ترجمة وتحرير: نون بوست
تعمل إدارة ترامب على وضع إستراتيجية سياسية للتعامل مع سوريا خلال فترة ما بعد تنظيم الدولة. وقد أُوكلت هذه المهمة لوزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي وظّف ظهوره مؤخرا في معهد “هوفر” للدراسات السياسية لتقديم بدايات ما تأمل الإدارة الأمريكية الحالية في أن يكون برنامجا سياسيا متماسكا وعمليا موجها نحو تحقيق نتائج ملموسة فيما يتعلق بالملف السوري. مع ذلك، لم يخلو هذا الظهور من مشكلة كبيرة وحيدة، ألا وهي أن خطاب تيلرسون لم يكن متماسكا أو عمليا أو واقعيا، نظرا للوضع الحالي الذي تواجهه سوريا. وفي حال كان خطاب تيلرسون نابعا حقا عن توصيات الرئيس ترامب، فستقوم الإدارة الأمريكية قريبا بتغيير كامل لمهمتها في سوريا.
في هذا الشأن، أفاد تيلرسون أن اهتمام الولايات المتحدة سيمتد في الوقت الراهن إلى ما وراء القضاء على تنظيم الدولة، كي يشمل المساعدة في عملية إعادة الإعمار الأساسية وجهود تحقيق الاستقرار. بالإضافة إلى التسريع في عملية السلام السورية، غير الموجودة تقريبا، ومواجهة التوسع الإيراني المتزايد وضمان خلو سوريا من أسلحة الدمار الشامل.
في السياق ذاته، قال تيلرسون: “إننا نتفهم تشكيك بعض الأمريكيين في استمرار التدخل في الشأن السوري وفي فوائد البقاء الأمريكي في هذا البلد المضطرب. مع ذلك، يُعدّ من المهم للغاية أن تظل الولايات المتحدة متواجدة في سوريا”. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية كان باستطاعتها أن تكون أكثر إقناعا في حال أجابت على بعض الأسئلة الأساسية والحاسمة، إلا أن الأوان لم يفت بعد، ولحسن الحظ، على معالجة هذه الأسئلة من قبل البيت الأبيض.
يدّعي مساندو تيلرسون أن الوجود الأمريكي، الذي لم تُحدّد مدته في شرق سوريا، سيعطي واشنطن نفوذا على الأرض ووسائل إضافية لتجديد عملية جنيف للسلام
1-على أي سلطة قانونية يقوم التدخل الأمريكي في سوريا؟
منذ بدء الحملة العسكرية المناهضة لتنظيم الدولة في العراق وسوريا في الثامن من آب/أغسطس سنة 2014، ذكرت السلطة التنفيذية الأمريكية تفويض سنة 2001، الذي يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد تنظيم القاعدة، كأساس قانوني داخلي لهذه الحملة. أما فيما يتعلق بحقيقة أن تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، اللذان يتنافسان على الأراضي والنفوذ داخل نطاق أوسع للتطرف، قد سجلا حضورا مكثفا على الأرض في سوريا، فلا يمثل الأمر ذو أهمية تُذكر في نظر الكونغرس الأمريكي.
في الأثناء، لن يقدر أشد المؤيدين للسلطة التنفيذية وصلاحياتها الجدال بشأن أن التفويض الحربي الذي تمت صياغته بعد أسبوع واحد من هجمات 11 أيلول/سبتمبر سنة 2001، والذي ركّز على أسامة بن لادن وحركة طالبان وكان أقرب منه إلى أداة متهالكة ومتداعية، يمكن أن ينطبق على ما تسعى إيران لتحقيقه في سوريا في سنة 2018. من جانبه، تجاهل تيلرسون الجانب القانوني، الذي يجب على الكونغرس الالتزام تنظيميا ودستوريا وأخلاقيا بتسليط الضوء عليه.
2. هل سيساهم وجود القوات الأمريكية في سوريا بالفعل في إيجاد حل سياسي؟
يعتبر اقتراح تيلرسون المرتبط ببقاء الجيش الأمريكي في سوريا طالما أن الأمر يتطلب ذلك لتسريع عملية السلام التي تعمل الأمم المتحدة على تسهيلها من أجل حكومة مستقبلية دون بشار الأسد، أمرا غريبا. في الواقع، يُعدّ هذا الربط الذي قام به تيلرسون مشكوكا في صحته، إذ أنه يستند على فرضية أن نظام الأسد سيوافق على التفاوض بشأن تنحّيه لمجرد أن القوات الأمريكية متمركزة على الأراضي السورية.
من جهتهم، يدّعي مساندو تيلرسون أن الوجود الأمريكي، الذي لم تُحدّد مدته في شرق سوريا، سيعطي واشنطن نفوذا على الأرض ووسائل إضافية لتجديد عملية جنيف للسلام. في المقابل، نادرا ما يفسر هؤلاء الأساس الذي تقوم عليه ثقتهم بأن نشر الولايات المتحدة لقواتها سيكون له أي تأثير على الإطلاق على سلوك الأسد.
