منذ أن أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نهاية عهد الوساطة الأمريكية في ملف المفاوضات مع “إسرائيل” التي لم تنجح طوال 23 عامًا، بدأت الضغوطات والتحركات تحيط الرئيس أبو مازن من كل جانب ليتراجع عن قراراه ويعطي الإدارة الأمريكية فرصة جديدة لـ”إثبات حسن النوايا”.
الضغوطات الأوروبية والعربية لم تكن سرية، فقد صرح العديد من مسؤولي حركة “فتح” والسلطة بأنهم يتعرضون لضغوطات هائلة، وخاصة من المملكة العربية السعودية، للقبول بـ”صفقة القرن” والرعاية الأمريكية، رغم التصعيد القائم والقرارات التي صدرت عن ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
فقبل أيام قليلة، بدأ الحديث يدور عن نجاح الضغوطات العربية والخارجية في إخضاع الرئيس الفلسطيني، وإجباره على قبول الوساطة الأمريكية، وفتح ملف “التسوية” مجددًا، رغم أن “القدس” لم تبق عاصمة للدولة الفلسطينية بحسب واشنطن.
شرط عباس
وعلى ضوء زيارة نائب الرئيس الأمريكي مارك بينس للمنطقة، نقلت قناة “كان” العبرية عن مصدر فلسطيني قوله بأن الرئيس عباس موافق على دور الوساطة الأمريكية بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، ولكن بشرط أن تكون المفاوضات دولية.
تحدثت مصادر مقربة من الرئيس عباس أن الاتصالات الأمريكية مع الرئيس تتم من خلال دول عدة، بينها الصين وروسيا
ووفقًا للمصدر، فالرئيس عباس تحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولمح له عن موافقته لتليين موقفه فيما يتعلق بدور الوساطة الأمريكية، مشيرًا إلى أن عباس يريد بجانب واشنطن أن يكون لمصر والأردن دور في عملية الوساطة في المفاوضات.
وفقًا للقناة، فإن تصريحات المصدر الفلسطيني تعتبر تغيرًا جوهريًا في موقف الرئيس الفلسطيني بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، حيث قال عباس بعد إعلان ترامب بأن أمريكا لا تستطيع أن تلعب دور الوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما قال الرئيس عباس الأربعاء الماضي خلال زيارته للأزهر في مصر: “على ترامب أن يختار، فالقدس هي مفتاح السلام والحرب”.
وتحدثت مصادر مقربة من الرئيس عباس أن الاتصالات الأمريكية مع الرئيس تتم من خلال دول عدة، بينها الصين وروسيا، مضيفة “وصلتنا رسائل من الإدارة الأمريكية تطالبنا بالعودة إلى المسار السياسي، وتقول إن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لا يعني بأي حال من الأحوال تحديد حدود المدينة التي سيتم رسمها في المفاوضات بين الجانبين”.
بدوره، انتقد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، السعي لفتح باب المفاوضات مجددًا والقبول بالوساطة الأمريكية رغم التصعيد القائم، مؤكدًا أن “قرار رفض الوساطة الأمريكية في أي جولة تفاوضية مقبلة مع الاحتلال الإسرائيلي، لا رجعة عنه خاصة بعد التصعيد الأمريكي الأخير والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال وتوقيع قرار نقل السفارة الأمريكية إليها.
أعلن مكتب رئاسة وزراء حكومة الاحتلال، أن نتنياهو وجّه كلمة لعباس خلال مؤتمر للسفراء الإسرائيليين المعتمدين في الخارج، بمقر وزارة خارجية الاحتلال بالقدس، بأنه “لا مجال لاستكمال عملية السلام دون وساطة أمريكية”
وأضاف أبو يوسف، أن “هناك إجماع فلسطيني بقيادة الرئيس محمود عباس واضح ومتمثل برفض الوساطة الأمريكية بشكل نهائي، والعودة لها مجددًا سيكون رضوخًا مرفوضًا، وتجاوزًا لن نقبل به”، موضحًا، أن الولايات المتحدة الأمريكية فقدت أهليتها في رعاية أي مفاوضات سلام مقبلة، مشددًا على أن العودة لها مجددًا أمر مرفوض.
رسالة نتنياهو
رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وجه الأحد، كلمة للرئيس محمود عباس قال فيها بأنّه “لا بديل عن الوساطة الأمريكية في عملية السلام”. وأعلن مكتب رئاسة وزراء حكومة الاحتلال أن نتنياهو وجّه كلمة لعباس خلال مؤتمر للسفراء الإسرائيليين المعتمدين في الخارج، بمقر وزارة خارجية الاحتلال بالقدس، بأنه “لا مجال لاستكمال عملية السلام دون وساطة أمريكية”.
كما وصف نتنياهو نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس الذي بدأ الأحد زيارة رسمية للكيان، بأنه “صديق حقيقي ورائع لـ”إسرائيل”، مضيفًا “سأبحث معه ملفين مهمين وهما الأمن والسلام”، دون تفاصيل أخرى.
بينس كان قد استهل أول جولة له بالشرق الأوسط، بزيارة مصر، والتقى رئيسها عبد الفتاح السيسي، قبل أن يغادر إلى الأردن ويجتمع بالملك عبد الله، وتوجه منه إلى دولة الاحتلال، كآخر محطة في جولته التي تستمر لأيام.
ووصل بينس إلى الأراضي المحتلة، وتأتي في إطار جولةٍ شرق أوسطية، شملت الأردن ومصر، واستثنت السلطة الفلسطينية التي قررت مقاطعة زيارته، رفضًا لقرار ترامب اعتبار القدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”.
