“إن لم يكن الآن”: هل يبدأ انهيار الصهيونية من داخلها؟

تتعدد جبهات العمل الحقوقي والمدني المناصر للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، وتتخذ كل واحدة منها منظورًا وزاوية مختلفة لمعالجة القضية وما يتصل بها من نضال شعبي ومؤسساتي، إلا أن هذه الجبهات على اختلاف توجهاتها تتقاطع في عدد من المبادئ والأهداف، يتصل معظمها برفض الاحتلال الإسرائيلي وما يتولد عنه من نظام فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

إحدى رائدات هذا المجال منظمة يهودية يسارية شابة، باتت تكتسب مع زخم الأحداث أهمية ومركزية مضطردتَين في المجتمع اليهودي الأمريكي، هي منظمة “إن لم يكن الآن (IfNotNow)” التي تستمد مبادئها من تاريخ اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد واختبروا سياسات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، رافضة أن يتم الزجّ باسم ضحايا الأمس في جرائم اليوم.

كيف بدأت هذه المنظمة؟ وأي مبادئ تحمل؟ ما هي طبيعة نشاطها؟ وأي علاقات تربطها بشبكة العمل الحقوقي في الولايات المتحدة؟ يجيب هذا المقال عن هذه الأسئلة وما يتصل بها على امتداد التاريخ القصير للمنظمة الشابة.

الحاجة أمُّ النشوء

بدأت اللبنة الأولى للمنظمة بالتشكُّل مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، حيث جمعت يهودًا أمريكيين مناهضين للحرب تحت مظلتها، وطالبت بوقف الحرب على غزة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في القطاع والضفة الغربية، وتحقيق العدالة للجميع من فلسطينيين وإسرائيليين في الأرض المقدسة، وفقًا لمنظورها.

في تجمع مبكر لأعضاء منظمة “IfNotNow” في بروكلين، حدادًا على الذين قتلوا في حرب غزة منذ 4 أغسطس 2014.

تتكئ المنظمة على عدد من المبادئ التي تتلخّص بالسعي للمساواة والعدالة، بمناهضة سياسة الولايات المتحدة الداعمة لسياسة الفصل العنصري والاضطهاد التي تمارسها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين في مختلف ربوع الأرض المقدسة، وتعمل في سبيل ذلك على تحرير اليهود أنفسهم من الخرافة التي تقول إن أمنهم يستدعي اضطهاد غيرهم.

تعقد المنظمة أيضًا الشراكات مع المنظمات التي تتقاطع معها في الأهداف المناهضة لكافة أشكال التمييز العنصري، من تمييز مبني على الجنس والعرق والانتماء الديني والوطني. متقاطعة معها بالعمل على مناهضة التوجهات الإمبريالية الاستعمارية للبيت الأبيض.

تسعى الحركة لإنهاء التعاون السياسي والعسكري والمالي بين الأمريكيين ممثَّلين بحكومتهم وحكومة الفصل العنصري الإسرائيلية، تحت ستار حاجة اليهود لحماية أمن “إسرائيل”، والتي تؤجّج نارها مؤسسات أمريكية يهودية على رأسها ذراع اللوبي الصهيوني إيباك ومنظمة “مناهضة التشهير (ADL)” ومنظمة “الأغلبية الديمقراطية من أجل إسرائيل (DMFI)” ومنظمة “مؤتمر الرؤساء” الأمريكية، وهي في مجملها منظمات تدّعي التحدث باسم عامة اليهود في العالم.

كما تملك المنظمة فروعًا في معظم الولايات الأمريكية، وتعدّ فروعها المحلية في ولايات مثل نيويورك وشيكاغو وكاليفورنيا وواشنطن العاصمة ذات تأثير وفاعلية كبيرَين، نظرًا إلى حساسية هذه الولايات ودورها في توجيه السياسة الأمريكية.

نهج البناء والتثقيف الداخلي

تنتهج المنظمة نهجًا للتنظيم الداخلي لصفوفها، يتمثل بلقاءات رفع الوعي والتخطيط والتنظيم لأفرادها والأعضاء الجدد الراغبين بالانضمام إلى صفوفها. إضافة إلى ورشات العمل ودورات التدريب التي تعقدها بشكل دوري، والتي تعمل من خلالها على تزويد المنضمّين إليها بالمعلومات المهمة وأدوات الاحتجاج والتأثير، إضافة إلى التركيز على أهداف المنظمة القريبة وبعيدة المدى.

