مرة أخرى، يبرز اسم محمود الورفلي الذي يعرف “بذراع حفتر للأعمال القذرة”، ويوصف بقائد الإعدامات في قوات اللواء المتقاعد في ليبيا خليفة حفتر، في ارتباط بجريمة “وحشية” جديدة في بنغازي، راح ضحيتها تسعة أشخاص على الأقل، ليؤكد بذلك استهانته بدماء الليبيين وبالعدالة الدولية.
إعدامات جديدة
أمس الأربعاء، تداولت صفحات مقربة من محمود الورفلي، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، صورًا تظهر بشكل واضح الورفلي وهو يطلق النار من بندقيته بشكل مباشر على رؤوس تسعة أشخاص بالزي الأزرق مغمضي الأعين، وأيديهم مكبلة إلى الوراء، أمام مسجد “بيعة الرضوان” الذي وقعت أمامه تفجيرات ليل الثلاثاء الماضي في بنغازي.
وظهر آمر الدوريات في كتيبة الصاعقة الورفلي في مقطع فيديو قصير، أكد فيه قيامه بالعملية، بعدما اتهم المجموعة التي أخرجها من السجن ثم كبل أيديها وأخفى أعينها، أنهم “دواعش” وأن العملية جاءت للرد على تفجيرات بنغازي، ليوهم الرأي العام المحلي والدولي بأن خصوم حفتر وراء التفجير الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى.
طالبت البعثة بتسليم محمود الورفلي على الفور إلى محكمة الجنايات الدولية
وتمثل هذه العملية الجديدة التي أشرف عليها الورفلي وقام بتنفيذها بنفسه، تحديًا واضحًا للقضاء المحلي والدولي والمواثيق الدولية، فهو يهدف من خلالها إلى بث الرعب في نفوس الناس المناوئين لقائده حفتر أو الموالين له على حد السواء.
تعبر بعثة الأمم المتحدة عن استنكارها البالغ إزاء تقارير تتحدث عن عمليات إعدام وحشية حدثت اليوم في #بنغازي. وتطالب الأمم المتحدة بتسليم محمود الورفلي على الفور إلى محكمة الجنايات الدولية، خصوصاً وأنها رصدت على الأقل 5 حالات إعدام بإجراءات موجزة أرتكبها أو أمر بها الورفلي في 2017.
— UNSMIL (@UNSMILibya) January 24, 2018
وعلى إثر نشر هذه المشاهد، عبرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عبر تدوينة على صفحتها الرسمية، عن استيائها مما وصفته بـ”عمليات إعدام وحشية وقعت اليوم (أمس) في بنغازي، وطالبت البعثة بتسليم محمود الورفلي على الفور إلى محكمة الجنايات الدولية، خصوصًا أنها رصدت على الأقل 5 حالات إعدام بإجراءات موجزة ارتكبها أو أمر بها الورفلي في 2017.
هروب من العدالة
هذه الإعدامات خارج إطار القانون ليس الأولى التي يقوم بها محمود الورفلي، فقد ظهر الورفلي في عدة تسجيلات أخرى وهو يشرف على إعدامات خارج القانون، بينها فيديوهات يظهر فيها مع جنوده وهم ينكلون بضحاياهم قبل قتلهم، وفي مارس الماضي، أفادت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن قوات تابعة لحفتر “قد تكون ارتكبت” جرائم حرب تشمل إعدامات ميدانية، داعية إياه إلى “أن يأمر بتحقيق كامل وشفاف“.
هذه العمليات المتكررة جعلت الورفلي يواجه اتهامات من محكمة الجنايات الدولية، حيث حثت فاتو بنسودة التي تشغل منصب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السلطات الليبية على اعتقال الورفلي وتسليمه إلى لاهاي “من دون أي تأخير“، وهي دعوة ردت عليها القيادة بقوات حفتر بإعلان إيقاف للورفلي وإحالته للتحقيق.
وقالت المحكمة في تقريرها إن الورفلي ارتكب بنفسه وأمر بارتكاب جريمة القتل باعتبارها جريمة حرب، في سياق سبع حوادث شملت 33 شخصًا ووقعت في الفترة الممتدة ما بين الثالث من يونيو 2016 أو ما قبله و17 يوليو 2017 أو ما يقاربه، وذلك في بنغازي أو في مناطق محيطة بها في ليبيا.
قال حينها الناطق الرسمي باسم قوات حفتر العميد أحمد المسماري إن الإيقاف كان بأمر من خليفة حفتر، مضيفًا في كلمة مسجلة متوجهًا بها إلى محكمة الجنايات الدولية “ونحيطكم علمًا بأن المتهم في دعوتكم القضائية الرائد محمود مصطفي الورفلي يخضع الآن للتحقيق أمام المدعي العام العسكري في ذات القضايا المنسوبة له في صحيفة الدعوة وهو رهن التوقيف منذ تاريخ التكليف الصادر بالتحقيق”.
