ترجمة وتحرير: نون بوست
وراء واجهة الاستمرارية، يمثل نشر المزيد من القوات المسلحة الأمريكية في سوريا لتحقيق الأغراض الجديدة التي وصفها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، في خطاب هذا الأسبوع، خروجا عن الأهداف الأصلية التي أُرسلت من أجلها هذه القوات إلى سوريا. وتفرض إدارة ترامب مشاركة القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى في هذه الحرب الأهلية، لحماية طرف آخر، ولأسباب مختلفة تماما عن الهدف الأصلي المعلن، الذي يتمثل في المساعدة في القضاء على ما يسمى بخلافة تنظيم الدولة.
عموما، تعد الأسباب الجديدة مجرد مزاعم واهية لا تشمل الدفاع عن أي مصالح أمريكية مهددة. وفي الواقع، اتخذت إدارة ترامب قرارا بأن تقحم الولايات المتحدة في حرب أجنبية أخرى. وقد وفّر الوجود الإقليمي لتنظيم الدولة، وكيان الدولة المصغرة التي أنشأها في العراق وسوريا الفرصة لاستخدام القوة العسكرية لمطاردة التنظيم. لم تكن العديد من الجماعات الإرهابية أهدافا عسكرية جيدة، ولكن بروز كيان الدولة المصغرة (تنظيم الدولة) جعل منه هدفا جيدا، لكن بسقوط هذا الكيان تقهقر التنظيم.
في هذا السياق، أكد تيلرسون هذه الحقائق قائلا: “اليوم، تم تحرير جميع الأراضي تقريبا في العراق وسوريا التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، أو ما يقارب 98 في المائة من كل الأراضي التي سيطر عليها. كما أضاف المصدر ذاته “أنه لن يتمكن تنظيم الدولة من استعادة قدم واحد من تلك الأراضي”.
من المحتمل أن يظل تنظيم الدولة يمثل إشكالا كمجموعة إرهابية يغلب عليها الطابع التقليدي، وتعد إلهاما للعنف الجهادي، إلا أنه لم يعد يشكل هدفا عسكريا بعد الهزيمة الساحقة التي مُني بها. ونظرا للأهداف الإستراتيجية لدور القوات الأمريكية في سوريا، فمن المفترض أن يكون الردّ الأمريكي المناسب على هزيمة التنظيم هو الإعلان عن تحقيق النصر والعودة إلى ديارهم.
الوجود الأمريكي في سوريا لا يستند إلى أي قانون دولي
بناء على ذلك، حاول تيلرسون التذرع بضرورة بقاء القوات الأمريكية في سوريا، والتأكيد على ما تسبب به الانسحاب الأمريكي المبكر من العراق من تداعيات، لكنه لم يذكر أن تنظيم الدولة لم يكن موجودا قبل الغزو الأمريكي للعراق، وأن التنظيم ظهر كنتيجة مباشرة لهذا الغزو ولما أعقبه من حرب داخلية.
إلى جانب ذلك، لم يفسر تيلرسون كيف يمكن لقوات أمريكية متواضعة العدد في سوريا أن تحقق ما عجز عن فعله 160 ألف جندي أمريكي سبق أن تواجدوا في العراق، في سياق حرب مماثلة. ولم يتطرق تيلرسون في حديثه عما إذا كان بمقدور إدارة جورج بوش الابن، التي تفاوضت على اتفاق سحب القوات، أن تفعل شيئا مختلفا بغية مواجهة مقاومة الحكومة العراقية القوية وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي.
أما فيما يتعلق بالمسألة السورية، فلم ينل الجيش الأمريكي مطلقا الموافقة على التواجد على الأراضي السورية من الحكومة الحالية. وباعتبار أن الروس لا يتوانون عن تذكير الرأي العام بطبيعة الدور الأمريكي المُفترض، يجعل ذلك الوجود العسكري الأمريكي مختلفا عن الوجود العسكري الروسي والإيراني، إذ أن الوجود الأمريكي لا يستند إلى أي قانون دولي.
