أنهى مجلس الأمن الدولي جلسة مشاورات عقدت مساء أمس الإثنين بطلب من باريس، للبحث في عملية “غصن الزيتون” التركية في عفرين السورية ضد المقاتلين الأكراد، من دون أن يصدر إدانة أو إعلانًا مشتركًا، مما يمثل ضربة كبيرة لفرنسا وموقفها الرافض لهذه العملية العسكرية التركية.
ضربة موجعة للدبلوماسية الفرنسية
فشلت الدبلوماسية الفرنسية أمس، بعد يومين من إطلاق الجيش التركي هجومًا لطرد وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة “إرهابية”، من منطقة عفرين الحدودية مع سوريا، في إحراج أنقرة وكسب تأييد لموقفها المناهض لهذه العملية العسكرية التركية، حيث أخفقت في دفع المجتمعين في الاجتماع العاجل لمجلس الأمن لإصدار أي بيان أو إعلان مشترك أو تصريحات عن الوضع في عفرين عن أي ممثل آخر للدول الأعضاء المؤثرة في مجلس الأمن.
بناءً على طلب فرنسا، تغير موضوع الجلسة المغلقة، حيث تناولت الهجوم التركي الأخير لطرد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من منطقة عفرين في شمال سوريا
يذكر أن هذه المشاورات لم تُشارك فيها السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي بحسب تقارير إعلامية عديدة، دون أن توضح هذه التقارير سبب ذلك، أو الغاية منه، وكانت الولايات المتحدة قد عبرت عن قلقها من هذه العملية في وقت سابق.
وقبل ذلك، أعربت فرنسا عن قلقها بشأن الوضع في سوريا وحثت أنقرة على إنهاء عملياتها ضد الفصائل الكردية هناك، حيث حضت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، الأحد، تركيا على وقف عملياتها ضد الفصائل الكردية في سوريا، مؤكدة أن ذلك يضر بجهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الإسلامية “داعش”.
وقالت الوزيرة عبر قناة “فرانس 3”: “هذه المعارك يجب أن تتوقف، لأن من شأنها جعل القوات المقاتلة الكردية المنخرطة بزخم إلى جانب التحالف الذي تنتمي إليه فرنسا، تحيد عن المعركة الأساسية ضد الإرهاب”، حسب قولها.
مجلس الأمن الدولي
إلى جانب ذلك، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، في كلمة ألقاها في اجتماع مجموعة 5+5 لدول غرب حوض البحر الأبيض المتوسط في الجزائر: “فرنسا قلقة جدًا بشأن الوضع في سوريا والتدهور المفاجئ للوضع هناك”.
#Syrie : Ghouta, Idlib, Afrin – la France demande une réunion urgente du Conseil de Sécurité des Nations Unies. Entretien ce matin avec mon homologue Turc.
— Jean-Yves Le Drian (@JY_LeDrian) January 21, 2018
كان من المقرر أن يعقد مجلس الأمن، أمس الإثنين، جلسة من أجل الاستماع إلى تقرير لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك بشأن زيارته الأخيرة لسوريا، وبناء على طلب فرنسا، تغير موضوع الجلسة المغلقة، حيث تناولت الهجوم التركي الأخير لطرد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية من منطقة عفرين في شمال سوريا.
باريس تناقض نفسها
هذا الموقف الفرنسي المناهض للعملية العسكرية التركية في منطقة عفرين السورية، يعد الوحيد من نوعه في أوروبا التي أظهرت كبرى دولها، لا سيما بريطانيا وألمانيا، تفهمًا لدواعي القلق التركي وأسباب العملية، وحق أنقرة في الدفاع المشروع عن نفسها.
ويرى خبراء، أن باريس تناقض نفسها، فهي من جهة تصنف حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه عبد الله أوجلان، تنظيمًا إرهابيًا بحكم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى تعبر عن دعمها لمقاتلي هذا الحزب وإن كان ذلك ضمنيًا وتحت لافتة حقوق الإنسان.
أطلقت تركيا، مساء السبت، على معركة عفرين ضد الأحزاب الإرهابية الكردية اسم “غصن الزيتون”
ما يسجل في هذا الموقف الفرنسي أيضًا أن الخارجية الفرنسية دعت الحكومة التركية إلى وقف عملياتها التي تستهدف تطهير مدينة عفرين من العناصر المسلحة التابعة لتنظيم بي كا كا والأكراد الانفصاليين، دون أن تقدم بدائل معقولة لحماية الأمن القومي التركي، ومكتفية بتقديم وعود للمعارضة السورية المتآكلة ميدانيًا في مفاوضات فيينا المقبلة.
