودها، ولذلك لجأوا إلى إلصاق قيم خارجة عن المنتج. أضرب على ذلك مثلاً بإحدى إعلانات ماكدونالدز. قرأت ذات يوم على لوحة إعلانات ما نصه أن وجبة ماكدونالدز بقى فيها تفاحة خضراء وقد استبدلت العينان فى لوجو ماكدونالدز الشهير بتفاحتين. و القصة واضحة، طالما أن الوجبة ضارة فهى الآن بها تفاح أخضر- ما عرفتكش أنا كده !! – و ذلك لأن التفاح الأخضر هو أكثر الأنواع فائدة.
ومن الأمثلة الحالية أيضا حملة كوكاكولا الإعلانية فى الآونة الأخيرة، فبعدما لاقت حملة كوكاولا إفرح رواجًا جماهيريًا، طورت الرأسمالية الكوكاكولية حملتها لتعطى الطبخة نكهة إضافية البعض، تعتمد الحملة الحالية على مفهوم مساعدة الآخرين، مثلاً “أنا بوزع بلالين على الناس” “أنا بعلق مراجيح فى الشارع” و ينتهى الإعلان ب “لو ده الجنان إتجنن”. و من الواضح طبعًا إعطاء المنتجات الكوكاكولية نكهة خيرية لتغطى طعمها الصدئ. وذلك بالطبع أدهى لأنه يمكن تحقيقه على أرض الواقع بدلاً من توريط أنفسهم فى مأزق فى محاولة إثبات أن المنتج غير ضار هذه الطريقة أسهل.
وبالمثل لجئت الشركة المنافسة بيبسى إلى تصويب حملتها نحو الهدف. “دورى بيبسى للمدارس” حلم معظم أبناء هذا السن، أن يكونوا لاعبى كرة قدم تسلط عليهم الأضواء و تكدس أرصدتهم بالمال”. و كى يحبك السيناريو فى كلتا الحملتين، يستعين مسئولوها برموز معروفة لها جماهيرية واسعة -و لا داعى لذكر الأسماء- ولأن المال قبلة الكثيرين، يأخذ المال دورته من أصحاب الشركات الرأسمالية إلى مروجي إعلاناتهم وصولاً إليهم مرة أخرى من خلال المستهلكين.
هذه هى ببساطة العقيدة الرأسمالية، لا تعترف إلا بالمال إلهًا. و بالمثل الشعبى “مطرح ما تحط دقلها”، فهم يريدون تنظيف جيبك تحت أي ظرف وبيع ما ينتجونه بغض النظر عن قيمته. وتكمن القدرة الرأسمالية على التكيف فى كونها لا مبدأ لها ومرونتها فى أن ترتدي أي مقاس وأى نوع من الملابس طالما سيؤدى الغرض المطلوب. هذه الإعلانات ليست الوحيدة من نوعها التي توضح الفكرة ولكنها أكثرها وضوحًا وأوسعها انتشارًا.
وأخيرا تذكرت تلك الأبيات لأمير الشعراء لأحمد شوقى و أنا أشاهد الإعلانات التى أشرت إليها:
برز الثــــعلب يوما في ثياب الواعظــــين
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين
و يــــــقول الحمـــــد لله إلــــه العالمــــين
يا عبـــــاد الله توبوا فـهو كهف التـــائبين
وازهـــــدوا فإن العيش عيش الزاهـــدين
و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصـــبح فينا
فأتى الديك رسولا من إمـــــــام الناسكين
عرض الأمر عليه و هو يرجــوا أن يلينا
فأجاب الديك عذرا يا أضـــل المــــــهتدين
بلغ الثعلب عني عن جدودي الصــــالحين
عن ذوى التيجان ممن دخلوا البطن اللعين
أنهم قالوا و خير القـــول قول العارفيــــن
مخطئ من ظـــن يومـــا أن للثــــعلب دينا