“ثوار أحرار.. هنكمل المشوار” وسط هذه الهتافات أعلن المحامي خالد علي، انسحابه رسميًا من الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/آذار المقبل، وذلك خلال مؤتمر عقده بالأمس في مقر حملته الانتخابية وسط القاهرة، بحضور عدد من السياسيين والإعلاميين ورؤساء الأحزاب.
انسحاب المرشح المحتمل جاء بعد أقل من يومين من اعتقال رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، بدعوى ارتكابه بعض المخالفات حين أعلن ترشحه خوض السباق الانتخابي، بحسب البيان الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الذي اتهمه بمحاولة الوقيعة بين الجيش والشعب، فضلاً عن اتهامه بالتزوير وتجاوز اللوائح العسكرية.
خروج عنان من المشهد الانتخابي إثر اعتقاله وإيداعه جهة غير معلومة حتى الآن بعد حذف اسمه من قوائم المرشحين وقاعدة بيانات الناخبين، وانسحاب علي وهو المرشح الوحيد المتبقي، يجعل الرئيس المصري الحاليّ عبد الفتاح السيسي وحيدًا في هذا السباق، خاصة أنه لم يتبق سوى أربعة أيام فقط على غلق باب التقدم للترشح.. فهل يواجه السيسي نفسه؟
احتجاجًا على الممارسات الاستبدادية
كشف خالد علي خلال مؤتمره بالأمس الترهيب الذي تعرض له أفراد حملته الانتخابية منذ أعلن نيته خوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الماضي، قائلاً: “شباب الحملة الانتخابية واجهوا هجومًا غير مسبوق في المحافظات، وأُحيل بعضهم إلى محاكمات عاجلة بتهم هزلية، على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، بهدف ترهيب الجميع، علاوة على تلفيق السلطة قضية هزلية لشخصي، لا لشيء إلا لتوفير ذريعة شكلية لتمنعنا من الترشيح، أو خلق ستار لعدم الترشح تحت دعاوى أخلاقية مزيفة”.
كما برر مشاركته في البداية في هذا الاستحقاق انطلاقًا من رؤية حملته “بأهمية خوض الصراع من أجل نيل الديمقراطية التي تتمناها مصر، في إطار من احترام الدستور والقانون، كون الانتخابات فرصة لفتح حوار حقيقي وجاد لمستقبل هذا البلد، بعيدًا عن أجواء التخوين، والاتهامات المجانية بدعم الإرهاب أو التمويل أو التواطؤ مع جهات أجنبية، ليس على أمل تحلي السلطة بقدر من المسؤولية الوطنية، لتسمح بهذا الحوار، بقدر ما كان رهانًا على قدرة الناس على النضال”.
بكري بعد ساعات قليلة من إعلان خالد علي انسحابه، توقع أن يتقدم أحد المرشحين بأوراقه خلال اليومين القادمين
غير أن “إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات لجدول زمني مجحف في غفلة من الزمن، يُلزم بجمع التوكيلات بعد ساعات قليلة من إعلان الترشح، في تحدٍ صارخ للوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة ومتكافئة”، إضافة إلى “امتناع الهيئة عن إفادة الحملة ببيان رسمي عن المواطنين الذين حرروا لها التوكيلات الشعبية، وصولاً إلى سرقة توكيلات المؤيدين لها أمام الشهر العقاري، وتسويق شائعات بأن الحملة تشتري التوكيلات، ودس توكيلات غير مستوفية للشروط هنا في مقر الحملة بوسط القاهرة”.
“ثم جاء التعنت غير المفهوم لهيئة الانتخابات في تجاهل القسم الأكبر من شكاوانا، خصوصًا فيما يتعلق باستمرار الدعاية في الشوارع والميادين للرئيس الحاليّ، أو حشد موظفي الجهاز الإداري أمام مكاتب الشهر العقاري”، ليكشف النقاب عن الكثير من الملابسات.
هذا بخلاف ما تم مع رئيس أركان الجيش المصري الأسبق سامي عنان، بخلاف التضييقات التي يتعرض لها وأعضاء حملته كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن المناخ غير ملائم تمامًا لخوض الانتخابات، خاصة بعد التحيز الواضح لمؤسسات الدولة للسيسي وهو ما يشي بفقدان النزاهة والحيادية في العملية الانتخابية، مما كان دافعًا لعدم الاستمرار فيها، لذا كان الانسحاب القرار النهائي بعد التشاور مع عدد كبير من الشخصيات الحزبية والعامة، حسب قوله.
