بعد أكثر من شهرين من الانتظار، أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول أمس الإثنين، تعديلاً حكوميًا جزئيًا على حكومة سعد الدين العثماني، حيث عين 4 وزراء، خلفًا لوزراء تمت إقالتهم في وقت سابق، للتقصير في تنفيذ برنامج تنموي في منطقة الريف التي تعرف احتجاجات اجتماعية واقتصادية وتنموية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016، إضافة إلى تعيين وزير جديد كلّف بحقيبة التعاون مع إفريقيا المستحدثة.
هذا التعديل الحكومي يأتي في وقت يشهد فيه المغرب موجة احتجاجات كبيرة في مناطق مختلفة من المملكة، يطالب سكانها بالتنمية وإنهاء التهميش الذي يعانون منه، فهل يوقف التعديل الوزاري الأخير احتجاجات المغرب؟
تفاصيل التعديل
العاهل المغربي عين كلاً من محسن الجزولي (رجل أعمال غير منتم)، وزيرًا مكلفًا بالتعاون الإفريقي، وعن حزب التقدم والاشتراكية عين عبد الأحد الفاسي وزير الإسكان محل نبيل بن عبد الله، وأنس الدكالي وزير الصحة محل الحسين الوردي، وعن الحركة الشعبية سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية محل محمد حصاد، ومحمد أغراس كاتب الدولة في التكوين المهني محل العربي بن الشيخ.
أكد التقرير أن التحريات والتحقيقات أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة
ويأتي تعيين الوزراء الجدد مكان وزراء أقيلوا في أكتوبر الماضي بعد صدور تقرير أشار إلى تأخير في تنفيذ برنامج تنمية لمنطقة الحسيمة في منطقة الريف التي شهدت حركة احتجاج لأشهر عدة، وينتمي الوزراء المقالون إلى حزبي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية.
حيث أعفى الملك محمد السادس 4 وزراء في حكومة العثماني و14 مسؤولاً إداريًا، ومنع 5 وزراء في الحكومة السابقة من تقلد أي مسؤولية مستقبلاً، وذلك بعد تسلّمه تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي تضمن نتائج تحقيق عن برنامج “الحسيمة منارة المتوسط”، حيث أكد التقرير أن التحريات والتحقيقات أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة.
التشبث بمكونات التحالف الحكومي الحاليّ
السمة البارزة لهذا التعديل الحكومي تتمثّل في الاعتماد على وزراء من نفس أحزاب الوزراء الذين شملهم الإعفاء الملكي، وهو ما يؤكّد التشبث بمكونات التحالف الحكومي الحاليّ بعدما راجت أخبار عن تعديل موسع أو تقليص للأحزاب المشاركة في هذا التحالف الذي يعرف العديد من الصراعات الخفية.
وتضم الحكومة المغربية الحاليّة التي تشكلت في 5 من أبريل/نيسان الماضي برئاسة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات التشريعية التي جرت في 7 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
رئيس الحكومة سعد الدين العثماني
يقول مراقبون إن الإبقاء على الهيكلة الحكومية الحاليّة غايتها إعطاء دعم لحكومة العثماني، وتحييد الأثر السياسي للزلازل الملكي عنها، فهذا التعديل الأخير يعني أن الزلزال السياسي الذي تحدّث عنه العاهل المغربي محمد السادس شمل الأشخاص فقط وليس الأحزاب، مما يعني أن الهيئات السياسية ليست هي المسؤولة عن الاختلالات التي أطاحت بالوزراء.
وسبق أن وجّه الملك المغربي، مجموعة من الانتقادات اللاذعة، للطبقة السياسية والأحزاب، محملاً إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبًا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.
تواصل الاحتجاجات
هذا التعديل الوزاري تبتغي من خلاله السلطات المغربية إلى دفع التنمية المعطّلة في البلاد ووقف الاحتجاجات التي تشهدها مناطق عدّة من المملكة، فالقائمون على الحكم هناك وعلى رأسهم الملك محمد السادس يرى أن هذا التعديل وما سبقه من إقالة للمسؤولين الذين ثبت تقصيرهم سيساهم في تخفيض حدة الاحتقان في المملكة.
