أعلنت الحكومة الأردنية بشكل مفاجئ ومتسارع، عن تلقيها اعتذارا من دولة الاحتلال الإسرائيلي عن حادث السفارة الإسرائيلية في عمان، الذي أسفر عن مقتل مواطنين أردنيين اثنين على يد أحد رجال أمن السفارة العام الماضي، إضافة إلى اعتذارها عن مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر الذي قتله جنود الاحتلال خلال زيارة إلى فلسطين في العام 2014.
فقد خرج الناطق باسم الحكومة الأردنية الدكتور محمد المومني، ليصرح مؤكدا على أن “إسرائيل اعتذرت وأبدت أسفها وندمها على مقتل الأردنيين”، في الوقت الذي بث فيه التلفزيون الأردني لقطات من منازل ذوي الضحايا، أعلنوا من خلالها قبولهم بالتعويض الإسرائيلي الذي وصل إلى 5 مليون دولار، بحيث تتقاضى كل عائلة لكل عائلة من العائلات الثلاث مليون و650 ألف دولار.
أعلنت العائلات الثلاث قبولهم بالتعويض الذي وصل إلى 5 مليون دولار
ورغم التعهد الأردني بعدم فتح السفارة الإسرائيلية في عمان، إلا بعد محاكمة القاتل الذي استقبله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، خرج علينا مكتب الأخير بتصريح يعلن فيه عن “استئناف العمل بالسفارة الإسرائيلية في عمان عملها على الفور”.
هل اعتذرت “إسرائيل” بالفعل؟
لكن سياسيون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، شككوا في الرواية الحكومية، وأشاروا إلى أن الناطق باسم الحكومة الدكتور محمد المومني، روج لموقف إسرائيلي لم يحدث ولم يصدر أصلا عن “إسرائيل”، منوهين إلى أن تصريحات مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لا تحمل في صيغتها أي اعتذار أو كلمة قريبة من الاعتذار.
فيما تساءل آخرون عن سبب تراجع الأردن، عن شرط محاكمة القاتل الإسرائيلي قبل إعادة فتح السفارة الإسرائيلية، وعودة السفير إلى عمان. ولفت نشطاء إلى “ضرورة عقد مقارنة بين تصريحات مكتب نتنياهو وتصريحات المومني”، منوهين إلى أن “تصريحات المومني لا تتوافق مع تصريحات مكتب نتنياهو، وأن المومني أعلن عن اتفاق غير حقيقي”.
كان الأردن قد تعهد بعدم فتح السفارة الإسرائيلية، إلا بعد محاكمة قاتل الأردنيين، لكنه عاد وتراجع
وعند البحث والتفحص حول التصريح الرسمي الصادر عن مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية، والذي نشرته أغلب الصحف العبرية على رأسها هآرتس، فإن ما نشر هو “أسف السلطات الإسرائيلية لمقتل أردنيين”، وليس “اعتذار على قتلهم”، ويكأن الحادثة لم تكن من فعل الإسرائيليين، حيث لم يشر البيان إلى أنهم قد قتلوا على يد حارس أمن إسرائيلي.
ليس هذا فقط، فقد نشر عن نتنياهو تصريحًا رد فيه على ما قاله الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، حيث أوضح نتنياهو أن “أموال التعويضات دفعناها للدولة الأردنية وليس ولأهالي الضحايا”، وهنا إشارة واضحة لعدم اعتراف الاحتلال بقتل مواطنين أردنيين.
“إلّي شفاته جمانة”
وفي الوقت الذي طرحت فيه وسائل الاعلام ورواد منصات التواصل الاجتماعي، تساؤلاً حول الاعتذار الاسرائيلي عن حادثة السفارة ومقتل القاضي الأردني رائد زعيتر، جاء مقال رئيس تحرير صحيفة الغد جمانة غنيمات التي كتبت تحت عنوان “أصوات مستفزة”، تشير فيه إلى أنها اطلعت على المذكرة الإسرائيلية التي تضمنت نفس النقاط التي تحدث بها المومني.
حيث أشارت غنيمات مقالها بالقول: ”بغض النظر عما يروج له، ومحاولات التشكيك بما تحقق ومن رضوخ إسرائيل ورئيس حكومتها المستفز، انتزع الأردن حقه، وسمعنا من الإسرائيليين لغة لم نعتد عليها، وبالنتيجة حقق الأردن انتصارا دبلوماسيا في معركة السفارة، لكن ذلك لا يمنع من أن معركة القدس ما تزال مفتوحة، وأن الأردن يكاد يكون الوحيد الذي يقف في وجهها”.