في الحقيقة، حاول تيلرسون اتخاذ تنظيم الدولة ذريعة لتوسيع الوجود الأمريكي، من خلال الربط بين النظام السوري وتنظيم الدولة. فخلال المراحل الأولى من الحرب الأهلية السورية، شن النظام السوري عددا أقل من الهجمات على تنظيم الدولة مقارنة بهجمات الجماعات المعارضة السورية الأخرى. ويعود ذلك لأسباب جغرافية وأخرى تتعلق بمدى خطورة التهديدات المباشرة التي يفرضها كل طرف على المناطق الأكثر كثافة سكانية، التي يسيطر عليها النظام في النصف الغربي من البلاد. وقد كان النظام سعيدا بالدعاية التي يتم الترويج لها، على أنه يمثل درعا واقيا ضد هذه الجماعة الإرهابية، إلا أن ذلك كان في الماضي، حيث اختلف الوضع الآن.
لم يفسر وزير الخارجية لماذا أصبحت نهاية نظام ظلّ قائما طيلة عهد حافظ وبشار الأسد قرابة 48 سنة، فجأة هدفا رئيسيا للولايات المتحدة
في الوقت الراهن، يقف نظام الأسد وتنظيم الدولة على طرفي النقيض، على الصعيد الديني والسياسي، ناهيك عن أنهما يعدان من الأعداء. وإلى حد الآن، لا يزال تنظيم الدولة يهدد بأن يكون له تأثير في سوريا، وبالتالي سيكون للنظام السوري على الأقل حافز كأي طرف آخر يدفعه للقضاء على هذا التهديد. ولن يخدم استمرار التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة في سوريا مصالح تتعلق باستمرار نظام الأسد أكثر من استمرار الحرب الأهلية السورية، التي كانت تمثل قبل بضع سنوات بمثابة عون كبير للتنظيم.
في الواقع، لا تزال الحرب تولد الظروف المناسبة التي يمكن أن تستغلها أي جماعة متطرفة للنمو على غرار تنظيم الدولة أو القاعدة أو غيرها. على صعيد آخر، يعتبر مسار السياسة الأمريكية الذي وصفه تيلرسون، والذي لا يتضمن الوجود العسكري الأمريكي المباشر فحسب، بل إنشاء ميليشيات صديقة أيضا، بمثابة ذريعة لاستمرار الحرب. من جانبه، تساءل وزير الخارجية عما يمكن لكبير الدبلوماسيين الأمريكيين أن يقوله بشأن أهمية الدبلوماسية الأمريكية في حل النزاع السوري، في حين أنها تضطلع فعليا بدور ثانوي. ووفقا لما أفاد به تيلرسون، تهدف الحملة العسكرية الأمريكية في سوريا إلى ثلاثة أمور أخرى لا علاقة لها بتنظيم الدولة أو الإرهاب.
أولا، أكد تيلرسون على ضرورة تغيير النظام في سوريا، وقد كان صريحا بشأن ذلك، حيث قال إن تحقيق الاستقرار في سوريا “يتطلب تنصيب قيادة جديدة بعد إسقاط الأسد”. كما أضاف أن الولايات المتحدة ستُثْني كل الدول الأخرى عن إقامة أي علاقة اقتصادية مع سوريا التي مزقتها الحروب، حتى يتنحى الأسد. في المقابل، لم يفسر وزير الخارجية لماذا أصبحت نهاية نظام ظلّ قائما طيلة عهد حافظ وبشار الأسد قرابة 48 سنة، فجأة هدفا رئيسيا للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، لم يوضّح تيلرسون كيف تمكن الأسد، بمساعدة كل من مؤيديه الروس والإيرانيين، من دعم موقف نظامه، في حين أشار إلى أن هذا الدعم لم يحرز أي تقدما سوى إثارة المزيد من الاضطرابات والمواجهات في سوريا.
ثانيا، ومثلما هو حال كافة خطابات إدارة ترامب عن الشرق الأوسط، دائما ما تتم الإشارة إلى الفزاعة الإيرانية. وقد نعت تيلرسون إيران بالمكر في خطابه، في حين أنه لم يتحدث عن كيفية تهديد الدور الذي تضطلع به إيران في سوريا وعلاقتها مع النظام السوري، لمصالح الولايات المتحدة تحديدا. كما لم يكن هناك أي اعتراف بتضارب تبريرات التدخل العسكري الأمريكي، الذي كان من المفترض أن يكون من أجل القضاء على تنظيم الدولة، من خلال الحديث عن مكر تلك القوة الإقليمية، التي كانت في حد ذاتها تحارب تنظيم الدولة في العراق وسوريا.
