عُرف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي لعقود طويلة باسم الشاباك، وهو أحد أجهزة الأمن الإسرائيلة الثلاثة التي تضم أيضًا جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” وجهاز المخابرات العسكرية “أمان”، وعلى الرغم من أن مهمة الجهازين الأخيرين غنية عن التعريف، كانت مهمة الشاباك وما زالت تتم بشكل سري وباستخدام أساليب غير قانونية تدينها لجان الأمم المتحدة المختلفة، إلا أنه كانت هناك مهمة واضحة لجهاز الشاباك تختلف عن مهمته كجهاز أمن داخلي، ألا وهي السيطرة على الفلسطينيين ومحاولة تدمير هويتهم.
يتحكم الشاباك تحكمًا كاملًا بحياة أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية، إلا أنه لا يستطيع مقاضاتهم قانونيًّا من دون تهم مثبتة، ولكن هناك سيطرة كاملة على حياة العرب من خلال جهاز الأمن “الشاباك”؛ فهو ينتهك حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في التعبير وإبداء الرأي والحق في التظاهر.
عذب جهاز الشاباك آلاف المدنيين الفلسطينيين منذ قيام دولة الاحتلال، وارتكب العديد من عمليات الاغتيال، وفبرك الحقائق، وقد أدانته الأمم المتحدة ورغم كل الأدلة التي تثبت انتهاكه لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًّا، لا يزال حتى وقتنا الحاضر يستهدف بشكل عنيف أكثر من مليون ونصف المليون من فلسطينيي الداخل حملة الجنسية الإسرائيلية، دون أي إجراءات قانونية أو حتى أي اعتبار لقوانين دولته.
لقد تحكم جهاز الشاباك تحكمًا كاملًا في كل من اعتبره تهديدًا لأمن واستقرار دولة الكيان الصهيوني من الفلسطينيين الذين يعيشون فيها، فكان كل من تبنى رأيًا سياسيًا لا يباركه جهاز الشاباك عرضة للأساليب غير القانونية وغير الإنسانية في التحقيق والتعذيب والعزل عن الحياة الاجتماعية بشكل كامل.
يعود تاريخ تلك الوثائق إلى عام 1978 في مكتب وزير التعليم الإسرائيلي السابق زيفولون هامر الذي لا يعلم إلا هو وقلة قليلة من العاملين في مكتبه سر الاجتماعات السرية مع ضباط من جهاز الأمن الداخلي
جهاز الشاباك يتحكم في التعليم العربي لعقود
“على مدى عقود طويلة عمل الشاباك بسرية تامة في المدارس العربية في “إسرائيل”، وذلك بالتعاون التام مع وزارة التربية والتعليم، من خلال منظومة سرية عملت على طرد المعلمين والمديرين الذين اعتبرتهم “غير مرغوب فيهم” أو معادين لدولة “إسرائيل”.
كان ذلك في مطلع وثائق سرية نشرتها صحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية، تكشف تحكم جهاز الأمن الداخلي أو في سياق آخر (الشاباك) بمنظومة التعليم العربية في “إسرائيل” لمدة عقود بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم من أجل فصل معلمين بعينهم أو فصل مديرين دون توضيح سبب الطرد أو الفصل المفاجئ، وتعيين أفراد من جهاز الأمن بدلًا منهم داخل المنظومة التعليمية في المرة الأولى من نوعها لكشف وثائق سرية من هذا النوع.
وزير التعليم الإسرائيلي السابق زيفولون هامر الذي بدأ التعاون مع جهاز الشاباك
يعود تاريخ تلك الوثائق إلى عام 1978 في مكتب وزير التعليم الإسرائيلي الأسبق زيفولون هامر الذي لا يعلم إلا هو وقلة قليلة من العاملين في مكتبه سر الاجتماعات السرية مع ضباط من جهاز الأمن الداخلي التي لم تكشف الوثائق التي احتوتها تلك الاجتماعات إلا مؤخرًا، وتفيد بفرض سياسة جهاز الشاباك للسيطرة على المدارس العربية منذ ذلك الحين من خلال البحث عن تطبيق مناهج تعليمية بعينها وتطبيق وسائل للمكافأة والعقاب على الطلاب العرب مفروضة من سياسة الشاباك.