تعمل المنظمة على رفع الوعي بين أفراد المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، من خلال تزويدهم بمصادر تثقيفية تشخّص دورهم التاريخي في دعم وتمكين المشروع الاستعماري الصهيوني من جهة، ودورهم الذي من المفترض الاضطلاع به لسحب هذا الدعم وتقويض نظام الفصل العنصري المتولد عنه.

حيث تقوم المنظمة بالعمل على تقارير ومواد ذات طبيعة تعليمية، تنشرها على موقعها من ناحية وتزود بها المنضمين إليها من ناحية أخرى. كان أهمها التقرير المفصّل حول دور المؤسسة اليهودية الأمريكية في تطويل أمد الاحتلال وديمومته في الأراضي الفلسطينية. إضافة إلى المقترحات التعليمية للأكاديميين ومعلمي المدارس لرفع الوعي بين الطلبة اليهود بالقضية التي تم زجّهم فيهم رغمًا عنهم.

وقفت المنظمة وقفة حازمة عام 2021 دفاعًا عن المنظمات الحقوقية الفلسطينية التي وسمتها وزارة الدفاع الإسرائيلية بـ”المنظمات الإرهابية”، واعتبرته تواطؤًا إسرائيليًا لإسكات الأصوات الفلسطينية

فقد عقدت المنظمة عددًا من ورشات العمل والحلقات التثقيفية للطلبة والأساتذة حول نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، وخطر الحركة الصهيونية على سلامة وأمن اليهود والفلسطينيين معًا. كما عقدت المنظمة سلسلة من المحاضرات حول عدم مشروعية ضمّ الأراضي الفلسطينية، شارك فيها عدد من الشباب اليهود والمثقفين والأكاديميين المنضوين في صفوف المنظمة.

تدير المنظمة أيضًا برنامجًا تعليميًا يُدعى “لم تقولوا لي قط (You never told me)“، يقدم منصة تعليمية بديلة للشباب والطلبة اليهود، لتثقيفهم حول الاحتلال الإسرائيلي بدلًا من البرامج التعليمية التقليدية التي تسوّق روايات مضللة حول حقيقة الدولة وفقًا للمنظمة.

من ناحية أخرى، انخرطت منظمة “إن لم يكن الآن” بحملات تدريبية ومخيمات صيفية لليهود الشباب، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، لتقديم الرواية الفلسطينية حول الاحتلال ومعاناة الفلسطينيين الذين يرزحون تحت أثقال نظام الفصل العنصري.

وبسبب نقدها اللاذع لـ”إسرائيل”، رفضت مخيمات صيفية يهودية التعامل مع المنظمة، ما يعمّق من الانفصال الحاد بين المؤسسات اليهودية الرسمية وتوجهات الشباب الرافضة لثقافة الاستعمار والاضطهاد الممارَس على شعوب وثقافات أخرى.

عمل متعدد الإطارات

أطلقت المنظمة منذ انطلاقها عددًا من المشاريع، كان أهمها مشروع “مناهضة حق الميلاد”، والذي يستهدف ثني الشباب اليهودي عن الانضمام إلى الرحلة التعريفية التي تنظمها مؤسسات صهيونية أمريكية لتعريف يهود أمريكيين وغيرهم بـ”إسرائيل”، لحضهم على الهجرة والاستقرار فيها تحت ما يسمّى “حق التجنس (Birth Right)”.

وقد اتهمت المنظمة الواقفين وراء المشروع بتضليل الشباب اليهودي وإعطاء صورة مغلوطة عن “إسرائيل”، صورة تخفي حقيقتها القائمة على اضطهاد ملايين الفلسطينيين. وقد حاولت المنظمة ضمن مشروعها إيقاف بعض الرحلات المتوجهة إلى “إسرائيل” ضمن هذا البرنامج، وحضّ الشباب اليهودي على التوجه إلى الخليل وغيرها من المدن الفلسطينية لمعاينة الحقيقة والواقع المخالف لما تروّجه هذه الرحلات.

