أصبح منتدى دافوس للاقتصاد حدثًا عالميًا يضم أكثر من 3000 شخصية مؤثرة حول العالم، من بينهم الرؤساء التنفيذيون لأضخم 500 شركة في العالم ورؤساء الوزارات ومديرو البنوك وممثلو للحكومات ومندوبون من الأمم المتحدة، إلا أن منتدى دافوس في نسخته الـ48 ضم ضيفًا جديدًا لا يحضر منتدى دافوس في العادة، بل لم تحضر إدارته منتدى دافوس الاقتصادي من قبل قط، كان هذا الضيف هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
على الرغم من أن هدف دافوس (كسر الحواجز الاقتصادية وتخطي العقبات المالية بين الدول) يختلف تمامًا عن حلم “أمريكا أولًا” الذي تحلم به إدارة ترامب القومية التي تبني مزيدًا من الحواجز، فإن حضور ترامب وغيره من “النخبة” الاقتصادية أكد لماذا لا يتم إلا دعوة جماعات الضغط مثل تلك إلى هذا المؤتمر الذي لم يؤد مهمته في نسخه السابقة، فدافوس هو المكان الأنسب للتعاون فيما بين تلك الشبكات المؤثرة لتكوين جماعات وشبكات ضغط جديدة ذات سياسات وأجندات مختلفة.
يحضر ترامب المؤتمر الاقتصادي الدولي بعدما تم انتقاد سياسة التجارة الخارجية الخاصة بإدارته التي تعتمد “الحماية الاقتصادية للاقتصاد الأمريكي”، ورفعت تعريفة بعض الواردات الخارجية من الصين وكوريا الجنوبية إلى 50%، بالإضافة إلى انتقاد سياسته تلك من العديد من الرؤساء التنفيذيين لأضخم 500 شركة في العالم الخاصة بفرضه تعريفات ستؤدي للحد من التجارة الخارجية، يأتي ترامب وجهًا لوجه كأول رئيس أمريكي يحضر المنتدى الاقتصادي في مواجهة كل من انتقدوه ليدعم سياسة “أمريكا أولًا”.
لم يشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرأي مع الرئيس الأمريكي، حيث كانت رؤيته في مؤتمر الاقتصاد الدولي هي دعوة للشركات الضخمة مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وآبل لمزيد من الاستثمار ودفع حصة عادلة وكافية من الضرائب
الرئيس الفرنسي: استثمر وشارك
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أثناء حديثه بمنتدى دافوس
لم يشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرأي مع الرئيس الأمريكي، حيث كانت رؤيته في مؤتمر الاقتصاد الدولي هي دعوة للشركات الضخمة مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وآبل لمزيد من الاستثمار ودفع حصة عادلة وكافية من الضرائب في كل دولة يعملون بها، وهو الموقف المغاير لسياسته التي جعلت الصحافة المالية تصفه بـ”رئيس الأغنياء” بعدما حالفت سياسة “ضرائب الأغنياء” في فرنسا الطبقة الغنية في المجتمع، يأتي ماكرون داعيًا لمزيد من استثمار الشركات الضخمة وبالأخص شركات التكنولوجيا، بدلًا من اعتمادها على الملاذات الضريبية التي تتمتع بمستويات أقل من الضرائب.
على عكس طريقة ترامب الذي استغل مؤتمر الاقتصاد الدولي لفرض سياسته في وضع “أمريكا أولًا” أمام كل شيء، محاولًا إقناع العالم أن “دولارًا ضعيفًا” على المدى القصير أفضل في دعم الصناعات المحلية الأمريكية ودعم التجارة الأمريكية بشكل أفضل من تأثير العملة القوية على المدى الطويل، كانت دعوة ماكرون تنذر بأن “العولمة” في خطر واضح نتيجة القومية والشعبوية في إشارة إلى السياسة الأمريكية التي ذكر الرئيس الفرنسي في خطابه أنها تعود بنا للخلف عكس كل ما حققته العولمة حتى الآن.