وكان الرئيس عباس أعلن الشهر الماضي، رفضه للوساطة الأمريكية لعملية التسوية مع “إسرائيل”، عقب اعتراف الرئيس دونالد ترامب بمدينة القدس عاصمة للاحتلال، قائًلا في مناسباتٍ عدة: “أمريكا اختارت ألا تكون وسيطًا نزيهًا للسلام”.
خيارات عباس
محللون ومراقبون، رأوا أن الرئيس عباس أبقى الباب مواربًا أمام عودة الولايات المتحدة كراعٍ لـ”عملية السلام”، في حين لم يقطع طريق العودة مجددًا إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال.
ومع كل المؤشرات على الأرض التي لا توحي بتقدم حقيقي للسلطة بخطوة للأمام لمواجهة الخطة الأمريكية، ذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مُتحمس للخطة الأمريكية المرتقبة “للسلام” في المنطقة التي لا تشمل العودة لحدود الرابع من حزيران عام 67.
“من الواضح أن السلطة لم تعلن بشكل رسمي رفضها لما جاء في الخطة الأمريكية في ضوء ما جاء في الوثيقة التي كشف عنها عريقات”، هذا ما يراه المحلل السياسي والأكاديمي عدنان أبو عامر. وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، كشف مؤخرًا ملامح خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ويشير فيه عريقات، إلى أن الرئيس ترامب فرض المرحلة الأمريكية الجديدة من خلال إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل” وسوف تشمل المرحلة، فرض الحل على الفلسطينيين والعرب وبشكل تدريجي بفرض إملاءات الحكومة الإسرائيلية عن قضايا الوضع النهائي كافة.
ويؤكد التقرير الذي قدمه عريقات أن “صفقة القرن” التي تشمل 10 بنود تمثل صفقة لتصفية القضية الفلسطينية، ويتضح فيها أنّ الفلسطينيين مطالبون بشكل صريح بالتفريط في القدس، والتنازل عن حق العودة للاجئين، وقبول دولة بلا سيادة.
ورغم إعلان السلطة بشكل رسمي رفضها للقرار الأمريكي فإنها لم تتخذ أي إجراءات حقيقية على الأرض من شأنها قطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما تؤكده رؤية المحلل أبو عامر الذي بين أن السلطة تجري سلسلة من تبادل الآراء والأفكار مع من وصفهم بـ”عرّابي الخطة الأمريكية”، لافتًا إلى أنّ الزيارات من أقطاب السلطة إلى القاهرة والرياض لم تتوقف.
يقول المحلل السياسي إبراهيم حبيب: للأسف، السلطة أعجز من أن تقول “لا” في هذه المرحلة، وكان من المفترض أن تستقوي بحالة الوحدة الفلسطينية، لكن يبدو أن الأمور أصعب من ذلك، ولكنها ستذهب مرة أخرى لمفاوضات جديدة مع “إسرائيل”
وكانت القناة السابعة العبرية، قد كشفت، الأحد 21-1 زيارة سرية قام بها رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، قبل نحو أسبوع، إلى العاصمة السعودية الرياض، في ضوء ما تطرحه الإدارة الأمريكية من خطة سلام، حيث ادعت الصحيفة أن السعودية تضغط على الجانب الفلسطيني للقبول بما جاء في الخطة الأمريكية.
يبدو أنّ هناك قبولًا فلسطينيًّا وإسرائيليًا ضمنيًا للخطة الأمريكية؛ حيث إن المؤشرات الفلسطينية كلها حتى الآن لا ترفض الخطة كخطة بل إنّ الرفض يتركز على موضوع القدس، وبالتحديد في طريقة اتخاذ الإعلان، وعلى الأرض يبدو أنّ الأمور تتجه إلى القبول بذلك على مستوى السلطة الرسمي.
هذا ما يؤيده المحلل السياسي إبراهيم حبيب الذي يؤكد أن الخطة الأمريكية هي إسرائيلية بامتياز لم تبدأ من اليوم، بل أسست قواعدها “إسرائيل” على الأرض من خلال جعل السلطة كمقاول أمني هزيل في مواجهة أي قرار من هذا النوع.
ويقول حبيب: “للأسف، السلطة أعجز من أن تقول “لا” في هذه المرحلة، وكان من المفترض أن تستقوي بحالة الوحدة الفلسطينية، لكن يبدو أن الأمور أصعب من ذلك، ولكنها ستذهب مرة أخرى لمفاوضات جديدة مع (إسرائيل)”.
رؤية المحلل السياسي أيمن الرفاتي توافقت مع سابقه حبيب، حيث أشار إلى أن إمكانية قبول السلطة الفلسطينية بالحلول الأمريكية واردة في ظل عدم توفر بدائل عن المفاوضات لدى رئيس السلطة الذي يعد المفاوضات مشروعه الأوحد الذي لا بديل عنه.
ويقول الرفاتي: “من الواضح أن السلطة تفكر في الثمن الذي يمكن أن تجنيه في حال قبولها بخطة ترامب التي تعطي الفلسطينيين سيادة منقوصة ولا تفرض على “إسرائيل” الانسحاب من الضفة المحتلة”.
وفي رؤيته للدلائل التي قد تحمل السلطة للقبول بالحل الأمريكي، قال الرفاتي إن “ضعف التحرك الفلسطيني الرسمي لمواجهة قرار ترامب، بالإضافة لمواجهة السلطة لأي تحرك عسكري من المقاومة ضد الاحتلال في الضفة والقدس، بالإضافة للتأخر في التحرك الدولي ضد هذا القرار والتقدم بطريقة خاطئة لنيل قرار دولي ضد القرار الأمريكي، مما جعل القرارات الدولية استشارية غير ملزمة لأي طرف من الأطراف، وخاصة الإدارة الأمريكية” .