عندما يسمع الجنود أوامر الورفلي يتقدمون ويطلقون النار على رؤوس المحتجزين، ثم يمطرونهم بوابل من الرصاص للتأكد من موتهم
جراء ردت عليه فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، أمام مجلس الأمن الدولي في إفادتها الدورية بشأن الوضع في ليبيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بالقول إن بعض التقارير تشير إلى اعتقال الورفلي، فيما تلقى مكتبها تقارير أخرى تفيد بأنه لا يزال طليقًا، وربما شارك في أعمال قتل أخرى منذ صدور أمر القبض عليه.
وفي يوليو/حزيران الماضي، نشر مقطع فيديو على مواقع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أظهر محمود الورفلي آمر المحاور بالقوات الخاصة “الصاعقة”، وهو يشرف على إعدام 20 محتجزًا، وظهر الورفلي وهو يعطي أوامر لجنود ملثمين تقدموا نحو محتجزين يرتدون ملابس برتقالية موحدة، تشبه ما كان يرتديه ضحايا تنظيم “داعش” في سرت، بينما كانت أيديهم مكبلة خلف ظهورهم وأعينهم معصوبة، وعندما يسمع الجنود أوامر الورفلي يتقدمون ويطلقون النار على رؤوس المحتجزين، ثم يمطرونهم بوابل من الرصاص للتأكد من موتهم.
استهانته بدماء الأبرياء في ليبيا
رفض حفتر تسليم الورفلي إلى محكمة الجنايات الدولية، يؤكد استهانته بدماء الأبرياء في ليبيا واستهانته بالعدالة المحلية والدولية، فبحمايته للورفلي يضرب حفتر وقواته بعرض الحائط كل التشريعات التي تحظر القتل خارج ساحة المعركة، وهو ما يضفي غطاءً شرعيًا على أفعاله وممارساته وقد يدفع غيره إلى ارتكاب ممارسات مماثلة ضد المدنيين.
وتثير عمليات التصفية الجماعية التي تُنفذ بين الحين والآخر خارج القانون خاصة في الشرق الليبي الذي يسيطر عليه قوات حفتر، قلق الليبيين والمنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية الدولية بشأن استمرار هذه الجرائم وتزايد عمليات الانتقام، وخطر ذلك على السلم والتماسك الاجتماعي والمصالحة الوطنية ومساعي إقامة دولة قانون.
صورة توثق عملية الإعدام
وفي تقريرها العالمي لسنة 2018، الصادر في 643 صفحة، بنسخته الـ28 قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” إن الجماعات المسلحة وبعض القوى التابعة لحكومتي ليبيا المتنافستين على الشرعية، ترتكب انتهاكات واسعة النطاق ضد الليبيين والأجانب في ظل إفلات من العقاب.
قائد الإعدامات الميدانية
يعد محمود مصطفى بوسيف الورفلي، المولود عام 1974، من المقربين كثيرًا من حفتر وقياديًا بارزًا في كتيبة القوات الخاصة المعروفة باسم كتيبة الصاعقة (رتبة نقيب)، وهي وحدة خاصة انشقت عن الجيش الليبي في أعقاب الانتفاضة التي أطاحت بالعقيد الراحل معمر القذافي عام 2011، التي تتبع حاليًّا اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
كان الورفلي المعروف بوحشيته وفظاعته في مواجهة خصومه السياسيين والعسكريين، قائدًا لمحاور القتال بكتيبة القوات الخاصة غربي بنغازي، وأحد أبرز القادة العسكريين الذين أشرفوا على العمليات العسكرية في قنفودة، وهي العمليات التي قتل فيها عدد كبير من المدنيين المحاصرين سواء من الليبيين أو العمال العرب.
قاد الورفلي الذي يوصف بأنه أحد الأذرع الأمنية والعسكرية الضاربة لحفتر ببنغازي، حملة نبش قبر القائد بمجلس شورى ثوار بنغازي جلال مخزوم وجال بجثته بها في شوارع بنغازي، وكان يحرض على التمثيل بالجثة والتنكيل بها.
محمود الورفلي المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية
يعتبر الورفلي من أتباع تيار ديني في بنغازي يوصف بالمتشدد وموال لحفتر، يوفر له الغطاء الشرعي والديني، وشكل في العام 2015 كتيبة للقتال في صفوف قوات حفتر أسماها كتيبة “التوحيد السلفية”، وهذا التيار يرى أن الحرب في بنغازي دينية واجبة ضد من أسماهم “خوارج العصر والدواعش والتكفيريين”.
في 26 من فبراير/شباط 2017 تعرض الورفلي لمحاولة اغتيال بسيارة ملغمة استهدفت موكبه العسكري، وقتل خلال تلك المحاولة ثلاثة وأصيب آخرون من كتيبة القوات الخاصة الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، وأكدت مصادر محلية أن الورفلي أصيب بجروح بليغة أدخل على إثرها غرفة العناية في مركز بنغازي الطبي، ليعود بعدها إلى عملياته “الوحشية”.