قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، إن بلاده تتوقع موافقة الجانب الإسرائيلي على المقترح الذي قدمه الرئيس جو بايدن بشأن إنهاء الحرب في غزة إذا ما وافقت عليه حركة حماس بالصيغة التي نقلها الرئيس، مضيفًا في مقابلة على شبكة “إيه بي سي” أن مسؤولي حماس رحبوا بالمقترح الإسرائيلي “لكننا في انتظار ردهم الرسمي”.
وفي السياق ذاته حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال اتصالين هاتفيين مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، الحركة الفلسطينية على قبول المقترح دون تأخير، وهو الموقف ذاته الذي عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك، الذي يرى أن على حماس التقاط الفرصة.
وسائل الإعلام الإسرائيلية عزفت هي الأخرى على نفس الوتر، حيث نقلت عن بعض المراقبين وأعضاء مجلس الحرب، قولهم إن الرد الإسرائيلي سيأتي بعد رد حماس أولًا، لافتة إلى أن الموقف الإسرائيلي من المرجح أن يكون إيجابيًا إذا ما قبلت الحركة المقترح كما قدمه بايدن.
من الواضح أن هناك موقفًا موحدًا لدى تل أبيب وواشنطن وبعض الحلفاء الغربيين بشأن ضرورة أن تأتي حماس بردها أولًا على المقترح، ثم يكون الرد الإسرائيلي إما بالموافقة أو الرفض، وهو إلحاح مثير للشك والريبة، خاصة أن الحركة تعاطت إيجابيًا مع الاتفاق بعد دقائق قليلة من مؤتمر بايدن مقارنة بالانقسام الإسرائيلي تجاهه، وعليه كان من المنطقي أن يُطالب الطرف المنقسم بإبداء رأيه أولًا.
أجواء غير مريحة
يثير الجو العام الذي يحيط بالمقترح منذ إعلان بايدن عن تفاصيله وصولًا إلى ردود الفعل الأولية بشأنه، حالة من الشك والريبة، وذلك وفق عدة نقاط:
– ما ذكرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية بشأن تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن الخطة التي قدمها بايدن لإنهاء الحرب، حيث اجتمع مجلس الحرب المصغر في وقت متأخر من يوم الأحد لإجراء “محادثات حاسمة” بشأن الاتفاق، لكن مقربين من رئيس الحكومة كشفوا أن أي اتفاق لوقف الحرب في غزة بشكل مستدام في هذا التوقيت لن يكون مقبولًا، وأن “إسرائيل” في عهد نتنياهو لن تقبل بإنهاء المعركة “حتى تتحقق جميع أهداف الحرب”.
– هيئة البث الإسرائيلية ذكرت أن نتنياهو وعدد من شركائه في الائتلاف قرروا عدم وقف الحرب، والتأكيد على أن فرص التوصل إلى اتفاق “منخفضة جدًا”، في ظل تباين وجهات النظر بشأن المقترح المقدم.
– نقلت القناة 13 الإسرائيلية عن مسؤولين رفيعي المستوى في حزب الليكود، قولهم إن نتنياهو لن يتمكن من تمرير المقترح، خشية أن تؤدي تلك الخطوة إلى انهيار الحكومة، لا سيما بعد تلويح أحزاب اليمين المتطرف بالانسحاب من الائتلاف إذا ما تمت الموافقة على هذا المقترح، وأنه إذا جاء رد حماس إيجابيًا فإن نتنياهو سيجد طريقة للتنصل أو المماطلة.
– ورغم أن بايدن أكد أن المقترح إسرائيلي، بما يعني التوافق عليه من صناع القرار في تل أبيب، فإن أصوات داخل الحكومة تشير إلى أنه كان مفاجئًا للجميع، وأن أعضاء كثر في الحكومة والكابينت لم يكونوا على اطلاع بخطاب بايدن، في الوقت الذي تقول فيه مصادر أخرى إن نتنياهو والوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، كانا على علم مسبق بتفاصيل الصفقة.