كما أرسلت المنظمة بالتزامن بعثة مناهضة للاحتلال لزيارة الأراضي المحتلة، ولقاء منظمات إسرائيلية وفلسطينية حقوقية عاملة في الأراضي المحتلة أسمتها “Anti Occupation Delegation”، ورافقت المنظمة المشاركين في البعثة للاطّلاع على نقاط التفتيش والمستوطنات ونظام السجون الإسرائيلية، ومعاينة المعاناة الفلسطينية عن كثب.

أعضاء من منظمة “إن لم يكن الآن” يسدون مدخل مكاتب “بيرثرايت” في نيويورك، 5 أبريل 2019.

أطلقت المنظمة أيضًا عام 2020 مشروعها “اسحبوا التمويل من الاحتلال”، طالبت فيه بتوجيه رسائل للممثليين التشريعيين في الكونغرس لحضهم على التصويت على وقف التمويل لحكومة “إسرائيل” لاستمرار سياسات الاحتلال والتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، وتوجيه تلك الأموال في المقابل لإنهاء الاحتلال وضمان حياة كريمة وحرة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

كما تطلق ضمن جهودها الدورية عرائض تطالب فيها الحكومتَين الإسرائيلية والأمريكية بالاضطلاع بمسؤولياتهما، بتحسين حياة الفلسطينيين ووقف الانتهاكات الحقوقية بشأنهم، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال ورفع الحصار المطبق على قطاع غزة.

عقدت كذلك المنظمة إضافة إلى ندواتها التثقيفية ووقفاتها الاحتجاجية، عددًا من الفعاليات الإبداعية لتوصيل رسالتها وتحقيق أهدافها، فعلى سبيل المثال تواجدت المنظمة في أماكن وفعاليات مناصرة لـ”إسرائيل” مثل متحف التاريخ اليهودي، حيث قامت بعرض متعلقات بالاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقطاع قبل أن يتم طرد أعضائها من المكان.

كما اعترضت طريق احتفاليات ومظاهرات داعمة لـ”إسرائيل”، عارضة الوجه الآخر من الرواية للوجود العنصري لـ”إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية. وتواجد أعضاء المنظمة في الفعاليات التي ضمّت متحدثين إسرائيليين أو مناصرين لـ”إسرائيل”، لتقوم بمقاطعتهم والاعتراض على خطاباتهم، مطالبة إياهم بالكفّ عن تزوير الحقائق وتضليل الشباب اليهودي، كان على رأسهم كاتب “نيويورك تايمز” الصهيوني برت ستيفينز والسفير الأمريكي لـ”إسرائيل” ديفيد فريدمان، ليتم اعتقال أعضاء من المنظمة تبعًا لذلك.

تقاطُعات وأهداف مشتركة

تناضل الحركة ضد أشكال التمييز المختلفة، بما فيها سياسات الإسلاموفوبيا وسياسات معاداة السامية التي يمارسها التفوقيون البيض، وتروج لها الحكومات الشمولية حتى في أوساط الدول التي تعتبر ديمقراطية. وترى أن ممارسة التمييز ضد أي لون أو عرق أو أصل وطني هو تهديد لمستقبل الجميع، وأن الفكر الصهيوني القائم على الترويج لاضطهاد الفلسطينيين كسبيل وحيد لضمان سلامة اليهود، هو فكر عنصري ومهدد لأمن اليهود في كل مكان.

وقد اتخذت المنظمة من الحركات الاجتماعية الأمريكية التي سبقتها، وعلى رأسها “حياة السود مهمة” و”احتلوا وول ستريت” وحركة الحقوق المدنية وتنظيمات العمال، قدوة في العمل السلمي باتجاه تشكيل السياسة وتغيير الرأي العام في الولايات المتحدة، مركزة جهودها على المؤسسات اليهودية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي بشكل أساسي.

رغم أن المنظمة لا تملك موقفًا رسميًا بالنسبة إلى حركة المقاطعة، إلا أنها رحّبت بحقّ الحركة بالعمل وعدم مشروعية تجريمها وإيقاع العقوبات على أنصارها

حيث تمتلك المنظمة عددًا من الشراكات المميزة مع منظمات وحركات ذات توجهات وأهداف مشتركة وأخرى عاملة على الحق الفلسطيني، سواء من داخل الأراضي الفلسطينية أو على الأرض الأمريكية.