غير أن المتابعين للشأن العام في المملكة يقللون من أهمية هذا التعديل الحكومي الأخير، مؤكّدين استحالة وقف الاحتجاجات في البلاد في ظل تواصل الوضع على ما هو عليه الآن، معتبرين أن المسألة تتجاوز الأسماء لتصل إلى البرامج.
وفي هذا الشأن يقول خبير الدستور والمتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق لنون بوست: “ما يوقف الاحتجاجات هو حكومة فاعلة قادرة على تنزيل الجهوية كرهان لبلوغ مرحلة التنمية، والإجابة عن معادلة تبدو صعبة هي تغيير النموذج الاقتصادي الحاليّ المعتمد من حكومة التناوب التوافقي والمعتمد على تشيع الاستهلاك الداخلي إلى نموذج يقوم على التنافسية وتشجيع الصادرات”.
يتهم مغاربة صندوق النقد الدولي بفرض إملاءات مجحفة على بلادهم تحت لافتات الإصلاح
ويضيف في حديثه لنون بوست “ما يوقف الاحتجاجات التي تشهدها مناطق الشمال والوسط والجنوب هو حكومة فاعلة لها رؤية قادرة على الإبداع وتنفيذ برامجها وليس اتباع توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي”.
من جهتهم يرى مراقبون، أن النموذج السياسي الذي اعتمدته المملكة المغربية منذ استقلالها كان بمثابة الحاجز أمام عمليات التنمية، فما فتئ يكرس الفوارق الاجتماعية والطبقية والمجالية، ويولد الإقصاء والتفقير في حق عدد مهم من مواطني المملكة، خاصة أنه يهدف إلى تكوين مجموعات مالية مرتبطة بالسلطة السياسية وتلبية احتياجات هذه المجموعات.
ويتهم مغاربة صندوق النقد الدولي بفرض إملاءات مجحفة على بلادهم تحت لافتات الإصلاح، إلا أن الغاية منها حسب قولهم استفادة المستثمرين الخواص الأجانب والمحليين من ثروات بلادهم، وارتهان اقتصاد البلاد إلى الجهات المقرضة.
وكانت تقارير سابقة قد أكّدت أن “فئة اجتماعية قليلة مقربة من دوائر القرار السياسي في المغرب هي الوحيدة التي استفادت من الثروة التي أنتجتها المملكة في العشرية الأولى للقرن الـ21، فيما لم يتم توزيع هذا الكم من الإنتاج بشكل عادل بين كل فئات المجتمع”.
فشل منوال التنمية على تحقيق المطلوب في المملكة
سبق أن أصدر صندوق النقد الدولي، بعد اختتام مجلسه التنفيذي للمراجعة الثانية لأداء الاقتصاد المغربي في ظل اتفاق “خط الوقاية والسيولة”، توصية للمملكة تشدد على ضرورة التحكم في عجز الموازنة، وفي الوقت ذاته تحفيز النمو من أجل توفير فرص العمل.
وسبق للحكومة أن عقدت اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من خط الوقاية والسيولة لمدة عامين بقيمة قدرها نحو 3.42 مليار دولار أمريكي، واستكملت في مايو الماضي مراجعة الأداء الأولي في ظل الاتفاق، وستنتهي المدة التي يغطيها الاتفاق في يوليو من السنة القادمة.
وتُبرز العديد من الإحصاءات، الفوارق الكبيرة بين جهات المملكة، سواء على مستوى التشغيل والبطالة أو النسيج الصناعي والسياحي أو البنية التحتية، الأمر الذي يفرز خريطة من الاختلالات بين الجهات التي تنعكس على الجانب الاجتماعي في البلاد.
وتعتبر جهات دكالة عبدة والشاوية ورديغة وتادلة أزيلال وتازة الحسيمة تاونات والغرب الشراردة بني حسن (الريف)، من الجهات الضعيفة التي لم تراوح مكانها وتعاني من ضعف نظامها الإنتاجي باستثناء جهة دكالة عبدة.
وتخشى الحكومة المغربية من تمدد رقعة الاحتجاجات الشعبية أكثر في العام الماضي، وخصوصًا أنها تتخذ مطالب اجتماعية محضة رافعة لها، من قبيل رفع التهميش وإرساء التنمية، أو المطالبة بالتحقيق في عدم تنفيذ مشاريع ملكية، أو الشكاوى من ارتفاع أسعار الماء والكهرباء، أو من ندرة الماء الصالح للشرب، وغيرها من المطالب.