كلام غنيمات لم يلبث طويلًا حتى رد عليها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاغ تحت عنوان “إلي شافته جمانة“، قائلين أنه من حقهم أن يروا ما رأته الصحفية جمانة غنيمات، وليس أن تكون هذه “الوثائق” سريّة ومحصورة فيها، ناقدين في الوقت نفسه وساخرين في حين آخر من فكرة هجومها على من شككوا أو فرّقوا بين رواية الحكومة الأردنية ورواية حكومة الاحتلال.
وهل من العادي ان تطلع الزميلة جمانة على المذكرة دون الشعب الأردني ؟! #شغلنا #حقنا #مش_شغلك_يامواطن https://t.co/22i3aE6Mmp
— Aroub Soubh عروب صبح 🐢🌱 (@bataleh) January 21, 2018
https://twitter.com/baraaziad/status/955072570981863424
نفسي افهم شو مبدأ هالدولة … انه الصحفي وظيفته ينقل الحقيقة كاملة مقرونه بالادلة والاثباتات ، مش على مبدأ انه انا شفت الاعتذار وخلاص ننهي الحكي فيه ، يا اخي كيف ممكن الواحد يثق بهيك بشر.#للي_شافته_جمانة
— أبوكمال (@MKMomani) January 21, 2018
تراجع أمام الضغوط الأمريكية؟
إلى ذلك، أعرب الناشط سلطان العجلوني عن “شكوكه بالاعتذار الإسرائيلي”، مطالبا المومني “بنشر المذكرة الرسمية التي أرسلتها وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الحكومة الأردنية”.
وقال العجلوني في منشور له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إنه “لم يسبق لإسرائيل في تاريخها أن أبدت ندمها حتى عندما ضبطتها أمريكا وهي تتجسس عليها في قضية بولارد، بل تستخدم لفظ نأسف لمقتل كذا، لفظ عام حمال أوجه دون الاعتراف بالمسؤولية والجرم”.
المجالي: إعادة فتح السفارة قبل محاكمة القاتل الإسرائيلي، خسارة وطنية كبرى
في هذا الإطار، رأى المحلل السياسي خالد المجالي أن “القبول الأردني بإنهاء ملف حادث السفارة بهذه الطريقة، يعتبر تراجعا أمام الضغوط الأمريكية، عشية زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى عمان”.
وقال المجالي لـ”أردن الإخبارية” إن “إعادة فتح السفارة قبل محاكمة القاتل الإسرائيلي، خسارة وطنية كبرى”، منوها إلى أن “القضية سيادية وليس عائلية تسقط بمجرد قبول ذوي الضحايا بالتعويضات فقط”.
ودعا المجالي الأردن إلى “مراجعة علاقاته الدولية والإقليمية، كي لا يبقى أسير الضغوط السياسية التي تؤثر على قراراته السيادية والوطنية”. وبدت الكاتبة هند خليفات متوافقة في رأيها مع المجالي، حيث وصفت الاعتذار الإسرائيلي بأنه “ورقي لا يزهر وردا”.
وقالت في تغريدة على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إن “اعتذار إسرائيل للأردن هو بمثابة فتح السفارة في عمان، فحقائبهم جاهزة ولم يبق سوى اعتذار ورقي لا يزهر وردا، ولا يطرح نقطة دم كانت يوما في وريد زعيتر أو الشاب الجواودة أو الطبيب الحمارنة”.
أشار الفايز إلى أن “المحرج من حيث التوقيت، أن الحكومة أعادت فتح السفارة الإسرائيلية، في وقت تطالب فيه أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية، بقطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي”
بدوره، رأى أستاذ العلوم السياسية الدكتور فارس الفايز أن “إعلان مكتب رئيس حكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن عودة السفارة الإسرائيلية في عمان إلى عملها المعتاد على الفور، موقف محرج للدبلوماسية الأردنية”.
وقال الفايز لـ”أردن الإخبارية” إن “الإحراج يتمثل في أن عودة عمل السفارة الصهيونية، تجاوز وتعدي على سقف المطالب الأردنية، التي كانت تقول بأنها لن تسمح بإعادة فتح السفارة ما لم يتم اتخاذ إجراءات قانونية بحق الإسرائيلي قاتل الأردنيين”.