بدأت عملية الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب بمدينة عفرين الحدودية شمالي سوريا التي أطلق عليها اسم “غصن الزيتون”، رسميًا يوم السبت الماضي بعد تدشين المرحلة البرية، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن عملية عفرين بدأت على الأرض، وستتبعها مدينة منبج، وستستمر حتى حدود العراق، وذلك لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من تلك المناطق وتحصين الأمن القومي التركي.
العودة إلى الواجهة في الدبلوماسية العالمية
دعوة فرنسا إلى جلسة استثنائية خاصة لمجلس الأمن الدولي، لبحث الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد في مدينة عفرين السورية والمناطق المجاورة لها، خطوة يرى العديد من الخبراء أنها تندرج في إطار مساعي الرئيس ماكرون الرامية إلى إعادة باريس إلى الواجهة في الدبلوماسية العالمية من خلال لعب دور لحل الأزمات الكبرى، مستغلة تراجع الدور الأمريكي في عدة ملفات، منها السوري، وذلك منذ قدوم دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
يسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إعادة الدور الفرنسي في المنطقة وتسجيل نقاط على باقي الأطراف المتدخلة في الشأن السوري، وإعادة إحياء ما يسميها بـ”دبلوماسية الوساطة” التي لا تريد من خلالها إقصاء أي طرف من المعادلة أصلاً.
تغير موقفها من الأزمة السورية
الموقف الفرنسي من العملية التركية يأتي في وقت غيرت فيه باريس من موقفها من الأزمة السورية، فبعد أن كانت الدبلوماسية الفرنسية في عهد هولاند، متمسكة بشرط رحيل بشار الأسد عن السلطة لحل الأزمة السورية، باعتبار أنه “هو المشكل ولا يمكن أن يكون جزءًا من الحل”.
تغيرت وجهة النظر الفرنسية حيال سوريا، وعرفت منعطفًا آخر وصف بـ”الحاد” مع وصول الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون إلى سدة الحكم في منتصف شهر مايو 2017، وتأكيده على أن “رحيل بشار الأسد لم يعد شرطًا مسبقًا لحل النزاع السوري”، وأنه “لا يرى بديلاً شرعيًا له في الوقت الراهن”.
تستضيف باريس، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا دوليًا، يهدف إلى تشكيل مجموعة عمل دولية لمراقبة الهجمات بالأسلحة الكيميائية
ويشدد ماكرون على أهمية بلورة مسلسل تفاوضي يقوم على جمع الأطراف السياسية السورية كافة على طاولة المحادثات، خلافًا لما عليه الحال في اجتماع سوتشي الروسية، الذي سيعقد في 29 و30 من الشهر الحاليّ، بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة السوريتين، حيث يرى الرئيس الفرنسي أن مؤتمر سوتشي يقصي جزءًا من أطياف المعارضة السورية.
وكان نحو أربعين فصيلاً عسكريًا سوريًا معارضًا، أبرزهم جيش الإسلام وحركة أحرار الشام، قد أعلنوا في بيان مشترك رفضهم القاطع لمؤتمر سوتشي، وقالت الفصائل، وبعضها شارك في جولات سابقة لمفاوضات جنيف، إن روسيا تسعى للالتفاف على عملية السلام التي تجري في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وجددت التزامها بمسار الحل السياسي وفق بيان جنيف1 والقرارات الدولية ذات الصلة بما فيها القراران 2254 و2218.
وقبل مؤتمر سوتشي، تستضيف الأمم المتحدة يومي 25 و26 من الشهر الحاليّ، في فينا، جولة تاسعة من محادثات السلام عن سوريا، تركز على استكمال النقاش عن الدستور والانتخابات، وتأمل المنظمة الدولية أن تكون جولة المفاوضات هذه مكملة لمؤتمر سوتشي.
اجتماعات مرتقبة لبحث الأزمة السورية
تستضيف باريس، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا دوليًا، يحضره وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، يهدف إلى تشكيل مجموعة عمل دولية لمراقبة الهجمات بالأسلحة الكيميائية لفرض عقوبات لاحقة على المسؤولين عنها، وفي وقت سابق، أعلنت الخارجية الفرنسية، أن الدول المجتمعة ستضع بأيدي المجتمع الدولي والرأي العام العالمي المعلومات كافة التي بحوزتها عن المسؤولين المتورطين باستخدام السلاح الكيماوي، مشيرة إلى أنه سيتم، في هذا السياق، إنشاء موقع خاص على شبكة الإنترنت خلال مؤتمر باريس.