حربٌ على الإنسان في اليمن

یعیش الإنسان الیمني بشكل عام حالة إنسانیة واجتماعیة صعبة نتیجة الأوضاع الأمنیة المتدهورة التي تشهدها البلاد جراء الحرب، ویعاني الأطفال على وجه الخصوص من مشاكل عدة ألقت بظلالها على تكوینهم المرحلي، وتحولوا إلى الضحیة الأبرز في الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات، فهم یفتقدون أبسط الحقوق في الحیاة والرعایة الطبیة والتعلیم.
الأوضاع الصحیة والاجتماعیة
أصدر مكتب تنسیق الإنسانیة التابع للأمم المتحدة “أوتشا” في الیمن تقریره، نهایة عام 2016، أكد فیه أن 8 ملایین و160 ألف طفل في الیمن یعانون من خطر الإصابة بسوء التغذیة الحادة والمتوسط، نتیجة الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات، فیما یعاني 386 ألف طفل من سوء التغذیة الوخیم الذي یعتبر من أسوأ حالات الجوع، ویسجل هذا المرض رقمًا قیاسیًا في حالات الوفاة بین صفوف الأطفال، بمعدل موت طفل كل 10 دقائق.
انتشار مرض الكوليرا في اليمن بسبب الحرب
ومع انتشار الأمراض المعدیة والخطیرة وعلى رأسها مرض الكولیرا الذي تفشى منذ أواخر أبریل 2017، نتیجة حالات الإسهال الحاد والتهابات الجهاز التنفسي، أعلنت منظمة الصحة العالمیة في تقریرها الأخیر، ارتفاع حالات الوفیات بهذا المرض، حیث بلغت 2134 حالة، كما سجلت 777229 حالة یشتبه بإصابتها بهذا الوباء المعدي.
أطفال الیمن من دون مدارس
في نهایة 2015، أغلقت أكثر من 3600 مدرسة من مدارس الیمن أبوابها في وجه الأطفال، مما أثر على 1.8 ملیون طفل، وفي عدة تقاریر صادرة عن منظمات إنسانیة فإن الحرب الدائرة بالیمن ساهمت في حرمان ملیون و500 ألف طفل من التعلیم، وتحتل مدارس صعدة الرقم الصعب من الانعدام المدرسي.
الأطفال الذین جندتهم الحرب بالیمن
هذه الأوضاع ساهمت في ارتماء أطفال الیمن في أحضان الحرب المدمرة، حیث ازدادت عملیات التجنید في صفوف الأطفال وزجهم في القتال وحرب الشوارع، فقد التحق أكثر من 1600 طفل تحت سن 18 سنة للقتال إلى جانب الحوثیین وقد یكون الرقم أعلى بكثیر مما ذكر.
استخدام الأطفال في الحرب المسلحة في اليمن
وفي تقریر لمنظمة الیونيسف تحت عنوان “الیمن.. طفولة مهددة”، الصادر عام 2015، ذكر أن 398 ألف طفل قتلوا وأصیب 600 ألف منذ تصاعد العنف بالیمن.
فتحت عنوان “الحرب تحول أطفال الیمن إلى مقاتلین وزوجات قاصرات” أبرزت صحیفة نیویورك تایمز الأمریكیة في تقریرها عام 2017 المعاناة التي یعیشها الیمنیون في السنوات الحالیّة، ففي داخل التقریر صرحت ممثلة مؤسسة الطفولة “الیونيسف” في الیمن للنیویورك تایمز میریتشیل ریلانیو، قائلة: “من المستحیل ذكر عدد الأطفال الذین أخرجوا من المدارس من أجل الزواج أو الاشتراك في القتال”، وأضافت “عدم وجود حیاة مهیأة للطفولة بجانب أمور أخرى تجبرهم على القیام بذلك”، وجاء في التقریر أن العام المنصرم بلغ عدد المجندین من الأطفال 500 حالة.
أطفال الیمن بلا مأوى
بسبب الحرب في الیمن تم تهجير ما یقارب ثلاثة ملایین مدني من أصل ٢٧.٤ ملیون نسمة، وتعتبر نسبة الأطفال هي الأعلى، حيث بلغت 56% من إجمالي النازحین، وفق تقریر “أوتشا”.
أطفال الیمن بین أرقام الموت
وفي تصریح لممثل الیونيسف في الیمن جولیین هارتس أكد فیه أن ما يعیشه الیمن “مأساة حقیقیة” بالنسبة للأطفال، ویتعرضون للقتل بفعل القصف والاقتتال، ویواجه الناجون منهم خطر الأمراض وسوء التغذیة ولا یمكن أن نسمح لذلك بالاستمرار.
معاناة الطفل الیمني في النزوح تحت ظروف قاسیة، فاقمت من ازدیاد معدلات الاستغلال النفسي والجسدي، ویعیش 148 ألف طفل من النازحین حالة فقدان الوالدین أو أحدهما (أیتام).
وأما بالنسبة لحصاد عام 2017، فتقریر الأمم المتحدة الأخیر كشف تدنيًا خطیرًا للوضع الإنساني بالیمن، ووصفه مارك لوني وكیل الأمم المتحدة للشؤون الإنسانیة بأنه یشبه “یوم القیامة”.
ووثقت الأمم المتحدة أن أكثر من 22 ملیون یمني بحاجة إلى مساعدات، بینما ارتفع عدد النازحين إلى 3 ملایین یمني، وحتى 15 من أكتوبر 2017 شهد الیمن 8757 وفاة وأكثر من 50 ألف جریح، ویبدو أن الحیاة المعیشیة في تدهور مستمر، حیث بلغ عدد من یعانون من انعدام الأمن الغذائي 17 ملیون وهو رقم مهول جدًا.
إن في تفاصیل الأرقام الصادرة بین الأمس والیوم عن الوضع الإنساني بالیمن ما یساعدنا على فهم انحراف الحرب الدائرة فیه منذ 2015، فهنالك الصراع المتصاعد على السلطة بین أطراف النظم الدولیة، وهنالك لیست الحرب الأهلیة فحسب المتسببة فیما وصل إلیه هذا البلد، بل هناك هذه الملهاة المفجعة لآلاف الأرواح، حتى تزودنا وتزود العالم بمشاهدة أوضح على أن الحرب على الیمن هي حرب على الإنسان بالدرجة الأولى.