وأشار الفايز إلى أن “المحرج من حيث التوقيت، أن الحكومة أعادت فتح السفارة الإسرائيلية، في وقت تطالب فيه أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية، بقطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن القدس”.
واعتبر الفايز أن “أي تعاط أردني مع العدو الإسرائيلي في هذه الفترة تحديدا، لا يمكن تفسيره إلا بأنه اعتراف ضمني بأن القدس المحتلة هي عاصمة أبدية للكيان الصهيوني”.
قضية زعيتر أغلقت ولا محاكمة للقاتل
هذا على صعيد حادث السفارة، أما في مقتل القاضي رائد زعيتر، فالكل يتساءل أين وصل التحقيق، ولماذا إلى الآن لم يتم الإعلان عن نتائج التحقيقات إن وجدت أصلا، وهل ستكتفي الحكومة بالتعويض الإسرائيلي لذوي زعيتر؟.
أجاب على هذه التساؤلات في تصريح مقتضب، مصدر مسؤول طلب عدم ذكر اسمه، قائلا إن “الحكومة لم تتوقف عن متابعة قضية القاضي رائد زعيتر، وقد كانت النتيجة اعتذارا إسرائيليا وتعويضا ماليا لذوي زعيتر، كما كانت لذوي قتلى السفارة”.
وفيما إن كانت قضية زعيتر قد أغلقت وانتهت بعد التعويض الإسرائيلي، قال والد الشهيد زعيتر القاضي السابق علاء الدين الطويل إننا “أسقطنا بالفعل حقنا الشخصي عن القاتل الإسرائيلي، لكننا لم نسقط القضية برمتها، بمعنى أننا لم نسقط حقنا الجزائي بمحاكمة القاتل استنادا للحق العام”.
استبعد زعيتر أن “تقدم إسرائيل على محاكمة القاتل أو إدانته، أو حتى الإعلان عن التحقيقات التي ينتظرها الجميع”
وأضاف زعيتر لـ”أردن الإخبارية”: “ما زلنا نطالب بالحق العام عبر الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية، على أمل إصدار حكم جزائي على القاتل”، منوها إلى أن “ما تم التوصل إليه من تقديم إسرائيل للاعتذار ودفعها للتعويضات، يعتبر انتزاع وتحصيل لحقوقنا التي كنا نطالب بها”.
وحول توقعاته في محاكمة القاتل ونيله الجزاء، استبعد زعيتر أن “تقدم إسرائيل على محاكمة القاتل أو إدانته، أو حتى الإعلان عن التحقيقات التي ينتظرها الجميع وتماطل إسرائيل بالكشف عنها”. وبخصوص التعويضات، نفى زعيتر تسلمه أي مبلغ من التعويضات حتى الآن، لافتا إلى أن أحدا لم يبلغه بموعد محدد لاستلام التعويضات.
وفي رأي قانوني، رأى مدير مركز “إحقاق للدراسات والاستشارات القانونية” المحامي إسلام حراحشة، أنه “رغم الاعتذار الإسرائيلي حسب الرواية الأردنية، فإن الأردن ما زال لديه الحق والقدرة على ملاحقة ومحاكمة القاتل الإسرائيلي الذي قتل الأردنيين في السفارة الإسرائيلية، لأن الجريمة وقعت على أراضيه وتحت سيادته”.
أما بالنسبة لقضية رائد زعيتر ، فقد اعتبر حراحشة في حدث لـ”أردن الإخبارية” أن “حادثة زعيتر وقعت خارج الأراضي الأردنية، لذلك من الصعب محاكمة القاتل وملاحقته، لكن ذلك لا يعني عدم مطالبة الأردن بالقصاص لأحد مواطنيه، فذلك أمر تكفله القوانين والتشريعات الدولية”.
وأشار حراحشة إلى أن “قضيتي السفارة وزعيتر تأخذان بعدا سياسيا وأمنيا لدى الحكومة، لذلك نرى الجهد القانوني الحكومي فيهما ضعيف ولا يرقى إلى المتابعة الجادة والحازمة”.
بما أن الحكومة قد أعلنت أن عائلة زعيتر سيتم تعويضها، بعد “أسف” حكومة الاحتلال على مقتل القاضي، فقد أغلقت قضيته دون أي محاكمة للجندي القاتل
وكانت وسائل إعلام عبرية نشرت خبرا في٢٣ أيلول/سبتمبر 2014، أكدت فيه على تسليم نتائج تحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات مع الجنود، في جيش الاحتلال للمدعي العام العسكري.