السيسي.. المرشح الوحيد
الكثير كان يراهن على استمرار خالد علي في المشاركة في الانتخابات، فبعيدًا عن مسألة المنافسة والحضور السياسي وفرص الفوز من عدمها، هناك من عزز رأيه بأن المكاسب المتوقع جنيها من وراء الاستمرار مغرية للغاية، بعضها مادي والآخر سياسي، حتى إن بعض المقربين منه كشفوا في تصريحات لـ”نون بوست” أن خبر الانسحاب كان مفاجئًا وغير متوقع، خاصة في ظل تصاعد العديد من الأصوات التي كانت تطالب بعدم ترك الساحة خالية للسيسي بمفرده.
غير أن أسلوب الإطاحة برئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق فضلاً عن التضييقات وتعدد أساليب الترهيب التي كانت تتعامل به السلطة مع حملة المرشح المحتمل، والرسائل الضمنية التي حملها بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الصادر ضد عنان، دفعت الكثير إلى إعادة نظر في مسألة الاستمرار، وبعد عدة مشاورات بات قرار الانسحاب الحل الأنسب، وأسلوب الاحتجاج الوحيد للرد على قمع واستبداد النظام الحاليّ الذي سخر أجهزته كافة لخدمة مرشح واحد فقط وتفريغ الساحة من كل الأصوات التي تغرد خارج سربه حتى إن كانت لا تتمتع بالشعبية التي تثير القلق.
وهكذا وبعد تراجع الفريق أحمد شفيق عن قرار الترشح، أعقبه الحكم بحبس العقيد أحمد قنصوة 6 سنوات بسبب ترشحه للانتخابات بزيه العسكري، ثم اعتقال عنان تمهيدًا لمحاكمته، وصولاً إلى انسحاب خالد علي، بات عبد الفتاح السيسي مغردًا بمفرده في ساحة الانتخابات القادمة في مشهد يعيد الجميع إلى أجواء استفتاءات الرئيس الأسبق حسني مبارك.
خالد علي: شباب الحملة الانتخابية واجه هجومًا غير مسبوق في المحافظات، وأُحيل بعضهم إلى محاكمات عاجلة بتهم هزلية، على خلفية قانون مكافحة الإرهاب
اعتقال سامي عنان بعد يومين من إعلانه الترشح لخوض الانتخابات
هل يفعلها كومبارس آخر؟
المشهد بصورته الحاليّة رغم ما يحمله من رسائل سلبية عن المناخ العام المصري سياسيًا، سواء للداخل أم الخارج، وتأثير ذلك على صورة مصر أمام المجتمع الدولي، مفندًا ومكذبًا الادعاءات الصادرة بشأن نزاهة العملية الانتخابية وملاءمة الأجواء السياسية لإجراء مثل هذه الاستحقاقات، غير أن كل هذه الأمور لا تشغل بال القائمين على أمور النظام الحاليّ، الذي ما عاد يهمه سوى تثبيت أركانه وترسيخ وجوده أيًا كان الثمن.
إلا أن بعض المقربين والموالين لنظام السيسي يسعون من أجل إخراج المشهد بصورة تحفظ ماء الوجه، على الأقل دوليًا، حتى ولو كان بطريقة صورية من أجل إكمال أضلاع المشهد لا أكثر، وهو ما دفع الكاتب مصطفى بكري، البرلماني المقرب من السيسي، إلى توقع إعلان المرشح السابق حمدين صباحي، خوضه للانتخابات مرة أخرى، في محاولة لإحياء سيناريو 2014.