وعلى رأس هذه الشراكات تأتي شراكتها مع منظمتَي “عدالة” و”بتسيلم” العاملتَين في الداخل المحتل، ومنظمة “اكسروا الصمت” وهي منظمة شابة مشكّلة من جنود احتلال سابقين انشقوا عن الجيش الإسرائيلي ويعملون حاليًا على مناوئة سياسات الجيش وفضح جرائمه. كما تمتلك شراكات مع عدد من المنظمات المختلطة بين فلسطينيين وإسرائيليين يساريين ذات طبيعة حقوقية أو ثقافية وفنية.

وقد وقفت المنظمة وقفة حازمة عام 2021 دفاعًا عن المنظمات الحقوقية الفلسطينية التي وسمتها وزارة الدفاع الإسرائيلية بـ”المنظمات الإرهابية”، واعتبرته تواطؤًا إسرائيليًا لإسكات الأصوات الفلسطينية ومناهضة العمل الحقوقي والنشاط الشبابي في الأراضي المحتلة، بغية تعميق نظام الفصل العنصري.

نشطاء “IfNotNow” اليهود يدعون إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الدعم الأمريكي للاحتلال والفصل العنصري.

من ناحية أخرى، تدعم المنظمة بشكل مباشر حركة “حياة السود مهمة”، وتشارك في الفعاليات التي تعقدها الحركة، وقد صرحت المنظمة عام 2020 بتقاطع الأهداف بينها وبين حركة “حياة السود مهمة”، حيث اعتبرت أن حكومة الولايات المتحدة ضالعة في سياسات تمييزية ضد السود بتمويل مؤسسات الشرطة والأمن العنصرية في المدن الأمريكية، وفي الوقت عينه تقوم بتمويل نظام الاحتلال والفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية بالدعم المتواصل وغير المشروط لـ”إسرائيل”.

ورغم أن المنظمة لا تملك موقفًا رسميًا بالنسبة إلى حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي إس”، وتلوذ بالصمت حيال إعلان موقف واضح من الحركة ربما لضمان الحصول على هامش أوسع وسط الجالية اليهودية، لحساسية موضوع المقاطعة والمعارضة الواسعة التي تواجهها الحركة في أوساط الإسرائليين، إلا أنها رحّبت في عدد من المناسبات بحقّ الحركة بالعمل وعدم مشروعية تجريمها وإيقاع العقوبات على أنصارها، معلنةً أنها ترفض منح أموال الضرائب الأمريكية لدعم الاحتلال الإسرائيلي.

مشاريع مشتركة

يعدّ مشروع “رفض إيباك (Reject AIPAC)” أحد أهم المشاريع المشتركة التي تركز المنظمة جهودها عليها في الفترة الحالية، وتقف فيها جنبًا إلى جنب مع أكثر من 20 مؤسسة مدنية أمريكية رافضة لتدخلات إيباك العنصرية في السياسة الأمريكية. حيث تُعتبر لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية الأمريكية “إيباك” إحدى أقوى أذرع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيرًا على مسار السياسة الرسمية الأمريكية.

تطالب المنظمة من خلال هذا المشروع المسؤولين والممثلين التشريعيين الأمريكيين برفض تمويل إيباك لحملاتهم الانتخابية، ورفض أجندتها الداعمة لـ”إسرائيل” دون قيد أو شرط، والدعوة بخلاف ما تروجه وتسعى له إيباك لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وضمان الحرية والعدالة والمستقبل المزدهر “للفلسطينيين والإسرائيليين”، بحسب تعبير المنظمة.

من ضمن الأهداف التي تضعها المنظمة ضمن تحالف رفض إيباك، جمع التبرعات والدعم المالي اللازم لدعم حملات انتخابية مناوئة للأسماء التي تدعمها إيباك وتموّل حملاتها، والضغط على الكابيتال هيل وممثلي الكونغرس لتبنّي خط مناصر للقضية الفلسطينية ورفض التدخلات والضغوط الصهيونية المخالفة في جوهرها للدستور والقانون الأمريكي، إضافة إلى انتهاكها لالتزامات الولايات المتحدة بموجب القانون الدولي.