– التساؤل الأهم هنا: إذا كان بايدن بنفسه قال إن المقترح مقدم من “إسرائيل” فهل من المنطقي والمعقول أن النخب الإسرائيلية والحكومة والكابينت يقضون كل هذا الوقت في التباحث والتناقش والاختلاف فيما بينهم في مقترحهم الذي يفترض أنهم قدموه بعد دراسته بشكل كامل؟ فضلًا عن تأجيل ردهم النهائي والرسمي لحين تقديم حماس ردها وهي التي تعاطت إيجابيًا مع المقترح بشكل مبكر.
أفكار وليست مقترحات
ما قدمه بايدن في خطابه لا يمكن اعتباره مشروعًا سياسيًا مكتمل الأركان يمكن البناء عليه للوصول لاتفاق نهائي بشأن وقف إطلاق النار في القطاع، فما تم على مرأى ومسمع من الجميع لا يعدو كونه خطابًا دعائيًا، يحمل أفكارًا ومقترحات، وربما أمنيات، بلغة فضفاضة لا ترتقي بعد لمستوى المقترح المدروس، فضلًا عن افتقاده لآليات التنفيذ وهوية الضامنين.
هذا بخلاف عدم تلقي حماس لأي ورقة أو مبادرة تحمل هذا المقترح المقدم وتفاصيله المبهمة، بشكل رسمي، فهي مثل الآخرين تابعت خطاب بايدن دون تقديم أي وثيقة تثبت ذلك جديًا، كما حدث في المرات السابقة، سواء عن طريق أمريكا أم الوسيطين المصري والقطري، وذلك حسبما جاء على لسان القيادي في الحركة أسامة حمدان.
وعليه ترى الحركة أن تفاصيل المقترح بالصيغة التي أعلنها بايدن غير واضحة، وإن كانت إيجابية في مجملها، إذ إن سعي واشنطن لإبرام صفقة تهدئة هو اعتراف ضمني بفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، والتوصل إلى قناعة بأن استمرار الحرب ليس في صالح أحد، وفق ما أشار حمدان الذي أكد أن الحركة تحتاج إلى مشروع كامل مفصل وليس أفكار يتم تقديمها في خطاب أو مؤتمر على الملأ.
ألغام المقترح
يرى قادة حماس أن المقترح المقدم من بايدن رغم إيجابيته في مجمله لكنه يحمل ألغامًا في تفاصيله الرخوة، لافتين إلى أن تلك الخطوة إنما جاءت نتيجة حزمة من الضغوط التي تعرضت لها واشنطن منذ الرفض الإسرائيلي للورقة المقدمة من الوسطاء مايو/أيار الماضي، ما وضع الإدارة الأمريكية في حرج كبير، تفاقم بعد قرار محكمة العدل الدولية بوقف العملية العسكرية في رفح وإدخال المساعدات وفتح المعبر، ثم توجيه الاتهام لقادة الاحتلال من الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب.
وأمام تلك الضغوط حاول الاحتلال تقديم ورقة – بصرف النظر عن مضمونها وجدية تنفيذها – يجمل بها صورته، ويعلن عن تفاصيلها بايدن، الباحث عن استعادة شعبيته المتراجعة قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجرائها نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث حاول الطرفان، تل أبيب وواشنطن، غسل سمعتهما المشوهة بسبب رفض المقترح المصري القطري الذي قبلته حماس في السادس من مايو/أيار الماضي.
المقترح المقدم أغفل الشروط التي طالما أعلنت حماس عن تمسكها بها وعدم التفريط فيها مهما كان الأمر، وعلى رأسها الوقف الكامل لإطلاق النار والانسحاب من كامل القطاع وإعمار غزة، كذلك إعلان الكيان المحتل وبشكل صريح موافقته على ذلك، لا سيما أن الضامنين لم يستطيعوا إرغامه على الالتزام بالورقة الأولى التي وافقت عليها الحركة قبل شهر.
