ترجمة وتحرير: نون بوست
شهد يوم الاثنين الفارط افتتاح أول متجر “أمازون غو”، للبقالة والوجبات السريعة، للعموم في مدينة سياتل. ويسمح هذا المتجر لأي شخص يمتلك حسابا على موقع أمازون، وتطبيق أمازون غو على هاتفه الذكي، فضلا عن الاستعداد للكشف عن معلوماته الشخصية بشكل أكبر من المعتاد، بشراء أي منتج يريده والخروج من المتجر دون المرور بطوابير الانتظار لدفع ثمن ما قام بشرائه.
بعد تأخر افتتاحه لسنة كاملة عن المهلة المحددة، وعلى إثر مروره بالاختبارات الداخلية في الشركة، يمثل متجر أمازون غو محاولة الشركة الرائدة في مجال مبيعات التجزئة لإعادة ابتكار المتاجر الحقيقية بالاعتماد على النمط ذاته الذي أدخل تقنية التسوق عن طريق النقرة الواحدة إلى عالم الانترنت. من هذا المنطلق، يسجل المتسوقون دخولهم عن طريق مسح رمز الاستجابة السريع المميز، لتقوم الكاميرات العلوية فيما بعد بالعمل مع مستشعرات الوزن المدمجة في الرفوف من أجل التعقب الدقيق للأغراض التي يقوم المتسوقون بالتقاطها وأخذها معهم.
في مرحلة لاحقة، يغادر المتسوقون المتجر بكل بساطة، حيث تقوم أنظمة أمازون غو بخصم ثمن هذه المقتنيات من حساباتهم الشخصية، وتتكفل بإرسال الفاتورة إلى التطبيق الخاص بالمتجر على هاتفهم الذكي. ووفقا لتجربتي الشخصية الأولى في متجر أمازون غو، تطلب الأمر مني 23 ثانية تحديدا، بدءا من مسح رمز الاستجابة السريع الخاص بي عند الدخول، إلى غاية خروجي من المتجر حاملا الغرض الذي قمت باقتنائه. وتجدر الإشارة إلى أنني قضيت معظم الوقت في اختيار نكهتي المفضلة من عصير “أودوالا”. وفي السياق ذاته، يمكن للمتسوقين التجول في المتجر لمدة طويلة وملأ حقائب تسوقهم، حيث قد تصبح هذه التجربة ممتعة للغاية أو مزعجة وفقا لمنظورك الشخصي.
مجموعة من كاميرات التصوير الملون وكاميرات العمق معلقة بالسقف لتعقب الحركة في متجر أمازون غو.
صرحت الشركة أن عملية التعقب دقيقة بما يكفي للتمييز بين عدة أشخاص يقفون جنبا إلى جنب أمام أحد الرفوف. وتقوم تكنولوجيا التعقب بالتمييز بين الشخص الذي أخذ علبة الزبادي أو قطعة الكب كيك مثلا، وبين من يقوم بالتجول فحسب. ويتفطن النظام أيضا إلى اقتناء المتسوقين للأغراض ومن ثم إرجاعها إلى مكانها، وذلك لضمان عدم اتهام أمازون بخصم ثمن الحليب أو رقائق البطاطا من حساب المتسوق لمجرد أنه أراد قراءة ملصق المنتج. وفي شأن ذي صلة، تحدث ديليب كومار، نائب مدير قسم التكنولوجيا في متجر أمازون غو، إلى مراسلي موقع “غيك واير” بعد أخذهم في جولة في أرجاء المتجر، حيث قال: “تتمثل الفكرة في الدفع بحدود رؤية الكمبيوتر والتعلم الآلي بهدف خلق تجربة خالية من الجهد بالنسبة للحرفاء”.
إذن، ما الذي يقوله هذا المتجر حول مستقبل الوظائف؟
من الشائع أن تضم المتاجر الصغيرة عددا محدودا من الموظفين. لكن، عندما يتعلق الأمر بمتجر البقالة، يصبح من السهل تبين التوجه الآلي لأمازون غو الذي يحيل إلى حاجة أقل لليد العاملة في متاجر البيع بالتجزئة، وذلك على مستوى صناديق الدفع على الأقل.
خلال زيارتنا لمتجر أمازون غو، رأينا عاملين اثنين داخل المتجر الذي يمتد على مساحة 1800 قدم مربع، باستثناء طاقم المطبخ الذي يتكفل بإعداد الطعام الطازج في الجهة الخلفية من المتجر. في الأثناء، يقتصر عمل أحد هذين العاملين على التحقق من الهويات الشخصية في قسم المشروبات الكحولية، في حين يقوم الآخر بالترحيب بالمتسوقين عند مدخل المتجر. إضافة إلى ذلك، يضطلع العاملين بمهمة إعادة ملأ الرفوف ومساعدة الحرفاء عند الحاجة.