وجاء في الخبر المنقول عن الناطقة باسم جيش الاحتلال، أن “الجندي اعترف بإطلاقه النار على زعيتر بعدما شعر بالخطر، لأن زعيتر حاول سحب سلاح الجندي”، وهو ما جاء في الرواية الإسرائيلية من اليوم الأول للحادث.
وحسب المحامي عمر الخمايسة من مؤسسة “ميزان لحقوق الإنسان”، فإنه “لم ينشر اسم الجندي مرتكب الجريمة في أي وسيلة إعلام عربية أو عبرية، ولم يتم توقيفه مطلقا ولا حتى تسريحه من الخدمة العسكرية”.
وبما أن الحكومة قد أعلنت أن عائلة زعيتر سيتم تعويضها، بعد “أسف” حكومة الاحتلال على مقتل القاضي، فقد أغلقت قضيته دون أي محاكمة للجندي القاتل.
مطالب بنشر المذكرة الإسرائيلية التي وصلت الحكومة
إلى ذلك، رأى وزير الإعلام الأسبق الدكتور طاهر العدوان، أن “دم شهداء جريمة السفارة الصهيونية ليس مسألة جاهة وصلحة أو اتفاق بين عائلتين وعشيرتين، إنما هي مسألة حرمة وطن وكرامة شعب ودم مراق برئ، بقتل متعمد رافقه احتفال إسرائيلي بالقاتل وعلى مستوى رسمي، وكأنه بطل قومي أنجز مهمته بنجاح وعاد سالماً غانما”.
العدوان: “الاعتذار الإسرائيلي لا يساوي قشرة بصلة”
وطالب العدوان في مقال له تحت عنوان “الاعتذار الإسرائيلي لا يساوي قشرة بصلة”، الحكومة قائلا “انشروا للناس من فضلكم نص اتفاقكم الذي يسمح لسفارة إسرائيل وكر الجريمة ومكانها، أن تعود إلى عملها فورا، فالنشر بات ضروريا لنعرف ماذا كان يعني نتنياهو وهو يبلغ الصحفيين الإسرائيليين، بأن التعويضات ستدفع للحكومة الأردنية وليس لأسر الضحايا، بما في ذلك أسرة الشهيد رائد زعيتر”.
وتساءل الكاتب الصحفي بقوله “ما هو ردكم على رأي يقول بأن تسوية جريمة السفارة المسماة اعتذار، ستعود على إسرائيل بفوائد كبيرة جدا، إذ أنها تمثل اختراقا في جدار الغضب والرفض الأردني على قرار ترامب حول القدس المحتلة، وبصراحة كنت مثل غيري من الأردنيين أتوقع في هذه المواجهة الدبلوماسية المحتدمة القائمة حول مصير القدس، تصعيدا في الأزمة مع إسرائيل لا انفراجا”.
الملك الراحل حسين خلال تعزيته واعتذاره لعائلات القتيلات الإسرائيليات عن حادث الباقورة عام 1997
في النهاية، يستذكر الأردنيون بما قام به الملك الراحل الحسين بن طلال عام 1997 بزيارة إلى دولة الاحتلال، قام بها خصيصا بزيارة عائلات القتيلات الإسرائيليات، اللواتي قتلن في عملية الباقورة، على يد الجندي أحمد الدقامسة، والذي أفرج عنه العام الماضي فقط، حيث تلقى محاكمة عسكرية، وتم الحكم عليه بالمؤبد لمدة 20 عاماً.
الملك الراحل حينها أدان الحادث، واعترف بأنه “جريمة ووصمة وعار على الأردن”، وقام حينها بتعزية العائلات بشكل شخصي، وكان حينها أيضًا، رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والذي يرفض اليوم أي اعتذار مباشر وواضح وصريح لعائلات الأردنيينالذين قضوا على يد دولة الاحتلال.
بعد حادثة الباقورة بـ3 أشهر فقط، وقعت محاولة اغتيال لمواطن أردني في عمّان، هو خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، وحينها، كان للملك الراحل أيضًا موقف لا ينسى، حيث استخدم على الفور أوراق الضغط الأردنية على حكومة نتنياهو، وهددها بإنهاء عملية السلام إذا لم تسلم الترياق المضاد للسم الذي أصيب به مشعل على الفور، وبعيد تهديد الملك بساعات، قامت “إسرائيل” بتسليم الترياق، وتم انقاذ مشعل.
المصدر: أردن الإخبارية