هناك، في أقصى نقطة من شمال القارة الإفريقية، على بعد 65 كيلومترا شمال مدينة تونس العاصمة، تقع عروس الشمال، مدينة بنزرت التي حباها الله جمالا عذريا وسحرا خياليا، مكّنها أن تكون وجهة السياح المحليين والأجانب.
رائحة المدن تأخذكم في جولتها الأسبوعية لأفضل المدن السياحية، إلى واحدة من أجمل المدن المتوسطية، بنزرت التونسية، حيث الزرقة التي استمدتها من معانقة البحر والخضرة التي أخذتها من أشجار الكاليتوس والحقول الممتدة والتاريخ والعمارة التي مزجت بين العصري والتقليدي لتجسد حضارة المنطقة على مرّ التاريخ.
تاريخ قديم
تمتلك بنزرت تاريخا كبيرا يمتدّ إلى آلاف السنين، فقد كانت بنزرت الفينيقية أو “هيبـوأكرا ” مركزا تابعا لأوتيكا مثلما كانت تونس تابعة لقرطاج، وقد غزاها القائد الصقلي “أغاطوكل” سنة 309 قبل الميلاد في حملته على قرطاج، لكن عند حلول يوليوس قيصر في بنزرت ضمها إلى الإمبراطورية الرومانية وغيٍّ اسمها ليصبح “هيبو ديارتوس”.
وفي عهد أغسطس قيصر جعل هذا الأخير المدينة تزدهر وتتقدم وتستعيد عمرانها، ومنحها مرتبة المدن المتمتعة بالرعاية الملكية، اعترافا منه بموقعها الاستراتيجي المهم ومكانتها الكبيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
سماها القائد حسان بن النعمان سنة 698 ميلادي باسمها الحالي بنزرت
ولما تدهور حكم الرومان احتل زعيم الوندال “جانسريق” مدينة هيبو ديارتوس (بنزرت) بعد أن استنجد به بونيفاكيوس سنة 439 ميلادي، غير أن حكم الوندال لم يدم طويلا في البلاد رغم سيطرة جانسريق وابنه هانريق على كامل المنطقة المتوسطية بفضل بطولتهما الفائقة، فخلفاءهما تشاغلوا باللهو والمجون وفرطوا في المكاسب مما تسبب في احتلال البلاد من قبل بيزنطة سنة 534ميلادي.
سنة 661 ميلادي، فتح القائد معاوية بن حديج المدينة لتخضع بذلك للحكم الإسلامي في المنطقة، وسماها القائد حسان بن النعمان سنة 698 ميلادي باسمها الحالي بنزرت وأقام فيها رباطا لردّ الهجـــومات المفاجئة للروم، وأصبحت بنزرت منذ ذلك الحين مدينة عربية مسلمة.
القصبة والقصيبة
موقع مدينة بنزرت الاستراتيجي جعلها ملتقى لمختلف الحضارات التي توالت على حوض البحر الأبيض المتوسط، مما ترك فيها آثارا عمرانية وعسكريــــة تزخــر بها إلى اليوم، رغم الدمار الذي لحقها في مرّات عدّة، ومن بين أبرز المعالم والساحات المعروفة ببنزرت القصيبة والقصبة حيث تعدان وفق المؤرخين قلعتان تم إنشاؤهما لغرض دفاعي على كل من الضفة الشمالية والجنوبية للمرسى القديم.
سور القصبة
يقع هذان الحصنان الكبيران على طرفي الميناء العتيق، ولم تتفق الدراسات حول الأصول التاريخية لهذين المعلمين، وقد أرجع بعض الباحثين أصولهما إلى العهد اليبزنطي فيما قال أخرون إنهما يعودان إلى العهد الأغلبي، لكن الجميع أجمعوا على دورهنا كقلاع لحماية المدخل المائي من الجهة الجنوبية والشمالية.
وتعلو قلعة القصبة، الضفة الشمالية للقنال المفضي إلى المرسى القديم، في شكل مستطيل منتظم بدقة، وهي مشيدة فوق قطعة أرض شبه منبسطة، ولا يحتوي سورها إلا على باب واحد في واجهتها الغربية التي تربط مباشرة بينه وبين أقدم نواة لمدينة بنزرت: ألا وهي المدينة العتيقة، ويقع الربط في ساحة عمومية تدعى “رحبة الفحم” وهي إحدى ساحات بنزرت الأشد ازدحامًا والأكثر شعبية.
