مع أن قضايا الموريسكيين تُعتبر من القضايا المهمة والمؤلمة في التاريخ الحديث، كما أنها من القضايا التي لا تُنسى – ولا يجب أن تُنسى – من الذاكرة العربية والإسلامية، فإن المدرسة التاريخية العربية لم تهتم بها إلا نادرًا، حتى يمكن القول بأن الموضوع تعرض لشبه الإهمال، مع أنه حظي باهتمام الإسبان بشكل خاص، وباهتمام بعض المؤرخين والباحثين المغاربة بشكل عام.
ومع أن قصص الموريسكيين هي من القصص التي حدثت بالفعل منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، واكتملت نهايتها مع النصف الأول من القرن السابع عشر، فمن المثير أنها تكررت – مع بعض الاختلافات- في سبتة ومليلية، وأبخازيا، وفلسطين، وجامو وكشمير، وفي غيرها من مناطق وبلاد العالمَين العربي والإسلامي؛ حيث ضاعت مناطق شاسعة من الأراضي، وهاجرت ملايين البشر من أوطانها لأسباب عديدة، نحن في حاجة إلى دراستها، بل وإلى التذكير بها.
تأتي بعض أوجه الأهمية في دراسة موضوع الموريسكيين، وبالتحديد دراسة “الموريسكيون في إسبانيا واتجاهات هجرتهم” والذي يفتح أيضًا مجالًا رحبًا لدراسة التاريخ الأوربي في علاقته بالتاريخ العربي والإسلامي.
إن الموريسكيين هم المسلمون الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية بعد سقوط الأندلس، وتحديدًا عند سقوط غرناطة سنة 1492م، ومع أن الإسبان قصدوا بمصطلح «الموريسكيين» تصغير شأن هذه الفئة المسلمة داخل أراضيهم، فإن مصطلح «الموريسكي» استقر خلال القرنين السادس والسابع عشر الميلاديين وأصبح الاسم المعتاد لهم، مع أن الموريسكيين في نظر الإسبان هم في الأصل مسلمين وإن أصبحوا «مسيحيين جددًا». ومن هنا يستخدم المصطلح على أولئك الذين طُردوا من إسبانيا وعلى أحفادهم، خاصة في بلاد المغرب العربي.
المهجرون الأندلسيون المنصرون”الموريسكيون”. هم بقايا المسلمين الذين بدأت عمليات تهجيرهم من الأندلس، بعد سقوط الدولة الإسلامية بالأندلس 1492م
وكانت حياة هؤلاء الموريسكيين في إسبانيا مجال لكل أنواع الظلم والإرهاب الفكرى والجسدى والنفسي، و بالتحديد قصتهم من سقوط غرناطة عام1492م، وكيف سقطت، وكيف تغيرت حياة هذه الفئة المسلمة بعد سقوط آخر ممالك الإسلام في إسبانيا، وكيف تغيَّر بهم الحال بعد أن كانوا هم الفئة الغالبة في ظل دولة الإسلام في الأندلس، إلى أن أصبحوا بالتدريج فئة مهدر حقها، وأقلية ليس لها أي حقوق تحت مظلة الحكم الكاثوليكي الإسباني؛ حيث عاش هؤلاء أحلك فترات الظلم في حياتهم من قِبَل الإسبان، بعد أن أُهدرت كرامتهم ووقع الظلم عليهم في المال والولد، وكان الظلم الأكبر في إجبار هؤلاء عن التخلي عن دينهم الإسلامي وأُقيمت محاكم التفتيش من أجل هذا، حيث ذاقوا من قساوسة تلك المحاكم الظالمة أشد وأقسى صنوف وأنواع العذاب التي لا يتحملها بشر من قبل محاكم التفتيش، وأيضًا من قبل ولاته في الولايات الإسبانية المختلفة.
ومن هنا ضاقت أنفسهم بالظلم الذي طالهم في كل شيء من حياتهم، فتوحدت الآراء الموريسكية واتفقت العقول والقادة على القيام بثورة؛ ومن هنا قامت ثورة البشرات (1569–1571م) بقيادة الزعيم محمد بن أمية قائد المسلمين الأندلسيين في هذه الثورة، لكنها لم يُكتب لها النجاح، بل وكان من عواقبها أن زاد الظلم أضعافًا على المسلمين الأندلسين وهُجِّروا من غرناطة إلى الولايات الإسبانية المختلفة، وزادت محاكم التفتيش في التنكيل بهم وزاد العذاب أضعافًا.