تعقد المنظمة عددًا من الفعاليات ضمن هذا المشروع، منها تنظيم الاتصال المتكرر والمباشر بالممثلين التشريعيين للولايات في مجلسَي الشيوخ والنواب، للضغط باتجاه إقصاء إيباك ورفض تدخلها في صياغة وتوجيه قرارات البيت الأبيض فيما يخص “إسرائيل” وسياساتها في الشرق الأوسط. ومنها أيضًا حضّ الأفراد على حضور اجتماعات البلديات والمكاتب التشريعية في الولايات المختلفة، للتعبير عن رفضهم لسياسة إيباك والعلاقات التي تربطها بالمؤسسة الرسمية الأمريكية.

كما تسعى المنظمة ضمن جهودها في هذا المشروع لدعم مرشحين تشريعيين للكونغرس، يُعتبرون من أشد الرافضين لسياسات إيباك والدعم المطلق وغير المشروط الذي تتبعه الولايات المتحدة في علاقتها مع “إسرائيل”، ومن ضمن الأسماء التي تدعمها المنظمة إلهان عمر ورشيدة طليب وكوري بوش وسمر لي وجمال باومان، وهي أسماء في أغلبيتها ديمقراطية رافضة لسياسة واشنطن الحالية بخصوص الحرب في القطاع، وما سبقها من دعم لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال طويل الأمد في بقية ربوع فلسطين.

موقعيتها من منظمات يهودية أخرى

تجمع المنظمة شراكة استراتيجية مع المنظمة اليهودية الأبرز في الولايات المتحدة: “أصوات يهودية من أجل السلام”. رغم بعض الاختلافات بين المنظمتَين، والتي يتركز معظمها في الإطار العام لعملهما، حيث ترفض “أصوات يهودية من أجل السلام” المشروع الصهيوني وتشكّك في مشروعية الدولة اليهودية دون أن تقول كلمتها في حل الدولتَين أو حل الدولة الواحدة، بينما يقتصر إطار عمل “إن لم يكن الآن” على تفكيك الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وإنهاء نظام الفصل العنصري في “إسرائيل”، لضمان الحرية والعدالة والمساواة للفلسطينيين والإسرائيليين على السواء.

ورغم أن المنظمة تنظر إلى النكبة بوصفها عملية مستمرة أنتجت واقعًا من التطهير العرقي المستمر وسياسات الاحتلال العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب واقع من الفصل العنصري والاضطهاد العرقي في المجتمع الإسرائيلي في مناطق الـ 48، إلا أنه لا يبدو أنها تملك قولًا فصلًا في مشروعية الدولة الإسرائيلية.

بخلاف “أصوات يهودية من أجل السلام”، تقتصر عضوية منظمة “إن لم يكن الآن” على المنتمين إلى الديانة اليهودية، وتتركز كثير من فعالياتها على تقاليد وممارسات دينية يهودية

فمن ناحية تؤكد المنظمة في مبادئها على صراعها المستمر مع الفصل العنصري والصهيونية و”دولة إسرائيل”، ومن ناحية أخرى تضع الهويتَين الوطنيتَين الفلسطينية والإسرائيلية على قدم المساواة، وتقول إنها تسعى لازدهار وحرية وكرامة الطرفَين. معترفة بالوقت ذاته بأثر النكبة وما رافقها من سرقة لأراضي العرب وتهجير مستمر للفلسطينيين، وما أنتجته من واقع مرير مستمر في كافة ربوع فلسطين.

ورغم ذلك رحّبت “أصوات يهودية من أجل السلام” بالمنظمة الشابة، واعتبرتها خطوة مهمة لتثقيف الشباب اليهودي ورأب الهوة بين الواقع والمتخيَّل حول “إسرائيل”. كما تشترك المنظمتان في عدد من الفعاليات التي تضم اليهود الأمريكيين، ومنها الوقفات الاحتجاجية أمام البيت الأبيض للتعبير عن رفض اليهود لحرب الإبادة التي تُشَنّ باسمهم والمطالبة بوقفها فورًا.

بخلاف “أصوات يهودية من أجل السلام”، تقتصر عضوية منظمة “إن لم يكن الآن” على المنتمين إلى الديانة اليهودية، وتتركز كثير من فعالياتها على تقاليد وممارسات دينية يهودية.