مجددا مرة اخري ستكون هناك مفاجات في الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهوريه ولن يكون عبدالفتاح السيسي مرشحا وحيدا في هذه الانتخابات
— مصطفى بكري (@BakryMP) January 25, 2018
من حقي ان اسال ، اين حزب الوفد من الانتخابات الرئاسيه ، هل عجز الحزب ان يقدم مرشحا للانتخابات الرئاسيه ، لقد فعلها قبل ذلك ، والان يقف
— مصطفى بكري (@BakryMP) January 25, 2018
هل يعود حمدين صباحي لواجهة الترشيحات الرئاسيه مجددا ،حمدين نفي ، ولكن دعونا ننتظر
— مصطفى بكري (@BakryMP) January 24, 2018
بكري بعد ساعات قليلة من إعلان خالد علي انسحابه، وخلال مشاركته مساء الأربعاء ببرنامج “90 دقيقة” على فضائية “المحور”، تعليقًا على إعلان المحامي خالد علي انسحابه من الترشح للانتخابات القادمة، توقع أن يتقدم أحد المرشحين بأوراقه خلال اليومين القادمين، موضحًا أن يكون هذا الشخص هو حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، مشيرًا أن السيسي لن يكون مرشحًا منفردًا في الانتخابات القادمة.
صباحي حتى كتابة هذه السطور لم يعلق على تلميحات بكري، سواء بالموافقة أم بالنفي، وهو ما قد يجعل الباب مواربًا لبعض المواءمات بحسب البعض، إلا أن مقربين منه نفوا هذا الكلام تمامًا، كما جاء على لسان الصحفي عمرو بدر المنسق الإعلامي لحملة صباحي في انتخابات الرئاسة 2014، الذي أكد صعوبة هذا الأمر الذي سيضع تاريخ حمدين النضالي على المحك، على حد قوله، متسائلاً في تصريحاته لـ”عربي21“: “كيف يتقدم حمدين للانتخابات وهو نفسه الذي أقنع خالد علي بالانسحاب من هذه المهزلة؟”.
البعض ألمح إلى إمكانية الدفع بأي من الشخصيات الأخرى في اللحظات الأخيرة والترويج لها إعلاميًا بهدف الإيهام بوجود انتخابات تنافسية في مصر، وعلى رأس المرشحين المستشار مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك الحاليّ، والدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، بحيث يتم التزكية بـ20 نائبًا من الأعضاء الذين لم يصوتوا للسيسي، غير أن آخرين استبعدوا هذا السيناريو الذي وصفوه بـ “الفاضح” و”المكشوف”.
الكثير كان يراهن على استمرار خالد علي في المشاركة في الانتخابات، فبعيدًا عن مسألة المنافسة والحضور السياسي وفرص الفوز من عدمها، هناك من عزز رأيه بأن المكاسب المتوقع جنيها من وراء الاستمرار مغرية للغاية
ماذا لو لم يترشح أحد؟
المادة (36) من قانون الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، حددت سيناريوهين لا ثالث لهما حال وجود مرشح واحد فقط في الانتخابات الرئاسية:
الأول: “يتم الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى لو تقدم للترشح مرشح وحيد أو لم يبق سواه، بسبب تنازل باقي المرشحين، وفي هذه الحالة يعلن فوزه إن حصل على 5% من إجمالي عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين”، وهو السيناريو الأقرب حال بقاء الوضع على ما هو عليه.
الثاني: إن لم يحصل المرشح على هذه النسبة، (5% من إجمالي عدد الناخبين المقيدة أسماؤهم بقاعدة بيانات الناخبين)، تعلن لجنة الانتخابات الرئاسية فتح باب الترشح لانتخابات أخرى خلال خمسة عشر يومًا على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة، ويجرى الانتخاب في هذه الحالة وفقًا لأحكام هذا القانون.
وفي ظل هذه الأجواء الملبدة بغيوم الإقصاء وتفريغ الساحة أمام السيسي، تعالت بعض الأصوات التي تطالب بمقاطعة الانتخابات كرسالة احتجاجية على عبثية المشهد وفقدانه لأدنى أبجديات النزاهة والتنافسية، وهو ما طالبت به بعض المنظمات الحقوقية التي ناشدت البعثات والهيئات الدولية بعدم المشاركة في تلك الانتخابات.. فهل يعيد السيسي إنتاج سيناريو مبارك مرة أخرى ويخوض الانتخابات منفردًا، أم تشهد الساحة تطورات أخرى كالدفع بمرشح آخر لإخراج المشهد بحلة مغايرة حسبما أشار بكري ومن هم على شاكلته؟ هذا ما ستكشف عنه الساعات القليلة القادمة.