تعمق جهاز الشاباك في المنظومة التعليمية العربية، وكانت له الكلمة الأخيرة في مسألة تعيين المعلمين والمديرين وفصلهم أيضًا، حيث كان يتم الفصل طبقًا لقرارات متعسفة من جهاز الشاباك إثر نشاط المعلمين أو المديرين السياسي، أو حتى بسبب نشاط أحد أقاربهم السياسي الذي يؤدي إلى فصل تعسفي دون توضيح الأسباب.
توضح الوثائق التي كشفت عنها “يدعوت أحرنوت” أن النشاط السياسي للمعلمين والمديرين لم يكن السبب الوحيد الذي يثير حنق جهاز الشاباك، حيث كان الأشخاص المثقفون محل شك من جهاز الأمن الإسرائيلي، ليكون سببًا كافيًا لاستبعادهم من صفوف الإدارة خصيصًا وصفوف المعلمين بشكل عام، حيث كان من الصعب الوصول إلى هيئة تدريس كفء للمدارس العربية التي تعمق الشاباك في السيطرة عليها.
لقد اعتبر الشاباك منظومة التعليم العربية داخل دولة الكيان الصهيوني مسألة “أمن وطني” عليهم السيطرة عليها بشكل متعمق إلى الجذور
لم يكن يتم فصل المعلمين أو المديرين الكفء دون سبب واضح فحسب، بل حاول جهاز الشاباك منعهم من التدريس أو التوظيف في أي مؤسسة لها علاقة بالتعليم وليس فقط المؤسسة التي أُجبروا على ترك وظيفتهم فيها، حيث كان يستبدل كل موظف كفء في هيئة التعليم بمن هو أقل منه كفاءة وخبرة وعلمًا في المدارس العربية بحسب ما تذكره الوثائق المكشوف عنها.
كان تدخل الشاباك في منظومة التعليم العربي من أكثر الأسرار المكتوم عنها في دولة الكيان الصهيوني التي بدأت وانتهت داخل غرف الاجتماعات التي جمعت بين وزير التربية والتعليم آنذاك ومجموعة من الضباط من جهاز الأمن، ولم تنته شفهيًا فحسب بل كان لها وثائق مكتوبة تُملي على المنظومة التعليمية سياسية الشاباك الواجب تطبيقها على الطلاب الفلسطينين في ذلك الوقت.
لقد اعتبر الشاباك منظومة التعليم العربية داخل دولة الكيان الصهيوني مسألة “أمن وطني” عليهم السيطرة عليها بشكل متعمق إلى الجذور، وعليهم السيطرة فيها على الهوية الفلسطينية وكيفية تشكيلها وتأسيسها منذ الجذور في مؤسسة التربية والتعليم، التي لم يبدأ الحديث عنها علنًا من منظور قضائي إلا في بدايات الألفية الحديثة بحسب ما ورد في الوثائق المسربة.
لم يكن الطلاب والمعلمون والمديرون وحدهم عرضة لسيطرة ومراقبة الشاباك، بل كان التهديد بغلق المدرسة كلها أمرًا حتميًا أيضًا من خلال أمر من وزارة التربية والتعليم التابعة لما يأمر وينهي عنه الشاباك، فإن لم يتم التعامل مع هيئة التدريس في المدارس العربية كما يحلو لجهاز الأمن، فإنه يهدد المدرسة العربية أن تغلق تمامًا ويبقى كل من فيها دون وظيفة مدى حياته.
خطابات من داخل الفصول إلى الشاباك
أحد الخطابات التي كشفتها وثائق صحيفة “يدعوت أحرنوت“
لقد كانت فصول المدارس العربية مكانًا جيدًا للتجسس بالنسبة لأفراد الأمن في جهاز الشاباك، حيث عرضت الوثائق خطابات مُرسلة تقتبس الكلمات التي يرددها بعض أعضاء هيئة التدريس داخل الفصول في أثناء سير العملية التعليمية في منظومة التعليم العربية، حيث كان أحد الخطابات التي عرضتها الوثائق مقتبسًا عن أحد المعلمين، مشيرًا إلى الرئيس المصري السابق أنور السادات بالسلب في إشارة إلى عملية السلام مع “إسرائيل”.