هكذا استمرت مأساة الموريسكيين داخل المجتمع الإسباني المتعصب لدينه المسيحي الكاثوليكي، إلى أن جاء الظلم الأكبر الذي وقع على هذه الفئة المغلوبة على أمرها بأن أُجبروا عن التخلي عن أموالهم وأولادهم الصغار وديارهم ومجتمعهم الذي قطنوه ووُلدوا فيه وتربوا على أرضه وحلموا بأن يموتوا على أرضه، إلا أن مأساة طردهم حالت دون ذلك، وكانت فاصلة وعازلة بين طموحاتهم وأحلامهم، من خلال قرار طرد المسلمين الأندلسيين (الموريسكيين) الذي أصدره الملك فيليب الثالث عام م1609م، وكان سبب في تشريد أكثر من ثلاث ملايين موريسكي، وتركهم لوطنهم، وتخليهم عن ثرواتهم، وذكرياتهم وكل أصيل في وطنهم، حتي منهم من أجبروه التخلي عن طفله من أجل تنصير هؤلاء الأطفال، فكان إرهاب لا يقدر علي وصفه كل الأدباء.
كان هذا القرار بمثابة بدء النهاية للمسلمين الأندلسيين في إسبانيا وبداية حياة جديدة لهم، وذلك عن طريق اتجاهات هجراتهم في البلدان المختلفة من بلاد المغرب العربي وبلاد البحر الأبيض المتوسط.
الموريسكيين هاجروا إلي المغرب العربي (المغرب– تونس – الجزائر) وأيضًا أماكن مختلفة من مناطق البحر الأبيض المتوسط (تركيا– البلقان– مصر– ليبيا… وغيرها)، وأيضًا في دول أوربية (مثل فرنسا وإيطاليا).
المهجرون الأندلسيون المنصرون”الموريسكيون”. هم بقايا المسلمين الذين بدأت عمليات تهجيرهم من الأندلس، بعد سقوط الدولة الإسلامية بالأندلس 1492م، واستمرت طوال القرن السادس عشر، نتيجة لعمليات الاضطهاد، التى كانت تتبعها محاكم التفتيش إزاء المسلمين من أبناء الأندلس، حتى توجهت هذه العمليات فى آخر الأمر بقرار الطرد النهائى فى عام 1609م، الذى نص على تهجير هؤلاء الموريسكيين إلى الموانئ المغربية، مع السماح لهم بحمل ما يستطيعون من أموالهم المنقولة، وأن يحظر عليهم إخفاء أى شىء من أموالهم لا يستطيعون حمله، كما يحظر عليهم إتلاف بيت أو مزرعة أو أى شىء من الممتلكات، ومن يتخلف عن تنفيذ القرار، يعرض نفسه للموت المحقق.
وقد كان تأثيرهم في مختلف وشتى أنواع الحياة والمجالات المختلفة في مجتمعاتهم الجديدة؛ و انخرطت هذه الفئات المتشبعة بالثقافة الإسبانية والقشتالية لدرجة أن لغاتهم وكتاباتهم كانت بالقشتالية داخل بعض مجتمعات إسلامية إلى أن أصبحوا فئات تشبه ثقافة وحياة هذه المجتمعات الجديدة.
وبرصد طرق ومعاناة هؤلاء المسلمين من إسبانيا إلى الأماكن المختلقة في شتى أنحاء العالم وتوطن كل مجموعة منهم في مكان مختلف وبلد مختلف عن بلد؛ سنرى أن كل مجموعة من هذه الهجرات تحتاج لدراسة خاصة ومفسرة لأماكنهم وكيفية انخراطهم في مواطنهم الجديدة ومدى تأثيرهم في حياة شعوب هذه الأماكن الجديدة لهؤلاء الموريسكيين؛ فعلى سبيل المثال هاجروا إلي المغرب العربي (المغرب– تونس – الجزائر) وأيضًا أماكن مختلفة من مناطق البحر الأبيض المتوسط (تركيا– البلقان– مصر– ليبيا… وغيرها)، وأيضًا في دول أوربية (مثل فرنسا وإيطاليا).
كما كان هناك وجود للموريسكيين في أماكن أخرى مثل أمريكا الجنوبية وفقًا لدراسات وإثباتات أكدها بعض المؤرخين والكُتَّاب أمثال “اغيلير بلغيثويلو”، و”ماريا الفيرا ساغاثاثو” وغيرهم.
وفى تعاملهم مع أبناء المجتمع المصرى، وأبناء الجاليات الأخرى التى كانت تتواجد بالمجتمع المصرى بعامة ومجتمع الإسكندرية بخاصة، كما أن بعضها ينص على كيفية وصول أبناء الجالية الأندلسية إلى الإسكندرية، وكيف أن بعضهم وقع فى الأسر “على يد نصارى” وكيف أنهم عملوا على افتداء أنفسهم باقتراض بعض النقود من أبناء” جزيرة جربة” التى كانت دائما تتم فيها عملية الافتداء التى كانت دائما تتم فيها عملية الافتداء، فلما توفى هؤلاء طالب الدائنون الورثة بمالهم فى ذمة المتوفين، وكذلك عن طريق هذه الوثائق، يظهر مدى اندماج هؤلاء الأندلسيين اجتماعيا مع أبناء المجتمع عن طريق التزواج مع الجاليات الأخري، وبخاصة الجالية المغربية، وواضح تماما أنهم كانوا منفتحين على بقية طوائف المجتمع، ولم يحاولوا أن يفرضوا على أنفسهم عزلة اجتماعية.