في واقع الأمر، أعلنت الشركة عن متجر أمازون غو في كانون الأول/ديسمبر سنة 2016 كتجربة خاصة بموظفي شركة أمازون. وكان من المفترض أن يتم إطلاق المشروع للعموم مطلع سنة 2017، إلا أن ذلك لم يحدث. حيال هذا الشأن، أفادت عدة تقارير أن التأخير جاء بسبب عدة مشاكل تقنية تعرض لها النظام أثناء وجود عدد كبير من الأشخاص داخل المتجر، فضلا عن عجز النظام عن تعقب بعض المنتجات عندما يتم تغيير أماكنها.
مع ذلك، صرح ديليب كومار، عند سؤاله عن فحوى هذه التقارير، أن التأخير لم يكن نتيجة خلل تكنولوجي خلافا للمتوقع، مؤكدا: “لا، لم يحدث ذلك على الإطلاق، حيث كان النظام يعمل بسلاسة منذ اليوم الأول”. ونظرا لعدم ثقتي التامة في تصريحاته، ضغطت على كومار لاحقا أثناء زيارتنا للمتجر، وسألته عما إذا سبق وأن أخطأ النظام في التعرف على غرض ما قام أحد المتسوقين بأخذه من الرف؟ ليجيب كومار أن “هذا الأمر نادر الحدوث، فضلا عن أن النظام دقيق للغاية”، وهو ما أثبته منذ افتتاح المتجر. من جهتها، تفيد أمازون أنها كانت تعمل على تطوير فكرة أمازون غو وتكنولوجيا “والك آوت” الخاصة بها على مدى خمس سنوات.
لكن، ما هو سبب تأخير الافتتاح العام؟
في هذا الصدد، قال كومار: “عندما فتح المتجر أبوابه للمرة الأولى (للموظفين)، كنا نعلم أننا بحاجة للكثير من الحركيّة داخل المتجر من أجل تدريب الخوارزميات، فضلا عن القدرة على التعلم من آراء الحرفاء وتصرفاتهم. وعلى الرغم من أننا اعتقدنا أنه ينبغي علينا فتح أبواب المتجر للعموم كي نحقق القدر الكافي من الحركية، إلا أننا تمكنا، وعلى نحو غير متوقع، من الحصول على عدد كاف من الأشخاص بالاعتماد على موظفي شركة أمازون فقط، وهو ما مكننا من تعلم كل ما كنا في حاجة إلى معرفته”.
ديليب كومار، نائب مدير قسم التكنولوجيا في متاجر أمازون غو
كدليل على ذلك، لاحظنا تدفقا متواصلا لموظفي شركة أمازون وهم يحملون حقائب “أمازون غو” الأرجوانية في ردهة مبنى أمازون “داي وان”، حين كنا بانتظار البدء بجولتنا في متجر “أمازون غو” خلال الأسبوع الماضي. وبالنظر إلى هذه الحركية، أكد كومار أنه لم تكن هناك حاجة إلى التسرع في فتح المتجر للعامة، حيث قال: “لقد استطعنا أن نأخذ الوقت الكافي ونتعلم. أما الآن فنحن مستعدون”.
في هذا الشأن، لم تقتصر عملية التعلم على الجانب التقني فحسب. فعلى سبيل المثال، توقفت أمازون عن خلط البهارات مع أنواع السلطة المُعدة مسبقا للأشخاص الذين يراقبون عدد السعرات الحرارية التي يتناولونها. كما شملت الملاحظات الأخرى التي قدمها الحرفاء، طلبات للحصول على كميات أقل من الطعام ضمن مجموعات الوجبات الجاهزة التي تعدها الشركة، فضلا عن وضع ملصقات تحمل معلومات أكثر وضوحا على المواد الغذائية النباتية.
علاوة على ذلك، تشمل البضائع الأخرى التي يعرضها متجر “أمازون غو”، البطاريات (التي تمثل إحدى المنتجات الأساسية المقدمة من قبل شركة أمازون)، والملصقات الطبية، ومسكنات “تايلينول” “وأدفيل”، فضلا عن أدوية الرشح. ولكن، يظل للمواد الغذائية والمشروبات نصيب الأسد من المواد المعروضة في المتجر.
بالإضافة إلى ذلك، يشمل المتجر قسما مخصصا لمنتجات “هول فودز” المتكونة من 365 علامة تجارية. وقد تم افتتاح “أمازون غو” قبل أن تقوم أمازون، عملاق التكنولوجيا، بضم سلسلة متاجر البقالة العملاقة إلى أسطولها مقابل 13.7 مليار دولار. من جهة أخرى، أشار كومار إلى أن شركة أمازون لا تخطط حاليا لطرح تكنولوجيا “أمازون غو” في محلات “هول فودز”. كما رفض كومار الإفصاح عما إذا كانت الشركة تخطط لفتح المزيد من المتاجر المستقلة “لأمازون غو”، مع العلم أن إعلان الانتداب الذي نُشر خلال السنة الماضية يحيل إلى إمكانية افتتاح متاجر “أمازون غو” أخرى.