يتكوّن هذا المعقل من برج ضخم مستطيل الشكل، يحتوي على قاعة كبرى للحراسة مربعة الشكل مغطاة بأربع قباب عتيدة
هذه القلعة الضخمة محصنة بثمانية أبراج، وهي عبارة عن أجزاء مربعة ومستطيلة الشكل، ويقع كل برج في زاوية من زوايا القلعة: واحد في الجدار الغربي واثنان في الجدار الشمالي وواحد في الجدار الشرقي، وهناك مسلك دائري مهيأ في أعلى السور خلف الجدران الحاجزة يسمح للحرس بالجولان على الواجهات الثلاث: الشمالية والشرقية والغربية.
القصيبة
في الضفة الجنوبية للقنال يقع معقل القصيبة، وهو بمثابة حصن خصص للدفاع عن الميناء القديم وقد أقامه البيزنطيون، حسب عديد المؤرخين. يتكوّن هذا المعقل من برج ضخم مستطيل الشكل، يحتوي على قاعة كبرى للحراسة مربعة الشكل مغطاة بأربع قباب عتيدة مضلعة مستندة إلى عمود مركزي ضخم مربع المقطع، وتوجد قاعتان صغيرتان ملحقتان بالقاعة الكبرى مخصصتان لاستراحة أعوان الحراسة، وقاعتان مماثلتان تقعان في الطابق الأول، كما توجد مجموعة من الحجرات الضيقة تفتح على ساحة داخلية.
الميناء القديم
ما يشدّ انتباه زوار المدينة فضلا عن القصبة والقصيبة، المرسى القديم الذي يشقّ وسطها على طول أكثر من ألف متر، هذا الميناء العتيق، الذي يفضّل أن تتجوّل فيه مشيًا على الأقدام، حتى تتمتّع بجمال السفن الراسية هناك على جانب المرفأ، وتتنعم بسحر المنظر الخلاب الذي يتجلى في أبهى حلة زرقاء.
على أرصفة المرسى القديم المرصعة بالحجارة الكلسية الأندلسية التي فرشت الأرض فازدانت بها، تتمركز مختلف الأنشطة التجارية والحرفية، حيث توجد مختلف الأسواق المنظمة حسب اختصاصاتها وهي: سوق الجزارين وسوق الزنايدية (صانعي الأسلحة) وسوق الحدادين وسوق النجارين وسوق العطارين وسوق الثمار والخضر.
المرسى القديم وسط المدينة
هناك لك أن تجلس في إحدى المقاهي التي جمعت بين العراقة والتحضر، المتربعة على أرصفة الميناء العتيق، تترشّف كوبا من الشاي أو القهوة، وتتمتّع بجمال المنظر الساحر الخلاب، مشهد القوارب التي تعبر الحوض، والعمران الذي يحكي قصصا عديدة لماضي البلاد العريق.
شواطئ خلابة
فضلا عن معالمها التاريخية ومينائها القديم، تتمتع بنزرت بشواطئ خلابة: على غرار رفراف، غار الملح، سيدي علي المكي، الرمال، كاب زبيب، كاب سراط، رأس انجله، سيدي مشرق، كاف عباد.. كلّها شواطئ تتحول صيفا إلى قبلة مفضلة لعدد كبير من المصطافين.
شاطئ سيدي علي المكي
تتميّز هذه الشواطئ برمالها الذهبية ونقاوة مياه البحر فيها، وبكهوفها الحجرية الشاطئية، وبمواقعها الاستراتيجية والمناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بها من غابات وجبال ومنابع مياه نقية قريبة من البحر، مما حولها إلى أجمل الشواطئ في تونس.
رأس انجله، أعلى نقطة في شمال القارة
عند زيارتك لبنزرت لا تفوت فرصة الذهاب إلى منطقة رأس انجله التي تسمى أيضا رأس الملائكة، وتعتبر هذه المنطقة أقصى نقطة في شمال القارة الإفريقية، ويتميز بمنارته القديمة وبشاطئه الجميل المترامي الأطراف والمتاخم للجبل والغابة. وهو رأس من الرؤوس الموغلة في البحر والموجودة في محافظة بنزرت مثل رأس زبيب والرأس الأبيض كاب سيرات.
أقصى قمة في إفريقيا