اعتبر الشاباك هذا الاقتباس سببًا كافيًا لفصل ذلك المعلم عن وظيفته للأبد، متهمًا إياه باستغلال مكانته كمعلم من أجل نشر آرائه السياسية التي تهدد “أمن إسرائيل الوطني”، واستقرار البلاد، كان الشاباك يفرض وثيقة من التعليمات على منظومة التعليم العربية مفادها أن كل معلم يفعل فعل مشابه لذلك فعليه أن يُفصل في الحال، وإن لم يتم ذلك فسوف تتعرض المدرسة للغلق وكل من فيها للطرد من المنظومة أكملها.
بحسب ما ورد من بعض شهادات وزراء سابقين للتعليم المسؤولين عن التعليم العربي في “إسرائيل” فإنه لم يكن هناك أي مفاوضات بينهم وبين ضباط الشاباك في أي من أوامر ضباط جهاز الأمن
الشاباك مسؤول عن التعيينات
وزيرة التعليم الإسرائيلية السابقة شولاميت علوني
لم يكن الشاباك مسيطرًا على المنظومة التعليمية من خلال مراقبته لما يدور داخل الفصول، أو من خلال طرده للمعلمين والمديرين فحسب، بل فرض الشاباك على منظومة التعليم العربية أن يكون ضباطه جزءًا من عملية تعيين المديرين والمعلمين، من خلال معايير يضعها جهاز الأمن بنفسه وعلى المنظومة التعليمية العربية اتباعها.
في بداية الألفية الحديثة لم تكن سيطرة الشاباك بتلك السهولة، إذ حاول بعض وزراء التربية أو وزراء الثقافة معارضة تلك الهيمنة
بالإضافة إلى معايير التعيين الخاصة بجهاز الأمن، فرض الشاباك على المنظومة التعليمية العربية على أراضي دولة الاحتلال أن يتم إدراج أفراد من جهاز الأمن نفسه داخل المنظومة التعليمية، من أجل مزيد من إحكام القبضة على التعليم العربي منذ تاريخ تعاون وزارة التربية والتعليم معه وحتى تاريخ صدور تلك الوثائق المسربة التي تنكرها الحكومة الإسرائيلية بحسب ما ورد فيها.
بحسب ما ورد من بعض شهادات وزراء سابقين للتعليم المسؤولين عن التعليم العربي في “إسرائيل” فإنه لم يكن هناك أي مفاوضات بينهم وبين ضباط الشاباك في أي من أوامر ضباط جهاز الأمن، فهم لم يفسروا قط رغبتهم في إقالة فلان أو تعيين علان، ولم يفسروا معايير المكافأة والعقاب التي أجبروا منظومة التعليم على الالتزام بها، حيث لم يكن أي من المعلمين المفصولين على دراية بسبب الفصل، ولم يكن أي من أفراد الأمن على استعداد لتقديم أجوبة.
في بداية الألفية الحديثة لم تكن سيطرة الشاباك بتلك السهولة، إذ حاول بعض وزراء التربية أو وزراء الثقافة معارضة تلك الهيمنة التي آمنوا أن أيامها “أيام القانون العسكري” قد ولّت في دولة الاحتلال، حيث بدأ الرأي العام يناقش تدخل الشاباك في المنظومة التعليمية العربية الذي لم يعد سرًا بعد ذلك، كان من بين هؤلاء الوزراء وزيرة التعليم الإسرائيلية السابقة “شولاميت علوني”، التي تبعها في ذلك وزراء قاموا بتقديم شكوى للمحكمة القضائية ضد جهاز الأمن التي قوبلت بأمر من المحكمة بعدم التدخل في التعليم العربي منذ عام 2004.
هذا لم يمنع الشاباك من أداء مهمته، فرغم أنها الآن ذات نطاق أقل، فإنها لم تنته، فما زال من المألوف جدًا أن ترسل منظومة التعليم العربية داخل “إسرائيل” خطابًا للشاباك بمعلومات كل من تقدم للالتحاق بوظيفة في المنظومة التعليمية، أو ترسل له خطابات تقتبس ما يدور داخل فصول الدراسة في المدارس العربية، وذلك بحسب شهادات آخر وزراء للتربية والتعليم بحسب ما كشفته الوثائق.