فعلى سبيل المثال، تحيي المنظمة ذكرى الشهداء الفلسطينيين الذين يقعون بسبب الغارات الإسرائيلية في القطاع بتلاوة الكاديش اليهودي وقطع الكرياه، أي تمزيق قطعة من الملابس عادة ما تكون سوداء كتعبير عن الحزن ورفض موت هؤلاء، وهي فعالية أحيتها المنظمة عدة مرات منذ السابع من أكتوبر وخلال الحملات الإسرائيلية السابقة على القطاع.

أعداء قدماء – أعداء جدد

تتعرض المنظمة الشابة لهجوم منظَّم من الأذرع الصهيونية في الولايات المتحدة؛ فمن ناحية تشكّك منظمة “مونتير واتش” سيّئة السمعة، والتي تراقب عمل المنظمات الحقوقية العاملة لصالح القضية الفلسطينية على المستوى العالمي، في تمويل “إن لم يكن الآن” وأجندتها، معتبرة أنها منظمة مشبوهة وتنشر المعلومات الخاطئة بين المجتمعات اليهودية.

كما تواجه المنظمة اتهامات أيضًا بمعاداة السامية رغم هويتها الدينية الواضحة وتمسّكها بالتقاليد اليهودية. وقد قامت عدة جهات يهودية أمريكية وإسرائيلية بانتقاد الحركة الشابة ونعتها بعديمة الفائدة، لرفض أعضائها الانخراط في مناقشات مع أنصار وداعمي الاحتلال من المؤسسات اليهودية الرسمية.

من ناحية أخرى، رفضت المنظمة تعريف تحالف إحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، واعتبرته خلطًا خطيرًا بين اليهودية والصهيونية، كما أشارت إلى رفضها استخدام هذا التعريف لإسكات الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية، مناوئة بذلك خط تحالف مناهضة التشهير، ورافضة تهم معاداة السامية التي يخلطها التحالف عمدًا مع مناصرة القضية الفلسطينية لتكميم الأفواه ونزع الشرعية عن الحراك الداعم لفلسطين في الولايات المتحدة.

لعبت المنظمة دورًا بارزًا في انتفاضة الجامعات الأمريكية، حيث رفضت منذ البداية الزجّ بطلبة الجامعات في جلسات تحقيق في الكونغرس استهدفت رؤساء الجامعات تحت غطاء محاربة معاداة السامية

أكدت المنظمة في عدة بيانات رفضها لتعريف معاداة السامية الذي يخلط بين معاداة اليهود كمنتمين إلى ديانة سماوية ومعاداة المشروع الصهيوني ذي الجذور السياسية، ويعتبر هذا الخلط من قبيل تهديد أمن اليهود ويسهم في ازدياد حالات التمييز ضدهم بدل وقفها.

ورغم ادّعاء تحالف مناهضة التشهير مشاركة المنظمة الأهداف ذاتها بتحقيق السلام وضمان حل الدولتين، كال التحالف على المنظمة اتهامات بالبُعد عن الحوار واللجوء إلى التشدد والانحياز إلى الرواية الفلسطينية على حساب معاداة “إسرائيل” وسياساتها.

بينما يصنفها مشروع كناري (Canary Mission) المشبوه كمنظمة معادية لـ”إسرائيل” وذات ميول عنيفة وإقصائية، مشيرًا إلى علاقاتها المشبوهة بمنظمات تصنَّف كمنظمات إرهابية، مثل منظمة “مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين (AMP)” وأخرى متطرفة وفقًا لتصنيف المشروع مثل “أصوات يهودية من أجل السلام (JVP)”.

بينما يورد المشروع أسماء أعضاء المنظمة وعلى رأسهم مؤسِّستها سيمون زيمرمان، ومساعدة التأسيس رايشيل ماندلبوم، والناشط فيها ليكس روفبيرج على قوائم أعداء “إسرائيل”، ويصفهم بالتطرف والعنف والضلوع في أجندات مشبوهة والمساهمة في إشاعة الفوضى في الولايات المتحدة.

بعد السابع من أكتوبر

رغم إدانتها الصريحة لهجمات السابع من أكتوبر، واعتبارها هجمات انتقامية مروعة على المدنيين الإسرائيليين؛ كثفت المنظمة منذ ذلك الحين جهودها الاحتجاجية القائمة على تحركات المناصرة والضغط لمواجهة الدعم اليهودي الرسمي والأمريكي غير المشروط لحرب الإبادة في القطاع.