لم يخاطب رئيس الوزراء الهندي دونالد ترامب بشكل مباشر ، ولكنه أشار إلى أن هناك بعض الاتجاهات لبعض الرؤساء لا يحاولون من خلالها حماية أنفسهم فحسب من العولمة بل يحاولون تغيير معايير العولمة في الحياة الاقتصادية أيضًا
الهند ضد السياسة الأمريكية أيضًا
رئيس وزراء الهند في أثناء خطابه بمنتدى دافوس
لم يكن الرئيس الأمريكي وحده الضيف الجديد على منتدى الاقتصاد الدولي، حيث كان رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أول حاضر لدافوس من الهند منذ عام 1997، وجاء لمناقشة ما تؤمن به الهند من أمور تتعلق بالتكنولوجيا ومشكلة الاحتباس الحراري ومشاكل الإرهاب الدولية وتأثيرها على الاقتصاد الدولي، وتحدث عن التجارة الدولية ولم يكن الوحيد الذي عارض فيها وبشدة سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لم يخاطب رئيس الوزراء الهندي دونالد ترامب بشكل مباشر في أثناء أدائه لخطابه قبل يومين، ولكنه أشار إلى أن هناك بعض الاتجاهات لبعض الرؤساء لا يحاولون من خلالها حماية أنفسهم فحسب من العولمة بل يحاولون تغيير معايير العولمة في الحياة الاقتصادية أيضًا، في ظل وجود دول تنمو بشكل سريع وملحوظ مثلما أشار إلى دولته الهند.
ميركل تخشى من الأنانية الوطنية
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في منتدى دافوس 2018
ربما لم يكن خطاب المستشارة الألمانية ميركل موجهًا بشكل كامل لمعارضتها لسياسة الرئيس الأمريكي، إلا أنها ركزت أن أكثر المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد الدولي في هذه الأيام هي “الأنانية الوطنية” و”الشعبوية”، حيث دافعت المستشارة الألمانية عن التعددية التي قامت على أساسها مؤسسة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، التي كانت خطوة واضحة تعني التعاون فيما بين الجميع، لتشير في أثناء خطابها في بالمنتدى إلى اتفاقية الاحتباس الحراري في باريس التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية.
من المتوقع أن تكون شركة أرامكو السعودية جاهزة لبيع 5% من حصة الشركة في أول اكتتاب عام لها وأضخم اكتتاب عام في التاريخ
كان “بريكست” أو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بالنسبة لأنجيلا ميركل بمثابة درس يعلم بقية أعضاء الاتحاد أنه يجب عليهم التركيز على الأمور المهمة وعدم اتخاذ خطوات قد يندمون عليها فيما بعد، كما تطرقت في خطابها إلى الاقتصاد الرقمي مشيرة إلى أن المعلومات ستكون المادة الخام لاقتصاد المستقبل، والسؤال الأهم هو: من سيملك هذه المعلومات ويتحكم بها؟
في غياب التمثيل العربي: أرامكو تنتظر الضوء الأخضر
الرئيس التنفيذي أمين الناصر خلال حديثه في منتدى دافوس
في غياب واضح للمندوبين والممثلين العرب في منتدى دافوس الاقتصادي لعام 2018، حضرت إحدى الشركات التي تنتظر الضوء الأخضر لأحد أهم الأحداث الاقتصادية المنتظرة عام 2018، ألا وهو الاكتتاب العام الأول في تاريخ عملاق البترول في العالم الشركة السعودية أرامكو، وبحضور الرئيس التنفيذي للشركة أمين الناصر كان رده في حديثه بالمنتدى أن الشركة تنتظر الضوء الأخضر من المساهمين بحسب رغبتهم، حيث لا تمتلك الشركة غير مساهم واحد ألا وهو الحكومة السعودية التي يبدو أنها الطرف المتأخر في الموافقة الكاملة على العرض.
من المتوقع أن تكون شركة أرامكو السعودية جاهزة لبيع 5% من حصة الشركة في أول اكتتاب عام لها وأضخم اكتتاب عام في التاريخ، فمن المتوقع أن تكون قيمة البيع ما بين واحد أو اثنين تريليون دولار أمريكي، وذلك ضمن خطة الأمير محمد بن سلمان في تنويع الاقتصاد السعودي والحد من اعتماده على البترول.
على الرغم من أن منتدى دافوس من أكثر الأماكن التي قد يكرهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان حضوره مفاجأة هذا العام، فإنه سيطر على أغلب مناقشات ومحاضرات المنتدى إما بالدفاع عن سياسته أو بمعارضتها واستنكارها دوليًا كما حدث مع الغالبية، ومع غياب الصين وإيران وكثير من ممثلي الشرق الأوسط، لا يبدو أن منتدى دافوس يخدم الغرض الأساسي منه بشكل كامل، إذا صدقت التوقعات وسرقت زيارة ترامب الأضواء عن الأمور التي تشغل الاقتصاد الدولي بالفعل.