في غزة تَفْرُغ المحلات من المسُتَدينين، ويضع أصاحبُها أكفّهم على خدودهم فالسيولة معدومة، والناس محرومة من الرواتب، وتغيرت أشكال رفوف المحلات، ولون الشوارع، ووضع البائعون على محلاتهم “الدين ممنوع للموظفين”، بعد أزمة رواتب حادة دخل بها قطاع غزة، وخصومات طالت كافة الأطياف من موظفين حكوميين وقطاع خاص، وحتى موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
والتزم الغابرون بالدين بيوتهم، خوفاً من مطالبة البائعين لديونهم، غير قادرين على تلبية احتياجات الشتاء، فجميع موظفي غزة التي طالهم منع الرواتب حتى بعد حكومة التوافق الوطني وتوقيع اتفاق المصالحة في أكتوبر الماضي في العاصمة المصرية القاهرة، لكن شيئاً على الأرض لم يتغير، سوى رفع الجباية من الناس لتتمكن حكومة التوافق من أن تصرف على غزة من داخلها.
ابتدأ المبادرات الطوعية المواطن أسامة أبو دلال صاحب محل تجاري لبيع الأحذية في منطقة النصيرات وسط قطاع غزة شرارة الانطلاق لأكبر حملة تكافل اجتماعي في قطاع غزة، عبر إعلان نشره على صفحة الفيسبوك الخاصة به، يسامح فيه كل من يحتاج منه أموال ديون.
وانتشرت الحملة في أوساط غزة، ولم تقتصر على قطاع واحد فانضم إليها السائقون بتوصيل الناس مجاناً في أيام مختلفة، وأصحاب المحال التجارية بإسقاط ديون الغارمين، والحلاقين بإعلان أيام مجانية للحلاقة، والمطاعم الشعبية بمأكولات مجانية، وبعض شركات توزيع الانترنت.
وائل جروان منسق الحملة وصاحب المبادرة الشبابية الأولى التي تكونت لتفعيل حملة سامح تؤجر ونشرها في أرجاء قطاع غزة المختلفة قال لـ نون بوست: “في الأسبوع الأول للحملة وزعنا أكثر من 360 طرد غذائي من الميسورين إلى المحتاجين، وصفَّرنا ديون 170 عائلة، وتواصلنا مع المبادرات الشبابية الثانية مثل مبادرة فكّر بغيرك، وكان هناك اقبال من الناس لمساعدة الفقراء”.
قال جروان: ” حاول عدد من القيادات الفلسطينية أن يرعوا حملة سامح تؤجر بالكامل، لكنا رفضنا ذلك حتى تبقى الحملة عامة تشارك بها جميع التوجهات”
وأضاف جروان “الجميع يعلم أن قطاع غزة يمر بظروف استثنائية غاية في الصعوبة، ولكن ما حصل كان مثال شاهد على روح التحدي والتكافل، في الوقت الذي أغلقت كل منافذ الحياة والدعم المالي على قطاع غزة، كانت الحملة من المواطن إلى المواطن”.
حملات جديدة تتواصل
وبزغ من حملة سامح تؤجر حملات جديدة دعت إلها تكتلات شبابية طوعية، مثل حملة #الجسد_الواحد، والتي انطلقت من قطاع غزة وشارك فيها المزارعون وأصحاب الحرف والميسورون لإنقاذ موظفي غزة والبيوت التي لا تجد لها معيل.
المنسق الإعلامي لحملة الجسد الواحد إبراهيم مسلم والتي انطلقت بعد أسبوع من حملة سامح تؤجر يقول لـ نون بوست: ” نحن من الشعب ونرى كيف تعيش الناس ظروفاً صعبة، وتتعفف في طلب المساعدة، فقررنا كشباب أن نطلق حملات طوعية للتكافل الاجتماعي، ونفكر في المرحلة القادمة خلق مشاريع تنموية صغيرة للعاطلين عن العمل لفتح مصدر دخل للبيوت المستورة”
وحول اقبال الناس وتفاعلهم مع الحملة قال مسلم: “كان هناك اقبال كبير من قبل الناس في قطاع غزة، فأطلقنا حملة للتكافل شملت الملبس والمأكل والمساعدات النقدية، وفوجئنا بالعدد الكبير من المشاركين، حتى أن الأطفال الصغار شاركوا بما يدخرون من أموال بسيطة، فلم يتبق أمام أهل غزة إلا هذه الخطوة للحد من الأزمة”.
وحول محاولات السياسيين والفصائل استقطاب هذه المبادرات قال جروان: ” حاول عدد من القيادات الفلسطينية أن يرعوا حملة سامح تؤجر بالكامل، لكنا رفضنا ذلك حتى تبقى الحملة عامة تشارك بها جميع التوجهات، فالناس فقدت الثقة في كل الفصائل في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، لكن في الحقيقة شارك عدد من السياسيين والشخصيات البارزة بالحملة بشكل فردي”.
قال تجمع المؤسسات الخيرية في فلسطين في مؤتمر صحفي له “أن الوضع كارثي في قطاع غزة، ووصل حد الانهيار، و80% من مصانع القطاع أغلقت جزئياً أو كلياً…. وأصبح قطاع غزة منطقة منكوبة”
المزارعون البسيطون هم أكثر الناس إقبالاً في حملات التكافل التي انتشرت في غزة مؤخراً، فقد تبرع عدد منهم بما تخرجه الأرض من ثمار لصالح الفقراء، ووفق ما قال المزارع محمد الأسطل أحد المشاركين في الحملة لـ نون بوست: “هذا مجال جيد للتسابق على الخير، وقد تبرع عدد من أصدقائي مما يزرعون ويحصدون للبيوت المعوزة، فقد وزعنا أكثر من 2 طن من الخضروات كالطماطم والخيار والملفوف وغيرها على الناس، وشعرنا حجم السعادة التي اعترت وجوه الفقراء”.
وأضاف الأسطل: “المبادرات التي يقودها الشباب أثبتت أهمية دورهم في التخفيف عن معاناة الناس، ومحبة الناس لهم…. جاءني في الأيام الأولى مجموعة منهم ووجدت فيهم الحماسة لمشاريع التكافل، ووضعت أرضي بثمارها تحت تصرفهم”.
وقال تجمع المؤسسات الخيرية في فلسطين في مؤتمر صحفي له الخميس 25-1-2018 “أن الوضع كارثي في قطاع غزة، ووصل حد الانهيار، و80% من مصانع القطاع أغلقت جزئياً أو كلياً…. وأصبح قطاع غزة منطقة منكوبة”.
ووسط حصار مالي يمنع تحويل الأموال للمؤسسات الخيرية لإغاثة الفقراء الذين لا يجدون عمل نتيجة قلة الفرص وارتفاع نسب البطالة والفقر، تأتي مبادرات التكافل الاجتماعي الفردية التي انطلقت من غزة كعامل نفسي يبعث الأمل في قلوب الغزيين.