يعتبر متجر “أمازون غو” جزءا من إستراتيجية الدفع الواسعة التي تقوم بها الشركة لدخول مجال تجارة التجزئة المادية، بما في ذلك متاجر أمازون لبيع الكتب وخدمة المواد الطازجة، بالإضافة إلى الرهان الضخم الذي قامت به الشركة على متاجر “هول فودز”. وبغض النظر عن هذه المبادرات الأخرى، يحمل متجر “أمازون غو” طابعا يجعله متجرا للبيع بالتجزئة أنشأته شركة ذات جذور في مجال التجارة الإلكترونية. وباعتبار أن الأمر مرتبط بشبكة الإنترنت، فهو يتطلب بالطبع ولوجك وترك آثار افتراضية أثناء قيامك بعملية التسوق.
في المقابل، وبالنظر لأن المتجر يتعلق بالحضور المادي، أثيرت مخاوف بشأن حماية المعلومات الشخصية بمجرد الإعلان عن فتح “أمازون غو”. ومن المرجح أن يهتم بتجربة أمازون الجديدة أشخاص لا يتحرجون من التخلي عن البعض من خصوصيتهم لتجربة شيء جديد. ولكن، إذا كان هذا هو مستقبل التجزئة المادية، فكيف ستقنع الشركة أولئك الأشخاص الذين يشعرون بعدم الارتياح إزاء تعقب أنشطتهم في العالم الحقيقي عن كثب من قبل نظام الكمبيوتر؟
أولا وقبل كل شيء، أكد ديليب كومار أن متجر “أمازون غو” يركز على تفاعل الحرفاء مع المنتجات المُقدمة على الرفوف، كما أشار إلى الراحة المطلقة التي يشعر بها المتسوقون داخل المتجر. وذكر كومار شعار المتجر، الذي يفيد أن البداية تكون مع الحريف، ومن ثم نهتم ببقية العمل بشكل عكسي، حيث قال: “عادة ما يكون الناس على عجلة من أمرهم، ولذلك فهم لا يحبذون الانتظار في الطوابير. بناء على ذلك، نحن نعد العملاء في متجرنا بأن نحترم وقتهم”.
على صعيد آخر، وبفضل برامج الوفاء الخاصة بالمستهلك ودفع الحساب داخل المتاجر ووجود الكاميرات الأمنية في كل مكان، بما في ذلك المتاجر والأماكن العامة الأخرى، يتم تعقب عمليات الشراء في العديد من محلات البقالة. خلافا لذلك، قام متجر “أمازون غو” بنقلة نوعية من خلال ربط كل هذه العناصر معا.
أما في الوقت الراهن على الأقل، فلم يتم ربط متجر “أمازون غو” بموقع “أمازون.كوم” على شبكة الإنترنت. وعلى سبيل المثال، إذا أخذت منتجا ما من على الرف ثم قمت لاحقا باستبداله لأنه لم يكن ما تبحث عنه، فلن يعرض موقع أمازون أمامك إعلانا عن منتج مماثل في المرة المقبلة التي تكون فيها متصلا بشبكة الإنترنت. وقد رفض كومار التكهن بما إذا كانت إعادة توجيه هذا النوع من الخدمات من المجال المادي إلى الإنترنت تندرج ضمن مشاريع أمازون المستقبلية فيما يتعلق بمتجر “أمازون غو”.
يوفر تطبيق “أمازون غو” رمز استجابة سريع فريد من نوعه لدخول المتجر.
في الأثناء، يمكن للحرفاء استخدام معلوماتهم الحالية (اسم المستخدم وكلمة السر) الخاصة بحساباتهم على موقع أمازون للولوج إلى تطبيق “أمازون غو”. وبالإضافة إلى توفير رمز الاستجابة السريع، الذي يتم إجراء مسح له عند مدخل المتجر، يقدم تطبيق “أمازون غو” وصل الاستلام بعد مغادرة الحرفاء للمتجر وبحوزتهم منتجاتهم التي اختاروها.
تجدر الإشارة إلى أن متجر “أمازون غو”، الواقع في 2131، الشارع السابع في سياتل، يفتح أبوابه من الساعة السابعة صباحا إلى الساعة التاسعة ليلا، ومن الاثنين إلى الجمعة. وعلى الرغم من أنه لن يكون هناك طوابير انتظار داخل المتجر، إلا أنه لن يكون من قبيل المفاجأة رؤية طوابير من الأشخاص خارجه وهم متشوقون لإلقاء نظرة على المفهوم الجديد الذي يقدمه متجر “أمازون غو”.
المصدر: غيك واير