قال تيلرسون إن “مبادرات تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة ضرورية لضمان عودة الحياة في سوريا إلى وضعها الطبيعي وضمان عدم ظهور تنظيم الدولة مرة أخرى”
عند هذه المرحلة، لسائل أن يسأل: لماذا يثق هؤلاء المساندون ثقة تامة بأن الأسد الذي كان متعنتا خلال جميع المفاوضات السياسية التي جرت على مدى السنوات السبع الماضية، سيكون أكثر انفتاحا لتقديم تنازلات سياسية لخصومه الآن؟ وهل سيكون هذا التنازل ناتجا عن مرابطة بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين في بعض المناطق الصحراوية بعيدا عن الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام؟
على الرغم من أن الجنود الأمريكيين عملوا على الأراضي السورية منذ سنوات، إلا أن وجود الجيش الأمريكي لم يكن له تأثير على الديناميكيات الأوسع نطاقا للحرب الأهلية أو على رغبة دمشق في التفاوض بصفة جادة. في الواقع، إذا كان انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرتبطا بتشكيل حكومة سورية جديدة لا يمثل الأسد والمقربون منه جزءا فيها، فإن دافعي الضرائب الأمريكيين سيضطرون لتمويل الحضور العسكري الأمريكي لفترة طويلة جدا.
3-من سيدفع تكاليف إعادة الإعمار؟ وكيف لا يمثل ذلك مشروعا آخر لبناء دولة؟
في هذا الصدد، قال تيلرسون إن “مبادرات تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة ضرورية لضمان عودة الحياة في سوريا إلى وضعها الطبيعي وضمان عدم ظهور تنظيم الدولة مرة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن مبادرات تحقيق الاستقرار تتضمن خطوات أساسية على غرار إزالة الألغام البرية غير المنفجرة التي خلفها تنظيم الدولة وراءه، والسماح بإعادة فتح المستشفيات، واسترجاع خدمات المياه والكهرباء، وإعادة الفتيان والفتيات إلى المدارس”.
على الرغم من أن تيلرسون قد يكون محقا بشأن تكلفة هذا النوع من المساعي التي تعتبر أقل بكثير من مشاريع إعادة الإعمار الضخمة التي شاركت فيها واشنطن خلال حملاتها في العراق وأفغانستان، إلا أن هذه المبادرات الصغرى ستكلف دافعي الضرائب قدرا كبيرا من المال. وتفيد التقارير أن وزارة الخارجية تستعد لإنفاق 400 مليون دولار على هذه المهام، بالإضافة إلى 500 مليون دولار، التي يخطط البنتاغون لتكريسها لمواصلة تدريب وتجهيز وتمويل مقاتلي “قوات سوريا الديمقراطية” على الميدان.
يجب على إدارة ترامب أن تقدم شرحا مفصلا للرأي العام عن السبب الذي يجعلها تنفق أموال دافعي الضرائب الذين يعملون بجد في سبيل الوفاء بالتزام مشروط في سوريا
أما فيما يتعلق بإمكانية تخصيص بعض من هذه الأموال لبناء قوة منفصلة قوامها 30 ألف شخص للقيام بدوريات على الحدود السورية العراقية والحدود السورية التركية، فمن الممكن للمرء أن يتصور بسهولة تحرير واشنطن لشيكات بمليارات الدولارات على مدى سنوات طويلة بهدف تفعيل مبادرات تحقيق الاستقرار هذه. والجدير بالذكر أن الأهداف المبدئية للولايات المتحدة في أفغانستان كانت أيضا تقتصر على تقديم مساعدة صغيرة لحكومة وطنية أفغانية مؤقتة.
لكن، وبعد مرور 16 سنة وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا، بلغت تكاليف هذه المبادرة المحدودة التي روجت لها الحكومة الأمريكية أرقاما قياسية قد تستغرق سنوات عدة قبل أن يكتمل جردها ضمن تقرير حسابات كامل ودقيق. ومع بلوغ الدين العام الأمريكي 20 تريليون دولار، لن تستطيع الولايات المتحدة أن تواصل اعتماد خطة الإنفاق ذاتها.
لذلك، يجب على إدارة ترامب أن تقدم شرحا مفصلا للرأي العام عن السبب الذي يجعلها تنفق أموال دافعي الضرائب الذين يعملون بجد في سبيل الوفاء بالتزام مشروط في سوريا. وفي الحقيقة، يمثل ذلك خطوة لم يقدم عليها حلفاء الولايات المتحدة الأثرياء، الأوروبيون أو الخليجيون العرب، الذين يُعتبرون أكثر عرضة للخطر المتأتي من سوريا مقارنة بالولايات المتحدة. ولكن، لا يبدو أن البيت الأبيض مستعد للإجابة على أسئلة من هذا القبيل، بل حتى أن المسؤولين الإداريين لم يُجهّزوا إلى غاية الآن حججهم الافتتاحية.
في الواقع، يبدو من الواضح أن سياسة الإدارة الأمريكية المستقبلية في سوريا تفتقر للمضمون، حيث قدمت كلمة تيلرسون بعض التفاصيل الإضافية، ولكنها لم تكن واضحة بالقدر الكافي. وبدلا من تقديم تقييم صادق لما يمكن إنجازه في بلد يشهد صراعا عنيفا مستمرا، قدّم تيلرسون لمستمعيه قائمة من الآمال والتطلعات التي لا علاقة لها بالعالم الحقيقي.
أما الأسوأ من ذلك، فيتمثل في ترك تساؤلات عالقة في أذهان الحاضرين حول الاحتمال الحقيقي بأن أبنائهم وبناتهم وآباءهم وأمهاتهم، الذين يرتدون الزي العسكري، سيُأمرون بالمرابطة مرة أخرى وإلى أجل غير مسمى. وسيكون هؤلاء بمثابة رهائن لإستراتيجية غير قابلة للتطبيق من صانعي السياسة في واشنطن، وهي إستراتيجية لم تنتج حتما عن مشاورات شاقة بين الوكالات.
المصدر: واشنطن اكزامينر