وفي ظل هذا الغموض واللغة الفضفاضة التي تحدث بها بايدن بشأن المقترح الذي تجاهل شروط حماس وفصائل المقاومة، فضلًا عن عدم تلقي الحركة أصلًا لتلك الورقة بشكل رسمي، في مقابل التعنت الإسرائيلي والانقسام بشأنه والتأكيد على عدم إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها كاملة، يبقى السؤال: إذا كان المشهد هكذا فلما الضغط الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي على حماس لتقديم ردها على المقترح بشكل رسمي؟
رد حماس أولًا.. ما الهدف؟
إذا كانت حماس لم تتلق بعد أي ورقة رسمية بشأن الاتفاق المزعوم، وإذا كان المقترح لا يتعدى كونه خطابًا سياسيًا وأفكارًا عامة لا تصلح لأن تكون مشروع اتفاق كامل، فما الأهداف التي يحاول الإسرائيلي والأمريكي معًا تحقيقها من وراء الإلحاح في أن يسبق رد حماس الرد الإسرائيلي؟
أولًا: المماطلة والتسويف.. من المرجح ألا ترد حماس على خطاب بايدن طالما لم يصل إليها عرض رسمي بتفاصيله، فضلًا عن مساراته الفضفاضة غير المحددة، والفخاخ التي يتضمنها فيما يتعلق بتجاهل شروط الحركة الخاصة بإنهاء الحرب بشكل مستدام وليس فقط وقف العمليات العدائية، والانسحاب من كل قطاع غزة وليس فقط المناطق المأهولة بالسكان كما تضمن المقترح.
ومن ثم فالمقترح سيحتاج إلى وقت طويل من التشاور والتباحث بشأن تلك البنود الغامضة، وهو ما سيمنح نتنياهو المزيد من الوقت لإطالة أمد الحرب قدر الإمكان، إرضاء لليمين المتطرف وضغوطه القوية لرفض أي جهود للتهدئة.
ثانيًا: إلقاء الكرة في ملعب حماس وتحميلها مسؤولية عرقلة اتفاق التبادل، وهو الخطاب السياسي الذي تبنته تل أبيب وواشنطن سابقًا، قبل أن تنسفه موافقة الحركة على مقترح الوسطاء الشهر الماضي، وهو ما يترتب عليه تبرئة ساحة حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية معًا أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، بما يمكن توظيفه لإطالة عمر الحكومة الإسرائيلية وتعزيز فرص الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.
ثالثًا: الضغط على حماس.. كالعادة تمارس الولايات المتحدة نيابة عن حكومة الاحتلال دور الضاغط الأكبر على حركات المقاومة والوسطاء معًا، لأجل تقديم المزيد من التنازلات على طاولة التفاوض، وعليه لن يخرج خطاب بايدن المبهم عن هذا السياق، فهو بذلك يحاول إحراج حماس من خلال مطالبتها بالرد على المقترح المقدم، رغم افتقاده للحد الأدنى من مواصفات المشروع المتكامل.
وفي الأخير، فإن حماس أمام مطب سياسي حرج، مخطط وممنهج، إسرائيليًا على الأقل، لجرجرتها نحو الفخ، إما القبول بالصيغة الحاليّة المرفوضة شكلًا ومضمونًا، بما يجهض صمودها وصمود الغزيين طيلة الأشهر الـ8 الماضية، ويحقق للإسرائيليين أهدافهم الخبيثة، أو الرفض فتصبح في مرمى الانتقادات الدولية كونها المعرقل للتهدئة.
استطاعت حماس بتعاطيها الإيجابي والسريع والذكي مع مقترح بايدن في إجهاض الجزء الأول من هذا المخطط، ليتبقى الجزء الأكثر أهمية والمتعلق بتوازن الحركة في ردها، حيث القبول المشروط الذي يتطلب مزيدًا من النقاشات المتمسكة بالثوابت والمرتكزات، مدعومًا بالصمود الميداني، والهروب في الوقت ذاته من فخ الرفض المطلق الذي سيتم توظيفه بشكل يخدم أجندة نتنياهو ويمينه المتطرف، معادلة ربما تكون صعبة وحرجة لكن أداء المقاومة السياسي منذ بداية الحرب يؤهلها للقيام بهذا التوازن بنجاح.