كما طالبت بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات العاجلة للقطاع، وإعادة تمويل الأونروا ووقف تسليح الحكومة الإسرائيلية فورًا. كما قامت بالضغط على مسؤولين أمريكيين يهود في الكونغرس والبيت الأبيض لوقف دعمهم لـ”إسرائيل”.

أعضاء من المنظمة يتجمعون خارج مؤتمر للأيباك في واشنطن للاحتجاج على دعمهم للمذبحة التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الفلسطينيين في غزة.

واستخدمت في سبيل إيصال صوتها عددًا من أشكال الاحتجاج، أهمها الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية التي استهدفت فضح مخططات اللوبي الصهيوني ومطالبة المسؤولين الأمريكيين برفض أجندته الضاغطة باتجاه الدعم المطلق وغير المشروط لـ”إسرائيل”. وجاء على رأسها مظاهراتها أمام مقر لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية الأمريكية “إيباك” في واشنطن دي سي، يوم 12 مارس/ آذار الماضي.

كما قامت بتنظيم عدد من المظاهرات اليهودية في ولايات ذات ثقل سياسي، على رأسها لوس أنجلوس وبوسطن ونيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا، لمطالبة الرئيس بايدن بوقف تمويل الحرب الإبادية في القطاع.

وتتنوع الفعاليات التي تنظمها “إن لم يكن الآن” خلال وقفاتها الاحتجاجية أمام المكاتب الرسمية والمباني الحكومية الأمريكية، للفت نظر المسؤولين والضغط السلمي عليهم لتغيير سياساتهم الداعمة لـ”إسرائيل” في حرب الإبادة التي تشنها في القطاع.

ففي أغلب هذه الوقفات، والتي عادة ما تُعقَد أثناء التصويت على القرارات والمراسيم الرسمية وفي أماكن اتخاذ القرار، يتم استخدام الصلوات اليهودية وتعداد أسماء الشهداء الفلسطينيين، خاصة الأطفال منهم، واستخدام الموسيقى المؤثرة وحمل اللافتات التي تطالب بوقف إطلاق النار وإعادة تمويل الأونروا ووقف تمويل الحرب الإسرائيلية، وغيرها من المطالب المتصلة مباشرة بالعملية العسكرية في قطاع غزة.

من ناحية أخرى، قامت المنظمة بعقد عدد من الزيارات لمكاتب المسؤولين في الكونغرس في عدة ولايات، منها ميشيغان وبالتيمور وبوسطن، لحضّ الممثلين التشريعيين على التصويت السلبي على حُزم المساعدات لـ”إسرائيل”.

وقد لعبت المنظمة دورًا بارزًا في انتفاضة الجامعات الأمريكية منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، حيث رفضت منذ البداية الزجّ بطلبة الجامعات في جلسات تحقيق في الكونغرس استهدفت رؤساء الجامعات تحت غطاء إجراءات لمحاربة معاداة السامية، واعتبرت ذلك تدخلًا سافرًا في حرية التعبير والاحتجاج المكفولتَين في الدستور الأمريكي. وقد اعتبر الإعلام الأمريكي المنظمة ومنظمة “أصوات يهودية من أجل السلام” جهات أساسية في تنظيم وتمويل الحراك الطلابي في الجامعات.

ختامًا، تطرح المنظمة نفسها كإطار جامع لكافة اليهود من يهود أمريكيين وملونين ومتحولين جنسيًا ومتدينين وعلمانيين، في مواجهة أخطاء الماضي التي تمخضت عن السكوت عن اضطهاد الآخرين باسم اليهود من ناحية، وفي مواجهة الفئات المعادية للسامية والكارهة لليهود في العالم من ناحية أخرى، وتخطّ لنفسها في هذا السياق خطًّا مميزًا وواضحًا يؤهّلها لتلعب دورًا مهمًّا في توجهات الشارع الأمريكي عامة، ومناوئة الحركة الصهيونية من داخل صفوفها وممّن تعتبرهم وقودها وتستمد شرعيتها من مظلوميتهم، ما ينذر بهبوب رياح التغيير في المستقبل القريب.