طبيعة سياسة الإدارة الجديدة في سوريا تعتبر تجاهلا لدور الكونغرس الأمريكي في السماح لاستخدام القوات العسكرية في الخارج
أما ثالثا، وحيثما ذكرت الولايات المتحدة إيران، فلا بد لها من أن تتطرق إلى إسرائيل. وفي هذا السياق، قال تيلرسون إن “إيران تسعى إلى فرض هيمنتها في الشرق الأوسط وتدمير حليفنا، إسرائيل. ونظرا لأن سوريا بلد مشحون بالاضطرابات ويشترك في الحدود مع إسرائيل، فهي تتيح فرصة مهمة لإيران التي تحرص على استغلالها”.
بطبيعة الحال، ليس لدى الولايات المتحدة وإسرائيل معاهدة أمنية تفرض عليهما تبادل المساعدات. كما لم يقدم تيلرسون الفوائد التي ستعود على الولايات المتحدة إثر تحقيق الأهداف التي تطمح إسرائيل للوصول إليها في سوريا. علاوة على ذلك، لم يذكر تيلرسون أن إسرائيل تمتلك أقوى جيش في الشرق الأوسط، وأن أي محاولة من الجانب الإيراني “لتدمير” إسرائيل، انطلاقا من سوريا أو من أي مكان آخر، تعتبر ضربا من الحماقة والخيال.
إلى جانب المساعدة في إطالة أمد الحرب وعدم الاستقرار في سوريا، يعد المسار الذي وصفه تيلرسون بمثابة وصفة جديدة لزيادة الاضطرابات بين التحالفات الحقيقية في المنطقة. وفي هذا الإطار، أوضح تيلرسون أنه “يجب أن نتعاون بشكل وثيق مع تركيا لنتمكن من تحقيق مستقبل جديد لسوريا”، وذلك دون الإشارة الى أن مخطط تسليح العملاء في شمال سوريا يتنافى مع مصالح الأتراك. وفي الوقت الراهن، ستصبح الساحة السورية مسرحا لحرب بالوكالة بين عضوين من حلف الناتو.
تجدر الإشارة إلى أن طبيعة سياسة الإدارة الجديدة في سوريا تعتبر تجاهلا لدور الكونغرس الأمريكي في السماح لاستخدام القوات العسكرية في الخارج. وخلال العقد والنصف الماضيين، قامت السياسة الأمريكية من خلال الإدارات الثلاثة السابقة المتعاقبة بالمراوغة في تطبيق قرارات الكونغرس التي تركز على مكافحة الارهاب. ومن خلال كلمات تيلرسون حول التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة، يبدو أن الولايات المتحدة قد تخلت عن تحقيق أهداف مكافحة الإرهاب في سوريا.
في اللحظة الراهنة، ستوجّه الولايات المتحدة جميع قواتها التي تخوض حروبا خارجية من أجل محاولة قلب أحد الأنظمة في الشرق الأوسط، ومواجهة نظام ثان، والمزايدة على ثالث. وباستثناء الهدف المتعلق بمكافحة الإرهاب، لم يسمح الكونغرس لأي بعثة من القوات المسلحة الأمريكية بتحقيق أهداف أخرى.
في الحقيقة، ليس من الواضح تماما كيف تطور هذا الموقف حيال الوضع السوري ومن اضطلع بدور مهم من أجل بلورته. لكن، من المرجح أن هذا الموقف الجديد يعتبر بعيدا كل البعد عن وجهة نظر ترامب حيال الملف السوري، الذي أشار في إحدى المناسبات إلى أنه يفضل اعتماد استراتيجية التعاقد من أجل تعزيز القوات المسلحة الأمريكية في الخارج بدلا من زيادة عددها.
المصدر: ناشيونال إنترست