أثق أنه أثناء كتابة هذا المقال، وربما بينما تقرأه الآن أيضا، سيكون هناك جندي من حزب الله أو ربما من جنود الجيش النظامي السوري يمشي منتشيا في إحدى ضواحي دمشق أو في ضاحية بيروت الجنوبية أو بجوار جامع الهدى أو كنيسة سيدة النجاة أو أمام مقام النبي إلياس في تلك المدينة الصغيرة التي تقع على طريق دمشق – حمص، يستمع إلى أغنية ويرددها متمايلا “حزب الله برجالك جود .. واحسم نصرك في يبرود”.
https://www.youtube.com/watch?v=zuTv9QW5pqI
كنت أناقش صديقي في جدوى الكتابة عن هزيمة المعارضة السورية في معركة يبرود، فهي مدينة أخرى، ليس الأمر مميزا والخبر ليس فيه جديد، هذا ما تقوله الأغنية بالمناسبة، فهي تذكر المستمع، والراقص على أنغامها في بيروت أو يبرود بانتصارات حزب الله في القصير والنبك.
ففي يوم الأحد 16 مارس وبعد 33 يوما من القصف المتواصل دخل مقاتلو حزب الله اللبناني إلى أحياء يبرود، وخلال أقل من 5 ساعات أعلنوا سيطرتهم على المدينة وبدؤوا بتمشيط أحيائها وبتفكيك العبوات الموضوعة في شوارعها وأزقتها.
الحقيقة أن الأمر ليس متعلقا بالمدينة ذاتها، فمن الخرائط التي نشرناها سابقا في نون بوست فإن كل الحروب تفقد فيها الأطراف المتصارعة الأرض وتكسبها، لكن الأمر هذه المرة مختلف، جبهة النصرة تتحدث عن خيانة، والجيش الحر يُلام بسبب داعش، وداعش تُلام بسبب أثرها المدمر للثورة، الهزيمة هذه المرة لا تعني يبرود، الهزيمة هذه المرة تطال الثورة.
الهزيمة في يبرود نتيجة الخيانة ..
يتحدث أحد المصادر لفرانس 24 عن شخص من “وجهاء المدينة من المقربين من بشار الأسد وأن الرجل لديه كتيبة من الجيش السوري الحر تحت إمرته. وهذه الكتيبة عينها “بدأت بإشاعة خبر سقوط المدينة وتقدم الجيش السوري داخلها منذ يوم الجمعة، ما دفع بالكثيرين للفرار وهذا ما أدى لوضع حواجز لجبهة النصرة لمنع خروج العتاد والذخيرة من يبرود. إلا أنه مساء السبت قررت فصائل الجيش السوري الحر مغادرة المدينة بكامل عتادها وخرجت أكثر من ألف سيارة ومنها المجهز بالأسلحة المضادة والصواريخ.”
الأخبار اللبنانية تنقل عن أحد القياديين الميدانيين لدى سؤاله عن أعداد المسلّحين المتحصّنين في القلمون: “تسأل عن المسلّحين أم المقاتلين؟ الذين يحملون السلاح يفوقون العشرة آلاف، أما المقاتلون فلا يتعدّون الخمسمئة”. وفي هذا السياق، أكّدت المصادر الجهادية أن القتلى الذين سقطوا إسلاميون بمعظمهم، مشيرة إلى أن بعض الفصائل التابعة للجيش الحرّ فرّت من ساحة المعركة قبل بدء الالتحام المباشر حتى. وقد تداول هؤلاء روايات عن “بطولات فردية”. وتحدّثت المصادر عن مجموعات تابعة للنصرة استمرّت في القتال حتى الموت.
الهزيمة في يبرود نتيجة “عدم الرغبة” في الانتصار
ولدى السؤال عن أسباب هذا الخروج المفاجئ باح المصدر أنه “من أصل 80.000 سوري في يبرود لا يوجد أكثر من 200 مقاتل في صفوف الثوار، ما يعني أن أهل المدينة لم يكونوا راغبين في الدفاع عنها بكل بساطة، والكتائب التي كانت مرابطة في المدينة جلها أتى من الغوطة ومن حمص وريفها”.
لكنه عاد وأكد أنه “حتى هؤلاء تخلوا عن المدينة وأن جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام هما الفصيلان الوحيدان اللذان التزما القتال حتى اللحظة الأخيرة، ولو التزم الجميع بذلك لكان من الصعب جدا إنهاء المعركة بهذه الطريقة، ففراغ المدينة من المقاتلين أدى لانهيار المحاور كافة والتي دخلت منها مجموعات حزب الله، فضلا عن انكشاف تحركات الفصائل أمام الحزب اللبناني بعد سيطرته على التلال ونصبه للصواريخ الحرارية عليها التي لم يهادن في استعمالها قط ضد الآليات كما ضد الأفراد”.
يبرود قد لا تعني الكثير، لكن تبعاتها تعني كل شيء!
يبرود أثارت ضجة إعلامية كبيرة! حتى وإن كانت المدينة عاصمة القلمون وأكبر مدنها فهي ليست بأهمية النبك التي عاد إليها النظام منذ أشهر دون ضجة تذكر سوى في أغنية حزب الله سالفة الذكر. لكن خسارة يبرود لها وقع معنوي كبير على جبهة القلمون التي كانت تقودها جبهة النصرة، فهذه الخسارة وبهذا الشكل قد تدفع بأبو مالك، أمير جبهة النصرة في القلمون وهو ابن قرية التل، في أن يعيد حساباته فيما يخص باقي الفصائل. فما كان حتى ساعات فاتت جبهة متماسكة، على نقيض باقي الجبهات في سوريا، بات مهددا بالتفسخ. وعلى خلاف الفصائل التي انسحبت من المدينة ليل السبت الأحد، جبهة النصرة أبقت على جهوزية عالية في المناطق التي انكفأت إليها كفليطا ورنكوس التي تعتبر القاعدة الخلفية للمعارضة المسلحة في القلمون. وآخر ما وردنا هو أن القتال مستمر بين جبهة النصرة وحزب الله على طريق رأس العين حتى الساعة وأن هنالك توجها لدى الحزب للاشتباك في فليطا بأسرع وقت.
الثوار السوريون في أزمة حقيقية، النظام يعتمد الآن على مجموعات في الجيش الحر، وأطراف كثيرة تقول أنه يعتمد حتى على دولة العراق والشام في تفتيت الثوار، كما أن الثورة في أزمة إذ أن أهل المدينة “لا يرغبون” في الذود عنها، بل وقد يرغب بعضهم في التسليم. الأزمة ليست هينة، والرهان كبير، وسؤال الاستمرار هو أكبر أسئلة الثورة السورية الآن.
المصادر: فرانس 24 + الأخبار اللبنانية + نون بوست